مصر تواصل جهودها لمواجهة التحديات المناخية وتقليل الانبعاثات الكربونية ببرامج طموحة للطاقة البديلة
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
القاهرة في 12 أكتوبر /وام/ أكدت مصر اهتمامها الكبير بقضية التغيرات المناخية وبتقليل الانبعاثات الكربونية، وأنها اتخذت في هذا الصدد العديد من الإجراءات في القطاعات المختلفة، وذلك في إطار رؤيتها 2030، وحشدت استثمارات كبيرة من مواردها الحكومية ومن القطاع الخاص لإنجاح جهودها لمكافحة التغير المناخي.
كما أكدت أهمية مناقشة قضايا التغيرات المناخية في اجتماعات ومفاوضات ومؤتمرات تغير المناخ، وخاصة مؤتمر "COP28"، وذلك في إطار اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية وبروتوكول كيوتو، مشددة على ضرورة عدم تسييس هذه القضية وعدم توجيهها ضد مصالح الدول النامية.
وتعد مصر من الدول الأكثر عرضة للمخاطر الناتجة عن تأثيرات التغيرات المناخية، على الرغم من أنها من أقل دول العالم إسهامًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث تبلغ نسبة مساهمتها 0.6% من إجمالي هذه الانبعاثات، وذلك طبقا للبيانات الواردة في الإبلاغ الأخير لمصر حول حجم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والذي تم في إطار تنفيذها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ التي وقعت عليها عام 1994، وكذلك بروتوكول كيوتو، الذي صدّقت عليه في عام 2005، والذي يتضمن تقديم تقارير البلاغات الوطنية من كل الدول الموقعة على الاتفاقية كل 5 أعوام.
وترى مصر أن الالتزامات المتبادلة بين الدول المتقدمة والنامية، وخاصة الدول الأكثر تعرضًا لمخاطر التغيرات المناخية، ركيزة أساسية في نجاح المفاوضات المتعلقة بالالتزامات المستقبلية للدول المتقدمة، وهي تشدد بالإضافة إلى ذلك، على ضرورة التركيز على موضوعات التأقلم مع آثار التغيرات المناخية، بجانب موضوعات التخفيف والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وتتضمن خطة مصر لمواجهة التغيرات المناخية عدة محاور رئيسية، منها تبادل المعلومات لتحديد الأبعاد الحقيقية لظاهرة التغيرات المناخية وتقييم تأثيراتها البيئية، والتعاون مع المجتمع الدولي للحفاظ على نوعية البيئة والحد من مسببات تلك التغيرات.
كما تهدف الخطة إلى رفع الوعي العام بالظاهرة وأبعادها الاقتصادية، وتعزيز القدرات الوطنية للتعامل معها وتطوير السياسات والبرامج اللازمة للتكيف مع تغيرات المناخ في جميع القطاعات، وتشمل أيضًا تفعيل برامج المساعدات الدولية المالية والفنية ونقل التكنولوجيا، وتفعيل برامج مشاركة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية.
واتخذت مصر مجموعة من التدابير للتعامل مع قضية التغيرات المناخية، منها التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية، وإصدار قانون البيئة رقم 4 عام 1994، والمشاركة في كافة المؤتمرات وحلقات العمل الدولية المتعلقة بالتغيرات المناخية لتجنب فرض أي التزامات دولية على الدول النامية ومنها مصر.
كما تصدت مصر لقضية التغيرات المناخية بتصديقها على بروتوكول كيوتو وتشكيل اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة عام 2005، والتي تضم المكتب المصري والمجلس المصري لآلية التنمية النظيفة.
وقامت مصر أيضًا بإصدار تقرير الإبلاغ الوطني الأول عام 1999 لحصر غازات الاحتباس الحراري ووضع خطة العمل الوطنية للتغيرات المناخية، فضلا عن تشجيعها مشروعات تحسين كفاءة الطاقة من خلال وزارة الكهرباء والطاقة، وتنفيذ مشروعات لحماية الشواطئ من خلال وزارة الموارد المائية والري، وإنشاء معاهد البحوث المختصة بالتعاون مع شركاء التنمية.
وتعمل مصر على تنفيذ مشروعات عديدة في مجال الطاقات الجديدة والمتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح والمائية والحيوية، بهدف تحسين كفاءة استخدام الطاقة وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة.
وتعمل الدولة المصرية على تخفيض الانبعاثات الكربونية من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات في القطاعات المختلفة؛ إذ يأتي قطاع الطاقة كأكبر القطاعات المساهمة في انبعاث غازات الاحتباس الحراري؛ حيث يشير التقرير الأول الذي يتم تحديثه كل سنتين، والمنشور في عام 2019، إلى ان هذه القطاعات تمثل نحو 64.5% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تنتج عن حرق الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية لإنتاج الطاقة.
وتعتمد محطات توليد الكهرباء في مصر بشكل أساسي على الغاز الطبيعي، وذلك بعد الاكتشافات الأخيرة التي أدت إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعمل الحكومة المصرية على تعزيز استخدام الطاقات المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة في القطاعات المختلفة، وذلك بهدف تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
وفي إطار جهود مصر للحد من الانبعاثات الكربونية، وضعت الدولة هدفًا طموحًا في تقرير المساهمات الوطنية المحدث المنشور في يوليو 2022، والذي يهدف إلى خفض انبعاثات قطاع توليد ونقل وتوزيع الكهرباء بنحو 69.9 مليون طن ثاني أكسيد الكربون المكافئ بحلول عام 2030، ما يوازي خفض الانبعاثات بنسبة 33% تحت مستوى السيناريو المعتاد في حال عدم اتخاذ إجراءات.
وتهدف الدولة إلى تحقيق هذا الهدف من خلال استراتيجية الطاقة المستدامة التي تستهدف زيادة مساهمة الطاقة الجديدة والمتجددة، وتركيب قدرات إضافية لتوليدها للوصول إلى هدف مساهمتها بنسبة 29% بحلول عام 2030، و42% بحلول عام 2035 من إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة.
وتشمل هذه الاستراتيجية مزيجًا من الطاقات المتجددة، حيث تستهدف الدولة توليد 14.6% من الطاقة من الرياح، و11.8% من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و7.6% من مراكز الطاقة الشمسية، و3.2% من الطاقة الكهرومائية، بالإضافة إلى إحلال محطات الفحم واستبدال المحطات الحرارية منخفضة الكفاءة.
وتتبنى الدولة المصرية حالياً برامج طموحة لإدراج مصادر طاقة بديلة جديدة مثل: الهيدروجين الأخضر، والهيدروجين الأزرق، والطاقة النووية؛ حيث أطلقت الحكومة برنامجا شاملا لإصلاح سياسات الطاقة يتضمن إلغاء دعم الطاقة بشكل تدريجي، وتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة من خلال قانون الطاقة المتجددة (القرار رقم 203/2014)؛ إذ بلغ إجمالي محطات الرياح والطاقة الشمسية التي تمّ تركيبها في العام 2019 /2020 نحو 3016 ميجاوات بزيادة قدرها 340% عن عام 2015 /2016، الذي بلغت فيه 887 ميجاوات.
كما بلغ إجمالي الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الكهرومائية، عام 2019 /2020 نحو 5848 ميجاوات، و أبرز الأمثلة على ذلك هو إنجاز مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان بقدرة 1465 ميجاوات، والذي فاز بالجائزة السنوية كأفضل مشروعات البنك الدولي تميزًا على مستوى العالم وبجائزة التميز الحكومي العربي في دورتها الأولى (2019 -2020) فئة أفضل مشروع لتطوير البنية التحتية على المستوى العربي.
وفي قطاع النفط والغاز، أعلنت مصر في تقرير المساهمات الوطنية المحدث يوليو 2022 استهداف تحقيق خفض في الانبعاثات بمقدار 1,5 مليون طن ثاني أكسيد الكربون المكافئ بحلول عام 2030 بما يوازي خفض الانبعاثات بنسبة 77% تحت مستوى السيناريو المعتاد في حال عدم اتخاذ إجراءات؛ حيث يأتي ذلك في إطار ما تقوم به الدولة من تنفيذ برنامج تحويلي متكامل في قطاع النفط والغاز. فقد أطلق قطاع البترول عام 2016 مشروع تحديث قطاع النفط والغاز في مصر؛ حيث تم تنفيذ برنامج تحسين كفاءة الطاقة ونجحت 31 شركة في تطبيق إجراءات كفاءة طاقة منخفضة التكلفة، كما تم نشر محطات سيارات الغاز الطبيعي كوقود منخفض الانبعاثات لتصل إلى أكثر من 850 محطة في مصر.
كذلك، تستهدف الدولة استعادة واستخدام الغازات المصاحبة المتولدة من حقول النفط الخام، بالإضافة إلى ربط خطوط أنابيب الغاز الطبيعي للمنازل لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين من خلال الوصول للوقود النظيف منخفض الانبعاثات، والعمل على إنتاج أنواع الوقود الأخضر البديلة مثل استخراج 350 ألف طن من زيت الطحالب سنوياً لاستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي، وتوليد 100 ألف طن من الإيثانول الحيوي سنوياً.
إبراهيم نصيراتالمصدر: وكالة أنباء الإمارات
كلمات دلالية: غازات الاحتباس الحراری الانبعاثات الکربونیة التغیرات المناخیة فی إطار
إقرأ أيضاً:
التغيرات المناخية والمرأة.. تأثيرات ورؤى استشرافية
لاشك أن مسألة التغير المناخي قد حظيت بالاهتمام الدولي، وقد تحولت من قضية عادية إلى قضية العصر كونها تمس كافة أفراد المجتمع وفي مقدمتها المرأة والطفل، ومنه فهذا الاهتمام نابع في الأساس من جملة المخاطر والمشاكل التي تهدد حقوق الإنسان الأساسية، وبالتالي فان المساعي المرجوة في مجال التصدي للظاهرة لا تتحقق إلا عن طريق التعاون الدولي بتكاتف وتضافر الجهود الدولية للحد من آثارها في البيئة الإنسانية.
ومن المعلوم أن التأثيرات السلبية الناتجة عن تغير المناخ على المرأة يجعلها معرضة للخطر بشكل أكبر، حيث مازال الدعم ضئيلاً مقارنة بتكاليف التكيف السنوية التي تقدر بنحو 70 مليار دولار. ورغم محاولة العديد من الدول الالتزام ببناء القدرة على الصمود ومعالجة تغير المناخ واثاره خاصة على المرأة والطفل وخلق مسارات التنمية المستدامة، فإن الخيارات الاقتصادية، بل والمجتمعية والسياسية الحالية محدودة مما يعرضها لكوارث مناخية متتالية واسعة النطاق، ويعيق التقدم نحو أهداف اتفاق باريس. وتتطلب العدالة أن تقوم الدول المتقدمة بدورها تجاه الدول النامية، حيث تشير التقديرات إلى أن أقل البلدان نمواً تلقت حوالي 0.6 ٪ فقط من 100 مليار دولار، وهو جزء ضئيل جداً لتلبية احتياجاتها الحالية للعمل المناخي، والتي ستزداد مع اقتراب عام 2050.
أضف لذلك أن التكلفة الاقتصادية لتداعيات التغير المناخي بحلول عام 2030 في البلدان النامية ستتراوح ما بين 290 مليار دولار أمريكي و580 مليار دولار أمريكي سنويًّا. وتبين أيضًا أن 189 مليون شخص في المتوسط تأثروا سنويًّا بالظواهر الجوية الشديدة في الدول النامية منذ عام 1991 وكان أغلبهم من النساء والأطفال، وأن 79% من الوفيات في هذه الدول نتيجة مثل هذه الظواهر خلال الفترة الزمنية نفسها.
وإزاء تلك التداعيات المتواصلة على كافة أفراد المجتمع وفي مقدمتها المرأة والطفل، طرحت "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC) تقريرًا تضمن سيناريوهات محتملة للمستقبل في ظل التغير المناخي المستمر، منها مدى قدرة البشرية على خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون عالميًّا إلى الصفر بحلول عام 2050. وهذا السيناريو يتطابق مع الأهداف المعلنة لاتفاقية باريس والمتمثلة في إبقاء الزيادة في درجة الحرارة على مستوى العالم عند نحو 1.5 درجة مئوية عند مستوياتها قبل الثورة الصناعية على أن تتراجع وتستقر حول 1.4 درجة مئوية بنهاية القرن الحالي.
لكن في الاتجاه المقابل هناك سيناريو يفترض ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى ضعفها تقريبًا بحلول العام 2050، ومع تصاعد نمو الاقتصاد العالمي بوتيرة متسارعة يزيد الاعتماد على أنواع الوقود الأحفوري، وستتطور أساليب معيشية تعتمد على الاستخدام الكثيف للطاقة، وسترتفع درجات الحرارة إلى 4.4 درجات مئوية وذلك بحلول العام 2100 وهو ما يؤثر حتما على صحة المرأة في كافة بقاع الأرض.
جملة القول، إن التغيرات المتوقعة في المناخ خلال القرن الحادي العشرين سوف تكون أسرع منها في الماضي وسيرافق هذه التغيرات تأثيرات سلبية عديدة على المرأة سواء في الجانب الصحى أو الجانب الخاص بالقدرة على مواصلة العمل والإنتاج وهو الامر الذي يستدعي من كافة دول العالم تشجيع وتيسير برامج التعليم والتوعية العامة للمرأة بشأن تغير المناخ من أجل التنمية المستدامة، لكن تظل المرأة ضحية لطموحات وتنافس الدول الصناعية الكبرى التي تتنافس بينما يتأثر كافة شعوب الأرض وفي مقدمتها المرأة والطفل.