"بعدِك ما شفتي شيء"!
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
رُبا بنت جمال الشنفرية
طعم غير تقليدي شعرت به مع أول رشفة من فنجان قهوتي عندما كنتُ أستمعُ إلى "فضفضة" صديقتي التي لم تعد كما عهدتها من قبل!
هي فتاة مُجتهدة ومُثابرة في كل مجالات حياتها العلمية والعملية.. إنسانة بشوشة ومرِحَة تملك قلبًا ناصع البياض كلون بشرتها، وتحظى بقلب زاخر بالنوايا الطيبة الصادقة تجاه الآخرين.
تقول صديقتي وقد بدت عليها ملامح الحسرة والألم: "لم أكن أعلم أن الخير قد يُرد عليه يومًا بالشر، ولم أتخيّل أن النيّة الحسنة ستُكافأ يومًا بالظلم، ولم يخطر لي ببال قط أن أمد يد العون فتُكسر"!
جاوبتها بقلقٍ وحيرة من هذه الطلاسم غير المفهومة: "ماذا بك يا صديقتي؟ لِمَا كل هذا الحزن وخيبة الأمل؟!".
ردت وعلى ملامحها الغضب: "اجتهدت وسعيت لأجد مكان عمل أفضل فيفتح لي آفاقًا أكبر وتزيد معرفتي ومهاراتي وأُطوِّر من نفسي في مكان مميز.. سنحت لي الفرصة وأقدمت على العمل في وظيفة أكاد أجزم أن من حولي يحسدونني عليها إلّا أن قلبي لم يكن مُطمئنًا منذ اليوم الأول، وتوالت الأحداث..".
قلتُ: ما الذي حدث؟ يبدو أن الوضع مأساوي!
أجابت بصوت مبحوح ودمعة حبيسة العين: "نعم.. لم أستمع لقلبي؛ بل طبّقت ما قاله عقلي تمامًا، فقبلتُ الفرصة وبدأتُ العمل إلّا أنّني صُدمتُ بأن ما قرأته وسمعته عن بيئة العمل السامة لا يساوي 1% ممّا عاصرته بنفسي".
منذ أول يوم قابلني أعضاء الفريق بابتسامة صفراء سامّة وباردة لا تُعبِّر عن أي حفاوة صادقة، وكانت هذه أول مرة أشعر فيها بتوجس وعدم ارتياح. ومن العجيب أنه مع مرور الأيام، كانت تتردد على مساعمي مقولة غريبة للغاية، تعكس مدى سوء بيئة العمل تلك، إذ تكررت عبارة "بعدك ما شفتي شي"!
ظُلمت.. قُهرت.. استُهدِفت، لاقيتُ أشد أنواع الأذى وأسوأ مظاهر قلة التقدير والاحترام، وأشنع الافتراءات، وأقسى إجراءات التهميش، والترهيب من اقتراف الأخطاء، والعمل تحت الضغط اللامتناهي في كل لحظة، كل هذا فقط لأنني كنتُ مجتهدةً ودؤوبة مُنذ بداياتي، وحزتُ على إعجاب الإدارة منذ الأيام الأولى... هكذا تؤكد صديقتي وأنا أستمعُ إليها بآذانٍ صاغية.
وحسبما تقول صديقتي الطيبة: سُرعان ما انقلب الحال وأصبح كل ما يُلقى على عاتقي هي الأعمال المنهكة جسديًا وذهنيًا، لم أجد من ينصفني من كيد الزملاء، لا إدارة موارد بشرية ولا مسؤولًا إداريًا في أي من المناصب بهذه المؤسسة؛ بل أغلق الجميع بابه في وجهي، ولم أجد فيهم من يُحق الحق، والأنكأ أنهم اتهموني بأنني المُذنبة، وأنه من غير المنطقي أن يشكو موظف جديد في بداياته ويكون هو صاحب الحق!
تواصل صديقتي الحديث: أدركت أنني في بيئة عمل سامة ومشؤومة آرى فيها يوميًا من يتملص من العمل، من يسرق مجهود غيره، من يسيء لزميله ولا يمكن للآخر الحديث أو التعبير خوفًا من الأذى وانقطاع الرزق، من يشتكي بشكل مستمر، من يتغيب بعذر وبدون عذر، من يتعرض للتهديد بالفصل والإنذارات يوميًا، ونشهد شهريًا استقالة تلو الأخرى.
أكملتْ وهي تعبث بملعقتها في كوب القهوة قائلة: أنا لا أشعر بالأمان ولا أثق بأيِّ فرد هنا؛ فالجميع غدّارون وأشعر أني أرى طموحاتي وخبراتي وشهاداتي وأحلامي تتبخر أمام عيني علمًا بأنني لم أتوقف يومًا عن الاجتهاد في إيجاد الحلول وكلما حفزت نفسي ذاتيًا احبطتني كلمة ( بعدك ما شفتي شيء!).
كيف لي أن أواسيها في وضعها؟! فهي تحارب لوحدها من أجل أحلامها ولازالت لم تجد بصيص أمل هل يا ترى ستستطيع الصمود؟
أخبرتها أنها بطلة وقوية، وأنه دائمًا ما يتعرض الأقوياء لأذى ضعاف النفوس، وأن دعوة المظلوم أقوى من أي فعل، وأنها ستنتصر سواءً قررت إكمال هذه التجربة أم قررت إنهاء هذا الفصل من حياتها؛ فالنجاح لم يوُلد إلّا من رماد الفشل.
ردّتْ عليّ قائلة: لا تقلقي يا صديقتي أنا على يقين أنني سأكرر لهم في النهاية عبارة "بعدكم ماشفتوا شيء"! في جميع الأحوال.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الشباب.. بين هواجس الحياة وفرص العمل
سالم البادي (أبومعن)
الشباب هم عماد الوطن وأساس تقدمه، هم قوة العمل المستقبلية وقادة الغد، هم قادة التغيير والمساهمون في التنمية.
في عالم اليوم المعقد بالمتغيرات والتقلبات المتسارعة يعيش الشباب في خضم تحديات جمَّة، تتراوح بين هموم شخصية وأخرى عامة تتعلق بالمجتمع والوطن. تتشابك هذه الهواجس لتشكل نسيجًا معقدًا يؤثر على حياة الفرد والمجتمع ككل.
ومن أبرز هذه الهواجس، تلك المتعلقة بالوضع الاقتصادي؛ حيث يواجه الشباب تحديات مثل عدم الاستقرار المالي، وقلة فرص العمل.
هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على مستوى الاستقرار، وتولد شعورًا بالقلق وعدم الأمان، بالإضافة إلى ذلك، تبرز هواجس أخرى تتعلق بالصحة والتعليم، حيث يسعى الشباب إلى توفير الرعاية الصحية الجيدة والتعليم المتميز، ويواجه في سبيل ذلك تحديات مثل ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، ونقص الخدمات التعليمية، وارتفاع الأسعار.
لا يُمكن إغفال الهواجس المتعلقة بالجانب الاجتماعي والسياسي، حيث يشعر الشباب بالقلق إزاء قضايا تخصه بالذات. وقد تؤثر على ثقته في مؤسسات الدولة، وتولد شعورًا بالإحباط وعدم الانتماء.
لذلك.. من الضروري أن تحتوي الدولة شبابها وتوليه العناية والرعاية التي يستحقها، وكذلك على المجتمع أن يعمل على معالجة هذه الهواجس من خلال توفير بيئة اقتصادية مستقرة، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتعزيز العدالة والمساواة، وذلك لبناء مجتمع أكثر تماسكًا وازدهارًا.
ويمكن القول إن الشباب في هذا العصر يواجهون تحديات ومآسي متنوعة. أذكر منها: صعوبة العثور على فرص عمل مناسبة، مما يؤدي إلى الإحباط وفقدان الثقة بالنفس، وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة، وصعوبة تحقيق الاستقرار المالي، مما يؤثر على قدرتهم على الزواج وتكوين أسرة. وتأخر سن الزواج، وصعوبة تحمل مسؤوليات الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق.
إلى جانب ضغوط التوافق مع معايير المجتمع، والعزلة الاجتماعية، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار مشاكلها وجرائمها الإلكترونية.
أيضًا صعوبة الحصول على تعليم جيد، وارتفاع تكاليف الدراسة، وتحديات الحصول على فرص عمل بعد التخرج.
وفيما يتعلق بالصحة النفسية، فقد تزيد معدلات القلق والاكتئاب والتوتر، بسبب الضغوط الحياتية، والتغيرات السريعة من حولنا.
كما إنَّ الحروب والصراعات في العالم، وعدم الاستقرار السياسي، تؤثر على مستقبلهم وتخلق شعورًا بعدم الأمان.
وفي جانب القيم والأخلاق، نشهد تغيرات في القيم والأخلاق، وصعوبة التمسك بالهوية الثقافية في ظل العولمة. علاوة على التعرض للمخدرات والإدمان، مما يدمر حياتهم ويؤثر على صحتهم النفسية والجسدية. فضلًا عن الشعور بالتمييز والظلم، وعدم المساواة في الفرص، مما يخلق شعورًا بالظلم والإحباط.
هذه مجرد بعض التحديات التي يواجهها الشباب اليوم، وهي تتطلب منا جميعًا أن نكون أكثر تفهمًا ودعمًا لهم.
وبناءً على ما سبق قد نجد بعض التداعيات والنتائج السلبية، منها انخفاض الإنتاجية والنمو الاقتصادي، وتراجع مستوى المعيشة، وصعوبة الحصول على الدخل اللازم لتلبية الاحتياجات الأساسية، وارتفاع معدلات الجريمة (خاصة السرقات والنهب والنصب) وزيادة العنف بسبب اليأس والإحباط، وزيادة التوترات الاجتماعية والاضطرابات، وفقدان المهارات، مثل فقدان العمال لمهاراتهم وقدراتهم بسبب عدم ممارستها. أيضًا هجرة الشباب المتعلم والمدرب إلى الخارج بحثًا عن فرص عمل أفضل. وزيادة العبء على الخدمات الاجتماعية في ظل زيادة الطلب على المساعدات الاجتماعية والخدمات الصحية، وانخفاض الإيرادات الضريبية بسبب انخفاض الدخل والإنفاق.
لكن هناك عدة حلول لقضايا الشباب؛ منها: توفير برامج تدريب وتعليم لتزويد الباحثين عن عمل بالمهارات المطلوبة في سوق العمل، وتشجيع رواد الأعمال وتوفير الدعم المالي والفني لهم لخلق فرص عمل جديدة، وتحسين ظروف العمل وتوفير بيئة عمل جاذبة للاستثمار وخلق فرص عمل، وضرورة الاستثمار في مشاريع البنية الأساسية بما يخلق فرص عمل في قطاعات مثل البناء والنقل. إلى جانب تقليل الاعتماد على قطاع واحد وتنويع مصادر الدخل لخلق فرص عمل في قطاعات مختلفة، وتسهيل حصول الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التمويل السريع لتوسيع أعمالها وتوظيف المزيد من العمالة، وتوفير معلومات دقيقة وسريعة حول احتياجات سوق العمل لمساعدة الباحثين عن عمل على اتخاذ قرارات مستنيرة.
كما يجب العمل على تطوير نظام تعليمي يواكب متطلبات سوق العمل ويوفر المهارات اللازمة للشباب، وأخيرًا تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ برامج التوظيف وتنمية المهارات.
ولتحفيز الشباب على الاعتماد على النفس، يمكن اتباع عدة استراتيجيات، منها: التوعية والتعليم، من خلال توفير برامج تعليمية وتدريبية تهدف إلى تنمية المهارات اللازمة لسوق العمل، ورفع مستوى الوعي بأهمية الاعتماد على الذات، وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات الناشئة، وتوفير التمويل والدعم الفني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع العمل الحر والعمل عن بعد، وتوفير الأدوات والمنصات اللازمة لذلك، وخلق فرص عمل مناسبة للشباب، وتوفير بيئة عمل محفزة ومجزية، وتعزيز ثقافة العمل والإنتاجية، وتشجيع الشباب على المبادرة والإبداع والابتكار، إلى جانب توفير برامج لدعم الأسر المنتجة، وتمكين المرأة والشباب من المشاركة في التنمية الاقتصادية، فضلًا عن تعزيز الشفافية في إدارة الموارد، ومكافحة الفساد، مما يعزز ثقة الشباب في الحكومة.
ومن خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن للمجتمع والحكومة والقطاع الخاص العمل معًا لتحفيز الشباب على الاعتماد على أنفسهم والمساهمة في بناء مجتمع مزدهر ومستدام.
وأخيرًا.. إن الدول التي تفتقر إلى كفاءات الشباب الوطنية تواجه تحديات كبيرة في التنمية والابتكار، ويعتمد النمو الاقتصادي والاجتماعي على قوة العمل الشابة، والأفكار الجديدة، والقدرة على التكيف مع التغيرات. ودون شباب الوطن، قد تواجه الدول صعوبة في الحفاظ على التنافسية، وتطوير التكنولوجيا، وتلبية احتياجات السكان المتغيرة. إضافة إلى ذلك، قد تعاني الدول من نقص في العمالة الوطنية، وانخفاض في الإنتاجية، وتراجع في مستوى المعيشة.
لذلك، فإنَّ وجود شباب وطني نشط ومشارك أمر ضروري لاستمرار الدول وازدهارها، أما الدول التي تفتقر إلى الشباب فتواجه خطر الشيخوخة والانحدار.
رابط مختصر