الأمة الإسلامية على المحك
تاريخ النشر: 28th, October 2023 GMT
خالد بن أحمد الأغبري
تعيش أمتنا أمة الإسلام، الأمة التي اختارها الله لتكون تحت لواء نبينا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وجزيل السلام، القائد الذي تحطمت تحت قدميه تلك الأصنام عندما ظهر الحق وارتعدت قلوب الطغاة الحاقدين أعداء الإسلام، وذلك بقوة خالق الكون عظيم الشأن، هذه الأمة التي أصبحت مهزومة في عقر دارها بعد ما سلّمت أمرها لأعدائها وباتت متفككة وغير قادرة على النهوض بواجباتها ومسؤولياتها وفقاً لأحكام الله وشريعته الغراء.
ها هي اليوم، تعيش هذه حالة استثنائية مليئة بالمفاجآت والاضطرابات النفسية والمعنوية المعقدة والاضطهاد المُعلن منه والخفي بمختلف أنواعه وأشكاله، ومحاطة بالكثير من المخاوف والهلع والقلق والهيجان المرعب والمرشح للتصعيد. مزيد من التوترات الإقليمية والدولية دخلت مرحلة خطيرة بالغة الأهمية يصعب التكهن بمداها الجغرافي وما يصاحبه من ظلم واضح وجلي ودمار شامل وتجويع الآمنين وقتلهم وانتهاك حقوقهم وحريتهم في ظل تفاقم الأوضاع والقبضة الحديدية التي تنتهجها إسرائيل في مقابل معاناة الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض لحرب الإبادة وتدمير ممتلكاته ومحاصرته دون رحمة أو هوادة، وذلك على خلفية تلك الممارسات الاستفزازية والقمعية التي تلقي بضلالها على المنطقة بهدف خلق المزيد من التوترات وإثارة الفتن وتصعيد الخلافات البينية بشكل مباشر وغير مباشر من أجل تطبيق مرئيات الدولة العبرية ومخططاتها الرامية إلى احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات الصهيونية وتوسيع دولتهم على حساب حقوق الفلسطينيين وكرامتهم.
هذا من جانب وعلى حساب الدول العربية الأخرى من جانب آخر، وذلك بشكل من أشكال الإرهاب والعنف المتجدد أو بأي شكل آخر؛ بما يضمن لها استمرارية البقاء وفرض الأمر الواقع على الأراضي المغتصبة والتي تحددت مساراتها وقطرها الجغرافي من قبل تلك الدولة وشركائها الذين تستهويهم تلكم العنجهية والفوضى السلبية التي تربّوا عليها ويعيشون في ضلالها ساعة بساعة من أجل فرض الوصاية والتحكم في السلطة على حساب شعوب العالم، وذلك وفق مخططاتهم ومنهجهم الذي يعملون تحت فرضيته وقيادته المنحرفة عمّا أمر الله به من قيم وسلوك ونهج مستقيم.
إنهم بذلك يتجاوزون جميع الحواجز القانونية والحدود الجغرافية المنظمة لهذه القيم والمبادئ الأخلاقية والسلوكية، وليست لديهم أي أجندة إنسانية أو قيم أخلاقية تستحق الوقوف معها من باب احترام خصوصيتها وحقوقها وحدودها الدولية، بقدر ما يعانونه من انفصام في سلوكهم الشخصي المتمرد على خالقه وعلى نظام الحياة جملة وتفصيلاً والذي يقع ضمن دائرة ما يطلق عليه بجنون العظمة؛ فهذا الجنون لا يفرق بين الخير والشر ولا ما بين الحق والباطل ولا ما بين الظالم والمظلوم؛ فهؤلاء الناس الذين يتخبطون بأساليبهم وممارساتهم المتوحشة وقبيح أفعالهم لا يمكن أن يكونوا أناسًا أسوياء بالمستوى الذي يتعايش معه الطرف الآخر ولا يمكن أن تتحقق من خلاله طموحات وتطلعات شعوب العالم الحر الذي تتمثل فيه تلك المقومات الإنسانية، ولديه جاهزية وقابلية للتعاطي مع مكونات ومرتكزات السلام والعدالة، لكنه ما كتب لهذه الشعوب وقدر لها العيش في هذه الأجواء والأزمات القاسية التي تشكلت معطياتها خلال هذه المرحلة الحرجة والصعبة التي تَهمشت فيها المبادئ والقوانين والاتفاقيات الدولية، وأصبحت في ظل تلك التطورات مبعثرة تحت أقدام العنصرية وبين زوايا مقابر الحرية في انتهاك صارخ للمبادئ والمعايير الإنسانية، مع أنه كان من المفترض أن يكون هناك توجه لصياغة ورسم الاستراتيجيات التي تقام على حيثياتها الحضارات متعددة الأقطاب والثقافات الإنسانية المتقدمة التي تتطور مفاهيمها وأساليبها تلقائيًا؛ باعتبارها تمتلك إمكانيات حقيقية لكونها ذات اختصاص لبناء جسور العلاقات الدولية القائمة على قواعد المواءمة والتسامح والشعور بالمسؤولية البينية التي تنظم مسارات ومعطيات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتمحور أهدافها من أجل تحقيق العدالة والمساواة بين مختلف شعوب العالم.
ما يشهده العالم في هذه المرحلة المغمورة بالعنف والحقد والكراهية والتي تتمثل في مجمل الأوضاع الدموية والإرهاصات العميقة والذل والهوان الذي يعيشه قطاع غزة والمناطق الفلسطينية، ليس سوى انعكاس سيئ لما تقوم به إسرائيل من أعمال إجرامية وانتكاسة خطيرة لمنظومة القوانين الدولية تحت مرأى ومسمع الجميع، فعلى المجتمعات الدولية مراجعة حساباتها واحترام حق البشرية في العيش بسلام وأمان واستقرار تسوده الحكمة والتسامح ونبذ الخلافات مهما كانت أهدافها وغاياتها. والله الموفق.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بكين تنسحب والسودان على المحك
✍️ محمد هاشم محمد الحسن
يمثل طلب جمهورية الصين الشعبية مؤخرًا من رعاياها مغادرة السودان تطورًا لافتًا في المشهد الجيوسياسي والأمني الأفريقي، ويحمل في طياته دلالات عميقة تتجاوز مجرد الإجراءات الاحترازية المعتادة لحماية المواطنين. ففي ظل استمرار الصراع الدامي الذي يعصف بالسودان منذ أكثر من عام، فإن هذا الإجراء الصيني، الذي غالبًا ما يكون محسوبًا وذا مغزى استراتيجي، يطرح تساؤلات حيوية حول رؤية بكين لمستقبل هذا البلد، وانعكاساته على مصالحها المتشعبة في القارة السمراء.
تُعرف الصين بسياستها الخارجية التي تتجنب التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول، وتركز على التعاون الاقتصادي وتنمية البنية التحتية. ولطالما كانت بكين من أكبر المستثمرين في السودان، خاصة في قطاع النفط والمعادن، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى. هذه الاستثمارات الضخمة، التي تخدم مبادرة (الحزام والطريق)، تجعل من قرار سحب الرعايا إشارة قوية على أن الصين ترى أن مستوى المخاطر قد تجاوز نقطة العتبة المقبولة، وأن استمرار وجود مواطنيها في ظل هذه الظروف بات يهدد أمنهم وسلامتهم بشكل مباشر، وربما يشكل تحديًا كبيرًا لقدرتها على حماية مصالحها على المدى الطويل.
إن هذا القرار يمكن تحليله من عدة زوايا. أولاً، إنه يعكس تقييمًا حادًا للوضع الأمني المتدهور وتصاعد أولوية أمن المواطنين في الدبلوماسية الصينية. فبكين عادة ما تكون صبورة وتتحمل مستويات معينة من عدم الاستقرار، لكن استمرار القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتوسع الجغرافي للنزاع ليشمل مناطق حيوية، أدى بلا شك إلى تصاعد المخاوف الصينية. سحب الرعايا يشير إلى أن بكين لا ترى حلاً وشيكًا للأزمة، وأن الوضع مرشح لمزيد من التدهور، مما يستدعي اتخاذ إجراءات حازمة لتقليل الخسائر البشرية المحتملة.
هذا التوجه نحو إعطاء أولوية قصوى لأمن المواطنين الصينيين في الخارج يمثل تحولًا تدريجيًا في العقيدة الدبلوماسية الصينية، حيث لم يعد مبدأ عدم التدخل يعني التغاضي عن المخاطر الجسيمة التي تهدد حياة رعاياها أو استثماراتها.
ثانياً، إن هذا الانسحاب يحمل دلالات قوية بشأن العلاقة بين الضغط الدولي والوضع الداخلي في السودان. فانسحاب الصين، كشريك اقتصادي واستراتيجي رئيسي، يضع ضغوطاً إضافية غير مباشرة على الحكومة السودانية (في بورتسودان) وقوات الدعم السريع على حد سواء. يمكن أن يُنظر إلى هذا الإجراء كرسالة دبلوماسية صامتة بأن النزاع يجب أن ينتهي، وأن استمراره يؤدي إلى خسارة شركاء استراتيجيين حيويين للتنمية والتعافي الاقتصادي. إن غياب اللاعبين الاقتصاديين الكبار، مثل الصين، يقلل من مصادر الدعم المحتملة للأطراف المتحاربة، ويزيد من عزلة البلاد على الساحة الدولية، مما قد يدفع نحو إعادة تقييم داخلية لجدوى استمرار القتال.
ثالثًا، لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي للقرار، وتأثيره المباشر على مبادرة الحزام والطريق. ففي حين أن سحب الرعايا يمثل إجراءً أمنيًا في المقام الأول، فإنه يحمل في طياته دلالات اقتصادية سلبية للسودان. استمرار النزاع أثر بشكل كبير على البنية التحتية، وسلسلة الإمداد، والقدرة التشغيلية للمشاريع. لكن الأهم هو أن وجود الصين في السودان لم يكن مجرد استثمارات معزولة، بل كان جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أوسع مرتبطة بمبادرة الحزام والطريق التي تهدف لربط الصين بآسيا وأفريقيا وأوروبا. تعطيل المشاريع في السودان بسبب عدم الاستقرار لا يؤثر فقط على المشاريع القائمة في البلاد، بل يلقي بظلاله على سمعة مبادرة الحزام والطريق ككل في مناطق النزاع، ويفرض على بكين إعادة تقييم معايير المخاطر لمشاريعها الكبرى في الدول غير المستقرة، مما قد يؤثر على خططها المستقبلية في المنطقة.
رابعًا، يجب النظر إلى دلالة القرار على المستوى الدولي. فصوت الصين يحمل وزنًا كبيرًا في المحافل الدولية، وقرارها هذا قد يؤثر على قرارات دول أخرى ومستثمرين دوليين. إذا كانت بكين، وهي طرف فاعل رئيسي في السودان، ترى أن الوضع خطير لدرجة تستدعي سحب رعاياها، فإن ذلك قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، أو على الأقل إعادة تقييم استثماراتها ووجودها في السودان، مما يزيد من عزلة البلاد ويزيد من الضغوط الدولية على الأطراف المتصارعة للتوصل إلى حل سلمي.
في الختام، يُعد طلب الصين من رعاياها مغادرة السودان نقطة تحول فارقة لا يمكن تجاهلها في مسار الأزمة الراهنة. إنه مؤشر قوي على أن الأزمة السودانية بلغت مستويات حرجة تهدد حتى مصالح القوى العالمية الكبرى. القرار يضع السودان أمام تحدٍ جديد، إذ يجب على الأطراف المتصارعة أن تدرك أن استمرار القتال لا يهدد فقط نسيجهم الوطني، بل يهدد مستقبل علاقاتهم الدولية وفرصهم في التعافي الاقتصادي. فبينما تسعى بكين لحماية أبنائها ومصالحها، تبقى الأنظار متجهة نحو بورتسودان، بانتظار ما إذا كانت هذه الإشارة القوية ستدفع الأطراف المتحاربة نحو إدراك حجم الكارثة وضرورة التوصل إلى حل ينهي هذا النزاع المدمر.
herin20232023@gmail.com