جريدة الوطن:
2025-05-11@07:42:47 GMT

جولة جلالته الآسيوية واستشراف آفاق المستقبل

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

جولة جلالته الآسيوية واستشراف آفاق المستقبل

الزِّيارة السَّامية الَّتي قام بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم إلى جمهوريتَي سنغافورة والهند، تأتي في وقتٍ يشهد العالَم تحدِّيات جيوسياسيَّة متعدِّدة، تُنبئ بتحوُّلات جذريَّة في أوروبا ومنطقة الشَّرق الأوسط؛ جرَّاء الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة الَّتي تُهدِّد دوَل أوروبا، واستمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزَّة، ومخاطر اتِّساع رقعة الصراع الممتدِّ منذ عقودٍ لِيشملَ دوَلًا أخرى في الإقليم، الأمْرُ الَّذي يفرض تعديل بوصلة العلاقات الخارجيَّة وإدارة الشراكات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة إلى مناطق أكثر أمنًا، ولعلَّ الشَّرق الآسيوي يُعدُّ حاليًّا أكثر مناطق العالَم تقدُّمًا واستقرارًا.

وسط هذه المعطيات، جاءت الزيارة السَّامية لتُشكِّلَ ملامح الخريطة المستقبليَّة لعلاقات عُمان الخارجيَّة؛ (السِّياسيَّة والاقتصاديَّة) مع دولتَيْنِ تنعمان بالاستقرار السِّياسي، وتحقِّقان أعلى معدَّلات التنمية الاقتصاديَّة، ولدَيْهما تجربة تنمويَّة ناجحة، وتملكان قاعدة تكنولوجيَّة وزادًا بَشَريًّا متطوِّرًا، واقتصادًا ديناميكيًّا منفتحًا، يتيح فرصًا متعدِّدة للتعاون والشراكة مع الاقتصاد العُماني على مستوى القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ.
جاءت الزِّيارتان في إطار سعي سلطنة عُمان للتحوُّل من الاعتماد على النفط والغاز كمصادر للطَّاقة وأداة رئيسة لتمويل خطط التنمية، إلى مصادر الطَّاقة النَّظيفة، والوصول إلى الحياد الكربوني وصفر انبعاثات في 2050، الأمْرُ الَّذي يستلزم تسريع استراتيجيَّة تنويع مصادر الدخل وتطوير العلاقات الاقتصاديَّة والاستثماريَّة مع الاقتصادات الواعدة؛ مِثل الهند وسنغافورة، فهما دَولتان مستوردتان للنفط والغاز، ورغم ذلك يحقِّقان في السنوات الأخيرة أرقامًا قياسيَّة من الصادرات غير النفطيَّة بفضل استخدامهما التكنولوجيا الحديثة في قِطاعات الزراعة والصناعة، كما حقَّقا تقدُّمًا كبيرًا في مجال الإدارة، خصوصًا سنغافورة الَّتي تفوَّقت على العالَم في مجالات التعليم والصحَّة والتنمية البَشَريَّة، ممَّا يتيح فرصًا كبيرة لتدريب وتأهيل الكوادر البَشَريَّة العُمانيَّة، والاستفادة من تجربة سنغافورة في تطوير الموانئ البحريَّة واللوجستيَّات، في دعم قِطاع التجارة الخارجيَّة لعُمان، وفتح أسواق جديدة وتوطين الصِّناعات غير النفطيَّة.
جاءت زيارة جلالته لسنغافورة والهند، لِتعيدَ إحياء علاقات عُمان الثقافيَّة والاجتماعيَّة مع القارَّة الآسيويَّة، الَّتي كانت مزدهرة على مدار قرون مضَت؛ بفضل علاقات عُمان البحُريَّة منذ فجر التاريخ وامتلاكها أسطولًا بحريًّا طافَ البحار والمحيطات، وأقام علاقات تجاريَّة نشطة مع الحواضر الآسيويَّة، وقَدْ وصَلَ البحَّارة العُمانيون قديمًا إلى سنغافورة، وتمَّ منذ سنوات قليلة إحياء رحلة السَّفينة جوهرة مسقط إلى جمهوريَّة سنغافورة؛ لِتكُونَ شاهدة على متانة العلاقات والروابط الحضاريَّة بَيْنَ البَلدَيْنِ، والَّتي تكلَّلت بزيارة جلالته، بعد تطوير العلاقات الدبلوماسيَّة وتبادل فتح السفارات بَيْنَ البَلدَيْنِ مطلع هذا العام. زيارة جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ تأتي في وقت تحوَّلت فيه آسيا إلى قوَّة عظمى، وتسعى الصين لإحياء طريق الحرير التاريخي الَّذي كان مصدر إلهامٍ للعلاقات بَيْنَ الشَّرق والغرب، وشريان التعاون بَيْنَ آسيا والعالَم العربي، وكانت موانئ عُمان التاريخيَّة إحدى أهمِّ محطَّاته، وتضخُّ الصين مليارات الدولارات لتمويل إنشاء الطُّرق البَرِّيَّة والسِّكك الحديد والموانئ البحريَّة؛ لكَيْ تسهلَ حركة تبادل السِّلع والبضائع بَيْنَ آسيا وأوروبا عَبْرَ شبكة مواصلات حديثة تمرُّ بدوَل المنطقة. وترتبط عُمان والهند بعلاقات تاريخيَّة، تَعُودُ إلى قرونٍ مضَتْ من التجارة والصداقة وحُسن الجوار، بَيْنَ بلدَيْنِ يطلَّان على ضفتَي المحيط الهندي، وهناك فرص وإمكانات عظيمة لتطوير مجالات التعاون وتعزيز الاستثمار مع الدَّولة القارَّة، العضو في مجموعة العشرين، والَّتي قطعت مؤخرًا أشواطًا كبيرة من التقدُّم في كافَّة المجالات. وهناك بالفعل مشروعات ضخمة يتشارك في تنفيذها البَلدانِ، لعلَّ أهمَّها إنتاج الهيدروجين الأخضر والطَّاقة المُتجدِّدة، و تُعدُّ الهند سُوقًا ضخمًا للمنتجات العُمانيَّة، كما أنَّ هناك آفاقًا للتعاون في مجالات الصحَّة والتَّعليم والصِّناعة والتكنولوجيا والبحث العِلمي.

محمد عبد الصادق
Mohamed-abdelsadek64@hotmail.com
كاتب صحفي مصري

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

سعي حثيث لصون التراث العُماني وتعزيز الثقافة المتحفية

عمان: تواصل المديرية العامة للشؤون المتحفية في المتحف الوطني القيام بدور محوري في إدارة وحفظ وصون التراث الثقافي والتاريخي لسلطنة عمان، وقالت الدكتورة فاطمة بنت محمد البلوشية، مستشار الأمين العام للشؤون المتحفية بالمتحف الوطني: إن المتحف الوطني يهدف إلى الحفاظ على الشواهد والمقتنيات المادية والمعنوية المكونة لتاريخ وتراث وثقافة سلطنة عمان، وتشمل المهام الأساسية للمديرية إدارة شؤون المقتنيات، بما في ذلك الجرد والتوثيق، الحفظ والصون، وإدارة المعارض الثابتة والمؤقتة، وإجراء الدراسات والبحوث، كما تهدف المديرية إلى تقديم خدمات الزوار والبرامج التعليمية المتحفية التي تسهم في تعزيز الوعي الثقافي لدى الزوار وفهم أعمق للتراث العماني.

وأوضحت أن المديرية العامة للشؤون المتحفية تقوم بدور محوري في حفظ وتوثيق التراث الثقافي والتاريخي من خلال قسم البحوث والدراسات وقسم الجرد والتوثيق اللذين يعملان على توثيق التراث العماني عبر مختلف العصور، بما يدعم قصة السرد المتحفي، كما يعمل قسم الحفظ والصون على حفظ وصون المقتنيات التي تحمل قيمة تاريخية وثقافية لعمان، بواسطة أيد عمانية ذات كفاءة عالية، وتضيف إلى ذلك بقولها: "تسهم المديرية في نشر الوعي الثقافي عبر ورش العمل، والمعارض، والجولات الإرشادية، التي تسلط الضوء على تاريخ عمان، كما تحرص على تعزيز التعاون مع المؤسسات الثقافية والمتحفية العالمية من خلال مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون لتبادل الخبرات والمشاركة في الحفاظ على التراث وفقاً للمعايير الدولية".

وفيما يتعلق بمعايير اختيار القطع المعروضة في المتحف، أشارت البلوشية إلى أن المديرية تتبع معايير دقيقة في اختيار القطع المعروضة في المتحف الوطني، حيث يتم التركيز على القطع المنشأة أو ذات صلة بعمان سواء من حيث الإنتاج أو الاستخدام، وتعد القيمة الثقافية والفنية للقطعة أحد أهم العوامل في اختيار المقتنيات، مما يعزز وعي الزوار بتاريخ عمان وحضارتها.

كما تحدثت الدكتورة فاطمة عن الجهود المبذولة من قبل المتحف الوطني لإعادة تأهيل وصون المتاحف والبيوت التاريخية في مدينة مسقط التاريخية، وهي: بيت الجريزة، والبيوت التاريخية (بيت السيد نادر وبيت السيدة مزنة)، ومتحف المدرسة السعيدية، وبوابة مسقط (مركز الزوار)، بهدف تقديم تجربة ثقافية غنية تعكس الحياة السياسية والاجتماعية في مسقط خلال القرن التاسع عشر الميلادي، مما يعزز الهوية الوطنية ويضمن ترسيخها في ذاكرة الأجيال القادمة.

وفيما يتعلق بالتعاون الدولي، أكدت الدكتورة فاطمة على أهمية "الدبلوماسية الثقافية" التي تعتبر أحد أبرز مسارات العمل المتحفي المعاصر، حيث يعمل المتحف الوطني على إقامة شراكات مع مؤسسات متحفية عالمية؛ لتنظيم معارض مشتركة وتبادل المقتنيات، كما يسعى لتعريف العالم بالحضارة العمانية من خلال مبادرات مثل "قاعة عمان" في متحف الإرميتاج الحكومي بمدينة سانت بطرسبورج في روسيا الاتحادية من خلال معرض "الإمبراطورية العمانية بين آسيا وإفريقيا" حيث بلغ عدد الزوار (414481) زائرًا خلال الفترة (من ديسمبر 2023م إلى يناير 2025م)، وضمن مبادرة "يوم عمان" "بهاء الفضة: مقتنيات من البلاط العماني" في متاحف كرملين في موسكو خلال الفترة (11 يوليو إلى 29 سبتمبر 2024م).

بالإضافة إلى ذلك، تحدثت الدكتورة فاطمة عن دور المتحف الوطني في تقديم برامج تعليمية عبر مركز التعلم الذي يعد الأول من نوعه في سلطنة عمان ومجهزًا وفق أعلى المعايير الدولية ويقدم مختلف البرامج التعليمية التي تهدف إلى رفع الوعي العام حول التراث العماني، بما في ذلك برامج الزيارات المدرسية، وبرنامج الأشخاص ذوي الإعاقة، وبرنامج التعليم المستمر، وبرنامج العائلات، وفي عام (2024م) بلغ إجمالي زوار المتحف أكثر من (152000) زائر، مقارنة بعدد (110819) زائرًا خلال العام (2023م) بزيادة وقدرها (37.83%) من بينهم (32656) مستفيدًا من البرامج والمناشط التي قدمها مركز التعلم بزيادة وقدرها (17.04%) قياساً بالعام السابق، كما بلغ عدد الفعاليات المنفذة خلال العام (520) فعالية.

كما تطرقت الدكتورة فاطمة إلى الجهود المبذولة من قبل المتحف الوطني في حفظ وصون المقتنيات الأثرية عن طريق كادر عماني مؤهل لحفظ هذه المقتنيات، بوجود مختبر مجهز بأحدث التقنيات للحفظ والصون، وفي عام 2024م تم حفظ وصون أكثر من (3200) قطعة متحفية، مع جرد وتوثيق أكثر من (10600) مقتنى، كما تستمر أعمال حفظ وصون وتأهيل المعالم السورية المتضررة خلال سنوات الأزمة، ومنها بيت أجقباش، ودار غزالة، ومئذنة الجامع الأيوبي ضمن قلعة حلب الشهباء، وتأهيل جزئي لمتحف تدمر الوطني، وهي مواقع صنفت ضمن التراث الإنساني العالمي لقائمة "اليونسكو".

كما سلطت الضوء على تعزيز السياحة الثقافية، بقولها: "تعتمد المديرية على تنظيم معارض وفعاليات ثقافية وفنية مشتركة مع المتاحف والمؤسسات العالمية، بالإضافة إلى استخدام التسويق الرقمي والمحتوى التفاعلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما يسهم في الترويج للمتحف وجذب جمهور واسع، كما تسهم الشراكات مع المؤسسات التعليمية في جذب الجيل الجديد من الزوار لرفع الوعي الثقافي لديهم، مع التركيز على السياحة الرقمية عبر توفير جولات افتراضية مما يتيح للزوار من مختلف أنحاء العالم استكشاف المتحف عن بعد".

وفي سياق حديثها، نوّهت البلوشية إلى حرص المتحف الوطني على توظيف التكنولوجيا الحديثة لتحسين تجربة الزوار، حيث يضم المتحف (33) منظومة عرض تفاعلية، ويعد أول متحف في سلطنة عمان يتضمن قاعة عرض صوتية ومرئية بتقنية (UHD)، وأول متحف في الشرق الأوسط يوظف منظومة "برايل" باللغة العربية مما يتيح للزوار بمن فيهم الأشخاص ذوي الإعاقة التفاعل مع المقتنيات والمعروضات وفهمها بطريقة أكثر عمقاً مما يزيد من شمولية قصة السرد المتحفية، كما أطلق المتحف مشروع "الإرشاد السمعي" باللغتين العربية والإنجليزية، مما يتيح للزوار الاستمتاع بتجربة تعليمية مميزة، ويفخر المتحف الوطني بحصوله على جائزة الإجادة المؤسسية لعام 2023م من ضمن أفضل منافذ تقديم الخدمات على مستوى محافظة مسقط.

وذكرت الدكتورة فاطمة أن المتحف الوطني يقدم بطاقة عضوية "أصدقاء متاحف عمان" التي توفر مجموعة من المزايا الحصرية لحامليها كالدخول المجاني والمشاركة في فعاليات ومناشط المتحف الوطني المختلفة، حيث بلغ عدد الأعضاء في هذا البرنامج حوالي (65) عضواً في عام 2024م، وتعد العضوية فرصة للزائرين والباحثين والمفكرين والفنانين للاطلاع الدائم والمستمر على الموروث الثقافي والتاريخي لسلطنة عمان والتمتع بالعديد من المزايا الأخرى التي تقدمها المؤسسات المشاركة في العضوية.

وأكدت البلوشية أن المتحف الوطني ماضٍ في تطوير القطاع المتحفي في سلطنة عمان ليمثل جسرًا يربط بين الماضي العريق والحاضر المتجدد، من خلال حفظ التراث الثقافي والتاريخي لسلطنة عمان، وتعزيز السياحة الثقافية، وتقديم تجربة متحفية متكاملة وفق أعلى المعايير الدولية.

مقالات مشابهة

  • تحقيق: البصل العُماني لا يجد من يشتريه!
  • عمرو أديب: المنطقة الاقتصادية لقناة السويس هتبقى سنغافورة جديدة
  • طبيب عُماني يُجري عملية جراحية نادرة
  • زيارة دبلوماسية رفيعة.. قطر وليبيا تدفعان بعلاقاتهما نحو آفاق جديدة
  • مواقف اردنيه ثابته لا تتغيير
  • سعي حثيث لصون التراث العُماني وتعزيز الثقافة المتحفية
  • برلماني: جولة الرئيس السيسى باليونان وروسيا تعكس قوة الدبلوماسية المصرية
  • الغرفة التجارية بجدة: سنحُث أكثر من (183) الف شركة للإستثمار في السودان
  • «رويترز»: التعاون النووي الأمريكي مع السعودية لم يعد يرتبط بتطبيع العلاقات مع إسرائيل
  • أخضر الأثقال يشارك في الآسيوية بالصين