آل دقلو… التجّار الأبرياء يواجهون الأشرار

حمور زيادة

في روايته البديعة “الأب الروحي” (تحوّلت إلى فيلم ملحمي خالد)، يقدّم لنا ماريو بوزو قصّة حياة زعيم عصابات المافيا، فيتو كريلوني، المتحكّم في أرواح إيطاليين عديدين في أميركا وأرزاقهم. كان الزعيم الأكبر للعصابات الصقلية المرعبة يقدّم نفسه أنه “صاحب شركة استيراد زيت زيتون”.

ومثل دون كرليوني، ولكن في الواقع، كان زعيم المافيا آل كابون يقدّم نفسه “تاجر أثاث مستعمل”.

كان زعيما المافيا، المتخيّلان في الرواية والحقيقيان، يدّعيان أن كل التهم التي توجه إليهما إنما هي كيد من أعداء وخصوم لا يُسعدهم نجاحهما، فيتهمانهما بأنهما من زمر المجرمين. منذ استدعى الرئيس السوداني السابق، المشير عمر البشير، محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى الخرطوم، وزيّن كتفيه برتبة لواء، وبذل له الجيش والمخابرات والتدريب والتسليح وتسهيل التجنيد، وحتى لحظة الحرب الراهنة، يصرّ آل دقلو (حميدتي وشقيقه القائد الثاني لقوات الدعم السريع، عبد الرحيم) على أنهما تجّار أبرياء، وقادة لقوى اجتماعية ومناطقية، يتلقّيان اتهاماتٍ كاذبة من أعداء ظلوا يكيدون لهما.

في بداية التوتر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قبل الحرب بشهور، وقبل الانقلاب على حكومة عبدالله حمدوك، جمعت قوى الحرية والتغيير قائدي الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع حميدتي في اجتماع في منزل رئيس الوزراء. قدّم حميدتي في الاجتماع شكوى مطوّلة من شريكه العسكري. اتهمه بالتنسيق مع الحركة الإسلامية لتشويه سمعة قواته، وأنه يخطط لحربه. بعدها بشهور وعقب الانقلاب على حكومة حمدوك، عُقد اجتماع آخر في منزل السفير السعودي في الخرطوم، وبحضور مولي في مساعدة وزير الخارجية الأميركي ووفد من “الحرّية والتغيير”، ووفد عسكري يضمّ الفريق أول حميدتي والفريق شمس الدين كباشي وياسر العطا وإبراهيم جابر، وهم من القادة العسكريين للسلطة. ورغم أن الاجتماع عقد لمناقشة تداعيات انقلاب المجموعة العسكرية على حكومة الحرية والتغيير، والاضطرابات التي تشهدها الشوارع من مظاهرات ومواكب وإضرابات وقمع أمني، إلا أن قائد الدعم السريع استغلّ الاجتماع أيضاً للشكوى المطوّلة لساعات من مُؤامراتٍ تًحاك ضده، ومحاولة توريط قواته في مذبحة فضّ الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم (3 يونيو/ حزيران 2019). وقد كرّر الأمر نفسه في مفاوضات الاتفاق الإطاري ودمج الدعم السريع في قوات الجيش. حيث أعلن خوفه من تسليم قواته بسرعة، خشيةً من أن ينقلب عليه قائد الجيش.

حتى بعد الحرب التي اندلعت في الخرطوم، ظلّ آل دقلو في كل ظهوراتهم الإعلامية يدّعون البراءة التامة، ويلقون اللوم على الخصوم الذين يشوّهون سمعتهم وسمعة قواتهم! لم يتحمل آل دقلو أي مسؤولية عن أي شيء، فحميدتي يرى نفسه حاليا ضمن عملية إعادة الإنتاج التي يقوم بها مستشارون وشركات علاقات عامة دولية، “ابن بادية بسيط لم ينل من الدولة إلا عنفها”، حسبما عبر في آخر خطاباته قبل الحرب.

لا يرى قائد الدعم السريع نفسه مشكلة، أو جزءا من المشكلة. إنما هو ضحية، تتلقّى الطعنات في صبر دائم. كانت خطاباته قبل الانقلاب عن ضعف السياسيين وأحزابهم، وكيف يتآمرون عليه، ويتآمرون على بعضهم بعضاً. ثم عقب الانقلاب، أصبحت شكواه من شريكه العسكري الذي يكيد له. وعقب الحرب يشتكي من مجهولين يرتدون زيّ قواته لارتكاب جرائم من أجل تشويهه. وهذا قريبٌ مما زعمه عقب فض اعتصام القيادة العامة! حيث زعم إن قوات ترتدي زيّ قواته الرسمي تعتدي على المواطنين في الشوارع! وتماماً مثل دون كرليوني وآل كابون، يريدنا آل دقلو أن نصدّق أنهم مجرّد تجّار أبرياء، امتلكوا الذهب والمناجم والجيوش لمهارتهم في التجارة. بينما يترصد بهم الأعداء ليعلقوا بهم تهم جرائم الحرب!

لا يحتاج السودانيون ولا المجتمع الدولي اعترافات قادة الدعم السريع، ليعلموا ما ارتكبوا. ولعل في العقوبات الأميركية المعلنة أخيرا تجاه عبد الرحيم دقلو (شقيق حميدتي) ما يوضح أن براءة الذئب لا تحقّقها شكواه المكرّرة. إنما تثبت الدماء على مخالبه كل التهم ضده.

ستذهب قيادة الدعم السريع إلى جدّة للتفاوض، طال الزمن أو قصر. وهناك سيعيدون شكاوى التجّار الأبرياء الذين يكيد لهم الخصوم.

الوسومالإطاري التجار الجيش الخرطوم الدعم السريع حمور زيادة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإطاري التجار الجيش الخرطوم الدعم السريع حمور زيادة

إقرأ أيضاً:

اتهامات للدعم السريع باختطاف وقتل فتيات بالفاشر

اتهمت اللجنة العليا لنازحي مخيم زمزم في شمال دارفور غرب السودان قوات الدعم السريع باختطاف 23 فتاة من المخيم، وسط تقارير تؤكد وفاة 5 منهن بعد احتجازهن في سجن دقريس بنيالا، عاصمة جنوب دارفور، في ظروف يُعتقد أنها ناجمة عن التعذيب وسوء المعاملة.

وفي 13 أبريل/نيسان الماضي، شنت قوات الدعم السريع هجوما واسعا على مخيم زمزم، الذي يقع على بُعد 15 كيلومترا جنوب مدينة الفاشر، فرضت خلاله سيطرتها على المنطقة، وسط معارك عنيفة في محيط المدينة، مما أدى إلى تصاعد التوتر الأمني وتفاقم الأزمة الإنسانية.

وقال المتحدث الرسمي باسم النازحين في مخيم زمزم، محمد خميس دودة، للجزيرة نت إن الفتيات المختطفات نُقلن إلى نيالا عقب اجتياح المخيم، مشيرا إلى معلومات موثوقة تفيد بوفاة 5 منهن تحت التعذيب، بينما لا تزال أوضاع المحتجزات الأخريات مجهولة وسط تكتم شديد.

ووصف المتحدث هذه الحادثة بأنها انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، مطالبا المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لحماية المدنيين وضمان الإفراج عن المحتجزات.

من جهته، وصف الناشط محمد آدم ما حدث بأنه "جريمة إنسانية مروعة"، مشيرا إلى أن التقارير الميدانية تؤكد أن الفتيات فارقن الحياة نتيجة الجوع والتعذيب داخل السجن. ودعا المنظمات الحقوقية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة والضغط دوليا لإنقاذ المحتجزات وتقديم الدعم الإنساني للنازحين.

سكان الفاشر يعانون من نقص حاد في الغذاء والدواء بسبب الحصار المفروض على المدينة (الجزيرة) قصف مستمر

وفي سياق متصل، أفادت مصادر ميدانية بسقوط قتيلين و3 جرحى إثر قصف طائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع على حي أولاد الريف بمدينة الفاشر، ليلة الاثنين، مما زاد من معاناة السكان الذين يعانون بالفعل من نقص حاد في الغذاء والدواء بسبب الحصار المفروض على المدينة.

وقال العقيد أحمد حسين مصطفى، المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع لا تزال تستهدف المدينة بالمدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة، لكنه أكد أن قواته تحقق تقدما ملموسا لفك الحصار عن الفاشر، مشددا على أن "النصر بات قريبا"، في ظل العمليات العسكرية الجارية.

الوضع الإنساني

ويواجه سكان الفاشر أوضاعا إنسانية قاسية، حيث قفزت أسعار المواد الغذائية إلى مستويات غير مسبوقة، في حين أغلقت غالبية المتاجر في الأسواق بسبب القصف المستمر، وسط نقص حاد في الإمدادات الضرورية، مما يجعل الحياة أكثر صعوبة للمدنيين المحاصرين داخل المدينة.

وأفاد تاجر البضائع صالح هارون، أحد الموردين الرئيسيين في الفاشر، بأن الأوضاع قد تفاقمت بشكل كبير بعد الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع على 3 قرى غرب الفاشر، وهي قولو وقرني والشريف.

إعلان

وأوضح للجزيرة نت أن هذه الأحداث أدت إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية في المنطقة، مما أثر سلبا على حياة السكان المحليين، مشيرا إلى أن بعض التجار كانوا يعتمدون في السابق على عربات الكارو التي تجرها الحمير للوصول ليلا إلى هذه القرى وجلب البضائع الضرورية، إلا أنه منذ وقوع تلك الحوادث، توقفت هذه الأنشطة التجارية تماما، مما زاد من معاناة الأهالي الذين يعتمدون على هذه الإمدادات.

وأضاف هارون أن الوضع الحالي يتطلب تدخلا عاجلا لمساعدة السكان والتجار على حد سواء، وأن استمرار تدهور الأوضاع قد يؤدي إلى تفشي المجاعة وفقدان المزيد من سبل العيش الضرورية.

وفي بيان عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، حذّرت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر من أن المجاعة تهدد آلاف الأسر، نتيجة استمرار أزمة الغذاء لعدة أشهر والتدهور السريع في الأوضاع المعيشية. وأضافت أن الأزمة امتدت لتشمل نقص الدواء والمياه، مما يزيد من صعوبة الحياة اليومية للسكان الذين يعانون من الحصار والقصف.

وأكدت التنسيقية أن القصف المتواصل يجبر السكان على البقاء داخل منازلهم، مما يمنعهم من البحث عن الغذاء أو تلقي الرعاية الصحية، بينما تعرقل الظروف الأمنية وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.

ودعت التنسيقية المنظمات الدولية والجهات الحكومية إلى التدخل العاجل لإنقاذ المدنيين، محذرة من كارثة إنسانية واسعة إذا استمرت الأزمة دون حلول ملموسة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وسّعت قوات الدعم السريع عملياتها إلى 4 ولايات في دارفور، شملت الجنوب والشرق والغرب والوسط، ضمن محاولة للسيطرة على المنطقة، مما أدى إلى ارتكاب مجازر واسعة.

وفي أبريل/نيسان الماضي، تخلّت الحركات المسلحة في الفاشر عن حيادها، وأعلنت دعمها للجيش السوداني، مما دفع قوات الدعم السريع إلى محاصرة المدينة ومهاجمة مخيم زمزم المجاور.

إعلان

مقالات مشابهة

  • اتهامات للدعم السريع باختطاف وقتل فتيات بالفاشر
  • مسيرات الدعم السريع تهاجم للمرة الثالثة على التوالي المنشآت الحيوية جنوبي البلاد
  • مليشيا الدعم السريع تنهب أكثر (5) الاف محلا تجاريا و (16) فرعا للبنوك بالسوق المحلي بالخرطوم
  • قوات الدعم السريع تضرب هدفين استراتيجيين جنوب البلاد
  • السودان يدمر نحو 50 ألف «جسم متفجّر» من مخلفات الحرب .. مدير مركز مكافحة الألغام: نحتاج 90 مليون دولار لإكمال المهمة
  • لقد أصبح مجنونا يقـ.تل الأبرياء.. ترامب يفتح النار على بوتين بعد مجـ.زرة الأطفال
  • في بيان أصدرته: “الدعم السريع” تؤيد العقوبات الأمريكية على الجيش لاستخدامه الأسلحة الكيمائية والتسبب بكارثة إنسانية
  • هل استخدم جيش السودان الأسلحة الكيميائية ضد الدعم السريع؟
  • المذيعة تسابيح خاطر تواصل استفزاز السودانيين وتنشر تقرير تتهم فيه الجيش باستخدام “السلاح الكيماوي” في حربه ضد قوات الدعم السريع
  • ???? حميدتي يغازل أمريكا باستعداده لتوطين أهل غزة في السودان