دار الإفتاء: لا حرج شرعي مِن استخدام قول «ربنا افتكره» على المتوفى
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
انتشرت في الآونة الأخيرة قول قطاع كبير من المواطنين، جملة «ربنا افتكره»، كنايةً عن من توفاه الله، ليتساءل كثيرون عن الحكم الشرعي عن هذا القول، وهو ما أوضحته دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي.
استخدام لفظ «ربنا افتكره»وقالت دار الإفتاء، إنّ الناس في مصر تعارفوا على استخدام ألفاظٍ قد يُغَايِرُ مدلولُها العرفيُّ حقيقتَها اللغوية، حتى صارَ لا يتبادر إلى الذهن عند سماعها إلا ذلك المدلول العرفي، ومن ذلك استخدامهم لفظ «ربنا افتكره» للتعبير عن موت إنسان.
ولفتت الدار إلى أنّه لا يتبادر إلى ذهن أيٍّ من المصريين أبدًا أن المرادَ من هذه العبارة نسبةُ سَبْقِ النسيان إلى الله تعالى - حاشاه سبحانه وتقدَّس شانُهُ - على ما يدل عليه ظاهرها اللغوي.
وذكرت الدار، أن القرآن الكريم كثرت فيه الآيات التي إن حُمِلَت على حقيقتها اللغوية، فُهِمَ منها نسبة النقص إلى الله تعالى؛ حيث جاء لفظ النسيان في كثير من الآيات مضافًا إلى الذات الإلهية، ومع حفظ المسلمين للقرآن الكريم جيلًا عن جيل، لم يتبادر إلى ذهن، أيٍّ منهم أن المقصود منه حقيقةُ النسيان في اللغة والتي هي ضعفٌ في الْـمَلَكَةِ العقلية عند استحضار المعاني والأشياء بعد حفظها، بل المتبادر إلى الذهن فورًا هو تَرْكُ الله تعالى بإرادته رحمةَ العاصينَ بسبب سَبْقِ نسيانهم ما أمرهم به سبحانه من قبل؛ وذلك في مثل قول الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: 51]، وهذا يُصحِّح المراد من قول المصريين: «ربنا افتكره»؛ ليكون بمعنى: «رَحِمَهُ»؛ بدلالة قولهم: «افتكار ربنا رحمة»؛ وذلك بمفهوم المخالفة؛ فإذا كان نسيان الله تعالى هو الترك من رحمته، فإن افتكاره سبحانه بِتَوَفِّيهِ عبدَهُ هو عين رحمته، فكانت هذه المقولة من المصريين متضمنةً أيضًا -علاوة على الإخبار بوفاة شخصٍ ما- التعبيرَ عن رجائهم بلوغَ مُتَوَفَّاهُمْ واسِعَ رحمة الله تعالى بعد الموت.
لا يجوز إساءة الظن بحمل معناهوتابعت: وعليه فما انتشر على ألسنة المصريين من قولهم: «ربنا افتكره»؛ كنايةً عمن توفاه الله وانتقل إلى رحمته تعالى لا حرج فيه شرعًا، ولا يجوز إساءة الظن بحمل معناه على ما يدل عليه ظاهرُهُ اللغوي مِن نِسبة سَبْقِ النسيان إلى الله تعالى -حاشاه سبحانه وتقدَّس شانُهُ-، بل الواجب حملُهُ على المعنى العُرفي الحسن وهو انتقال مَن توفّاه الله تعالى إلى رحمته.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: دار الإفتاء الميت الدعاء للميت الله تعالى
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: النبي ﷺ كان يستحق مكانته عند الله تعالى ومحبتنا له
النبي.. قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن النبي ﷺ كان يستحق تلك المكانة التي جعلها الله له، ويستحق أن نحبه بكل قلوبنا، فهو الذي كان يتحمل الأذى من أجلنا، ولا يخفى ما يؤثر من حلمه ﷺ واحتماله الأذى، وإن كل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، وهو ﷺ لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرًا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلمًا.
النبي صلى الله عليه وسلم:ويؤكد هذا الخلق العالي هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لقومه الذين آذوه وعادوه، وما دعا عليهم، وإن كان الدعاء عليهم ليس بمنقصة، فإن الدعاء على الظالم المعاند لا شيء فيه، وفعله أولو العزم من رسل الله كنوح وموسى عليهما السلام. فكان دعاء سيدنا نوح، فقد قال القرآن عنه في دعائه على قومه: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً}.
وسيدنا موسى عليه السلام، فقال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ}.
وقد كانا عليهما السلام على حق، ولكن كان النبي ﷺ أحق، فقد روى الطبراني وذكره الهيثمي في مجمعه وقال: "رجاله رجال الصحيح": أن النبي ﷺ لما كسرت رباعيته، وشج وجهه الشريف ﷺ يوم أحد، شق ذلك على أصحابه شقًا شديدًا، وقالوا : لو دعوت عليهم. فقال: إني لم أبعث لعانًا، ولكني بعثت داعيًا ورحمة، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه:
وأخرج البخاري في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي ﷺ: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك فسلم علي ثم قال: يا محمد، فقال ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا).
وعفا النبي ﷺ عمن جذبه من الأعراب جذبة شديدة، وأعطاه سؤاله وزاد، وعفا ﷺ عن اليهودية التي سمت الشاة له بعد اعترافها، ولم يؤاخذ لبيد بن الأعصم إذ سحره، ولا عتب عليه فضلًا عن معاقبته. فهذا هو الأسوة الحسنة، والنموذج الأعلى المرضي عند ربه ﷺ.