يثير مصطلح "عبء الرجل الأبيض" في الفترة الحالية عاصفة من النقاشات حامية الوطيس، حيث صار محملا بمعان وقضايا شتى، مثل آفاق التحرر والعدالة الاجتماعية والاستعمار والعنصرية والتفاوت الاقتصادي بين الأعراق.

كما يستخدم المصطلح أحيانا لتجميل جرائم الرجل الأبيض في القارات والبلدان المستعمرة كي يقلل مقدار التمييز العنصري الذي تمت ممارسته ضد الشعوب غير البيضاء.

الحال لم يكن دوما هكذا، فالمصطلح في بداية ظهوره وتداوله كان يشير إلى المسؤولية التاريخية والاجتماعية المفروضة على الرجل الأبيض (الأوروبي) نتيجة التفوق الاقتصادي والقوة السياسية اللذين حظي بهما لعدة قرون، تلك المسؤولية تفرض على الرجل الأبيض الذي يمتلك القدرة على السيطرة والتحكم في العالم ومصير الشعوب الأخرى أن يُخرج الشعوب المتخلفة مما هي فيه.

أصل المصطلح ونشأته

انطلقت شهرة المصطلح عبر رسام الكاريكاتير الأميركي فريدريك فيكتور جيلم (1858-1920) الذي رسم سلسلة من أكثر الرسومات الكاريكاتيرية عنصرية في التاريخ حملت عنوان "عبء الرجل الأبيض".

كانت السلسلة رسوما توضيحية لقصيدة "عبء الرجل الأبيض" التي كتبها روديارد كيبلينغ عام 1899، وتتبنى القصيدة الموقف الإمبريالي الذي يرى أن مسؤولية الأوروبيين والأميركيين البيض هي نقل الحضارة إلى شعوب الدول المستعمرة.

تصور القصيدة واجب الرجل الأبيض على أنه عبء نبيل، مما يعني أنه التزام أخلاقي بجلب الحضارة والتعليم والتقدم إلى شعوب العالم "المتوحشة" و"غير المتحضرة"، كما تعكس القصيدة المواقف السائدة في ذلك الوقت مثل الشعور بالتفوق والأبوة البطريركية التي بررت بها أوروبا والولايات المتحدة استعمار أفريقيا وآسيا ومناطق أخرى.

الرسمة الأولى

تصور الرسمة الأولى -التي تحمل نفس عنوان القصيدة- الولايات المتحدة بشخصية "العم سام" وبريطانيا بشخصية "جون بول" كرجلين متحضرين يحملان شعوب دول مثل مصر والسودان والفلبين والهند على ظهريهما كي ينقلاهم من التخلف إلى الحضارة، في مسار وعر يعكس "روحا بطولية" و"تضحية" من أجل تلك الشعوب.

رسمة "عبء الرجل الأبيض" (إيه بي آي. إن دي إل أيه" الرسمة الثانية

تأتي الرسمة الثانية بعنوان "البداية الجيدة نصف الإنجاز"، رسمها جيلم عام 1899، ويعكس فيها طموحات أميركا الإمبريالية بعد انتصار سريع وشامل في الحرب الأميركية الإسبانية عام 1898.

وسوقت الرسمة لصالح مشروع قناة نيكاراغوا التي من شأنها أن تعزز التوسع الأميركي.

تصور الخريطة الولايات المتحدة وإمبراطوريتها الجديدة التي تغطي الكرة الأرضية، فيما تحدد الأعلام كوبا وبورتوريكو كأراض أميركية، إلى جانب ألاسكا والفلبين وهاواي، فيما يقف الرئيس وليام ماكينلي مثل تمثال عملاق فوق خليج المكسيك يمده العم سام بحفنة من الأدوات لمساعدته في حفر القناة.

رسمة "البداية الجيدة نصف الإنجاز" (جامعة كورنيل) الرسمة الثالثة

تحمل الرسمة الثالثة عنوان "المهاجر.. هل هو مكسب أم ضرر؟"، رسمت عام 1903، ويصور فيها جيلم رجلا ضخم الجسد على أنه هو المهاجر، يقف في مركز الرسمة ويحمل صندوقا كُتب عليه بالإنجليزية "مليون مهاجر دخلوا الولايات المتحدة حتى الآن".

ويقف حول الرجل بعض الأشخاص صغار الحجم مقارنة به وهم أفراد المجتمع الأميركي ومعهم العم سام، ويحمل أحدهم لافتة كُتب عليها "إنه خطر"، وآخر يحمل لافتة كُتب عليها "سيأخذ عملي"، وفي لافتة أخرى نقرأ "إنه لغز بالنسبة لي"، أما العام سام فيحمل لافتة كُتب عليها "إنه ملون وقوي البنية من أجل مجتمعي".

رسمة "المهاجر.. هل هو مكسب أم ضرر؟" (ويكيميديا)

تطول السلسلة التي تبنت رسوما عنصرية تحتوي على إساءات لفظية لأعراق مختلفة، وتبنت خطابا يمجد الرجل الأبيض المتفوق عرقيا وحضاريا والذي يهدف للسيطرة والتوسع الاستعماري كي يحول تلك الشعوب المتخلفة إلى دول متحضرة.

وقد غفل جيلم أو تغافل عن أن تلك الدول الإمبريالية استغلت موارد البلدان المستعمرة لصالحها، سواء كانت الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والفحم، أو قوى العمل المتاحة بأجور منخفضة، خاصة في أفريقيا وآسيا.

وغفل جيلم أو تغافل أيضا عن أن الدول الإمبريالية وسّعت نفوذها السياسي والثقافي وفرضت نمط حكمها وقيمها على الشعوب المستعمرة، حيث تم تجاهل وتهميش تراثها الثقافي مقابل فرض الثقافة والقيم الغربية، كذلك فرضت الدول الاستعمارية ضرائب عالية تسببت في تفاوت وظلم اجتماعي طويل الأمد.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

شيخة النويس: السياحة جسر للتواصل بين الشعوب ورافد رئيس للنمو المستدام

 
أبوظبي (الاتحاد)
شاركت شيخة ناصر النويس، الأمين العام المنتخب لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة للفترة من عام 2026 حتى عام 2029، في الإصدار التاسع والعشرين من المعرض الدولي للسياحة «FIT» الذي أقيم في جمهورية الأرجنتين في الفترة من 27 إلى 30 سبتمبر بالعاصمة بوينس آيرس، كمتحدثة رئيسية في حفل الافتتاح بدعوة من الحكومة الأرجنتينية ورئاسة المعرض.
جاء ذلك بحضور سعيد عبدالله القمزي، سفير الدولة لدى جمهورية الأرجنتين، وبدرية الميدور، الوكيل المساعد لقطاع الخدمات المساندة بوزارة الاقتصاد والسياحة، كما حضر المعرض وفود دولية ضمت كبار المسؤولين والدبلوماسيين وممثلي غرف وشركات القطاع السياحي من أكثر من 55 دولة حول العالم.
وخلال كلمتها الافتتاحية للمعرض، أكدت النويس أن مشاركتها في المعرض الدولي تمثل فرصة استراتيجية للتواصل مع صُنّاع القرار في قطاع السياحة العالمي، وبحث سُبل الارتقاء بالقطاع ليكون أكثر إسهاماً في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة إلى أن هذه المنصة تعكس مكانة السياحة كجسر يربط بين الشعوب والثقافات ورافد رئيسي للنمو المستدام. وأشارت سعادتها إلى أن المعرض يُمثل منصة استراتيجية لتعزيز الحوار بين الدول والمنظمات الدولية والقطاع الخاص، بما يسهم في تبادل أفضل الممارسات والخبرات، وفتح آفاق جديدة أمام تطوير نماذج مبتكرة للسياحة العالمية.
وأوضحت أن السياحة لم تعد مجرد نشاط ترفيهي، بل تحوّلت إلى قطاع متكامل يربط بين الاقتصادات والثقافات، ويُعزز من التماسك المجتمعي، ويحفّز التنمية الشاملة.
وأكدت النويس حرصها على الدفع باتجاه تطوير مبادرات عملية وشراكات مؤسسية تواكب التحولات المتسارعة التي يشهدها القطاع، وبما يضمن تعزيز مرونته واستدامته، مشيرة إلى أن المعرض أتاح فرصة لتنسيق الجهود نحو تمكين المجتمعات المحلية من الاستفادة المباشرة من العوائد السياحية، وتعزيز الاستفادة من المقومات الثقافية والبيئية، بما يسهم في إثراء التجربة السياحية للمسافرين، ويعزّز مكانة السياحة كأداة رئيسية لدعم الاقتصاد العالمي خلال المرحلة المقبلة.
وخلال فعاليات المعرض، حضرت النويس فعالية «القيادات النسائية في مستقبل السياحة» وفعالية تكريم الفائزات في مبادرة «Best Tourism Village» التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للسياحة، وتهدف إلى الاستفادة من السياحة كأداة لتعزيز التنمية الريفية والرفاه والمستدامة، بما يسهم في النهوض باستراتيجيات سياحية مبتكرة تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة. وعلى هامش المشاركة، التقت سعادة النويس مجموعة من وزراء السياحة وكبار المسؤولين من الأرجنتين وعدد من الدول المشاركة في المعرض.
كما أقام القمزي حفل استقبال على شرف سعادة النويس، شارك فيه وفد وزارة الاقتصاد والسياحة ومعالي دانييل سيولي، سكرتير السياحة والبيئة والرياضة بجمهورية الأرجنتين، وعدد من كبار الشخصيات في القطاعين الحكومي والخاص، وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى جمهورية الأرجنتين.

أخبار ذات صلة «فيفا» يستثمر مليار دولار في الكرة الأفريقية خلال 9 سنوات نهيان بن مبارك يفتتح الملتقى السنوي لأندية التسامح والهوية الوطنية بالجامعات

مقالات مشابهة

  • ناصري: الجزائر صوت مدافع عن قضايا التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها
  • تفسير رؤيا «بابا في السماء يخرج منه طيرا» في المنام لابن سيرين
  • أنا الرجل الغلط في المكان الغلط.. باسم يوسف يكشف كواليس حياته
  • باسم يوسف يصف مسيرته: أنا الرجل الغلط في المكان الغلط
  • رئيس وزراء كندا يزور البيت الأبيض لمناقشة الرسوم الجمركية
  • شيخة النويس: السياحة جسر للتواصل بين الشعوب ورافد رئيس للنمو المستدام
  • رجل يقتحم مبنى الكابيتول بواشنطن ويخلف أضرارا واسعة قبل توقيفه (شاهد)
  • خالد العناني: سأجعل اليونسكو بيتا يعبّر عن قيم مختلف الشعوب
  • قريباً.. الإفراج عن دميرتاش الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي الكوردي في تركيا
  • العناني: "سأعمل على تحقيق رؤية اليونسكو من أجل الشعوب لتكون رؤية تمثل الجميع"