سودانايل:
2025-06-10@03:13:00 GMT

وداعا استاذنا كمال الجزولي (فارس الكلمة الرصينة)

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا العام يؤرخ عام الكوارث والنكبات والاحزان بامتياز في السودان. وهي مصائب ومحن واهوال تشبه انحطاط وتفاهة وسطوة من يتصدرون المشهد بقبضتهم العسكرية، سواء من جهة قيادة الجيش الجبانة المتخبطة او آل دقلو العملاء المرتزقة، او من جهة انكسارات وتراجعات المؤسسة العسكرية، وسيطرة وهمجية مليشيات الدعم السريع علي جبهات القتال، او من جهة تردي الفلول واصرارهم علي البقاء في المشهد ولو علي اشلاء الوطن، وتبعثر القوي السياسية واعتصامها بمواقفها السابقة، التي لم تورثنا غير الفشل والبوار.


وسط كل هذا الاحباط والنظرة التشاؤمية لمستقبل البلاد، نعي الناعي درة تاج الصحافة السودانية استاذنا الجليل كمال الجزولي، وكأن في الجسد المسخن بالجراح وخيبة الامل وخيانة الامانة، محل لضربات القدر، الذي يبدو انه يتخذ مسار انتقامي من الامة السودانية البائسة.
وبما اننا درجنا في كتابات التأبين والرثاء ذكر محاسن الموتي والصلة الرابطة، بما يضفي قيمة نوعية ومرجعية تاكيدية، غالبا ما يبرع فيها الاصدقاء وتكتسب صدقيتها من المقربين للمؤبن. وهو ما لا اجد لمبتغاه نصيب، لذا اكتفي بسرد انطباعات يجمع بينها الانشغال بالهموم العامة، كتاسيس دولة حديثة ومنظومة حكم ديمقراطية وإعلاء لمكانة حقوق المواطنة وانتهاج طريقة عمل مؤسسية، وباختصار التخلص من حكم وثقافة العسكر لصالح الحكم المدني والثقافة المدنية، كفضاء يمنح الحياة معني ان تكون حياة متحضرة. وهي هموم لطالما كان للجليل كمال الجزولي نصيب الاسد في ترسيخها في ابناء جيلنا واجيال غيرنا.
تعرفت علي كتابات استاذنا كمال اوآخر التسعينات تقريبا، ومن وقتها انعقدت اواصر العلاقة المتينة عبر وسيط الكتابة، وكل ما يتعلق بنشاط عام لكمال يتسني لي الوصول اليه او العلم به. وكتابات وانشطة كمال للذين يهتمون بها ويعرفون قيمتها، تتوزع بين نشر الوعي والاستنارة، والتعريف بالحقوق والدفاع عن النشطاء السياسيين ومن يتعرضون لعسف السلطة، وما يستتبع ذلك من مضايقات (نضال حقوقي يهدف لترسيخ ثقافة الحقوق واحترام دولة القانون، ضد ثقافة الاستقواء بنفوذ الدولة وقوة السلاح). وهذا غير اجتهاداته المضنية لتنزيل مفاهيم العدالة الانتقالية، كقنطرة عبور آمنة للوصول لبر الحكم المدني كهدف استراتيجي.
وإن انسي ما انسي مقالات عتود الدولة التي تحولت لكتاب، وهو يجمع بين الفكاهة والالمحية والتنوير ومقارعة دعاوي واساطين الاسلام السياسي الذين يستثمرون في استثارة العواطف ونشر الاباطيل والضلال، واستغلال الدين لتبرير واستباحة كل شئ باقذر الوسائل!
واهم ما يلفت النظر في كتابات استاذنا كمال، الجدية في التعامل مع الكتابة ومنح الكلمة حقها ومستحقها، لتخرج من بين انامله كالذهب المجمر من جهة المضمون، والخمر المعتق والازاهر الفواحة من جهة الاسلوب. والحال كذلك، وهذا ما يعلمه كل من يتعامل مع كتابات كمال، انها تحتاج لترتيبات مسبقة واستعداد خاص من جانب المتلقي، اي ما يشبه عملية استنفار للحواس وانتباه للتركيز. اي مبادلة الجدية بجدية مقابلة، والاهم ان القارئ معصوم من خيبة الامل، حتي ولو لم يتفق مع المكتوب، وهو ما يندر حدوثه علي كل حال.
وايضا ما ما يميز استاذ كمال باريحيته وتفتق ذهنه، القدرة علي صناعة علاقات نوعية مع المميزين ومد جسور التواصل مع المختلفين سياسيا، ومن دلائل ذلك علاقته الممتازة بالامام الصادق المهدي، ودفاعه عن الترابي بعد ان تعرض للتنكيل من انصاره، بعد صراعهم الداخلي علي السلطة وتكالبهم علي ملذات الحياة. اي دفاع يندرج في السياق الحقوقي المكفول للجميع دون فرز (وهو ما اختلفت معه فيه، لان الترابي شخصية استثنائية ترقي للمسخ الشيطاني، وتاليا يسئ الدفاع عنه لمفهوم الحقوق وقيمتها المجتمعية). والحالة هذه، قلب كمال كعبة عامرة، كسنار عبدالحي، تتلاقي فيها كل التيارات السياسية والثقافات السودانية.
المهم، ظللت دائم الانشداد لافكار وكتابات وعطاءات استاذنا كمال، حتي عندما بدأت استشعر بوادر الاختلاف مع بعض مواقف وكتابات كمال، لم ينتقص ذلك من مكانته شرو نقير، وهي عموما اختلافات قد تكون من طبيعة الاشياء، كاختلاف الخلفيات والامزجة والتجارب. ومن تلك الاختلافات انبهاره بالثورة المهدية، التي اعتبرها ثورة رجعية، رغم جانبها الايجابي المتمثل في التصدي للظلم والانتصار علي البغاة المحتلين، ومرد ذلك بالطبع قوة العزيمة ومورد الطاقة الروحية للدين الذي لا ينضب معينه. وكذلك تعاطفه مع الموقف الجذري، الذي قد يرضي الرغبات ولكن لا تسنده مقومات النجاح، في دولة ظلت مختطفة بقوة السلاح. لتزيد الانقاذ طينتها بلة، بعد ان قضت علي بنية الدولة وحاصرت المجتمع بالارهب والفساد. اي الانقاذ التي اسست للفوضي، افسحت المجال لاكثر الكيانات فوضوية (مليشيا الدعم السريع)، لتصبح له اليد الطولي في تحديد مصير الدولة. وعليه، مجرد استرداد الدولة بحالتها السابقة، يصبح معجزة، ناهيك من تحديد مخططات تلك الدولة كما نشتهي.
وما يؤسف له، ان ما ظل استاذنا كمال يبشر به ويكافح من اجله، كشخصية متمدنة (ابن مدينة كوزمبولوتية كما تسمي نستلوجيا امدرمان)، وقبل ذلك ينتمي لاسرة ارتبط اسمها بالنضال والوعي والانحياز للبسطاء، من موقع التضلع في الثقافة والانخراط في السياسة من الباب العريض. اي ما يطالب به ويدعو له، من مدنية الدولة وحق الشعب في اختيار حكامه والتمتع بثرواته، وعدم استخدام الدين لنيل مآرب سياسية وامتيازات سلطوية ..الخ، مستخدما في ذلك القلم ومستهديا بقيم التنوير، لم يجنِ منه إلا (عنف البادية) علي عهد المقبور نميري، وإرهاب الدواعش الاسلامويين الذين استبدلوا قيم التحضر، بشهوة التسلط ورغبة الاستحواز باحط الوسائل (توطين الاستبداد والفساد)، لينتهي بنا المطاف الي حالة الحرب الوجودية الوحشية الراهنة، التي تستهدف بقاء الدولة وسلامة المجتمع.
وعموما، كتابات استاذ كمال المميزة، واسلوبه الرصين، ومفرداته التي يختارها بحسه الادبي وثقافته الموسوعية، وسط اجواء الكبت واستشراء ثقافة الاستسهال والاستهلاك والاستهبال، كانت اقرب للمصدات والسباحة عكس التيار ورد الاعتبار للرموز الابداعية. وصحيح ان التجريف الثقافي والابداعي، بمخطط اجرامي من دولة التصحر الاسلاموية، اصبح تيار جارف، الشئ الذي افسح المجال لطغيان الاسفاف والابتذال كسمة لكتابات الاسلامويين وانصارهم وصحفهم، لتصعد الي السطح صحف الاثارة والجريمة والفنون السطحية والتسلية لصاحب امتيازها احمد البلال الطيب، وكتابات العنصرية والهوس الديني للطيب مصطفي والخزعبلات والطلاسم لاسحاق فضل الله، وتظهر كتيبة من الصحفيين المتخصصين في لعق حذاء العسكر وتمسيد دقون اساطين الاسلام السياسي، نظير منافع مادية وصحفية واعلامية، من امثال ضياء بلال والطاهر حسن التوم والهندي عزالدين. إلا ان كل ذلك لم يمنع استاذ كمال وصحبه الميامين، من مسك جمر القضايا الوطنية بقوة الكلمة وجزالة العبارة. الامر الذي يذكر بشخصيات حميد كالسرة وامونة والزين ود حامد والضو، كرموز لقيم الاصالة في وجه اعاصير الزيف والظلم والاستبداد. وهو ما يبيح القول علي لسان حميد ان كمال عاش حياته (ماسك الشباطين في الصراع لا بودة لا سوس لا وهن).
لكل ذلك موت استاذنا كمال الجزولي، قد يكون محزن للقلب وصعب الاحتمال، ولكنه من ناحية مقابلة يمنح احساس بكثافة الوعي والتعريف بالحقوق والنضال من اجل القيم الخيرة، باستخدام ارقي اسلوب وانضر عبارة، وهو ما جسدته تجربته في الحياة. وهو ما يعني في الحساب الاخير، ان قيمة ان يكون الشخص رسالة او صاحب رسالة، تتجاوز شخصه كفرد الي ايقونة اشعاع معرفي وانساني وحقوقي ذات تاثير عظيم في الآخرين، هي حياة عصية علي الموت وان فارقت الروح الجسد.
واخيرا
شكرا استاذنا الجليل كما الجزولي، الذي منحنا بحياته جرعة وعي وروح اصرار علي الكدح والكفاح لانجاز الاهداف السامية، ستظل تحتل في عقولنا وقلوبنا، اجمل ذكري واقوي تاثير. والعزاء موصول لافراد اسرته واصدقائه ومعارفه ومعجبيه في كافة ارجاء المعمورة. ويتواصل العزاء لاسر زملاء دراسة ومراتع صبا خطفت ارواحهم هذه الحرب اللعينة. وكامل المسؤولية يتحملها هذا (الهبنقة) المسمي البرهان. ونسال الله ان يعجل عليه غضبه وعذابه، ويجعله عبرة للاولين والآخرين. وانا لله وانا اليه راجعون. ودمتم في رعاية الله.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: کمال الجزولی من جهة وهو ما

إقرأ أيضاً:

شاهد.. الحي الذي نشأ فيه لامين جمال نجم برشلونة

جالت الجزيرة نت في شوارع حي روكافوندا حيث كبر فيها جمال أمام أعين والده وجدته ومن معه من أبناء عمه وجيرانه، وباتت مهاراته تلفت أنظار الجميع في ساحة الحي الذي لم ينسه في خضم شهرته مع برشلونة واحتفاله بالأهداف من خلال الإشارة بيديه للرقم 304 وهو الرمز البريدي لروكافوندا.

في مقهى "إل كوردوبيس" اعتاد منير نصراوي كل صباح أن يحتسي فيها كأسا من القهوة، بينما كان ابنه الصغير لامين جمال يلهو بكرته في أرجاء المقهى وهو ينتظر بحماس أن يصحبه إلى أكاديمية برشلونة "لاماسيا".

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4غوليت يرشح لامين جمال للفوز بالكرة الذهبيةlist 2 of 4لامين جمال نجم برشلونة: الكرة الذهبية ستأتيlist 3 of 4لامين جمال الأعلى قيمة في العالم ومركز مفاجئ لمبابيlist 4 of 4رونالدو يحدد مفتاح الفوز بجائزة الكرة الذهبية 2025end of list

يتحدث صاحب المقهى وصديق العائلة كارلوس سيرانو للجزيرة نت عن هذه اللحظات، ويقول أنه لم يكن يتخيل أن ذلك الطفل ابن الـ5 سنوات والمثير للصخب في المقهى، سيصبح نجما في نادي برشلونة، ولم يبلغ الـ18 من عمره بعد.

الملعب الأول

بعد تناول وجبة الغداء والقيلولة، يحين موعد اللقاء اليومي بين أطفال وشباب الحي للعب كرة القدم على ملعب اسمنتي بسيط يتوسط المساحة بين منطقة لعب مخصصة للأطفال وملعب كرة قدم عشبي كبير مخصص لنادي روكافوندا، يقول القائمون عليه للجزيرة نت إنهم كانوا يتمنون لو أن لامين قد انتسب إليهم يوما ما.

بعيدا عن أشعة الشمس وعلى مدرجات إسمنتية، بدأ مجموعة من اليافعين بالتجمع في انتظار البقية، فبادرتهم الجزيرة نت بالسؤال إن كان أحدهم سبق وأن التقى بابن حيهم لامين أو لعب معه في هذه الساحة وهذا الملعب المتواضع الذي شهد أهداف لامين جمال الأولى.

إعلان

يقول رايان محمدي (21 عاما) إن جمال "كان فتى متواضعا ومن عائلة متواضعة، وكان يأتي دائما للعب معنا هنا عصر كل يوم".

7/6/2025

مقالات مشابهة

  • مش قادر أتعايش معاهم.. إعلامي يهاجم صانعي المحتوى
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. ابن نوح وابن غفير والسفينة
  • فضل الله: الدولة قادرة على حشد عناصر القوة التي تملكها لمواجهة الاعتداءات
  • بالفيديو .. من الشخص الذي أشعل فتيل الخلاف بين ترامب وماسك؟
  • إصابة شخص بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم
  • شاهد.. الحي الذي نشأ فيه لامين جمال نجم برشلونة
  • مايكروسوفت تفاجئ الملايين.. وداعاً لـ«كلمات المرور» وصيف 2025 نقطة التحول
  • من هو الأسير متان تسنجاوكر الذي يحاصر الاحتلال مكان تواجده؟
  • راغب علامة.. "صاحب الصوت الذي لم يخذلنا يومًا"
  • ما هي الشبكات التي تحكم كوكبنا حقا؟