ما الذي ينظر إليه الناس خلال حديثهم مع بعضهم وجها لوجه؟
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
يمكن للبشر إظهار الكثير عن أنفسهم من خلال نظرات الأعين أثناء المحادثة. فهل نحتاج إلى إجراء اتصال مباشر بالنظر في عين من أمامك؟ أم أن مجرد النظر إلى الوجوه يكفي للتواصل؟
وجد باحثون في كندا أن بعض الأشخاص نادراً ما يشاركون النظر المتبادل في الأعين مباشرة، وعوضاً عن ذلك ينظر كل مشارك إلى وجه شريكه بشكل عام.
ويوضح الفريق البحثي أن النظر المتبادل هو أحد أبسط سلوكيات التواصل غير اللفظي، لكنه لم يدرس جيداً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن تقنية تتبع حركة العين المتوافرة حالياً لديها قياس محدود للغاية لمجال حركة العين أثناء تفاعلات الحياة اليومية، بحسب ما نشر موقع "ساينس أليرت".
تقول فلورنس مايراند المؤلفة الرئيسية للدراسة المنشورة في "دورية التقارير العلمية" وخبيرة علم النفس التجريبي في جامعة ماكجيل في كندا: "هذه الدراسة هي واحدة من أولى الدراسات التي تظهر شكل وتوزيع نظرات الأعين عندما يتقابل شخصان وجها لوجه".
تضيف مايراند :"وجدنا أنه من المدهش أن الاتصال المباشر بالعين كان نادرا جدا أثناء الحديث والنشاط اليومي، وهنا أود أن أقول إنه أمر مهم للديناميكيات الاجتماعية. يبدو أن الوقت الذي ننخرط فيه في اتصال وجها لوجه ، حتى ولو لبضع ثوان ، هو عامل تنبؤي مهم للسلوك الاجتماعي اللاحق".
بحثت مايراند وزملاؤها في أنماط التحديق في العين خلال المحادثات التي جرت وجها لوجه بين 15 زوجا من الغرباء، يتألفون من 25 امرأة و 5 رجال ، تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاما.
خلال التجربة ارتدى الأشخاص نظارات إلكترونية خاصة لتتبع حركة عين الشريك في الحوار والتي قامت بتسجيل عدد المرات التي نظر فيها المشاركون إلى أفواه وعيون بعضهم البعض وكذا باقي معالم الوجه، بحسب ما ذكر موقع "ساي تك".
ووجدت الدراسة أن كل مشارك نظر بعيدا أكثر مما نظر مباشرة إلى وجه شريكه، وعندما نظروا إلى وجه بعضهم البعض، نظروا في الغالب إلى مناطق الفم والعين ونادراً ما انخرطوا في اتصال متبادل بين العينين، وكان النظر المتبادل من العين إلى الفم هو الأكثر شيوعاً.
وتشير الأبحاث السابقة إلى أن الاتصال بالعين مهم في التواصل البشري، لذلك كانت نتائج الدراسة الجديدة بمثابة مفاجأة ، وتظهر تناقض سلوك النظر الإنساني مع دراسات أخرى.
وتقول مايراند: "اكتشفنا أن المشاركين أمضوا حوالي 12 في المائة فقط من وقت المحادثة في النظر التفاعلي، مما يعني أنهم حدقوا في وجوه بعضهم البعض لمدة 12 في المائة فقط من مدة الحوار"، مضيفة أن "الأكثر إثارة للدهشة أنه ضمن هذه التفاعلات، انخرط المشاركون في اتصال متبادل وجها لوجه بنسبة 3.5 في المائة فقط من الوقت."
ويقول الباحثون إن مقدار الوقت الذي يقضيه الناس في النظر إلى بعضهم البعض في العيون قد يكون مهما لتوصيل الرسائل الاجتماعية بينهم، وقد تكون أنماط النظر المتبادل المختلفة مفيدة لنقل رسائل محددة في مجموعات مختلفة.
ويقول الفريق البحثي إنه سيكون من المثير للاهتمام أن يتم في المستقبل دراسة الكيفية التي يؤثر بها سياق المحادثة على كيفية نظر الناس إلى وجوه بعضهم البعض، وأشاروا في هذا السياق إلى أن طبيعة النظرة قد تكون مختلفة عندما يتحدث الشخص مع الأصدقاء مقارنة بالغرباء.
وخلص الباحثون إلى أن "سياق الرسائل الاجتماعية التي تنقلها العيون لا يزال سؤالاً بحثياً مثيراً للاهتمام".
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: بعضهم البعض وجها لوجه إلى أن
إقرأ أيضاً:
مصر بين المشروعات المظهرية وتبريرات الفشل غير المنطقية
ما زالت مصر تمر بمرحلة اقتصادية شديدة التعقيد، في ظل الأزمات المعيشية المتداخلة والمتراكمة، وتوجه الحكومة نحو تنفيذ مشروعات ضخمة التكاليف قليلة العائد، لا يرى المواطن منها إلا واجهات لامعة فوق أرضية اقتصادية تتصدّع عاما بعد آخر. وفي الوقت نفس يتم الترويج لتلك المشاريع بأنها قاطرة للتنمية، وتتلاحق الأحاديث الرسمية عن "إنجازات كبرى" و"مشروعات عملاقة"، ولكن معها وبها يرتفع التضخم، وتتدهور القدرة الشرائية، ويتسع نطاق الفقر، وتتراكم الديون إلى مستويات غير مسبوقة.
ويُعد التضخم المؤشر الأكثر تأثيرا على المواطن، وقد تجاوز خلال العامين الماضيين 35 في المئة في عدة فترات، وبلغ تضخم الغذاء ذروات قاربت 60 في المئة، قبل أن يتراجع قليلا لكنه بقي في خانة مقلقة بين 20 في المئة و30 في المئة خلال 2025. ومع ضعف الأجور وفقدان الجنيه أكثر من 50 في المئة من قيمته خلال سنوات قليلة، أصبح دخل الأسرة يتآكل شهريا، وارتفعت أسعار السلع الأساسية بما يفوق قدرة الملايين على الاحتمال.
أما الديون، فأصبحت العنوان الأبرز للأزمة في مصر. فقد ارتفع الدين الخارجي من 43 مليار دولار في 2013 إلى نحو 165 مليار دولار اليوم، بينما تجاوز الدين الداخلي 7 تريليونات جنيه. وتشير الموازنة العامة إلى أن فوائد الدين وحدها -دون الأقساط- تكلف الدولة أكثر من تريليون جنيه سنويا، وهو رقم يتجاوز ما يُنفق على التعليم والصحة مجتمعين. وهذا يعني ببساطة أن الدولة تعمل اليوم لخدمة الديون قبل خدمة الناس، وأن المستقبل المالي للبلاد مرهون عاما بعد عام بسياسة ترقيع الديون بالديون.
وفي مقابل هذا الواقع، تُنفق الدولة عشرات المليارات على العاصمة الإدارية، التي تستأجر الحكومة فيها مباني وزارتها، تاركة مباني لتلك الوزارات هي ملكها في قلب القاهرة، وهذا أمر يدعو للعجب والاندهاش!! فضلا عن التوجه نحو مشروعات ترفيهية تثقل من فاتورة الديون، فها هي الحكومة تعلن عن تصميم ساعة عملاقة في العاصمة الإدارية لتكون أكبر ساعة في الشرق الأوسط، وكذلك عمل ممرات مائية صناعية، وبحيرات اصطناعية، وعجلة ترفيهية هائلة، وممشى سياحي جديد، ومبادرات تشجير شكلية. وهذه المشاريع مهما كانت واجهتها أنيقة فإنها لا تغيّر من حقيقة أن نحو ثلث الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر، وأن الطبقة المتوسطة تتحول تدريجيا إلى طبقة ذائبة تحت هذا الضغط، وأن الأسرة المصرية تقف كل يوم أمام سلة غذاء تضاعف ثمنها دون أن يتضاعف دخل الأسرة.
وحتى يكتمل المشهد فإن الأمر يتطلب التطرق للخطاب الرسمي الذي يرافق هذا الواقع. فقد أدلى الرئيس المصري بتصريح لافت للنظر قبل أيام، قال فيه إن "تطور الدول قد يستغرق 100 عام، وأن البعض يتصور أن الأمور يمكن أن تُحل في 5 سنوات فقط". وهذا التصريح، يدل على عمق الأزمة وفداحة الإخفاق وسياسة الهروب والتسويف، وترك الناس في غيابات الظلم الاقتصادي، وكأن تحسين معيشة الناس مشروع مؤجل إلى القرن المقبل، أو كأن الأزمة قدر لا يمكن الفكاك منه مع أنها من صنع أيديهم.
وبذلك تظهر المفارقة الصارخة: دولة تتحدث عن بناء أكبر شبكة طرق في تاريخها، وعن عاصمة إدارية بتكلفة تتجاوز 700 مليار جنيه، وعن أبراج زجاجية ومدينة ذكية وقطار كهربائي ومشاريع تُنفذ بسرعة هائلة، ثم تقول للمواطن إن تطوير الدولة يحتاج مائة عام! فكيف تُنجز الدولة تلك البنية الفوقية بهذا التسارع، بينما يعجز المواطن عن رؤية إصلاح واحد في دخله، أو في جودة خدماته، أو في تكلفة معيشته، خلال نفس السنوات؟
وإذا كانت التنمية تحتاج 100 عام فلماذا ارتفعت الديون 4 أضعاف في 10 سنوات؟! وإذا كانت الدولة تبني مستقبلها فلماذا تضخم الأسعار يلتهم حاضر المواطن؟!وإذا كانت الإنجازات حقيقية، فلماذا تزداد نسب الفقر بدل أن تتراجع؟!
الحقيقة أن هذا التصريح يعكس عقلية التبرير التي ترى في الزمن ستارا مناسبا لإخفاء الفشل، بدل أن ترى في التخطيط والإنتاج والإدارة الرشيدة طريقا للخروج من الأزمة. فالدول التي نجحت لم تحتج قرنا من الزمن: تركيا احتاجت أقل من 10 سنوات للخروج من تضخم مفرط إلى استقرار اقتصادي، ورواندا تحولت خلال 15 عاما فقط إلى أحد أسرع الاقتصادات نموا في أفريقيا، بينما في مصر، إحدى عشر عاما من الديون الهائلة لم تُنتج تنمية، بل تضخما وفقرا وتآكلا للطبقة الوسطى.
إن المشكلة ليست في بناء مدينة جديدة أو مشروع عمراني، فهذه أمور طبيعية في خطط التنمية الحديثة، بل المشكلة الحقيقية هي في ترتيب أولويات معكوس ومقلوب، حيث تُقدّم الكماليات على الضروريات، والمشهد على المعيشة، والمظهر على الجوهر. وما لم تُصَحَّح هذه البوصلة، سيظل المواطن يدفع ثمنا متصاعدا، مهما ازداد بريق الأبراج والساعات والبحيرات.
إن مصر لا تحتاج مئة عام، لكنها تحتاج إدارة واعية، ومصالحة مجتمعية، وإخراج العسكرة من الحياة الاقتصادية، مع أولويات واضحة، وقرارات تنطلق من حياة الناس لا من الصور الرسمية. وإذا لم تُستعَد هذه المعادلة، فلن تُحلّ الأزمة لا في خمس سنوات، ولا في خمسين، ولا حتى في مئة عام.
x.com/drdawaba