نجح فريق بحثي كوري أميركي مشترك في توظيف الذكاء الاصطناعي لكشف الأسرار الإنزيمية لواحدة من أهم الكائنات الحية، وهي بكتيريا تستوطن الأمعاء تسمى "الإشركية القولونية".

واكتُشفت هذه البكتيريا أول مرة عام 1885 من قبل طبيب الأطفال الألماني وعالم البكتيريا تيودور إيشيريتش، غير أن الأبحاث عليها اكتسبت زخما أوائل القرن العشرين وحتى منتصفه، لأهميتها في البحث العلمي وعلم الأحياء الدقيقة.

وبدأت الدراسة المكثفة لها في الأربعينيات عندما أصبحت كائنا حيا نموذجيا للأبحاث الوراثية والبيولوجيا الجزيئية، بعد أن وجد العلماء أنها تنمو بسهولة في ظروف المختبر، ولديها معدل تكاثر سريع، وتشترك في العديد من أوجه التشابه الجيني مع الكائنات الحية الأخرى، بما في ذلك البشر.

ورغم هذا التاريخ الطويل من الدراسات، لم يفهم العلماء حتى الآن ما تفعله 30% من بروتيناتها، لكن نظاما جديدا للذكاء الاصطناعي يحمل اسم "ديب إيكترانسوفرم" ربما يساعد في ذلك بعد نجاح باحثين من المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا وجامعة كاليفرونيا الأميركية في استخدامه لاكتشاف وظائف 464 إنزيماً غير معروف بتلك البكتيريا، وأُعلن عن هذا الإنجاز في دورية "نيتشر كومينيكيشن".

اكتشاف الإنزيمات يساعد في توظيفها لتحليل البلاستيك أو التخليق الحيوي للمركبات (شترستوك) ماذا فعلت الدراسات السابقة؟

والإنزيمات هي جزيئات بيولوجية تعمل كمحفزات في الكائنات الحية، وتتمثل وظيفتها الأساسية في تسريع وتنظيم تفاعلات كيميائية ضرورية للحياة، وتساعدنا معرفة ما يفعله كل منها على فهم كيفية عمل الكائنات الحية.

واستخدمت العديد من الدراسات السابقة الذكاء الاصطناعي في اكتشاف وظائفها والتنبؤ بها، عبر الاستفادة من القدرات التي يتيحها التعلم الآلي وتقنيات التعلم العميم. غير أن هذه الدراسات، ورغم نجاحها في التنبؤ بالوظائف، لم تتمكن من تفسير أسباب هذا التنبؤ، مما أعاق الاستفادة من نتائجها بشكل كبير، ومن هذه الدراسات:

نظام "ديب إيك": طور باحثون طريقة "ديب إيك" التي تعتمد على التعلم العميق للتنبؤ بأرقام "التصنيف الإنزيمي" بناءً على تسلسل البروتين. والتصنيف الإنزيمي نظام طُور من قبل الاتحاد الدولي للكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية لتصنيف وتنظيم الإنزيمات بناءً على التفاعلات الكيميائية المحددة التي تحفزها. خوارزميات التعلم الآلي: استخدمت دراسات مختلفة خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ بوظائف الإنزيم، وتقوم هذه الطرق بتحليل بيانات التسلسل وهياكل البروتين والميزات البيولوجية الأخرى للتنبؤ بوظائف الإنزيمات، ووصلت تلك الدراسات لنتائج واعدة في التنبؤ الدقيق بأنشطة الإنزيم والوظائف التحفيزية. تصميم الإنزيمات: طُبق الذكاء الاصطناعي على تصميم الإنزيمات بهدف هندسة إنزيمات ذات وظائف محددة للأغراض الصناعية أو الطبية الحيوية باستخدام الأساليب الحسابية وخوارزميات التعلم الآلي. الجينوم الوظيفي: تضمنت الأساليب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في علم الجينوم الوظيفي، التنبؤ على نطاق واسع وتوصيف الإنزيمات، وساهمت هذه الدراسات في فهم المسارات الأيضية، وتحديد الأهداف الدوائية المحتملة، واكتشاف الإنزيمات ذات الصلة بتطبيقات التكنولوجيا الحيوية.

وبينما نجحت هذه الدراسات السابقة في التنبؤ ببعض وظائف الإنزيمات، لم تتمكن من تفسير سبب هذا التنبؤ، وهو ما جعل الإنزيمات مثل الصناديق السوداء غير المعلوم ما بداخلها. ولكن نظام "ديب إيكترانسوفرم" تمكن من فهم لغة البروتينات، وهو ما ساعد على تجاوز تلك المشكلة.

وخلال الدراسة أعلن الباحثون أن نظامهم الجديد يستطيع أن يتنبأ بما تفعله الإنزيمات بناء على تسلسل البروتين الخاص بها، وهو ما مكن هذا النظام من تحديد وظائف الإنزيمات بسرعة ودقة وتفسير سبب التنبؤ.

نظام ديب إيكترانسوفرم يمكنه التنبؤ بما تفعله إنزيمات الإشركية القولونية بناء على تسلسل البروتين الخاص بها (شترستوك) كيف يعمل "ديب إيكترانسوفرم"؟

في حديث خاص عبر البريد الإلكتروني لـ"الجزيرة نت" يقول الأستاذ بمختبر البحوث الوطني للهندسة الأيضية والبيولوجية الجزيئية بالمعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا والباحث الرئيسي بالدراسة سانغ يوب لي: إن أداة "ديب إيكترانسوفرم" تعمل باستخدام الشبكة الذكية ونظام البحث، فإذا لم تتمكن الشبكة الذكية من معرفة ما يفعله البروتين، فإن نظام البحث يبحث عن بروتينات مماثلة ويقوم بالتخمين بناءً على ما تفعله تلك البروتينات المماثلة، وهو ما يجعل نظامهم الجديد جيدا في تخمين الوظائف التي تقوم بها البروتينات وتحديد سبب هذا التخمين، مقارنة مع الأنظمة المماثلة الأخرى.

ويضيف أنه "نظام ذكي لقدرته على تفسير سبب قيامه ببعض التخمينات، مثل الإشارة إلى أجزاء معينة من البروتينات التي تساعده على اتخاذ القرار، وهذا الفهم الذي لا توفره الأنظمة الشبيهة يكون مفيدا جدا لصنع أشياء جديدة، مثل المواد الكيميائية الصديقة للبيئة، باستخدام هذه البروتينات المكتشفة حديثا".

نظام ديب إيكترانسوفرم تمكن من فهم لغة البروتينات مما ساعد في فهم سبب التنبؤ ببعض وظائف الإنزيمات (شترستوك) نتائج صالحة للتعميم

ورغم أن الدراسة التي قادت إلى أداة "ديب إيكترانسوفرم" كانت على "الإشركية القولونية"، فإنه يمكن توظيفها للعمل مع بروتينات العديد من الكائنات الحية، وهو ما يفتح الباب للعديد من الأبحاث التي تكشف المزيد من وظائف إنزيمات الكائنات الحية، وهذا يعني أننا أمام أداه واعدة تمهد للعديد من التطبيقات العملية.

ويقول سانغ يوب لي: "الإنزيمات مثل الآلات الصغيرة في الكائنات الحية التي يمكنها تحطيم المواد البلاستيكية أو التخليق الحيوي لمختلف المركبات المفيدة، وأداة الذكاء الاصطناعي تساعدنا في العثور عليها بشكل أسرع وأفضل من خلال فرز الكثير من المعلومات الجينية، والعثور على المزيد منها، ويؤدي ذلك بدوره إلى إنشاء المزيد من المصانع الصديقة للبيئة واكتشاف أشياء جديدة في علم الأحياء".

ويثق الباحثون في دقة نظامهم، حيث أبلى بلاءً حسنًا -حسب يوب لي- في تخمين وظائف البروتينات، حتى بالنسبة لتلك التي تختلف كثيرا عن التي تدرب عليها، وهذا يدل على أنه جيد في اكتشاف وظائف البروتين بشكل عام.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی الکائنات الحیة هذه الدراسات ما تفعله وهو ما

إقرأ أيضاً:

بعد حصولها على جائزتين دوليتين: في المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي

مسقط- الرؤية

حصلت الطالبة في بنت سالم المحروقية من مدرسة دوحة الأدب (10-12) بتعليمية محافظة مسقط، على جائزتين خاصتين في المعرض الدولي للعلوم والهندسة من خلال مشروعها: نهج قائم على التعلم الهجين لتحسين صور الرئة، وتشخيص الأورام، والتليف الرئوي بشكل أكثر دقة وفعالية.  

وتقول الطالبة: "انطلقت فكرة مشروعي من ملاحظتي لأهمية تحسين دقة، وسرعة تشخيص أمراض الرئة، في ظل الارتفاع المستمر في أعداد المصابين عالميًا؛ ومن هنا استلهمت الفكرة من شغفي بالتقنيات الحديثة، لا سيما الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، وحرصي على توظيفها في مجالات تخدم صحة الإنسان".

وتضيف: واجهتُ تحديات عديدة، من أبرزها تعقيدات النماذج التقنية، وصعوبة الحصول على بيانات طبية عالية الجودة، لكن بالإصرار، والدعم، والتعلم المستمر، تمكنتُ من تجاوزها.

وتشرح المشكلات التي يعالجها المشروع بقولها: يعالج المشروع تحديات حقيقية في المجال الصحي، خصوصًا في تشخيص أمراض الرئة مثل الأورام، والتليف، إذ يُسهم النظام في تحسين جودة الصور الطبية، ويعتمد على تقنيات تعلم الآلة؛ لاكتشاف المؤشرات المرضية بدقة عالية، مما يمكّن الأطباء من التشخيص السريع، والدقيق، وبالتالي الإسهام في إنقاذ الأرواح، وتخفيف الضغط على الأنظمة الصحية.

المشاركة في المعرض الدولي

وعن مشاركتها في المعرض الدولي، تقول: كانت تجربة ثرية للغاية؛ منحتني فرصة تمثيل بلدي سلطنة عُمان على منصة عالمية، والتعرف إلى مبدعين من مختلف دول العالم، وتبادل الأفكار مع مشاركين من خلفيات علمية متنوعة، واطّلعت على مشاريع رائدة في مجالات متعددة، هذه التجربة عززت ثقتي بنفسي، وفتحت أمامي آفاقًا جديدة للتطور العلمي، والبحثي.

وتستذكر لحظة إعلان فوزها: لحظة إعلان فوزي بجائزتين خاصتين كانت من أجمل لحظات حياتي؛ شعرتُ بفخر عظيم، وسعادة لا توصف؛ لأن كل التعب والجهد الطويل تُوِّج بهذا الإنجاز، كانت لحظة امتزجت فيها مشاعر الامتنان، والإنجاز، والانتماء، وأعتبرها نقطة تحول مهمة في مسيرتي العلمية.

الدعم والتدريب

وتتحدث عن دور الوزارة، والمدرسة في هذا الإنجاز: قدّمت الوزارة دعمًا كبيرًا لمشاركتي في المعرض، من خلال مجموعة من المبادرات، والإجراءات التي كان لها أثر بالغ في تمكيني من تمثيل الوطن بشكل مشرّف وفعّال؛ فقد وفّرت برامج تدريبية، وورش عمل متخصصة ساعدتني على تحسين مهاراتي في العرض والتقديم، بالإضافة إلى دعم معنوي مستمر، واهتمام ملحوظ بهذه المشاركة.

وتؤكد أن للمدرسة، والمعلمات دورًا كبيرًا ومحوريًا، يتمثل قي دعم مشرفتي، ومعلمتي إيمان بنت علي الرحبية، أثر بالغ في تحفيزي منذ بداية المشروع؛ إذ وفرت لي بيئة تعليمية مشجعة، ورافقتني خطوة بخطوة، وآمنت بإمكانياتي، وقدراتي على الوصول إلى العالمية، هذا الدعم المعنوي والعلمي شكّل حافزًا قويًا للاستمرار والتفوق.

وتتابع حديثها: الوصول إلى المنصات الدولية ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب صبرًا، وإصرارًا، وعملًا جادًا. النجاح لا يأتي من فراغ، بل من شغف حقيقي، وتطوير مستمر، وإيمان بالنفس. كل من يمتلك فكرة هادفة ويثابر لتحقيقها، قادر على الوصول والتميّز عالميًا.

الطموح والتطوير

وتقول عن طموحاتها المستقبلية: أطمح على المستوى العلمي إلى التخصص في مجال الذكاء الاصطناعي، ومواصلة أبحاثي في ابتكار حلول تقنية تُحدث أثرًا حقيقيًا في حياة الناس، أما على المستوى الشخصي، فأرجو أن أكون نموذجًا مُلهمًا، وأسهم في دعم وتمكين الشباب العماني للمنافسة على الساحة العالمية.

وتختتم حديثها: أعمل حاليًا على تطوير النموذج ليكون أكثر دقة وفعالية، وهناك خطة لتجريبه بالتعاون مع جهات طبية متخصصة، وأسعى أن يتم اعتماد هذا النظام، وتطبيقه فعليًا في المستشفيات والمؤسسات الصحية، ليسهم في تحسين مستوى الرعاية الطبية، وتشخيص أمراض الرئة بدقة أكبر.

مقالات مشابهة

  • لا للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الأحكام الشرعية بماليزيا
  • تركيا.. نظام يعتمد الذكاء الاصطناعي لضبط سوق العقارات
  • فيلم «الرمز 8».. الذكاء الاصطناعي يشعل الصراع بين ذوي القدرات الخارقة
  • هل يصبح الخليج قوة عظمى في الذكاء الاصطناعي؟
  • خبراء: الذكاء الاصطناعي لا يهدد الوظائف
  • السوداني:تبرعنا إلى لبنان (20) مليون دولار رغم الأزمة المالية التي يمر بها العراق
  • هل يُعلن الذكاء الاصطناعي نهاية الفأرة ولوحة المفاتيح؟
  • بعد حصولها على جائزتين دوليتين: فَيّ المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي
  • بعد حصولها على جائزتين دوليتين: في المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يعزز دقة التنبؤ بهياكل الأجسام المضادة