عربي21:
2025-07-05@23:52:34 GMT

حرب إسرائيل الاستعمارية من النهر إلى البحر

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

بعد مرور 140 عاما على بداية الاستعمار الصهيوني لفلسطين، وبعد مرور 75 عاما على إنشاء المستعمرة الاستيطانية "اليهودية"، لا تزال حرب إسرائيل التي تشنها لفرض التفوق العرق اليهودي على الشعب الفلسطيني تتطلب منها قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين. إن استمرار الفلسطينيين، بعد مرور ما يقرب من قرن ونصف من بداية الاستعمار، في مقاومة معذبيهم الصهاينة بكل ما يملكون من قوة، يجعلهم هدفا مشروعا في نظر إسرائيل وحلفائها الغربيين لآلة القتل الإسرائيلية التي تمارس الإبادة الجماعية.



لقد نفدت الصيغ العنصرية من جعبة الصهاينة لوصف الشعب الفلسطيني، وعادوا لتكرار الصيغ القديمة التي استخدمها الجيل السابق من الغزاة الصهاينة. فإن وصف بنيامين نتنياهو حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني بأنها "حرب بين قوى النور وقوى الظلام، بين الإنسانية والحيوانية". وكما هو الحال مع كل ألاعيبه العنصرية السابقة، هو وصف يفتقر إلى الأسبقية. فقد كان المؤسس النمساوي- المجري للحركة الصهيونية ثيودور هرتسل؛ هو الذي وصف المستعمرة الاستيطانية اليهودية المستقبلية في عام 1896 بأنها ستشكل "جزءا من متراس أوروبا ضد آسيا، وقاعدة أمامية للحضارة في مواجهة الهمجية". وبدوره، وصف رئيس المنظمة الصهيونية البيلاروسي حاييم وايزمن الفلسطينيين عام 1936 بـ"قوى الدمار، قوى الصحراء" والمستعمرين اليهود بـ"قوى الحضارة والبناء". في الواقع، كان وايزمان قد وصف الغزو الصهيوني لفلسطين بأنه "حرب الصحراء القديمة ضد الحضارة، لكننا لن نتوقف".

إن مثل هذه الأوصاف العنصرية والإبادية لا تقتصر على الصهيونية؛ بل هي نموذجية لجميع الشعوب المستعمِرة. فعندما غزا الفرنسيون كاليدونيا الجديدة ووضعوا سكانها الكاناك الأصليين الذين نجوا من عمليات القتل في محميات بعد سرقة أراضيهم، وصف الفرنسيون مقاومة الكاناك لإبادتهم بأنها حرب "الوحشية ضد الحضارة"، وعندما غزت بريطانيا مصر واحتلتها عام 1882، وصفت حربها بأنها "صراع بين الحضارة والهمجية". وأمثلة ذلك في الأرشيف الاستعماري وافرة.

أما نتنياهو، وهو من أصول بولندية، فليس فريدا في توصيفاته العنصرية، بل هو نموذج لجميع قادة إسرائيل، الذين -شأنهم شأن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، وهو من أصول ليتوانية- يشيرون إلى إسرائيل على أنها "فيلا في الغابة"، أو وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي يوآف غالانت، وهو من أصول بولندية، الذي وصف الفلسطينيين في اليوم الثالث من الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الحالية بأنهم "حيوانات بشرية".

تشكل دعوات نتنياهو جزءا من الربط الصهيوني الأسطوري بين استعمار اليهود الأوروبيين والعبرانيين القدماء من أجل الزعم بأن أصول اليهود من فلسطين. لكن هذه الأساطير الصهيونية تتناقض مع النصوص التوراتية التي تعتمد عليها، والتي تخبرنا أنه حتى العبرانيون القدماء لم يكونوا من السكان الأصليين لفلسطين، بل كانوا غزاة لأرض كنعان
أما فيما يتعلق بالخطاب الديني الذي يستخدمه الصهاينة "العلمانيون" دائما لتبرير غزوهم لفلسطين، فهو ليس بعيدا أبدا عن الخطاب الرسمي الإسرائيلي. فقد أمر نتنياهو قواته الاستعمارية أثناء قيامها بمهمتها لإبادة الشعب الفلسطيني بأن "يتذكروا ما فعله العمالقة بكم، كما يقول كتابنا المقدس. فنحن نتذكر". وهذا الخطاب التوراتي ليس أكثر من أحدث استخدام للنصوص التوراتية في الحلبة السياسية. وكان الرب اليهودي قد أمر شعبه قائلا: "الآن اذهبوا وهاجموا العمالقة ودمروا كل ما لهم تدميرا كاملا. لا تدخروهم. اقتلوا الرجال والنساء والأطفال والرضع والبقر، والغنم، والجمال، والحمير". يبدو أن نتنياهو يقوم بتطبيق هذه الوصية على الشعب الفلسطيني بحذافيرها.

وتشكل دعوات نتنياهو جزءا من الربط الصهيوني الأسطوري بين استعمار اليهود الأوروبيين والعبرانيين القدماء من أجل الزعم بأن أصول اليهود من فلسطين. لكن هذه الأساطير الصهيونية تتناقض مع النصوص التوراتية التي تعتمد عليها، والتي تخبرنا أنه حتى العبرانيون القدماء لم يكونوا من السكان الأصليين لفلسطين، بل كانوا غزاة لأرض كنعان. وهذا ما دفع إدوارد سعيد ذات مرة إلى الرد على هذه الرواية الصهيونية الزائفة في مقالة عنوانها "قراءة كنعانية" لتلك الأساطير.

ولإخفاء طبيعة الغزو الصهيوني والتاريخ الدموي للمستعمرين اليهود في فلسطين، فقد أمطرتنا إسرائيل ووسائل الإعلام الغربية بالادعاء البغيض بأن هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي شنته حماس كان الهجوم الأكثر دموية على اليهود "منذ المحرقة". وتعود المحاولات الإسرائيلية والصهيونية النشطة لتصوير الفلسطينيين كمعادين للسامية وكنازيين إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي على التوالي. إن الهدف من هذه الدعاية الحالية هو تحويل النضال الفلسطيني من نضال مناهض للاستعمار إلى نضال معاد للسامية، لكسب التعاطف العالمي مع إسرائيل.

إن تصوير الجنود والمدنيين الإسرائيليين الذين لقوا حتفهم في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كضحايا لمعاداة السامية يهدف بوضوح إلى إخفاء حقيقة مفادها أنه عندما يهاجم الفلسطينيون إسرائيل واليهود الإسرائيليين، فإنهم يهاجمونهم كمستعمِرين، وليس كيهود. إن محاولة تبرئة إسرائيل ومواطنيها اليهود من جريمة الاستعمار الاستيطاني والتفوق العرقي من خلال مقارنتهم باليهود الأوروبيين الذين استهدفتهم معاداة السامية فقط لأنهم يهود، ليست بحد ذاتها معادية للسامية فحسب، ولكنها أيضا تقوم بتشويه الذاكرة عبر طرح اليهود الذين سقطوا خلال الحرب العالمية الثانية على أنهم كانوا مرتبطين بطريقة أو بأخرى بالمستعمرة الاستيطانية اليهودية في إسرائيل، والتي لم يزل يقاومها الفلسطينيون بسبب نظام التفوق العرقي والاستعمار الاستيطاني التي أسسته وليس بسبب يهوديتها. إن القول بأن الفلسطينيين ما كانوا ليقاوموا مستعمريهم لو كان الأخيرون مسيحيين أو مسلمين أو هندوسا وأنهم يقاومونهم فقط لأنهم يهود؛ هو من السخافة بمكان حيث لا يستحق أكثر من الازدراء.

محاولة تبرئة إسرائيل ومواطنيها اليهود من جريمة الاستعمار الاستيطاني والتفوق العرقي من خلال مقارنتهم باليهود الأوروبيين الذين استهدفتهم معاداة السامية فقط لأنهم يهود، ليست بحد ذاتها معادية للسامية فحسب، ولكنها أيضا تقوم بتشويه الذاكرة عبر طرح اليهود الذين سقطوا خلال الحرب العالمية الثانية على أنهم كانوا مرتبطين بطريقة أو بأخرى بالمستعمرة الاستيطانية اليهودية في إسرائيل، والتي لم يزل يقاومها الفلسطينيون بسبب نظام التفوق العرقي والاستعمار الاستيطاني التي أسسته وليس بسبب يهوديتها
أما قيام إسرائيل وأنصارها بإعادة تسمية المقاومة الفلسطينية على أنها معاداة للسامية إنما هي تعكس الرعب الإمبريالي والعنصري الأمريكي الأخير من استخدام هتاف "من النهر إلى البحر" في التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، والتي يسعى الصهاينة أيضا لتلطيخها بتهمة معاداة السامية. إن هتاف "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر" كما يستخدم بالإنجليزية، يعني أن فلسطين التاريخية بأكملها يجب أن تتحرر من نظام الامتيازات الاستعمارية والتفوق العرقي اليهودي، وأن جميع المؤسسات والقوانين العنصرية الإسرائيلية يجب أن تُلغى من "النهر إلى البحر" كي يتحرر الفلسطينيون.

أما نظام الفصل العنصري الأقل همجية بعض الشيء والذي يمارس داخل حدود 1948 على فلسطينيي الداخل من "مواطني إسرائيل"،فقد انتقل منذ الشهر الماضي إلى نظام مماثل تقريبا في إجراءاته القمعية الصارمة للنظام العنصري القائم في الضفة الغربية؛ حيث تستمر المذابح ضد الفلسطينيين على أيدي المستوطنين وجيش الاحتلال. لكن يبدو أن أمورا كهذه غير ذات صلة عند أولئك الذين يشوهون معنى هذا الهتاف.

يصر المعترضون على هذا الهتاف، لا سيما أولئك الذين يزعمون أنهم يدعمون حل الدولتين، على أنهم يدعمون إسقاط الاحتلال الإسرائيلي والتفوق العرقي اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنهم يعترضون بشدة على إسقاطه داخل إسرائيل نفسها. فما تطرحه هذه الحجج الصهيونية في نهاية المطاف هو أن الهوية اليهودية اليوم تتضمن في جوهرها إقامة نظام تفوق عرقي يهودي على غير اليهود واستعمار أراضي الآخرين، وأن أي شخص يعارض أيا من هذين الأمرين، بحسب هذا التعريف الصهيوني، هو معاد للسامية. لكن ما هو معاد للسامية في حقيقة الأمر هو ليس إلا هذا الإسقاط الصهيوني والإسرائيلي لقيم الاستعمار الاستيطاني والتفوق العرقي اليهودي كجوهر الهوية اليهودية على اليهود واليهودية، بينما هي ليست إلا جوهر الهوية الصهيونية.

إن إجماع الحكومات ووسائل الإعلام الغربية على الدفاع عن إسرائيل اليوم، رغم ما يثيره من دهشة لدى البعض، لا يختلف عن الإجماع الغربي على دعم المستعمِرين الأوروبيين ضد السكان الأصليين المستعمَرين منذ بزوغ الاستعمار الأوروبي. فعلى سبيل المثال لا الحصر كان "الديمقراطي" الفرنسي المحبوب ألكسيس دو توكفيل في القرن التاسع عشر هو من برر الاستعمار الفرنسي في الجزائر قائلا: "لقد سمعت كثيرا رجالا أحترمهم، ولكني لا أتفق معهم، يجدون أنه من الخطأ أن نحرق المحاصيل، وأن نفرغ صوامع القمح، وحتى أن نعتقل الرجال والنساء والأطفال العزل. هذه في نظري ضرورات مؤسفة، لكن لا بد لأي شعب يريد شن حرب على العرب أن يلتزم بها". أما الأيقونة الليبرالية البريطاني جون ستيوارت ميل، فقد كان هو الآخر واضحا في أن "الاستبداد هو أسلوب شرعي للحكم في التعامل مع البرابرة".

وفي أثناء الإبادة الجماعية الألمانية لشعب الهيريرو في ناميبيا في أوائل القرن العشرين، كان الديمقراطيون الاشتراكيون الألمان عنصريين تماما شأنهم شأن المحافظين والليبراليين. ففي رده على الوصف العنصري لشعب الهيريرو من قبل البرلمانيين المحافظين والليبراليين على حد سواء، الذين اعتبروا الهيريرو "وحوشا" غير إنسانية، وافق أوغست بيبل، زعيم الديمقراطيين الاشتراكيين الألمان في البرلمان، على الرغم من تعاطفه مع نضال شعب الهيريرو، على أن شعب الهيريرو ليس متحضرا: "لقد أكدت مرارا وتكرارا أنهم شعب متوحش ومنخفض المستوى جدا في الثقافة". وقد شارك أعضاء كومونة باريس الفرنسيون، الذين تم نفيهم إلى كاليدونيا الجديدة بغية إصلاحهم بعد قمع انتفاضة كومونة باريس عام 1871، بنشاط في الإبادة الجماعية لشعب الكاناك الأصليين.

وقد تساءل بعض المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا كيف يمكن لبعض اليهود الإسرائيليين تنظيم مهرجان موسيقى على بعد خمس كيلومترات من معسكر الاعتقال والسجن الكبير الذي هو غزة، حيث قُتل العشرات منهم في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. لكن آخرين قد وضحوا بأن "حفلات الطبيعة في الهواء الطلق، أو المهرجانات الموسيقية في وديان إسرائيل المشجرة والصحاري الجنوبية، هي هواية شعبية منتشرة بين الشباب الإسرائيلي".

وهذا ليس وضعا مقصورا على الإسرائيليين، فقد صرح المدعي العام الجنوب أفريقي في مستعمرة ناميبيا الاستيطانية التي كانت تحتلها جنوب أفريقيا في عام 1983، أن "المجتمع الأبيض ليس لديه أدنى فكرة عما يحدث في منطقة العمليات"، حيث كانت مقاومة السود على أشدها. وأضاف أن "البيض في جنوب البلاد يواصلون إقامة الحفلات". وقد أوضح مؤرخو النضال الناميبي أنه "لا غرابة في أن البيض نتيجة تعودهم على غض الطرف عن المقاومة المحتدة في ضواحي السود التي لا تبعد أكثر من خمسة أميال عن منازلهم، قد تجاهلوا الحرب القائمة بالقرب منهم".

جرائم حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في غزة ليست سوى الأحدث في تاريخ طويل من الفظائع الاستعمارية لحماية التفوق الأوروبي الأبيض في آخر مستعمرة استيطانية له في آسيا. لكن ما يرفض العنصريون البيض الاعتراف به هو أن الشعب الفلسطيني لن يتوقف عن مقاومة إسرائيل حتى تتم هزيمة نظام الفصل العنصري
ما يلفت النظر في الإجماع الغربي المناهض للفلسطينيين اليوم هو حقيقة أن الأكاديمية الغربية، التي كانت في السابق دعامة أساسية لنصرة إسرائيل، قد فضحت في الأعوام الأربعين الماضية جميع المزاعم الصهيونية المركزية لإسرائيل، بدءا من المزاعم التي تدعي حق اليهود في أرض الفلسطينيين وانتهاء بادعاءاتها بأن "ديمقراطية" العرق المتفوق الممأسسة فيها هي بالفعل "ديمقراطية" تنطبق على الجميع. لكن لم يكن لأي من هذا أي تأثير على الحكومات الغربية أو وسائل الإعلام في تصويرها لإسرائيل أو الفلسطينيين.

يكشف استمرار استخدام الاستشراق والمستشرقين، ناهيك عن الصهاينة المتعصبين المؤيدين لإسرائيل، كمستشارين ومخبرين للحكومات ووسائل الإعلام بعد 11 أيلول/ سبتمبر، بما في ذلك برنارد لويس وآخرون الذين فقدت أعمالهم مصداقيتها منذ السبعينيات، التزام القوى السياسية الغربية الصارم بتفوق العرق الأبيض وإصرارها على أن الصهيونية الاستشراقية والعنصرية المعادية للعرب والمسلمين فقط هي التي سيتم استدعاؤها للمساعدة في تنفيذ المشاريع الإمبريالية. وما يشير إليه هذا الالتزام بوضوح هو أن المعرفة والعلوم الأكاديمية الغربية التي تعزز سيطرة الإمبريالية وتفوق العرق الأبيض هي فقط التي يتم تجنيدها لدعم المشاريع الإمبريالية، في حين أن أي معرفة أو دراسات يمكن أن تصرف الانتباه عن الأهداف الإمبريالية فإنها تعتبر غير ذات صلة أو تفقد مصداقيتها وتخضع للرقابة.

لا يزال عالمنا منقسما أكثر من أي وقت مضى بين قوى تفوق العرق الأبيض بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وضحاياها من غير البيض. إن جرائم حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في غزة ليست سوى الأحدث في تاريخ طويل من الفظائع الاستعمارية لحماية التفوق الأوروبي الأبيض في آخر مستعمرة استيطانية له في آسيا. لكن ما يرفض العنصريون البيض الاعتراف به هو أن الشعب الفلسطيني لن يتوقف عن مقاومة إسرائيل حتى تتم هزيمة نظام الفصل العنصري ونظام تفوق العرق اليهودي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليهودية إسرائيل الفلسطيني الفصل العنصري إسرائيل فلسطين الفصل العنصري اليهود الإستعمار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة الشعب الفلسطینی النهر إلى البحر معاداة السامیة الیهود من أکثر من على أن

إقرأ أيضاً:

هزيمة الصهيونية

حاتم الطائي 

 

إسرائيل وبدعم أمريكي سعت لرفع علامة نصر زائفة في حربها مع إيران

◄ 12 مليار دولار الخسائر الأولية لإسرائيل في "حرب الأيام الـ12"

◄ رماد الحرب لم ينطفئ.. واشتعال نيرانها سيقود لمآسٍ غير مسبوقة

 

 

في الوقت الذي يتباهى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنَّه "دمَّر" البرنامج النووي الإيراني، مُستخدمًا 12 قنبلة من طراز "جي بي يو-57"- والتي يجب أن تكون محرَّمة دوليًا؛ حيث تزن القنبلة الواحدة منها أكثر من 30 ألف رطل- تتواصل التقارير الاستخباراتية والإعلامية الأمريكية التي تُفيد بأنَّ المفاعلات النووية الإيرانية لم يلحق بها ضرر كبير؛ بل ذهب كثيرون إلى أن القصف الأمريكي الغاشم على المفاعلات الإيرانية لم يكن سوى قصف لهياكل خرسانية لا قيمة لها.

تقييمات أجهزة الاستخبارات التي أوردتها شبكة "سي إن إن" الأمريكية أكدت أن الضربات الأمريكية لم تؤثر على عمليات تخصيب اليورانيوم، ويأتي ذلك بالتزامن مع تأكيدات بأن الإيرانيين نقلوا اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي إلى مواقع آمنة، قبل أيام من القصف الأمريكي. هذه المعلومات وغيرها مما يتوالى تباعًا تؤكد أن الطرف الأمريكي ومن ورائه الإسرائيلي، قد سعيا فقط إلى رفع علامة نصر زائفة، بعدما نجحت الصواريخ الإيرانية بأنواعها وأحجامها وقدراتها النوعية والمختلفة، في دك مدن الاحتلال الإسرائيلي، مثل تل أبيب وحيفا وبئر السبع وغيرها، وأصبحت المشاهد التي كان يراها الإسرائيلي في غزة، تنتشر في هذه المدن، وظل الإسرائيليون مختبئين في الملاجئ طيلة 12 يومًا، استطاعت إيران فيها ولأوَّل مرة في تاريخ المواجهات مع الكيان الصهيوني، أن تقصف العمق الإسرائيلي، وتُدمِّر البنية التحتية العسكرية، خاصة مقرات قيادة جيش الاحتلال وقيادة جهاز المخابرات "الموساد"، وقيادة جهاز المخابرات العسكرية "أمان"، ومعهد وايزمان للعلوم المعروف بأنَّه "العقل النووي" لإسرائيل.

هذه الحرب- التي بدا للبعض في مُستهلها أنَّ إسرائيل حققت نصرًا على إيران باغتيال عدد من قادتها العسكريين والأمنيين والعلماء النوويين- انقلبت وبالًا وخسرانًا على هذا الكيان العدواني المُجرم؛ إذ لم تتردد إيران في الرد بكل قوة، مُرتكزة على قدراتها العسكرية الهائلة، وتماسكها الداخلي المتين، وهذه نقطة حاولت إسرائيل والولايات المتحدة اللعب عليها، واستغلالها، ظنًا منهما أنَّ النظام الإيراني سيسقط من داخله، وقد استعانت إسرائيل في ذلك بعملاء وجواسيس على الأرض، لكن المؤسسات الإيرانية، التي تُشكِّل "الدولة العميقة"، نجحت بجدارة في الحفاظ على اللُحمة الوطنية، واستمرت هذه اللُحمة حتى بعد انتصار إيران على إسرائيل. ولا شك أنَّ مشهد الجنازات المهيبة التي شُيِّع فيها القادة والعلماء الذين اغتالتهم يد الغدر الصهيونية، أبلغ دليل على تماسك الشعب الإيراني خلف قيادته، إدراكًا منه بأهمية الحفاظ على كيان الدولة من الانهيار، حتى لو اختلف البعض منهم مع السياسات، لكنهم يتفقون على الوطن الإيراني.

خسائر إسرائيل في حربها مع إيران، فاقت كل التوقعات، إذ تُشير تقديرات موثَّقة إلى أن الكيان الصهيوني كان يتكبّد يوميًا مليار دولار أمريكي، ما يعني 12 مليار دولار خلال أيام الحرب، وهذه فاتورة ضخمة لا تستطيع أمريكا الوفاء بها لإسرائيل أو تقديم "خطة مارشال" إسرائيلية على غرار "مارشال الأوروبية" في أعقاب الحرب العالمية الثانية. لذلك نرى أنَّ استعراض ترامب للعضلات الأمريكية، من خلال قنابل "بانكر باستر" الخارقة للتحصينات، ليست سوى إخراج هوليودي عديم القيمة، حاول من خلالها ترامب إثبات أنه صاحب البصمة الأخيرة في هذه الحرب، ودعمًا منه لصديقه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، لإخراجه من أزمته الطاحنة. لكن ما لم يُدركه ترامب ولا المجرم نتنياهو، أن الإيرانيين أُمة، وليست دولة تضم مواطنين ورعايا، والأُمة تدافع عن حقها حتى آخر رجل منها، لذلك ومع تدخل ترامب وإعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، لقّنت إيران إسرائيل والولايات المتحدة درسًا لا يُنسى؛ حيث استبقت دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وقصفت مواقع استخباراتية وعسكرية ومخازن سلاح، وألحقت بها أضرارًا غير مسبوقة.

والوضع الراهن أشبه بمرحلة اللاسلم واللاحرب، فبينما توقفت الصواريخ وربضت الطائرات المُقاتلة في حظائرها، إلّا أن ما يُمكن أن يُدبر في الخفاء، قد يُفضي إلى ما هو أعظم مما شاهدناه على مدى 12 يومًا، ولذلك ربما تعمل إيران حاليًا على تسريع وتيرة زيادة تسليحها النوعي وخاصةً ما يتعلق بالدفاعات الجوية، وقد تواترت أنباء عن صفقات مرتقبة بين إيران والصين، لشراء مقاتلات صينية متعددة المهام، فضلًا عن أنظمة دفاع جوي لمواجهة أي انتهاك للسيادة الإيرانية.

وهنا يجب أن نقف على أبعاد الموقفين الصيني والروسي؛ حيث اعتقد البعض أنَّ كلًا من بكين وموسكو، لم يُبديا رغبة في الدخول في مواجهات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، من خلال دعم طهران، عسكريًا، بينما أظهرت الصين وروسيا، دعمًا سياسيًا قويًا للغاية، سواء من خلال البيانات الدبلوماسية المُستنكرة للعدوان الإسرائيلي ثم الأمريكي، أو بتلمحيات عن أهمية تسليح إيران. وليس أبلغ من ذلك، تصريح ديميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، والرئيس الروسي السابق، بأنَّ إيران قد تحصل على سلاح نووي (رؤوس نووية) من أي طرف، ولا شك أن رجلاً بحجم ميدفيديف لا يمزح ولا يُلقي بالتصريحات جزافًا؛ بل هو يعلم يقينًا ما ينطق به. وهذا يعني أننا أمام احتمالين واردين؛ الأول أن إيران ربما تكون غيّرت عقيدتها النووية، وقررت امتلاك سلاح نووي، ليس من أجل العدوان على أحد، لكن بهدف الردع، وفي ذلك لن تكون إيران قد خالفت فتوى المرشد الأعلى الذي حرَّم استخدام السلاح النووي في الضربات العسكرية. أما الاحتمال الثاني، فيُشير إلى الخطوة التالية، وهي إما تصنيع السلاح النووي، من خلال اليورانيوم المُخصب بنسبة 60% والذي تملك إيران منه حاليًا أكثر من 400 كيلوجرام، وهي نسبة وكمية يقول الخبراء النوويون إنها قادرة على تصنيع سلاح نووي، لكن ليس بنفس كفاءة وقوة تدمير اليورانيوم المُخصَّب بنسبة 90 أو 95%. أو لربما تلجأ إلى شراء السلاح مباشرة من أي دولة نووية، مثل كوريا الشمالية أو الصين أو روسيا ذاتها!

المشهد الضبابي القائم حاليًا، يثير شهية بعض الأطراف لأداء أدوار بعينها، أو لتنفيذ مُخططات؛ فالمنطقة باتت تعيش فوق تنُّور ضخم، يتصاعد اللهب منه ولا أحد يعلم كيفية تفاديه، لكن هناك من يجمع الخيوط ويعُد العُدة لتفجير مُفاجآت، البعض منها مُتوقّع والآخر ربما لا. وهذا التوقعات لا تنفصل أبدًا عن قضية غزة الجريحة، التي ما تزال تنزف دمًا، في مذابح المساعدات، والطحين المعجون بدماء الأبرياء من سكان غزة الأبية. ويؤكد ذلك التسريبات المتتالية عن اعتزام الرئيس الأمريكي الإعلان عن وقف لإطلاق النار في غزة، وتنفيذ هدنة تستمر لمدة 60 يومًا، ومن بعدها يجري الاتفاق على وقف دائم ومستدام لإطلاق النار، بالتوازي مع إبرام اتفاقيات تطبيع أو معاهدات أمنية مع بعض الدول العربية، والمرشح الأبرز في هذا السياق: سوريا.

واختيار سوريا لم يكن عشوائيًا أو اعتباطيًا؛ بل قائم على رهانات محسوبة، تستهدف في المقام الأول والأخير، قطع شريان الإمدادات نهائيًا عن المقاومة في لبنان، وتهيئة الأجواء للتخلص من الحشد الشعبي في العراق بعد ذلك، من خلال كتائب ومليشيات طائفية مسلحة، تتقاتل فيما بينها؛ الأمر الذي سيضمن لإسرائيل مسلكًا سهلًا نحو إيران، إذا ما أرادت أن تُكرر مقامرتها الخاسرة مجددًا.

ويبقى القول.. إنَّ الهزيمة النكراء لإسرائيل في حربها مع إيران، ومحاولات دعم الولايات المتحدة لها والتغطية على هذه الهزيمة، تؤكد أنَّ هذا الكيان الهش ليس سوى نمر من ورق، ويتعين على دول المنطقة الاتحاد والوحدة لمواجهة أي عربدة صهيونية، تستهدف أمننا واستقرارنا، وهو ما يفرض بالتبعية الاعتماد على الذات، وتعزيز الوعي الشعبي بالمخاطر التي تُحدِّق بِنا، والسعي نحو الانعتاق من الهيمنة الأمريكية، التي لا تستهدف سوى سلب إرادة الدول بعد نهب مواردها وخيراتها، وما دون ذلك سيُفضي إلى مزيد من الهزائم النفسية قبل المادية، وسيسمح لثُلة من المتطرفين الصهاينة وتيار اليمين الأمريكي، أن يفرض سطوته على المنطقة، وتنفيذ مخططاتهم لما يصفونه بـ"شرق أوسط جديد"، أشبه بجمهوريات الموز والحدائق الخلفية للقوى الإمبريالية. وفي المرحلة القادمة الخوف كل الخوف من انزلاق بعض الدول العربية في تطبيع مجاني مع الكيان الصهيوني دون إعلان للدولة الفلسطينية حسب مخطط ترامب فيما يعرف بـ"مشروع الدرع الإبراهيمي"، الأمر الذي سيفقد هذه الدول شرعيتها وما تبقى من شعبيتها الفقيرة، ومما سيعرض المنطقة لانفجارات مستقبلية قادمة، ويحرمها من فرص السلام والتنمية، وهذا ما يريده ويطمح إليه أعداء الأمة "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

مقالات مشابهة

  • هزيمة الصهيونية
  • سوريون حاولوا اجتياز النهر عند جسر القاسمية - الداخلي.. هذا ما وجد في هواتفهم
  • مصادر: التعديلات اللبنانية ستنص على تنفيذ مرحلي لتسليم السلاح بما يضمن إلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها
  • ‏أردوغان يعلن أنه طلب من ترامب التدخل بشأن إطلاق النار على الفلسطينيين الذين ينتظرون المساعدات في غزة
  • لأول مرة منذ قرن.. فرنسا تفتح نهر السين للسباحة العامة
  • هند الضاوي: اليهود قرروا مقاطعة الظهور معي بعد مناظرتي مع إيدي كوهين
  • لأول مرة منذ قرن.. باريس تفتح نهر السين أمام السباحة العامة
  • إسرائيل تحدد الرهائن الذين تعتبرهم أولوية بصفقة غزة المحتملة
  • بعد قرن من الحظر.. فرنسا تسمح بالسباحة في نهر السين
  • حماية الصحفيين الفلسطينيين تؤكد اغتيال “إسرائيل” صحفياً كل 60 ساعة