نظرا للأنماط التاريخية للصراع بين الجيش الإسرائيلي وجماعات فاعلة غير حكومية، مثل جماعة "حزب الله" اللبنانية وحركة "حماس" الفلسطينية خلال السنوات الأربعين الماضية، يمكن التنبؤ بأن تحقيق تل أبيب نصر استراتيجي على "حماس" في الحرب الراهنة هو "مهمة مستحيلة".

تلك القراءة طرحها أمير هادزيكادونيتش، في تحليل بموقع "فير أوبزرفر" الأمريكي (Fair Observer) ترجمه "الخليج الجديد"، على ضوء حرب متواصلة بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وفي ذلك اليوم، شنت "حماس" هجوم "طوفان الأقصى" ضد مستوطنات محيط غزة؛ ردا على اعتداءات الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى في مدينة القدس الشرقية المحتلة.

وأضاف هادزيكادونيتش أن "فرص إسرائيل في الفوز بالحرب ضد حماس ضئيلة. وقد وضع (رئيس وزراء إسرائيل بنيامين) نتنياهو نفسه في الزاوية بشعار "تدمير حماس" كهدف".

ورأى أن "وضع نتنياهو يشبه تماما (رئيسي الوزراء السابقين مناحم) بيجن و(إيهود) أولمرت حين وضعا نفسيهما في الزاوية بشعار "تدمير منظمة التحرير الفلسطينية" أو "تدمير حزب الله"، فكلاهما ربح معاركهما، لكنهما خسرا حروبهما وانسحبا من القتال دون أن يحققا أهدافهما المعلنة".

هادزيكادونيتش قال إنه "إذا كان نتنياهو يهدف إلى "تدمير حماس"، فسيتعين عليه أن يشن حرب مدن طويلة ودموية، على غرار ما واجهه بيجن. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل إسرائيل مستعدة لحرب طويلة الأمد على جبهات متعددة ضد (الجماعات) ذات الدوافع القوية الراسخة منذ أكثر من عقد من الزمن؟".

واستطرد: "وهل سيتسامح الشعب الإسرائيلي مع وقوع خسائر كبيرة في صفوف الجيش؟ وحتى لو نجح الجيش في إعاقة حماس في غزة، كما فعل مع منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عامي 1982 و1983، فإن مجرد تدمير البنية التحتية لن يقضي على أيديولوجيتها".

وشدد على أن "حماس فكرة، وستستمر بين الفلسطينيين ما دام لا يوجد خيار سلام حقيقي يمكنهم أن يعلقوا عليه آمالهم، كما أنه من غير المرجح أن تتمكن تل أبيب من إخضاع مليوني فلسطيني في قطاع غزة المحتل".

وأضاف أن "الأرجح، بالنظر إلى التاريخ، أننا سنشهد انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، مخلفا وراءه دمارا، على غرار الانسحاب القسري من لبنان (في 2000). وستعلن حماس النصر لأنها، أو على الأقل أيديولوجيتها، لم يتم تدميرها بالكامل".

اقرأ أيضاً

واشنطن بوست: ترسانة أسلحة حماس تعقّد مهمة إسرائيل في غزة

تأثير عسكي

ورغم قول نتنياهو إنه "سيغير الشرق الأوسط" ويؤسس لنظام إقليمي يتماشى مع مصالح إسرائيل، إلا أن تصرفاته بعد 7 أكتوبر الماضي كان لها تأثير عكسي، كما أضاف هادزيكادونيتش.

وتابع: "شهدت المنطقة تغيرات جذرية، إذ اندلعت الاحتجاجات في العواصم العربية الكبرى، مما أدى إلى تعليق محادثات التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وإجبار القاهرة وعمان والرياض على تغيير روايتها الرسمية (بشأن أحداث 7 أكتوبر وأسبابها)".

واستطرد: "كما توترت علاقات إسرائيل مع تركيا، واستهدف وكلاء إيران إسرائيل، فضلا عن الأصول (العسكرية) الأمريكية في العراق وسوريا، بالصواريخ والطائرات بدون طيار".

وزاد بأن "العملية البرية الإسرائيلية المستمرة في غزة (منذ 27 أكتوبر) يمكن أن تؤدي إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، وزيادة خطر نشوب صراع إقليمي أوسع وزعزعة استقرار حكومات دول العربية، كما ألمحت إيران إلى أنها لن تسمح بخسارة حماس دون تصعيد الصراع".

ولليوم الـ 44 يشن جيش الاحتلال حربا مدمرة على غزة، خلّفت 13 ألف شهيد فلسطيني، بينهم 5.5 آلاف طفل و3 آلاف و500 امرأة، فضلا عن أكثر من 30 ألف مصاب، 75% منهم أطفال ونساء، وسط دعوات لفتح تحقيق دولي في الهجمات الإسرائيلية، ووقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.

فيما قتلت "حماس" 1200 إسرائيلي وأصابت 5431، بحسب مصادر رسمية إسرائيلية. كما أسرت نحو 239 إسرائيليا، بينهم عسكريون برتب رفيعة، ترغب في مبادلتهم مع أكثر من 7 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، في سجون إسرائيل.

اقرأ أيضاً

الأردن: حماس فكرة لا تنتهي.. والسلطة الفلسطينية لن تدير غزة على ظهر دبابة إسرائيلية

أقطاب متعددة

و"على المستوى الدولي، يضيق حيز المناورة المتاح لإسرائيل، مع رفض الرأي العام بشكل متزايد تجريد الشعب الفلسطيني من إنسانيته، إذ يتردد صدى الأصوات الداعمة للفلسطينيين من لندن مروا بمدريد إلى واشنطن"، كما تابع هادزيكادونيتش.

وأردف: "والولايات المتحدة (الداعمة لإسرائيل)، التي كانت ذات يوم القوة الأساسية في الشرق الأوسط، لم تعد السلطة الوحيدة أو الرئيسية. نحن نعيش في عالم متعدد الأقطاب".

وأضاف أن "الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط تُظهِر قدرا أعظم من الاستقلال والرغبة في إقامة شراكات استراتيجية مع قوى عالمية مختلفة، بينها مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) ومنظمة شنغهاي للتعاون".

واعتبر أن "انسحاب القوات الأمريكية من العراق في 2011 وأفغانستان في 2021 هو بمثابة تذكير مؤثر بالواقع الإقليمي المتطور".

اقرأ أيضاً

هآرتس: ما تعرفه إسرائيل عن أنفاق حماس لا يقترب من حجمها وتعقيداتها

قبر نتنياهو

هادزيكادونيتش قال إنه "بالإضافة إلى قتل حل الدولتين (فلسطينية بجوار إسرائيلية)، تضمنت خطة نتنياهو تطبيع العلاقات مع جميع الدول العربية، ومعاملة الفلسطينيين باعتبارهم مصدر قلق أمني يجب إدارته إلى أجل غير مسمى".

واستدرك: "لكن كل ما بناه نتنياهو لعقود من الزمن انهار في ساعات، والقبر السياسي الذي حفره لحل الدولتين قد يصبح قبره الآن، وكما فعل بيجن قبل أربعة عقود من الزمن، فقد يتقاعد نتنياهو ووزراؤه الذين لا يتمتعون بالشعبية من السياسة".

وأضاف أن "الصراع والدمار الراهنين في غزة قد يزرعان بذور نظام جديد يتحدى البنية القائمة لاحتلال فلسطين، والذي بدوره يحتوي على بذور المزيد من الحروب التي لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر فيها ولا تستطيع إنهائها".

و"حل الدولتين هو الشيء الوحيد الذي يمكنه إصلاح هذا النظام، فإنهاء ما أسماه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش "56 عاما من الاحتلال الخانق"، هو الخيار المعقول الوحيد لأي حكومة إسرائيلية مستقبلية، وهو النصر الوحيد الذي يمكن لإسرائيل أن تحققه"، كما ختم هادزيكادونيتش.

اقرأ أيضاً

جثة سياسية تتحرك.. تغريدة منتصف الليل قد تعجل بدفن نتنياهو

المصدر | أمير هادزيكادونيتش/ فير أوبزرفر- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: مهمة مستحيلة إسرائيل حماس نصر استراتيجي غزة حرب اقرأ أیضا فی غزة

إقرأ أيضاً:

إيكونوميست: الحرب في غزة يجب ألا تستمر وعلى ترامب الضغط على نتنياهو

دعت مجلة "إيكونوميست"، في افتتاحية لها، إلى وقف الحرب في قطاع غزة، مشددة على أن الأمريكيين الضغط على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القبول بوقف إطلاق النار ثم الضغط  على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لنزع سلاحها.

وقالت المجلة في الافتتاحية التي نشرتها الخميس وترجمتها "عربي21"، إن المسؤولين الإسرائيليين أكدوا أن المرة هذه ستكون مختلفة، في إشارة لقرار حكومة الاحتلال في 5 أيار/مايو توسيع العدوان على قطاع غزة.

وتهدف إلى تعبئة عشرات الآلاف من جنود الاحتياط. وسوف يستعيد جيش الاحتلال جزءا من القطاع، ويقوم بهدم بعض المباني أثناء تقدمه وسيتم تهجير الفلسطينيين إلى قطعة صغيرة من الأرض في جنوب غزة. وفي موازاة ذلك، ستسمح إسرائيل بإدخال بعض المساعدات إلى القطاع الذي تفرض عليه حصارا منذ 2 من آذار/مارس حيث سيتم تخزينها في مراكز يحرسها مرتزقة أمريكيون. ومن ثم تأتي العائلات مرة كل أسبوعين لجمع الطعام وبعض الضروريات.


وتقول المجلة إن أنصار الخطة يجادلون بأنها ستكون حاسمة حيث سيتم تدمير ما تبقى من حماس وحرمانها من المساحة لإعادة تجميع صفوفها أو قمع سكان غزة ومنع الغذاء عنها بحيث لا تكون قادرة على إطعام مقاتليها. 

وتعلق المجلة أن نتنياهو أمضى 18 شهرا وهو يعد بتحقيق "النصر الكامل"، ويقول مؤيدو الخطة إنهم بحاجة إلى بضعة أشهر أخرى فقط لتحقيقها.

ولفتت المجلة إلى أنه لا يوجد أي سبب يدعو لتصديق كلامهم. فبداية لن تؤدي العملية لتحرير الأسرى المتبقين في غزة. إلى جانب معاناة جيش الاحتلال الإسرائيلي من أزمة معنويات، ففي بعض الوحدات العسكرية لم تستجب سوى نسبة 50% من جنود الإحتياط للدعوة إلى الخدمة مرة أخرى. وتكشف الاستطلاعات أن نسبة 60% من الإسرائيليين يعارضون هجوما جديدا يؤدي لاحتلال غزة.

وزعمت المجلة أن دولة الاحتلال "حطمت قيادة حماس ودمرت ترسانتها العسكرية بشكل تستطيع شن هجمات معقدة، وما تبقى هي قوة عصابات والتي ستجد إسرائيل صعوبة في القضاء عليها لأن الأعداد الجديدة من المجندين كثيرة".

ويعاني المدنيون من الجوع بسبب الحصار. كما أن خطة إسرائيل لتقديم المساعدات لن تقدم سوى القليل من الإغاثة. ولا تتضمن على أي أجراءات خاصة تتعلق بالأشخاص المرضى أو غير القادرين على الذهاب إلى مركز التوزيع.

وتقول المجلة إن المستفيد الوحيد من استمرار الحرب هو نتنياهو وتحالفه المتطرف الذي يحلم بإفراغ غزة من سكانها وإعادة بناء المستوطنات اليهودية هناك. ولو تمكنوا من تحقيق هدفهم، فإن 2 مليون إنسان سوف يضطرون إلى العيش في 25% من مساحة غزة على أساس حصص غذائية.

ويتفاخر بعض الوزراء الإسرائيليين بالفعل بأن مثل هذه الظروف من شأنها أن تدفع سكان غزة إلى المنفى، وهو ما يعتبر بمثابة تطهير عرقي.

وتضيف المجلة أنه يجب عدم استخدام الطعام كسلاح في الحرب. ويجب على إسرائيل السماح بدخول المساعدات إلى غزة والسماح للمنظمات الخيرية بتوزيعها.


وتزعم المجلة أنه حتى لو أخذت حماس بعضا من المساعدات، وهذا أمر سيء، ولكن البديل سيكون المجاعة. وإلى جانب ذلك، فقد حان الوقت للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. ويجب على  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يطالب نتنياهو بالموافقة على صفقة تبادل، مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى. وهو ما لا يستطيع أي زعيم آخر أن يفرضه.

ويتطلع الرئيس الأمريكي إلى تحقيق انتصار في السياسة الخارجية، وعندما يزور الخليج الأسبوع المقبل، ينبغي للقادة العرب أن يحثوه على مواصلة هذه الجهود.

وبعد وقف إطلاق النار، تقول المجلة إن على ترامب الضغط على حماس، مستخدما الوسيلة القوية والاخيرة، وهي إعادة الإعمار. وتقدر الأمم المتحدة أن هذه التكلفة ستصل إلى 53 مليار دولار على مدى العقد المقبل.

وشددت المجلة على أن الحرب التي لا تنتهي سوف تعمق الخلافات في إسرائيل وتضر أكثر بمكانتها في العالم، موضحة أنه في حال انتهى الأمر بإخلاء غزة من سكانها وإعادة احتلالها، فسوف ترتكب إسرائيل خطأ استراتيجيا وفضيحة أخلاقية.

مقالات مشابهة

  • حماس: يجب رفع كلمة لا لحرب التجويع بوجه نتنياهو
  • حسين الشيخ: لا بديل عن السلطة الفلسطينية في غزة.. والمقاومة السلمية طريقنا نحو الدولة
  • حماس: على العالم أن يرفع (لا) كبيرة في وجه نتنياهو
  • إسرائيل تُنفذ خطتها للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية
  • سلطنة عُمان تحقق خطوات مهمة لريادة الطاقة النظيفة عبر ممر الهيدروجين والمشروعات المستقبلية
  • جماعة الحوثي تعلن عن ثلاثة آلاف يمني عالق في الأردن بعد تدمير إسرائيل مطار صنعاء
  • الخارجية اليمنية: اتفاق وقف العدوان الأمريكي نصراً استراتيجياً لليمن
  • نتنياهو يعترف بأن تدمير غزة يهدف إلى تهجير أهلها
  • إيكونوميست: الحرب في غزة يجب ألا تستمر وعلى ترامب الضغط على نتنياهو
  • هدية أدبية مهمة لـ محافظ بني سويف لهذا السبب