بيوت مملكة السماء
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
ماجد المرهون
أبو عبيدة قال والحق ما قال أبو عبيدة
كانت النساء في أوروبا يهددن العصاة من الصبيان ليدخلوا بيوتهم بأن صلاح الدين سيأتي ليؤدبهم، فينصاعون رعبًا وتوقف بيوت عبادتهم قرع أجراسها عند مرور المُسلمين فيُصمتونها رهبًا؛ حيث إن الترعيب عقيدتهم والترهيب منطلقهم، ويلصقونهما بالغير ويعتقدون أن كل أهل الأرض يحملون هذه الثقافة السائدة لديهم، والمسلم لا يرعب طفلًا ولا يرهب عابدًا ولا يهدم بيتًا.
"وداوها بالتي كانت هي الداء"، باعتبار أن تلك المفاهيم لدى الغرب لم تتبدل، والشعوب لا تتغير، ومن هذا المنطلق، فإن ظهور الفارس المُلثم أمر مُتعمدٍ ومقصود عندما يرسل حِمم كلماته لتصدع جباه الصهاينة من كل الشرائع قبل صواريخه التي تصهر قلوبهم وتسوقهم إلى مخابئهم "كأنَّهُم حمرࣱ مُستَنفِرةࣱ فَرَّت من قَسوَرة"، وتتقاذفهم كوابيس الرعب والهلع التي قُذفت في قلوبهم كما تقاذفهم قاداتهم زيفًا وزورًا، ولم تعد تجدي معهم المسكنات والمهدءات وفي الجانب الآخر القريب وربما لعدة أمتار من تحتهم يستعين رجال المقاومة بقوة الإيمان والصبر والصلاة ويستكينون بالقرآن وذكر الرحمٰن.
يستنكف المسلم من وصفه "بالجبان" ويرسل الصهيوني مقاطع جبنه للعالم ولا يستحي من وصمِهِ بالعار؛ فمذهب الاستعطاف مسلك اتخذوه منذ أن ألقوا أخاهم الطفل في غيابة الجب "وجاءُوا أباهُم عِشاءً يَبكُون"، ويعتمدون على إيجاد من يدافع عنهم على الدوام من خلال صناعة الوهم، إذا ما شعروا بالخوف استصرخوا وانبطحوا وسلموا الرقاب أفرادًا وقطعانًا ومن استعضدهم أو ساندهم عند اشتداد الكرب سيقول "ما أنا بمصرخكم"، بينما تقول المسلمة الحرة من معتلاها المنبور: ذلك الردم كان بيتي وأولئك العابقون بالمسك من أبنائي الشهداء هم الفداء، ثم تضحك بوقارٍ ضحكة المحتسب وفي سكينةٍ وهدوء تغادر لتتفقد ركام بيت الجيران.
من أراد الحقيقة فلينظر لما يحدث، ولكن بطريقة عكسية؛ حيث البيت الأسود المتألق ظاهريًا بالبياض يعمد لبيت الضعيف والبعيد عنه جدًا ليسعد به وهو مكسور ويخرب آخرَ بالكاد هو مجبور فيضحك ملأ شدقيه عندما يراه مهجورًا، أو ليست هذه من صفات الشيطان المطرود من الصفيح الأعلى وهو مدحور؟!
لكن هيهات.. فرب البيت المعمور من فوقهم يدبر الأمور؛ إذ إن قانون السماء ثابتٌ لا يتغير "ولَن تجدَ لسُنَّةِ الله تَبديلًا"، ولم يشهد التاريخ طول نصرٍ لكل متكبر مختال وإن طال به الأمد في فجوره طولًا، وإنما هي أحوال يمد الله فيها للظالمين ليزدادوا علوًا في الأرض حتى إذا أيقنوا أن جورهم حق مكتسب، جاء الوعد "لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ" ولن يخلف الله وعده " وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".
ما أنبل أهل غزة وفلسطين العزة، لا قبب حديدية ولا ملاجئ خرسانية والقصف من فوقهم ومن تحتهم، والخناق عليهم محكم، والحصار من قوى الطغيان والعار؛ إذ باتت بيوتهم قبلة وهم في العراء يفترشون حمد الرحمن، ويتوسدون شكره، ويتلحفون يسره وذكره، وعزاؤهم "قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار".
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مادة “تلتهم” ثاني أكسيد الكربون.. هل تصبح أساس بناء بيوت المستقبل؟
انضم إلى قناتنا على واتساب
شمسان بوست / متابعات:
لو سألت أي مهندس عمّا يبقي المدن واقفة، فستسمع كلمة واحدة تتكرر، إنها الخرسانة، المادة الأكثر استخدامًا في البناء على الكوكب، لكنها تحمل “فاتورة كربون” ثقيلة؛ إذ ترتبط صناعة الخرسانة والأسمنت بانبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.
بل ويقدّر نصيب الخرسانة من انبعاثات هذا الغاز الضارة، بنحو قرابة 8% من الانبعاثات العالمية، وفق ما ورد في تصريحات فريق بحثي بجامعة ووستر بوليتكنك الأميركية.
وأخيرا، قدّم هؤلاء الباحثون مادة إنشائية جديدة اسمها “المادة الإنشائية الإنزيمية”، لا تَعِد فقط بتقليل الانبعاثات، بل تمتص ثاني أكسيد الكربون أثناء التصنيع وتحبسه على هيئة معادن صلبة، وتتماسك خلال ساعات بدلا من أسابيع.
الجوهر الكيميائي للفكرة مستوحى من الطبيعة، فكثير من الكائنات تبني أصدافها بتحويل الكربون الذائب إلى كربونات الكالسيوم (حجر جيري).
استعار فريق جامعة ووستر بوليتكنك المبدأ نفسه، لكن بدلا من النشاط الحيوي يستخدم إنزيما يسرّع تفاعلًا معروفًا في الكيمياء الحيوية، وهو تحويل ثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء إلى “بيكربونات” أو “كربونات”، اللبنات التي تُسهِّل تكوين كربونات الكالسيوم كبلّورات صلبة.
الإنزيم المذكور في هذه الحالة هو “أنهيدراز الكربونيك”، وهو إنزيم يعتمد على الزنك ويشتهر بقدرته على تسريع ترطيب ثاني أكسيد الكربون في الماء.
إنزيم “سحري”
وتُظهر الاختبارات، التي أورد الباحثون نتائجها في دراستهم التي نشرت بدورية “ماتر”، على ملاطّات جيرية أن هذا الإنزيم يمكنه فعلا رفع سرعة تكوّن بلورات من كربونات الكالسيوم وتحسين القوة المبكرة لأن التفاعل يسير أسرع.
بعد ذلك، يستخدم الفريق تقنية تسمى “المعلّقات الشعرية”، وتتمثل في نظام ثلاثي (سائل-سائل-صلب) تُضاف إليه نُقطة من مادة غير ممتزجة لتكوين جسور شعرية بين الحبيبات، فتتشابك تلقائيا في شبكة قوية تشبه الجل.
وبحسب الدراسة، فإن كل متر مكعب من المادة الإنشائية الإنزيمية يمكن أن يحجز أكثر من 6 كيلوغرامات من ثاني أكسيد الكربون، في حين أن مترا مكعبا من الخرسانة التقليدية قد يرتبط بانبعاث نحو 330 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون.
ومن ناحية القوة الميكانيكية، فإن المادة الإنشائية الإنزيمية حققت قوة ضغط في نطاق 25-28 ميغاباسكال، أي قريبة من الحد الأدنى لبعض خرسانات الاستخدام الإنشائي، مع امكانية مقاومة الماء.
تحديات ليست سهلة
هذه الأرقام واعدة، لكنها لا تُغلق النقاش، فالفرق بين “نموذج واعد” و”مادة تدخل كود البناء” يمر باختبارات طويلة للعمر التشغيلي، والتشققات، والدورات الحرارية، والتآكل الكيميائي، وسلوك المادة تحت أحمال متكررة، وهي خطوات عادة ما تكون أطول بكثير، وتطلب المزيد من البحث العلمي.
كما أن التحدي ليس علميًا فقط، بل اقتصادي وتنظيمي أيضا، فما تكلفة الإنزيم؟ وما مدى استقراره في خطوط إنتاج كبيرة؟ وكيف سيندمج في أكواد البناء الحالية؟ يتطلب ذلك أيضا المزيد من البحث.
لكن في النهاية، فإن البحث العلمي في هذا النطاق يسرّع الخطى، لحل واحدة من أكبر مشكلات الكوكب كله، وهي نفث ثاني أكسيد الكربون، والذي يتسبب في الاحتباس الحراري، بما له من أثر ضارب في العالم.