في مخيم جباليا للاجئين بشمال غزة، تلوح في الأفق مأساة إنسانية محتدمة وآمال مستقبلية تتلاشى، كان محمد علي وسهى ناصر مثالين للأمل في غزة، على الرغم من تحديات الحياة اليومية.
انطلقت مسيرتهما التعليمية عندما التحقى ببرنامج قطر للمنح الدراسية، الذي يقدمه برنامج الفاخورة التابع لمؤسسة التعليم فوق الجميع، حاملين حلم أن يصبحا أخصائيي العلاج الطبيعي.


فمن خلال برنامج قطر للمنح الدراسية، تم منح أكثر من 1300 شاب وشابة من الشباب المهمشين واللاجئين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية منحاً دراسية كاملة لمتابعة تعليمهم العالي، مما يوفر لهم طريقًا نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
التقى محمد وسهى لأول مرة كطالبين طموحين يسعيان لتحقيق حلمهما، لم يخطر ببالهما أن ينمو بينهما حب عميق يتحدى الظروف القاهرة، وكانت رحلتهما المشتركة درباً من الإصرار والعمل الجاد والدعم لبعضهما البعض، ومع اجتهادهما في الدراسة، نمت الروابط بينهما بشكل أقوى، كان التزامهما بالتعليم وأحلامهما مصدر إلهام ليس فقط لزملائهم الطلاب ولكل من يعرفهما بتفانيهما وشغفهما بالعلم. وبعد التخرج، بدأ محمد وسهى فصلًا جديدًا، حيث أعادا ما اكتسبوه من معرفة ومهارات إلى مجتمعهم، وكان مستقبلهم مليئا بالوعد، وتزوجا ورزقا بولد جميل.
ولكن وقعت المأساة في اليوم التاسع عشر من الصراع المدمر في غزة، الحرب التي أدت بالفعل إلى فقدان أرواح أكثر من 8500 شخص 67% منهم من النساء والأطفال، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حتى 31 أكتوبر 2023، حيث انهت هذه الحرب حياة شابين مليئتين بالوعود، وكادت أن تودي بحياة الثالث.
في ذلك اليوم المشؤوم، كانت عائلة محمد قد تجمعت في منزلهم بمخيم جباليا المكتظ بالسكان، بحثًا عن الأمان في التواجد مع بعضهم، وفي لحظة واحدة، تحول ملجأهم إلى مشهد لا يمكن تخيله من الرعب، تعرض المخيم لقصف أدى إلى تغيير حياتهم إلى الأبد. 
بشكل مأساوي، فقد محمد وطفله حياتهما، ونجت سهى لكنها تعاني من إصابات خطيرة، بما في ذلك أضرار في العمود الفقري والطحال، وهي الآن تناضل من أجل حياتها في المستشفى الإندونيسي في غزة، وهي تحمل ندوبًا جسدية وعاطفية لذلك اليوم المشؤوم. وتحولت قصة الحب بين محمد وسهى، التي ولدت من أحلام مشتركة وسعي نحو التعليم، إلى رقم في إحصاءات قاتمة، تم تحطيم أحلامهما وحبهما ومستقبلهما فجأة بوحشية الحرب، وتبقى صدى قصتهم خالدًا كتذكير مؤلم بتكاليف الصراعات الإنسانية، وبضرورة حماية أحلام الشباب وطموحاتهم كمحمد وسهى. ومع ذلك، وحتى وقت كتابة هذه السطور، تضررت أكثر من 220 منشأة تعليمية، بما في ذلك بيت الفاخورة التابع لمؤسسة التعليم فوق الجميع، جراء الأعمال العدائية على غزة، إن آثار هذه الحرب سوف تؤثر على تعليم جيل كامل من الشباب، والذين يمثلون الرابط الوحيد لمستقبل مستقر ومزدهر لفلسطين. وبينما ننعى فقدان محمد وابنه وندعو من أجل شفاء سهى، تبقى لدينا أسئلة عالقة، كم من الشباب الواعد مثل محمد وابنه سيفقدون قبل أن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار؟ أليست حياتهم تستحق الحماية؟ لماذا يظل العالم صامتًا أمام مثل هذا الدمار؟ يبدو أنه لا يوجد نهاية في الأفق للمعاناة والألم الذي لا يزال يعصف بغزة.
من سيكون صوت غزة؟ صوت محمد وسهى وابنهما، إلى جانب آلاف الضحايا الآخرين الذين لم تُروى قصصهم بعد؟ هل ستستخدم صوتك لتطالب قادة العالم بوضع حد فوري للقتل العشوائي وهذه المعاناة المستمرة؟ لا يمكن تجاهل صرخات غزة، وقد حان الوقت للعالم لاتخاذ إجراء.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: شمال غزة مخيم جباليا محمد علي

إقرأ أيضاً:

ممنوعون من زيارة بيت لحم.. استعدادات مسيحية خجولة لأعياد الميلاد في غزة

غزة- للعام الثالث على التوالي تغيب شجرة عيد الميلاد عن بيت ليزا الصوري التي قتلها الاحتلال الإسرائيلي برفقة زوجها طارق وطفلها عيسى بصاروخ استهدف كنيسة القديس بيرفيريوس في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة.

مُسحت عائلة ليزا من السجل المدني، وانطفأت معها أضواء الأعياد التي اعتادت إضاءتها كل عام مصحوبة بدعوات السلام.

في غزة، تعود أعياد الميلاد حزينة على المسيحيين الذين اعتادوا أن يبدؤوا احتفالاتهم في منتصف ديسمبر/كانون الأول من كل عام بقرع أجراس الكنائس في البلدة القديمة استعدادا لاستقبال العيد لطائفتي الكاثوليك والأرثوذكس.

لكنّ الحرب الإسرائيلية على غزة قتلت فرحتهم وتركت فيهم جروحا غائرة يصعب التخلص منها.

يعيش في غزة هذه الأيام 667 فلسطينيا مسيحيا فقط (مواقع التواصل)فرحة منقوصة

تحاول مي عياد أن تعيد طقوس عيد الميلاد إلى بيتها بعدما غابت عنه لعامين قضتها بين القصف والجوع والنزوح.

وتقول مي -وهي أم لـ3 أطفال- للجزيرة نت إن صغيرتها مريم لا تعي ما هي شجرة عيد الميلاد، حيث نشبت الحرب وهي في الثانية من عمرها.

لكنها ستحرص هذا العام على اصطحاب أبنائها إلى الكنيسة وقت إضاءة شجرة الميلاد، ليعيشوا الطقوس التي حُرموا منها بسبب الحرب القاتلة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة.

وتشير عياد إلى صغيرتها التي تعرفت على "بابا نويل" من خلال الفيديوهات المتداولة عبر الإنترنت، وراحت تسألها عنه ومتى سيأتي، لكنْ لم تكن لديها إجابات وقت الحرب، متمنية أن يأتي عيد الميلاد بسلام وفرح دون حرب، وأن تجتمع ببقية أفراد عائلتها في الضفة المحتلة.

وللعام الثالث على التوالي تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق معبر بيت حانون (إيرز) وتحرم الفلسطينيين المسيحيين من الوصول إلى مدينة بيت لحم، حيث موسم الحج إلى كنيسة المهد هناك، وذلك في إطار العقوبات الجماعية التي تفرضها على أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع.

إعلان

ورغم أن الاحتلال كان يعرقل سفر الكثير من المسيحيين المقيمين في غزة إلى محافظات الضفة المحتلة في السنوات التي سبقت الحرب فإنه كان يسمح لمرور عدد من النساء وكبار السن، لكنه يمنع حاليا خروج أي منهم.

استهداف متعمد

كانت عياد تحتمي وأسرتها بالكنيسة طوال العدوان الإسرائيلي على غزة، ونجوا من الموت مرات عدة حين كان القصف يشتد حول البلدة القديمة، حيث تتمركز الطائفة المسيحية قرب كنائسها هناك.

واستهدفت إسرائيل خلال الحرب 3 كنائس رئيسية مباشرة، ومنها ما تكرر استهدافها أكثر من مرة، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها وإلحاق أضرار جسيمة بمبانيها التاريخية ومرافقها الخدمية.

ويعيش في غزة هذه الأيام 667 فلسطينيا مسيحيا بعدما قتلت قوات الاحتلال أكثر من 20 منهم خلال حرب الإبادة التي شنتها على القطاع، أي ما يزيد على 3% من إجمالي عددهم، في حين اضطر المئات منهم إلى مغادرة القطاع خلال الأشهر الأولى للحرب، وذلك وفق آخر إحصائية حصلت عليها الجزيرة نت من الجهات الحكومية.

مسيحيو غزة يستعدون لموسم الأعياد بعد عامين من الحرب (مواقع التواصل)غربة قصرية

تعيش عبير متّى تجربة قاسية بعدما خرجت من غزة مرافقة لمصابة لتلقّي العلاج في مصر، ولم تستطع حتى اللحظة العودة إلى القطاع بسبب استمرار إغلاق قوات الاحتلال معبر رفح.

واعتادت عبير في السنوات التي سبقت الحرب أن تحتفل مع بقية أفراد عائلتها المقيمين في محافظات الضفة المحتلة عبر الإنترنت، وذلك بسبب تكرار رفض الاحتلال منحها تصريحا للوصول إليهم.

وتقول للجزيرة نت "جرت العادة أن أضيء شجرة عيد الميلاد في غزة، في حين شقيقتي تضيئها في رام الله، ونحتفل سويا".

وتستذكر عبير كيف كان الحظ يحالف والدتها قبل وفاتها بالسفر إلى بيت لحم لتجلب الهدايا إلى أحفادها، لكن الاحتلال الآن يحرم الجميع من هذه الطقوس.

يذكر أن المسافة بين مدينتي غزة وبيت لحم تُقدّر بـ75 كيلومترا فقط، لكنّ الاحتلال يقطع بحواجزه العسكرية الأواصر بينهما.

محاولة للفرح

بدوره، يقول عضو مجلس وكلاء الكنيسة الأرثوذكسية في غزة إلياس الجلدة إن "عيد الميلاد يأتي هذا العام وحرب غزة قد انتهت إلى حد ما، وننتظر أجواء جديدة لنفرح بالعيد وبأننا نجونا من الحرب المجنونة".

ويضيف الجلدة للجزيرة نت "لا نزال نشعر بالحزن لما خسرناه طوال الحرب من الأفراد والأبنية كحال أهالي القطاع المكلومين، ومع ذلك ننظر بعين الأمل لما هو قادم لتتغير أجواء الحرب وتعود الحياة لغزة".

وأوضح أن الكنيسة شيعت نحو 27 شهيدا مسيحيا قتلتهم إسرائيل خلال قصف أبنية الكنيسة، مشيرا إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة حرم مسيحييها من الاحتفال وإضاءة شجرة عيد الميلاد مرتين.

وذكر أن المرة الأولى التي لم تتم فيها إضاءة فيها شجرة عيد الميلاد كانت في ديسمبر/كانون الأول 2023 وقت حصار الكنيسة في مدينة غزة واقتراب الجيش الإسرائيلي منها، وقبلها بأسابيع قليلة ودّعوا نحو 18 شهيدا مسيحيا فكان من الصعب الاحتفال وسط الظروف القاسية، أما المرة الثانية فكانت في عام 2024 حينما كانت المجاعة تعصف بمدينة غزة وسط الخطر والقصف المستمر.

إعلان

وأشار الجلدة إلى أن هذا العام ستضاء شجرة عيد الميلاد داخل الكنيسة، لمحاولة بث الأمل والفرح للأطفال والعائلات، لإشعارهم أن الفرح قادم وأن أجواء الحرب انتهت.

ولفت إلى أن الاحتلال كان يسمح قبل الحرب على غزة بدخول نحو 400 مسيحي إلى الضفة الغربية والقدس للمشاركة في أعياد الميلاد، في حين يمنع البقية بحجة "دواع أمنية".

وعن أمنيات مسيحيي غزة في عيد الميلاد، يتمنى عضو مجلس وكلاء الكنيسة الأرثوذكسية بغزة انتهاء الحرب وإعمار القطاع، والاستقرار بدلا من النزوح في الخيام وساحات الكنيسة، وإضاءة الشجرة العام المقبل بسلام وأمان.

مقالات مشابهة

  • إعلام: مقتل أكثر من 300 فلسطيني في غزة خلال هجمات إسرائيلية منذ بدء وقف إطلاق النار
  • التوافق الوطني.. هل هو تحالف الفرصة الأخيرة لمعارضي طالبان؟
  • بيتر روف: التطورات العسكرية المتسارعة في أوكرانيا تجعل الأوضاع أكثر تعقيدا
  • المرحلة الثانية من خطة ترامب في غزة.. ترقب فلسطيني وعرقلة إسرائيلية
  • تأخر الإجلاء الطبي يودي بحياة أكثر من 1000 مريض في غزة
  • أكثر من 1.5 مليون نازح في غزة وسط تدهور حاد بالخدمات الأساسية
  • وزير الرياضة يطلق نصف ماراثون الأهرامات 2025 بمشاركة أكثر من 10 آلاف متسابق من 120 دولة
  • ممنوعون من زيارة بيت لحم.. استعدادات مسيحية خجولة لأعياد الميلاد في غزة
  • أكثر من 250 ألف نازح بسبب الأمطار.. بلدية غزة: الأوضاع كارثية (عاجل)
  • مستوطنون يدخلون قطاع غزة أمام أنظار جيش الاحتلال