عن منبر جدة الأخير: السعيد الذي تخدمه قحت (2/2)
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
لا تجتمع دوائر قوى "الحرية والتغيير" (قحت) في مثل اجتماعها على أن الإسلاميين من أنصار "نظام الإنقاذ" المباد "الكيزان" هم من أشعل الحرب الدائرة بإرادة الجيش أو بغيرها.
وكان لقاء المفاوضات الأخير في منبر جدة سانحتهم للثأر من الكيزان بالقرار الصادر عنه باعتقال المحرضين على الحرب الكيزان، ضمن مطلوبات إجراءات بناء الثقة بين أطراف النزاع.
فحصل "الدعم السريع" على مكسب صامت من "اتفاق جدة" الأخير لا ينطلي على أحد متى وقف على ملابساته. فتقرر في جدة احتجاز الهاربين من بين المحكوم عليهم بالسجن بعد خروجهم الجماعي منه بعد أيام قلائل من الحرب في 15 أبريل (نيسان) الماضي. وتبادلت كل من الحكومة السودانية و"الدعم السريع" الاتهامات عمن كان وراء ذلك الفرار الجماعي. ولكن رواية إدارة السجون عن ذلك الخروج تحدثت يومها عن فشلها في توفير أسباب العيش لهم في السجن بعدما قطعت الحرب خطوط التموين. أما مكسب "الدعم السريع" من قرار جدة بإعادة اعتقال من سمتهم "الهاربين من السجون"، فعظيم، فقد ظلت "الدعم السريع" تنسب كل تهمة توجه إليها باحتلال البيوت ونهبها إلى أولئك الهاربين من السجن. ولدفع التهمة عن نفسها ورميها على غيرها رتبت قوات "الدعم السريع" حملة علاقات عامة أشاعت بها فيديوهات تظهر ضباطاً من صفوفها يلقون القبض على لصوص منسوبين إلى المجرمين الهاربين. وعرضوا المسروقات التي صادروها منهم على الناس تبرئة لذمتهم.
ولم يقرأ الصحفي السوداني محمد لطيف كسب الدعم السريع من قرار منبر جدة برد المجرمين الهاربين إلى السجن إذا لم يراه حقاً لها علينا. فقال بشأن إعادة حبس الهاربين من السجون إنه قد لا يكون له أسبقية في قضية السلام، ولكن تظهر أهميته، وهنا بيت القصيد، إذا أخذت في الاعتبار ادعاء "الدعم السريع" أن الذين يمارسون الترويع باسمها مجرمون هاربون من السجون تم توظيفهم لتلطيخ سمعتها. وأضاف لطيف أن "القرار وفر فرصة ذهبية لتبذل كل الأطراف أقصى جهد لإعادة هؤلاء الهاربين إلى السجون لنرى إن توقف النهب أم استمر".
وهذا ما يعرف في الإنجليزية بالفرصة التي تتاح للمشتبه فيه أن ينتفع من الشك في قيامه بما اتهم به. ومن الصعب بالطبع القول بأن احتلال البيوت ونهب موجودات الناس مجرد تهمة تحوم حول الدعم السريع علينا نسهر جميعاً، بقرار من مؤتمر لمفاوضات سلام، على إثباتها، أو طلع الدعم براءة. Case closed.
وساقت حرب "قحت" و"الكيزان" إلى ما هو أفدح. فراح مطلب في خطر إخلاء "الدعم السريع" لمنازل المدنيين، الذي سبق لمفاوضات جدة أن أمنت عليه بصورة أو أخرى في مايو (أيار) الماضي، بين أقدام هذا الخلاف. وصار "الكيزان"، الذين طالبوا بتفعيله قبل الجلوس إلى جولة أخرى في جدة، من فاقدي الرشد عند القحاتة. فقال الصحافي محمد لطيف "إن (الكيزان)، لأنهم رافضون أي اتفاق ومحرضون على الحرب، سيزايدون على عودة الناس إلى بيوتهم" في حين يعرف أي مواطن عاقل أن هذا المطلب مما صح بحثه في المفاوضات، لا قبلها، مشدداً على الحاجة إلى التفكير العاقل فيه تفكيراً "تتملك فيه أعصابك" بلا ردود فعل.
أما النور حمد فرأى مثل لطيف في مطلب خروج الدعم السريع من بيوت الناس شطط في التفكير، بل والاستحالة. فقال إن احتلال الجنجويد بيوت الناس أخرج الناس من طورهم فركبتهم العاطفة في حين صح أن يركبهم العقل. فمثل ذلك الاحتلال مما يتوقعه المرء في حرب لأن "الحرب لا تدار بأخلاق". ولذا يعمل أهل الحكمة ألا تندلع حرب. ومتى اندلعت اندلقت شرورها:
"فلما يطلعوك من بيتك وينهبوه ويغتصبوا أختك whatever واللا كده بتفقد القدرة على الرؤية المتوازنة". فالكوارث تحدث "والزول ما يخلي عاطفته تملي عليه خياراته، لكن النضج في ألا تصادر العاطفة خياراتك، وتكون عاوز تقاتل مما يؤدي إلى أن تفقد كل شيء".
وسخر النور من القائلين بوجوب خروج "الدعم السريع" من بيوت المدنيين بقوله:
"يقولوا ليك (الدعم السريع) يطلع من البيوت. هو احتلها يطلع ليك كيف؟ ما بيطلع إلا بتفاوض. ما بيطلع ليك. في زول احتله ليهو محل في معركة طلع منها ساكت لأنك انت قلت له اطلع. بيطلع لما انت تكون عندك قوة تطلعو. تخليه يطلع. وعملياً أنت ما عندك هذه القوة". وهكذا صارت جريمة حرب في وقاحة طرد المدنيين من بيوتهم كرة في ملعب "قحت" و"الكيزان". ولا شماتة.
لهذه الحرب المدنية من حول الحرب في الميدان العسكري مغبة من جهة "قحت" خاصة، والتزامها بوقف الحرب. ففي شعواء خصومتها لـ"الكيزان" سقط الجيش بالكلية كطرف في الحرب من حساباتها. فهو فيها بالوكالة عن "الكيزان"، لا أصالة. وبالنتيجة أعفت "قحت" نفسها من التفكير في مآلاته في الحرب وما قبلها وما بعدها باستقلال عن ثأرهم مع "الكيزان". وصار الجيش عندها لا شيء وموضوعاً سخريا.
ووقعت للدعم السريع من ثقوب حرب قحت والكيزان كسب عظيم من قرارات منبر جدة الأخير ما طرأ له. فكسب من قرار المنبر بضبط المحرضين على الحرب (تقرأ "الكيزان"). وكانت "الدعم السريع" قد غلبت حتى "قحت" في إذاعة أن الحرب حرب "الكيزان" وتكرار الدعوة لـ"أحرار الجيش" أن ينفضوا يدهم عنهم.
كما كسب الدعم من حيث احتسب ربما من قرار إعادة اعتقال الهاربين من السجون لأنه يصب في سياق مساعيه الحثيثة لرفع ثقل تهمة النهب والتغنيم التي لاحقته كاللعنة. وظل يصرف العاهة كمجرد كيد لا واقع.
كما كسب من سقوط مطلب خروج "الدعم السريع" من بيوت الناس ومقار الخدمات من أجندة منبر جدة. فبينما رأى "الكيزان" وجوبه صرفته "قحت" كذريعة كيزانية لتصعيد الحرب وتمديد أجلها، أو كحالة عاطفية أعشت المصاب بها دون التفكير الرشيد.
ويسأل المرء متى ستفيق "قحت" إلى أن حربها البسوس مع "الكيزان" رجّحت، أرادت أو لم ترد، كفة "الدعم السريع" على مائدة المفاوضات. وأهم من ذلك كله صح أن تسأل "قحت" نفسها إن كانت هذه الحرب هي حرب بين الجيش و"الدعم السريع" مصيرها تنتهي بصورة أو أخرى، أم أنها حرب بينهما و"الكيزان" لا يعرف أحد إن كان سيطول مداها.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع الهاربین من من السجون منبر جدة من قرار من بیوت
إقرأ أيضاً:
الأمان في مكانين فقط| شتاء نووي يهدد بفناء 5 مليارات إنسان.. تعرف على الملاذ الأخير للبشرية
في وقتٍ يعاني فيه العالم من أزمات متلاحقة وتوترات جيوسياسية متصاعدة، يزداد القلق من سيناريو كارثي طالما حيّر البشرية وهو اندلاع حرب نووية عالمية. ومع أن هذه الفكرة تبدو للبعض خيالية أو بعيدة، فإن خبراء ومحللين عسكريين وعلماء بيئة يحذرون من أن آثار مثل هذه الحرب ستكون أكثر تدميرًا مما يتخيله العقل، بل ستُغير ملامح الحياة على كوكب الأرض لسنوات طويلة وربما لعقود.
فما الذي سيحدث بالفعل إذا اندلعت هذه الحرب؟ وأين يمكن أن يكون الإنسان في مأمن من دمارها؟ الإجابات كانت صادمة، وأظهرت أن الخطر لا يقتصر على الانفجارات وحدها، بل يمتد ليشمل الغذاء والماء والهواء والحياة ذاتها.
كارثة تتجاوز القنابل.. الإشعاع سيدمر كل شيءبحسب الخبراء العسكريين، فإن أي مواجهة نووية شاملة لن تقتصر على الخسائر المباشرة الناتجة عن الانفجارات الهائلة، بل ستؤدي إلى انتشار الإشعاع النووي في معظم أنحاء العالم، ما يجعل الحياة في أجزاء كبيرة من الكوكب غير ممكنة أو خطرة للغاية. وستكون العواقب الصحية والبيئية كارثية، حيث سيتضرر الغلاف الجوي، وتُصاب طبقة الأوزون بأضرار جسيمة، ما يزيد من معدلات التسمم الإشعاعي ويعرض الناس لأشعة الشمس القاتلة.
الأمل في الجنوب.. مكانان فقط قد يكونان آمنينفي هذا السياق، كشفت الكاتبة والخبيرة في الأمن القومي آني جاكوبسن، في تصريحات نقلتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، عن معلومات مثيرة للقلق. ففي حال اندلاع حرب نووية عالمية، ترى جاكوبسن أن أستراليا ونيوزيلندا هما البلدان الوحيدان على وجه الأرض اللذان يمكن أن يكونا آمنين نسبيًا، حيث يمكن فيهما استمرار الحياة والزراعة.
وتوضح جاكوبسن أن هاتين الدولتين، الواقعتين في نصف الكرة الجنوبي، سيكون بإمكانهما مواصلة الزراعة وتأمين الغذاء للسكان، في حين أن بقية دول العالم ستعاني من شتاء نووي قاسٍ وظروف مناخية ومعيشية غير قابلة للحياة.
سيناريو الشتاء النووي.. برد وظلام ومجاعةفي كتابها الجديد "سيناريو الحرب النووية"، تستعرض جاكوبسن الجدول الزمني المرعب لما قد يحدث بعد اندلاع حرب نووية. وتشير إلى أنه بمجرد انفجار القنابل النووية في المدن الكبرى، ستشتعل حرائق هائلة تبتلع المباني والغابات، لينبعث عنها دخان كثيف سيصعد إلى طبقات الجو العليا، وتحديدًا إلى طبقة الستراتوسفير، حيث يبقى معلقًا لسنوات بسبب غياب المطر هناك.
هذا الدخان الكثيف سيشكل حاجزًا أمام أشعة الشمس، ما يؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة بشكل كارثي، لدرجة قد تصل إلى 40 درجة فهرنهايت أقل في بعض المناطق مثل الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، ستنعدم القدرة على الزراعة، وتنتشر المجاعة.
الموت بالملايين.. خمسة مليارات ضحية متوقعةاستشهدت جاكوبسن بدراسة للبروفيسور أوين تون نُشرت في مجلة "نيتشر فود" عام 2022، وقدر فيها أن عدد القتلى في حال وقوع حرب نووية شاملة قد يبلغ خمسة مليارات شخص. هذا الرقم المهول لا يشمل فقط من سيلقون حتفهم بسبب الانفجارات أو الإشعاع، بل أيضًا من سيموتون جوعًا بسبب فشل الزراعة وانهيار سلاسل الغذاء.
وأوضحت أن الكوكب سيصبح غير مضياف للبشر، وستضطر معظم الشعوب إلى العيش تحت الأرض هربًا من الإشعاع ونقص الغذاء والبرد القارس. ورغم ذلك، فإن أستراليا ونيوزيلندا قد تكونان الملاذ الأخير لمن يبحث عن فرصة للبقاء على قيد الحياة.
مستقبل قاتم... وأمل باهتفي حوار صادم، سُئلت جاكوبسن: "أين يمكن أن يذهب المرء ليكون ضمن الناجين الثلاثة مليارات من أصل ثمانية مليارات؟"، فأجابت بلا تردد: "أستراليا ونيوزيلندا". فهذان البلدان الوحيدان اللذان يمكن أن يبقيا قابلين للحياة في ظل سيناريو حرب نووية شاملة.
في ظل تصاعد التوترات بين القوى العالمية، وفي الوقت الذي تُهدد فيه بعض الدول باستخدام السلاح النووي كورقة ضغط سياسية، يصبح الحديث عن كارثة نووية أمرًا يتجاوز الخيال العلمي. فبينما يواصل العالم سباق التسلح، تظل البشرية كلها رهينة زرّ واحد يمكن أن يُضغط في لحظة غضب أو حسابات خاطئة، ليقلب الأرض إلى جحيم مظلم وبارد.
الرسالة التي تطرحها آني جاكوبسن ويدعمها العلم والأبحاث واضحة.. النجاة من حرب نووية ليست خيارًا واقعيًا لمعظم سكان العالم، والسبيل الوحيد لتجنّب هذا المصير هو الحيلولة دون اندلاع هذه الحرب من الأساس. فربما لا يكون هناك فائز في الحرب النووية، ولكن بالتأكيد سيكون هناك خاسر وهي الإنسانية بأسرها.