البوابة نيوز:
2025-07-03@17:23:23 GMT

إنها «حكاية وطن» و«بطل»

تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT

كُنت حاضرًا مؤتمر "حكاية وطن" والذى أُقيم فى "العاصمة الإدارية الجديدة" في مُطلَع الإسبوع الماضي، كُنت شاهدًا على جميع الجلسات التي عُقِدَت من أجل توضيح الصورة كاملة للرأي العام المصري وشَرح ما تم تَحقق خلال تسع سنوات، فى البداية عَرَض الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء مُخطط تنمية مصر بكل حِرَفية وإتقان، شَرَح فيه المأمول لمصر خلال السنوات القادمة، وأوضح خلال شَرحه كيف ستكون مصر لو تم تنفيذ هذا المُخَطط؟، ونجح الفريق كامل الوزير وزير النقل نجاحًا باهرًا فى عرض استراتيجية الدولة لتطوير الطرق والكباري والموانئ والسكك الحديد والمترو وقطاع النقل البحري والبري، أما وزير الإسكان الدكتور عاصم الجزار فقد وُفِق فى تقديمه لخطة وزارته التي تهدف للتوسع فى الإسكان الاجتماعي والمتوسط والمميز والفاخر وقطاع المدن الجديدة ومشروعات الصرف الصحي ومياه الشُرب، أما وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار فقد نال استحسان الجميع حينما كشف عن تطوير معظم المستشفيات وخاصة مستشفى معهد ناصر والذى سيتم تحويله لمدينة طبية متكاملة بعد تخصيص له ميزانية قدرُها ٨ مليار جنيه والتوسع فى تطبيق التأمين الصحي الشامل على جميع المواطنين والإسراع فى تطبيق مبادرات طبية ساهمت فى الكشف المُبكر عن الأمراض، أما الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي فقد عرضت رؤية وزارتها فى التوسع فى تطبيق مشروع "تكافل وكرامة" والذى يستفيد منه أكثر من ٥ مليون مواطن مصري، أما الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات فقد كان عَرضِه لمشروعات وزارته فى غاية الدقة وكشف عن سياسة التطوير والتحديث التى تتبعها الوزارة، وعَرَض وزير الزراعة السيد القصير ما تم تحقيقه من زيادة الرُقعة الزراعية والتوسع فى زراعة المحاصيل والتصدير وشاهدنا جهوده فى مشروع الدلتا الجديدة وهو ما يدعونا للفخر، أما وزير الصناعة والتجارة أحمد سمير فقد عَرَض خطة عمل وزارته للتوسع فى إنشاء المُجمعات الصناعية وتطوير المصانع وتقديم كل يد العون للمُصدرين.


ولأول مرة استمعنا لوزير الخارجية سامح شكرى حينما عرض ما تقوم به مصر فى تعاملاتها على المستوى الدبلوماسي مع جميع الدول ومع جميع التكتلات العربية والأفريقية والدولية ودور مصر فى التعامل مع القضايا الإقليمية وشَرَح كيف تعاملت مصر خلال التسع سنوات الماضية مع قضايا المنطقة؟ وكيف تطورت العلاقات المصرية مع المنظمات الدولية الكبرى؟ ولأول مرة يقوم وزير الداخلية محمود توفيق بِعَرِض خطة وزارته للتعامل مع المخاطر الأمنية المُتعددة التى تعرضت لها مصر وكيف صَمَدَت وزارة الداخلية مُنذ أحداث يناير ٢٠١١ حتى وقتنا هذا؟ وكيف تم تنفيذ عملية التحول الرقمى لجميع الخدمات التى تُقَدِمها وزارة الداخلية للمواطن المصرى؟ وإستراتيجية التطوير لمقرات الوزارة سواء أقسام شرطة أو مُديريات أم مقرات للأحوال المدنية أو الجوازات أو الأمن العام؟ وأيضًا كيف تم نشر "سيارات شُرطة مُتنقِلة" فى معظم ميادين مصر لتقديم الخدمات العاجلة للمواطنين؟ وكيف يتم تدريب العناصر الشرطية الجديدة؟ وشَرَح كيف نجحت الشرطة النسائية فى أدائها للمهام المُكلفة بها وخطة التَوَسُع فى تطبيقها؟.


ثلاث أيام مُتتالية عَرِفنا فيهم "حكاية وطن" عانى كثيرًا منذ ٢٠١١ وطوال تِسِع سنوات ظل يُجابِه وينِزِف ويتألَم إلى أن وصل لمرحلة التطوير والتشييد والبناء حتى عَبَر أخطر مرحلة فى تاريخه والتى سيُكِتَب عنها إنها (مرحلة الإنقاذ والبناء)، فقد كانت مصر على شفا السقوط مثلما سقطت بلدان مُجاورة لكن عناية الله ووعي شعبها وشهامة رجالها وتَوَحُدِهم حفظت مصر، ولم يكُن ذلك يحدُث لولا وطنية وأمانة القوات المُسلحة ووقوفها مع الشعب المصرى وتنفيذ إرادته.


إنني أرى أن "حكاية وطن" منذ تسع سنوات لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن تُحكى إلا ولابد أن يُحكى معها "حكاية بطل" اسمه (عبد الفتاح السيسي)، هذا القائد العسكري الذي خطف العقول قبل القلوب حينما ظهر على الساحة وشَعرنا وقتها أنه الزعيم الذي انتظرنا ظهوره، خاف على الوطن فَدعمناه، وقف إلى جوارنا فساندناه، نَصر الشعب الذى نزل فى الشوارع يُطالب بعودة مصر التى عرفها أجدادنا وآبائنا فاخترناه رئيسًا لنا، واجه التحديات الجسيمة واجتهد وأنجز وحقق الكثير فصَفقنا له.. إنها "حكاية وطن" و"بطل".. (وطن) كان من المُمكن أن يتحول إلى أشلاء وأطلال لولا بزوغ نجم (البطل) الذي قالها بصوتٍ عالٍ: إحنا نِروح نِموت أحسن لو شعب مصر تم ترويعه وتخويفه ومن يومها وهو البطل الشعبي الذي أصبح "شعب مصر" مُعَلَقًا فى رَقَبَتِه، يحمل همومنا ويرعى مصالحنا وينشيء مشروعاتنا ويُنجزها.
بـلال الـدوى: كاتب صحفى

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: حكاية وطن بلال الدوي حكاية بطل عبدالفتاح السيسي شعب مصر حکایة وطن ع سنوات

إقرأ أيضاً:

بين الاستجابة الإحيائية والانبعاث الحضاري.. مشاتل التغيير (25)

هذا المقال يقع في قلب مشاتل التغيير حينما نستلهم مفاهيم قرآنية آن الأوان أن نتعلم منها وعليها؛ والتأكيد على دروس فيها ومنها. ففي آية الإحياء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" (الأنفال: 24)؛ الخطاب للذين آمنوا، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا"، ومن ثم فهو خطاب الإيمان ومقتضاه والمترتبات عليه ولوازمه، إنها العقيدة الدافعة، ونقطة البدء الدافعة (عروة وثقى لا انفصام لها).

"اسْتَجِيبُوا".. نداء قرآني شامل يحمل معاني الاستجابة الواعية بالقول الداعية إلى الفعل..

الاستجابة عمل شامل متكامل يفهم شروطها ويعين ساحاتها ويقدر تأثيراتها ومآلاتها.. الاستجابة هي عنوان الفعل والتفعيل والفاعلية والتأثير.. الاستجابة حالة تغيير ومدخل إصلاح وتقويم.. الاستجابة إجابة شافية وافية مكافئة كافية، إجابة عن سؤال الإيمان ومقتضياته.. الاستجابة فكر ونظر، وفعل سعي وتدبر، وقدرة عمل فاعلة وحركة ناشطة مؤثرة؛ لا تعرف كللا ولا مللا، وتؤكد على الكد والنصب؛ "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ" (الانشقاق: 6)، "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ" (الشرح: 7).. إنها مواصلة مستمرة للإنجاز والإنتاج؛ والاعتبار والاستثمار، إنها حالة من المراجعة والمداومة.

إن فعل الاستجابة يقوم على الاتصال الفاعل لا الانفصال المانع؛ الاستجابة صلة حقيقية بمصادر التأسيس المرجعية؛ صلة وتواصل؛ اتصال ووصول بلوغا للمقاصد والأهداف الكبرى، هي الطلب المتواصل والفعل المستدام. ولا يحسبن أحد أن فعل الاستجابة قد يقتصر على فعل التحدي وفقا لنظرية أرنولد توينبي في "التحدي والاستجابة"؛ بل هي استجابة مبدئية عقدية وبما تؤول له من فعل الإحياء.

"لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ"؛ لحقيقة التوحيد الكبرى وآثارها في الحياة ومرضاة لله، "رضي الله عنهم ورضوا عنه"، وللرسول والرسالة التي حملها وأودعها خلقه خاصة من آمنوا بها فحملوا الأمانة وأعطوا العهد لها واستمسكوا بمنهاجها ونهجها، إنها مقتضى شهادة التوحيد الأصيل لهذا الميثاق الغليظ (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، فتتأكد الصلة بين رسالة التوحيد والرسول الحامل للأمانة المبلغ للرسالة؛ إنه شأن المرجعية التي ينعقد بها نهج الإيمان ومواصلة حمل الأمانة، وحينما تقترن المرجعية بمعاني الاستجابة الواعية والداعية والساعية إلى فعل وقول الحق والاستمساك به.

"إِذَا دَعَاكُمْ".. الدعوة والدعاء.. حقائق الصلة والاتصال بين الداعي والمدعو، "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي" (البقرة: 186). والدعوة فعل الإيمان الذي يرتبط بالمؤمن فيحرك طاقاته وفاعلياته: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" (النجل: 125)، إنها معاني الدعوة الدائمة والحركة الدائبة؛ فماذا بعد دعوة الله والرسول إلا الاستجابة الحقة الدافعة والرافعة.. الدعوة فعل نهوض واستنهاض؛ وسعي حضور وشهود؛ والاستجابة هي فعل الجواب الناهض والفاعل.

"لِمَا يُحْيِيكُمْ".. إنها دعوة الإحياء بالحق وعلى الحق وللحق؛ هي دعوة مقتضى أن تكون حيا بحق؛ فاعلا مؤثرا بحق، إنها حياة الكرامة والعزة وفق مقتضى القانون الإلهي في التكريم، "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء: 70)، مقتضى التكريم الذي لا يذل فيه الإنسان فيخضع ويخنع؛ ولا يتجبر ويتكبر فيستغني ويطغى. وللإحياء أوعية كثيرة تطال كل مساحات الحياة ومناحيها، ولعل معاني الإحياء الحضاري وشمولها؛ وكمالها واكتمالها؛ لا تقتصر على باب مشهور من مثل إحياء التراث بالتحقيق والتدقيق، فهو باب صلة المسلمين بتراثهم وهو لعمري مهمة عظيمة وجليلة، ولكن الإحياء للتراث لا يتوقف عند أبواب التحقيق والتدقيق بل إنه يتواصل ضمن أبواب الاستثمار والتوظيف، والإحياء الحضاري لا يتوقف عند باب التراث على قيمته، بل هو يتطرق إلى كافة مستويات الإحياء الشامل والمتكامل والمستدام لكل ما يقيم حياة الناس ويسهم في إحيائهم فكرا وحركة وعيا وسعيا قدرة وفاعلية.

وفي آية الخروج والانبعاث: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُو مَعَ الْقَاعِدِينَ" (التوبة: 46) كما هي آية الإحياء؛ مدركات ومعان وقف عليها الدكتور محمود النفار في رؤية حضارية شاملة ومتكاملة في بحث "الإمداد الفكري والإعداد الحضاري في ضوء معركة الطوفان: آفاق وأدوار"؛ ألقاه في ندوة توقف الباحث برؤية عميقة ودقيقة في مدارسة تدبرية لمعاني هذه الآية الكريمة، حيث تكشف الآية عن مفهوم جامع نسميه بالانبعاث الحضاري، وهو ثمرة أربعة مفاهيم فرعية: الوعي، فالإرادة، فالإعداد، فالخروج. فالإرادة ثمرة الوعي، والإعداد ثمرة الوعي والإرادة، والخروج ثمرة الوعي والإرادة والإعداد. يقابل الانبعاث مفهوم سلبي يعبر عنه القرآن بالقعود، وهو يشير إلى أربع اختلالات كذلك: اختلال الوعي، واختلال الإرادة، واختلال الإعداد، واختلال الخروج. إن الانبعاث والقعود بحسب الآية رؤيتان، أو فلسفتان، أو نموذجان متقابلان، أو هما نمطا حياة يستوعبان الفكر والحركة في النشاط الإنساني.

في مفتتح هذه الآية ستطل علينا كلمة "وَلَوْ"، وهذه الكلمة في سياق الآية لم تكن إلا تنبيها بحقيقة الوعي والتدبر والفهم والالتفات إلى حقائق الخروج من وضع إلى وضع وتفترض حالة الوعي بمكونات ذلك الخروج، ونقطة البداية فيه. إن مبتدأ المشاريع الجادة الوعي، وإليه الإشارة بقول الله تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ" (محمد: 19)، فبدأ بالعلم. ونريد بالوعي الحضاري هنا: الإدراك الكلي بوصفه شرطا من شروط البناء المقاوم".

"أَرَادُوا" التي تشير إلى الضلع الثاني يتعلق بالإرادة الحضارية: مجموع البواعث التي تدعو النفس لتحويل العلوم والمعارف إلى نزوع نحو العمل بمقتضى ذلك العلم. إن حظ المقاوم من هذه المعرفة تحولها إلى إرادة، فيما حظ مخالفيها البحث في هذه المعارف لتسويغ التقاعد والتخاذل، وإعلان الهزيمة والاستسلام.

القضية الأولى: اختلال الإرادة هذا ثمرة اختلال الإدراك أو توهم الإدراك: "ابْعَثْ لَنَا مَلِكا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا" (البقرة: 246). وكذلك اختبار الإرادة والعزم وانكشاف الوفاء بالعهد والميثاق: "منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" (الأحزاب: 23)، "الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ" (الرعد: 20).

القضية الثانية: فاعلية الإرادة وإرادة الفاعلية؛ فهذه الإرادة ليست ممكنة فحسب، بل إنها فاعلة وتحقق مكاسب وتثمر إنجازات، وهكذا يدفع الفعل المقاوم المؤمن بالقضاء والقدر والمستجيب للتكليف الإلهي؛ عقيدة الجبرية الذين ينفون إرادة الإنسان، ويستهولون قدرة البشر، ويرون أن الاستعمار والاحتلال قدر لا بد منه.

إن هذه الإرادة ضرب من الغرور في نظر فاقدي الإرادة بسبب اختلال وعيهم أولا، ثم اختلال إرادتهم، وهم باسم الواقعية يسلبون نفوسهم وجيوشهم وشعوبهم إرادتها، بل ويجهدون في أهم ثروة لأي أمة: الإرادة. إن إرادة القتال أعظم أثرا من حمل السلاح، فلا قيمة لسلاح لا إرادة معه، لأنه سيتحول في هذه الحالة كما هو الحال في اللحظة الراهنة إلى سلاح مكدس، كما تحولت المعرفة في المحور الأول إلى معرفة تفضي إلى الاستسلام والبحث عن مسوغاته ومستنداته في النظريات والتجارب والخبرات الإنسانية، "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" (الحج: 46).

القضية الثالثة: انتصار الإرادة وإرادة الانتصار. وهنا يترقى الرواد ليؤمنوا بأن هذه الإرادة يمكن الانتصار بها، فهي ليست ممكنة ولا فاعلة فقط، بل يتحقق معها الانتصار، "قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" (الشعراء: 62). هذه الإرادة تحولت إلى عصا موسى عليه السلام وعصا "السنوار". إن فعل الإرادة الحضارية فعل مركب ومعقد تتعدد فيه المشاهد والشواهد؛ تتساند فيه العناصر والمستويات وتتضافر فيه إرادة الإمكان واختبار الإرادة والعزم؛ وإرادة الفاعلية والتأثير.

"الْخُرُوجَ" ليس مجرد كلمة؛ الخروج عمليات كبرى ومشروع استراتيجي وفعل حضاري ممتد يستحضر الإعداد والاستمداد والإمداد وحالة الاستعداد الحضاري الناهض بترجمة النداء القرآني الواسع والممتد، "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ" (الأنفال: 60)؛ إنها ممهدات عملية الخروج والإشارة إلى إمكاناته ومكناته؛ إلى صناعة المكانة على طريق التمكين والتزاماته. الخروج خريطة طريق في مسار التغيير تحدد بداياته كما تعين مقدماته وتشكل مقاصده وغاياته، إنه استحضار لاستراتيجية البناء على الموجود النافع المفعم بالخير، ومحاولة إيجاد المفقود الذي نفتقر إلى وجوده رغم أهمية بل وضرورات حضوره؛ وصولا للمنشود في غاياته القريبة والمنظورة التي تحرك الراكد صوب ارتياد كل مسلك الفاعلية والتجديد؛ بلوغا للمقصود في إقامة دين الله بمقتضى مناهج وطرائق الانبعاث الحضاري.

إن علم الخروج الحضاري هو في مواجهة أزمة أو استجابة لتحدي، أو استشراف لعملية بناء في الحال والاستقبال. الخروج أيضا حالة عقلية جمعية تتبادر من معنى مخاطبة الجميع والجمع والمجتمع والقوم المتعلق بواو الجماعة في "أَرَادُوا"؛ العقلية الكاشفة، العقلية الفارقة، العقلية الناقدة المراجعة، العقلية الإيجابية البانية التي تنصهر لتأسيس عقلية فرقانية ناظمة جامعة رافعة دافعة.

"لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة".. نريد بالإعداد الحضاري والاستعداد الحضاري مجموع الجاهزيات التي تتخذها أمة من الأمم على ثغورها المختلفة بقصد مواجهة التحديات وصد الأخطار على مستوى الوعي والسعي، وفي جميع المجالات الحيوية للأمة والدولة، بما يحفظها ويستبقيها فاعلة وناهضة في العالم. وهي تقوم على ثلاث قضايا:

إن للانبعاث الحضاري شروطا لا ينبغي أن تهمل أو تغفل؛ من العمل الحضاري والفعل الذي يقرن بتسديد الوعي وترشيد السعي، وفعل الإحياء الحضاري وأصول الانبعاث الحضاري هي مشتل التغيير في مسيرة التغيير الحضاري المنشود والمقصود
القضية الأولى: سعة الإعداد مفهوما ونوعا ومجالا وأفقا. الإعداد في سياقه الحضاري لا يقف عند إلقاء المعارف، ولا خلق الإرادات، كما أنه لا ينحصر في بذل الجهد أي جهد، وصرف الطاقة أي طاقة، وجمع الأنصار أي جمع، بل هو تصريف للطاقة وتدبير للموارد وترتيب للعمل بمنهجيات تستوعب طاقة الأمة وإبداعاتها. الإعداد المنشود في السياق الفكري يعني بناء الأطر الفكرية الجامعة، ومأسسة المعرفة المتعلقة بدراسة الاحتلال ومنظومته الداعمة وقراءة في عقلهم الإستراتيجي بعقل إستراتيجي مقابل ومضاد. إن تعيين ثغور المرابطة المعرفية مهم للغاية من خلال تخصصات متنوعة وسياقات مختلفة ومتآزرة تصدر عن عقل استراتيجي.

القضية الثانية: محاضن مجتمعية ناهضة وعلى رأسها الأسرة بوصفها مستودعا ومستوى من مستويات الإعداد.

القضية الثالثة: التكافؤ في الإعداد، فالأنشطة لا تكفي في مواجهة مشروع، بل لا بد أن نحدث لكل فجور جهادا خاصا (تحدث للناس أقضية بمقدار ما أحدثوا من فجور)، ولا بد أن يفي الإعداد المنشود لسقف المقاومة، ولسقف الجريمة في الجهة الأخرى، ولسقف التحديات المختلفة. تلك الإضاءات التدبرية للدكتور النفار مع تصرف يسير حول آية الانبعاث، وكذا خواطرنا حول آية الإحياء تشكل مدخلا مهما في التعرف على معاني الإحياء الحضاري ومغازي الانبعاث الحضاري.

إنها عملية الخروج وثمرتها القائمة على العلم الممزوج بالعمل؛ العلم النافع هو الذي يتحول إلى عمل نافع مثمر، أما العلم الضار فلا يتحول إلا إلى عمل خبيث، "لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالا" (التوبة: 47). وكذلك الثبات هو انعكاس للاستراتيجية، إن الثبات رغم التحديات هو ثمرة إيمان عميقة واستراتيجية راسخة.

إن للانبعاث الحضاري شروطا لا ينبغي أن تهمل أو تغفل؛ من العمل الحضاري والفعل الذي يقرن بتسديد الوعي وترشيد السعي، وفعل الإحياء الحضاري وأصول الانبعاث الحضاري هي مشتل التغيير في مسيرة التغيير الحضاري المنشود والمقصود؛ هذا ما تعلمنا الآيات القرآنية التي كانت مجال اهتمام هذا المقال، ولعلنا نتبعه بمزيد من تدبر حول الإحياء والانبعاث.

x.com/Saif_abdelfatah

مقالات مشابهة

  • أهم المعلومات حول حادث غرق حفار البترول في السويس
  • الأميرة كيت تشبّه رحلة تعافيها من السرطان بـ"قطار الموت"
  • رحلة بدأت من المطار وانتهت في قسم الشرطة.. حكاية سائق نقل تحرش بسائحة أجنبية
  • ديوكوفيتش: إنها «حبوب المعجزة»!
  • بين الاستجابة الإحيائية والانبعاث الحضاري.. مشاتل التغيير (25)
  • معاناة رجل مشرد في شوارع الجيزة .. حكاية المتهمين بالتنمر على شخص
  • اتصال هاتفى بين وزير الخارجية والهجرة ومفوضة الاتحاد الأوروبى لشئون المتوسط
  • سوار فريدا كاهلو
  • الدردير يشيد بـ أداء شيكابالا: أجمل حكاية .. شاهد
  • أبو المعاطي.. حكاية رجل يحمل العالم على كتفيه من أجل زوجته وأخته