استهل مؤشرا ستاندرد آند بورز 500 وداو جونز تعاملات أمس على ارتفاع، فيما واصلت عائدات سندات الخزانة انخفاضها عن الجلسة السابقة، بعد أن دعمت بيانات اقتصادية ضعيفة في الآونة الأخيرة رهانات التحول إلى خفض الفائدة الأمريكية.
 

وبحسب "رويترز"، صعد مؤشر داو جونز الصناعي 19.35 نقطة، أو 0.06 في المائة إلى 34964.

82 نقطة.
 

وافتتح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مرتفعا 1.31 نقطة أو 0.03 في المائة إلى 4509.55 نقطة. لكن مؤشر ناسداك المجمع تراجع 12.24 نقطة أو 0.09 في المائة إلى 14101.44 نقطة عند الافتتاح أمس.
 

وفي أوروبا، ارتفعت الأسهم الأوروبية أمس لتحقق زيادة أسبوعية بفضل صعود أسهم قطاع الرعاية الصحية، بينما يترقب المستثمرون إشارات على انحسار ضغوط الأسعار في القطاعات كافة.
 

 

وصعد مؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.5 في المائة خلال التعاملات أمس، مسجلا زيادة أسبوعية 2.3 في المائة بدعم من انخفاض عوائد سندات منطقة اليورو نتيجة التوقعات بأن تشديد البنوك المركزية للسياسة النقدية بلغ ذروته.
 

وقادت أسهم قطاع الرعاية الصحية مكاسب المؤشر وارتفعت 1.2 في المائة مع صعود أسهم شركات أسترازينيكا ونوفو نورديسك وسانوفي بنسب تراوح بين 1.2 و2.1 في المائة.
 

وفي الوقت نفسه، انخفض سهم شركة فولفو للسيارات إلى مستوى قياسي بنسبة 12 في المائة ووصل إلى قاع مؤشر ستوكس 600 بعدما بدأت شركة جيلي الصينية المالكة بيع 100 مليون سهم.
 

وباعت مجموعة تشجيانج جيلي القابضة للسيارات المملوكة للملياردير الصيني لي شوفو جزءا من حصتها في شركة فولفو للسيارات مقابل نحو 350 مليون دولار.
 

وقالت المجموعة "إنها تعرض نحو 100 مليون سهم في شركة فولفو مقابل 37 كرونة سويدية (3.49 دولار) للسهم، في تراجع نسبته 9.4 في المائة عن سعر السهم في ختام التعاملات يوم الخميس".
 

وتمثل هذه الحصة 3.4 في المائة من أسهم رأسمال شركة فولفو المطروحة في البورصة، و4.1 في المائة من حصة مجموعة جيلي في شركة فولفو. وكان سهم "فولفو" قد طرح للمرة الأولى في بورصة ستوكهولم بسعر 53 كرونة.
 

وقال جيم روان الرئيس التنفيذي لشركة فولفو "إن هذه الزيادة في الأسهم المطروحة للتداول يعود بالفائدة على المستثمرين الجدد والحاليين". وأكدت "جيلي" أنها ستستمر في دعم شركة فولفو.
 

ويأتي قرار البيع بعد تواتر شكاوى للمحللين الاقتصاديين والمستثمرين من ضعف التعويم الحر لأسهم "فولفو" ما يفرض ضغوطا على السهم ويزيد من تقلباته السعرية.
 

إلى ذلك، سجلت شركة التأمين الإيطالية إسيكورازيوني جنرالي أو "جنرالي جروب" أرباحا صافية مرتفعة، في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، مع صافي نتائج قدره 2.822 مليار يورو "3.06 مليار دولار"، بارتفاع حاد عن 1.455 مليار يورو، في الفترة نفسها من العام الماضي.
 

وباستثناء البنود المستبعدة بلغت النتائج 2.979 مليار يورو أو 1.93 يورو للسهم الواحد، مقابل 2.99 مليار يورو أو 1.46 يورو للسهم في العام السابق.
 

وزادت نتائج التشغيل الموحدة لتصل إلى 5.1 مليار يورو من 4.37 مليار يورو في العام الماضي.
 

وتم دعم الأرباح بمصادر ربح متنوعة، ومكاسب رأسمالية غير متكررة، لها صلة بالتخلص من مشروع تطوير عقاري في لندن، يبلغ صافي الضرائب المستحقة عليه 193 مليون يورو.
 

من جهة أخرى، باعت اليونان حصة نسبتها 22 في المائة في البنك الوطني اليوناني مقابل 1.06 مليار يورو "1.15 مليار دولار"، وهي ثالث عملية سحب استثمارات من بنك يوناني خلال شهرين.
 

وحدد صندوق الاستقرار المالي اليوناني -وهو أداة الإنقاذ التي تمتلك أسهم الحكومة في البنوك- سعر السهم بـ5.30 يورو، حسب بيان صدر أمس. وكان النطاق السعري يراوح بين خمسة يوروهات و5.44 يورو للسهم.
 

وكان الطلب على العرض العام قويا لدرجة أن الصندوق زاد حجم الحد الأقصى لنطاق العرض البالغ 20 في المائة إلى 22 في المائة. 

وما زال صندوق الاستقرار المالي اليوناني يمتلك حصة في البنك الوطني الآن تبلغ أكثر بقليل من 18 في المائة.
 

آسيويا، ارتفع مؤشر نيكاي الياباني أمس وسجل أيضا ثالث أسبوع على التوالي من المكاسب مدفوعا بنتائج أعمال قوية للشركات مع نهاية موسم إعلان الأرباح.
 

وأنهى "نيكاي" تعاملات أمس على ارتفاع 0.48 في المائة مسجلا 33585.20 نقطة ومواصلا مكاسبه الأسبوعية لتصل إلى 3.12 في المائة.
 

كما ارتفع مؤشر توبكس الأوسع نطاقا 0.95 في المائة أمس ليسجل ارتفاعا أسبوعيا بلغ 2.33 في المائة وهو أيضا ثالث أسبوع على التوالي من المكاسب لهذا المؤشر.
 

واستفادت الشركات اليابانية من ضعف الين ومن تحميل التكلفة للمستهلكين وهو ما اتضح على وجه الخصوص مع شركات تصنيع السيارات.
 

كما تلقت أسواق الأسهم اليابانية دفعة أيضا من ارتفاع تسجله الأسهم الأمريكية، إذ إن مؤشر ستاندرد آند بورز500 الأمريكي سجل مكاسب لثالث أسبوع على التوالي.
 

ومن بين 225 سهما مدرجا على "نيكاي" ارتفع 179 أمس وتراجع 45، واتسم أداء سهم واحد بالاستقرار.
 

وواصلت خطوط الطيران مكاسبها المستمرة منذ أسابيع بعد تراجع عارض شهدته أمس بسبب بيانات سياحية غير مشجعة. وارتفع سهم "إيه.إن.إيه هولدينجز" 3.2 في المائة و"الخطوط الجوية اليابانية" 2.36 في المائة.
 

وجاء قطاع النقل الجوي الأفضل أداء بين القطاعات الفرعية مرتفعا بنسبة 2.82 في المائة.
 

لكن بعض الأسهم التي حققت مكاسب من موسم إعلان نتائج الأعمال ابتعدت عن مستويات مرتفعة حققتها أخيرا في ظل سعي المستثمرين لجني أرباح. وتراجع سهم "نينتندو" 1.52 في المائة و"سوني" 0.91 في المائة.
 

عربيا، أغلق مؤشر دبي على ارتفاع أمس إذ عززت بيانات مبيعات تجزئة متواضعة التوقعات بإنهاء عمليات رفع أسعار الفائدة الأمريكية، لكن مؤشر أبوظبي تراجع.
 

وهبطت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة بأقل من المتوقع في أكتوبر بعد أن حققت ارتفاعات قوية على مدى أشهر بما يشير إلى تباطؤ الطلب.
 

وعادة ما تسترشد السياسة النقدية لدول مجلس التعاون الخليجي الست بقرارات البنك المركزي الأمريكي، إذ إن أغلب عملات المنطقة مربوطة بالدولار.
 

وصعد مؤشر دبي 0.3 في المائة مدعوما بمكاسب في أسهم شركات المرافق مع ارتفاع سهم هيئة كهرباء ومياه دبي "ديوا" بنسبة 2 في المائة ومؤسسة الإمارات لأنظمة التبريد المركزي "إمباور" 1.7 في المائة.
 

وقال خلدون هلال الرئيس التنفيذي لـ "كاما كابيتال"، "سوق دبي قد يشهد تحسنا في الظروف بفضل العوامل الأساسية المحلية القوية، إضافة إلى توقعات تيسير السياسة النقدية في الولايات المتحدة".
 

وهبط مؤشر أبوظبي 0.3 في المائة، بما أنهى مكاسب سجلها على مدى جلستين بضغط من خسائر لشركات الاستثمار.
 

وتراجع سهم "العالمية القابضة" 0.5 في المائة وشركة الاستثمار التي تملكها "ألفا ظبي" 0.8 في المائة.
 

وأغلقت أسهم "إنفستكورب كابيتال" على استقرار بعد أن هبطت 4.3 في المائة في أول يوم تداول في بورصة أبوظبي.
 

وفي الأردن، ارتفع الرقم القياسي العام لأسعار الأسهم المدرجة في البورصة الأردنية بنسبة 0.22 في المائة، لينهي تداولات الأسبوع عند مستوى 2394.2 نقطة.
 

وبلغ المعدل اليومي لحجم التداول في بورصة عمان خلال الأسبوع الماضي نحو 2.5 مليون دينار أردني مقارنة بـ2.8 مليون دينار أردني الأسبوع السابق، بنسبة انخفاض 11.2 في المائة، فيما بلغ حجم التداول الإجمالي الأسبوعي نحو 12.6 مليون دينار أردني، مقارنة بـ14.2 مليون دينار للأسبوع السابق.
 

كما بلغ عدد الأسهم المتداولة التي سجلتها البورصة خلال الأسبوع المنصرم 12.3 مليون سهم، نفذت من خلال 9945 صفقة.

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

الركائز الاقتصادية للصراع في السودان

ترجمة: بدر بن خميس الظفري 

في 8 ديسمبر، سيطرت قوات الدعم السريع على أكبر حقل نفطي في السودان في منطقة هجليج النفطيّة، ما أدى إلى وقف الإنتاج في منشأة المعالجة الرئيسة لصادرات دولة جنوب السودان، التي تمثل ما يقرب من كامل إيرادات جوبا. 

ويقع الحقل في غرب كردفان قرب الحدود الجنوبية للسودان، وهي منطقة كثيرًا ما تجذبها القوى المتنافسة إلى معارك على السيطرة الإقليمية. 

وكانت القوات المسلحة السودانية قد اتهمت في وقت سابق قوات الدعم السريع بتنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة على الموقع، تسببت في إغلاقات سابقة، كان أحدثها في أغسطس الماضي. 

وقبل ذلك بأيام قليلة، في 4 ديسمبر، أدان ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة، هجومًا استهدف شاحنة تابعة لـبرنامج الأغذية العالمي قرب حمرة الشيخ في شمال كردفان. وكانت المركبة جزءًا من قافلة تنقل مساعدات إلى نازحين في منطقة طويلة بولاية شمال دارفور، كثير منهم فرّوا من القتال في الفاشر ومحيطها. 

وأسفر الهجوم عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة آخرين، وكان السادس من نوعه الذي يستهدف موظفي برنامج الأغذية العالمي أو أصوله أو منشآته في السودان خلال عام واحد فقط. 

وتسلّط هذه الأعمال العنيفة المتكررة الضوء على المخاطر التشغيلية الحادة التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني في السودان، وهي مخاطر لا تنفصل عن الصراع السياسي والاقتصادي الأوسع في البلاد. فهذه الحوادث ليست مآسي معزولة، بل تجليات لحرب تغذّيها اقتصادياتها السياسية الخاصة. 

فالسيطرة على البنية التحتية المُدرّة للإيرادات في هجليج، إلى جانب الاعتداء على شرايين الإغاثة الإنسانية، يعملان كـ«محركيْنِ مزدوجين» لآلة الصراع نفسها: أحدهما يوفّر الموارد التي تموّل القتال، والآخر يُحوّل الحرمان إلى سلاح لتهجير السكان وتفكيك أي مقاومة. 

ومعًا، تكشف هذه الوقائع عن صراع يعيد تشكيل موازين القوة عن قصد، حيث يُستخدم التحكم في الموارد وفي الوصول الإنساني لإدامة حرب صُمّمت لتتجاوز أي وقف لإطلاق النار ولتحدّد مستقبل السودان. 

ومع اقتراب الصراع في السودان من عامه الرابع، تراجع اهتمام العالم. لكن بالنسبة إلى 12.4 مليون سوداني نزحوا من ديارهم، تتضاعف وحشية الحرب بفعل أزمة غير مرئية، وهي التفكيك المنهجي لاقتصاد البلاد. 

فبينما تتصدر الضربات الجوية وأعمال العنف الواسعة عناوين الأخبار، تُدار حرب موازية عبر التضخم المفرط، ونهب الموارد، وخنق آليات بقاء المدنيين. وقد حوّل هذا الصراع الخفي السودان إلى مختبر لاقتصاديات الافتراس، حيث يستفيد أمراء الحرب من الجوع، ويسهم التراخي الدولي في ترسيخ حلقة عنف تتغذّى على ذاتها. والأرقام تفوق الاستيعاب. 

فمنذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، فقد الجنيه السوداني أكثر من 233 في المائة من قيمته. وتجاوز التضخم 113 في المائة بحلول منتصف 2025، فيما يواجه 24.6 مليون شخص انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، وهو أعلى رقم يُسجَّل عالميًا. 

غير أن خلف هذه الإحصاءات واقعًا محسوبًا بدقة، فلا يمكن فهم حرب السودان عبر التحليل العسكري وحده. إنها حرب يمتلك فيها مهرّبو الذهب نفوذًا يفوق نفوذ الدبلوماسيين، وتُستبدل فيها البنوك بنقاط تفتيش، وتخلق البنية التحتية المنهارة سوقًا كابوسية تسيطر عليها الفصائل المسلحة. 

إن حرب السودان تُخاض بالمال بقدر ما تُخاض بالرصاص، فهناك حرب عملة واضحة تجري بالتوازي مع تسليح التضخم. وفي الواقع، فإن التفكك الاقتصادي للبلاد ليس حادثًا عارضًا، بل أداة متعمّدة للسيطرة، فقد انهار النظام المصرفي في مناطق النزاع؛ نُهبت الفروع وأُفرغت الخزائن، وفي أجزاء من دارفور باتت الأسر تُقايض ممتلكاتها مقابل وجبات طعام. 

وأشار تقرير تحليلي إنساني إلى أن كلفة سلة الغذاء الأساسية ارتفعت في بعض المناطق بأكثر من 300 في المائة منذ بداية الحرب. وأجبر الانهيار الحر للجنيه التعاملات على الانتقال إلى العملات الأجنبية، مكرّسًا اقتصادًا ثنائي الطبقات لا ينجو فيه سوى من يملكون الوصول إلى العملات الصعبة أو صلات عسكرية. 

ويتسارع التضخم بفعل سياسات متعمّدة في زمن الحرب تتمثل في تسييل الأنشطة العسكرية، وتخريب الزراعة، والاستيلاء على الموارد الأساسية، بما فيها الذهب والصمغ العربي، ففي المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، يدفع مالكو أجهزة ستارلينك (خدمة إنترنت عبر الأقمار الصناعية) نحو 150 ألف جنيه سوداني - أي قرابة 100 دولار - سنويًا، فيما تحتكر القوات المسلحة السودانية واردات الوقود. ويطبع الطرفان عملات غير رسمية لتمويل عملياتهما. 

وكان السودان يُعرف يومًا ما بـ«سلة غذاء أفريقيا»، لكن أراضيه الزراعية باتت بورًا. فقد دُمّر أكثر من 400 منشأة زراعية في الخرطوم، وتوقفت 70 في المائة من أنظمة الري في دارفور عن العمل، ما فاقم نقص الغذاء. 

أما احتياطيات الذهب السودانية - ثالث أكبر احتياطي في أفريقيا - فقد أصبحت المحرك المالي للحرب. إذ يُهرَّب سنويًا ما بين 50 و80 في المائة من الإنتاج عبر مراكز مجاورة، مولّدًا 6 مليارات دولار في عام 2024. وتسيطر قوات الدعم السريع على 85 في المائة من مناجم التعدين الأهلي في دارفور، بينما يحوّل أوليغارشيون (رجال أعمال نافذون يحتكرون الثروة ويؤثرون في القرار السياسي) متحالفون مع القوات المسلحة السودانية عائدات التعدين الحكومية إلى شراء السلاح. 

والنتائج مدمّرة، فعلى الرغم من تقارير الأمم المتحدة التي تتبّعت مسارات الذهب المهرّب إلى الأسواق الدولية، لم تُفرض عقوبات ذات معنى على شبكات الاتجار هذه، بما يعكس تواطؤًا دوليًا صريحًا. كما حوّلت قوات الدعم السريع تجارة الصمغ العربي في السودان — وهو سلعة عالمية أساسية تُستخدم في منتجات مثل كوكاكولا - إلى أداة تمويل لعملياتها. فبسيطرتها على مناطق الإنتاج الرئيسة في كردفان ودارفور، فرضت الجماعة ضرائب غير رسمية، ونهبت مخازن، وهرّبت الراتنج عبر الحدود. 

وفي مايو 2025، أفادت تقارير بأن قوات الدعم السريع سرقت 10 آلاف طن من الصمغ العربي تُقدَّر قيمتها بـ 75 مليون دولار من النهود، وواصلت ابتزاز التجار وفرض رسوم عليهم، مع تحويل الشحنات إلى تشاد وجنوب السودان وليبيا. 

وخلص تقرير للأمم المتحدة إلى أن 14.6 مليون دولار من الصمغ العربي المنهوب استُخدمت لتمويل أنشطة قوات الدعم السريع خلال ستة أشهر فقط من عام 2024. وفي الوقت نفسه، تواجه الشركات متعددة الجنسيات معضلات أخلاقية مع دخول الصمغ المهرّب إلى سلاسل التوريد العالمية، غالبًا عبر مسارات تسيطر عليها قوات الدعم السريع، ما يجعل تتبّعه شبه مستحيل. 

وتحاكي هذه الدينامية نمط الاستخراج الاستعماري للموارد، حيث تتحمّل المجتمعات المحلية الكلفة، فيما تجني الجماعات المسلحة والأسواق الخارجية الأرباح. 

ومع شلل التجارة الرسمية، صمّمت قوات الدعم السريع اقتصادًا قائمًا على الافتراس، عبر تحويل المساعدات الإنسانية وفرض «ضرائب البقاء» على المدنيين، فبحسب متحدث باسم منظمة الأمم المتحدة، تعرّضت معظم وكالات الإغاثة، بما في ذلك المرافق التي تديرها الأمم المتحدة، لعمليات نهب واسعة النطاق منذ أبريل 2023. وتُصادَر قوافل الغذاء ويُعاد بيعها في أسواق تديرها قوات الدعم السريع بأسعار مرتفعة بشكل كبير. 

كما اتهم عاملون في مجال الإغاثة القوات المسلحة السودانية بعرقلة الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. ويدفع النازحون رشى عند نقاط التفتيش مقابل المرور الآمن، وأحيانًا تُستخدم أجهزة ستارلينك (خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية) كوسيلة دفع. 

وقد جسّد انهيار القطاع الصحي في السودان هذه الأزمة بأوضح صورها، إذ أوجد سوقًا سوداء للخدمات الطبية، تحوّل فيها المرض نفسه إلى سلاح. وأفادت لجنة الإنقاذ الدولية (منظمة إنسانية دولية) بأن 80 في المائة من المستشفيات في مناطق النزاع متوقفة عن العمل، وأن 70 إلى 80 في المائة من المرافق الصحية في المناطق المتأثرة أُغلقت أو تعمل بالكاد. وتُباع أدوية غسيل الكلى وعلاج السرطان في السوق السوداء بأسعار تصل إلى 20 ضعف ما كانت عليه قبل الحرب. كما تفاقم تفشي الكوليرا هذا العام بسبب منع وصول إمدادات تنقية المياه عقب هجمات نفذتها قوات الدعم السريع. 

ولم يقتصر الانهيار الاقتصادي في السودان على ذلك، بل مزّق الروابط الاجتماعية وزعزع استقرار منطقة القرن الإفريقي بأكملها. ففي الفاشر، وشى الجيران ببعضهم مقابل الغذاء، بينما حمل نازحون السلاح للدفاع عن أنفسهم ضد هجمات قوات الدعم السريع، بما في ذلك النساء. 

وقد أفرزت الحرب الوحشية أزمة لجوء كبرى، إذ فرّ أربعة ملايين شخص إلى تشاد ومصر وجنوب السودان، ما أثقل كاهل العيادات الطبية، حيث يصل طفل واحد من كل خمسة وهو يعاني سوء تغذية حادًا. 

لقد بات تهريب الذهب عبر الحدود يمول اليوم صراعات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فيما يوسّع مهرّبون متحالفون مع قوات الدعم السريع شبكات الاتجار بالسلاح والمخدرات. ومع ذلك، لا تزال الاستجابة الدولية قاصرة على نحو خطير. فنداء الأمم المتحدة الإنساني لعام 2025 لم يُموَّل سوى بنسبة 21 في المائة، بينما خفّض كبار المانحين ميزانيات المساعدات بنسبة 40 في المائة مقارنة بعام 2024. 

وحذّر جان-ميشيل غراند من منظمة العمل ضد الجوع من أن السودان بات اختبارًا لما إذا كان العالم لا يزال يؤمن بعالمية الكرامة الإنسانية - وحتى الآن، فإننا نفشل في هذا الاختبار. ويؤكد أن وقف إطلاق النار وحده لا يمكن أن يحل حربًا تُموَّل من مواردها الذاتية، وأن أي عملية سياسية ذات معنى يجب أن تفكك البنية المالية التي تسمح بإعادة إنتاج العنف. 

ويتطلّب ذلك فرض عقوبات محددة الهدف على الميسّرين، وإجراء تدقيق في تدفقات الذهب، ومصادرة الأصول المرتبطة بالآلة العسكرية، ودعم برامج الغذاء التي تديرها المجتمعات المحلية، والتي أصبحت خط الدفاع الأخير ضد المجاعة في المدن المحاصَرة، كما ينبغي للمؤسسات المالية الإقليمية، بما في ذلك البنك الأفريقي للتنمية، أن توجّه العملات الصعبة عبر شبكات مدنية موثوقة، في حين يمكن لتسريع تصاريح العمل للاجئين السودانيين أن يحدّ من ممارسات التحويلات المالية الافتراسية. 

وتُعدّ عمليات التدقيق الجنائي في أرباح الحرب ضرورة إضافية لضمان المساءلة مستقبلًا، ولا يجوز اختزال دور المدنيين في مجرد رمزية خلال مفاوضات السلام؛ بل يجب إدماجهم في كل مراحل العدالة والحكم. 

إن حرب السودان لن تنتهي بدبلوماسية الأوراق، بل عندما يواجه المجتمع الدولي أخيرًا الشبكات الاقتصادية التي تُبقيها حيّة. فالذهب المهرّب، والصمغ العربي المسروق، والمساعدات المنهوبة تموّل عنفًا يمتد من الساحل الأفريقي إلى البحر الأحمر، والمعادلة واضحة وهي أنه في عصر التمويل الخفي، لا يمكن تحقيق سلام دائم من دون محاسبة اقتصادية شاملة. وتجاهل ذلك يعني التواطؤ مع حرب بلا نهاية. 

 أسامة أبوزيد باحث مختص في قضايا التنمية والحوكمة، يعمل باحثًا مشاركًا في المركز الفرنسي لدراسة القرن التاسع عشر، ومنسقًا لبرنامج منح المساعدات لمشروعات الأمن الإنساني والتنمية المحلية. 

 الترجمة عن موقع ميدِل إيست آي. 

مقالات مشابهة

  • بورصة مسقط تكسب 6.3 نقطة .. والتداول 42 مليون ريال
  • الركائز الاقتصادية للصراع في السودان
  • تباين أداء البورصات العالمية بعد خفض الفائدة
  • الاتحاد الأوروبي يقر تجميد 210 مليارات يورو من الأصول الروسية
  • مؤشر بورصة مسقط الأسبوعي يصعد بـ 88.5 نقطة.. والتداولات 199.4 مليون ريال
  • الأسهم العالمية تصل إلى مستويات قياسية بعد خفض الفائدة الأميركية
  • إي فواتيركم يسجل 64.39 مليون حركة بقيمة 14.39 مليار دينار خلال 11 شهراً”
  • أبعد من خسارة الوزن.. فائدة غير متوقعة قد تجنيها من اتباع الحمية الغذائية
  • داو جونز يرتفع أكثر من 600 نقطة…
  • الاتحاد الأوروبي يوافق على دعم أوكرانيا بقيمة 2.3 مليار يورو