مكة المكرمة والهيمنة المعمارية
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
لينا الموسوي
بيت الله الحرام، قبلة المسلمين من كل أنحاء العالم. هذا المكان الذي به تغسل هموم وذنوب الإنسان و فيه تغل أيادي الشيطان فيرحمنا الرحمن.
حلمت وتمنيت حج بيت الله الحرام ولم تشأ الأقدار إلا بعد نضج في عمر فأصبح لا محال، شعور ليس له وصف يقال، رهبة ورعشة تصيب الأبدان، دموع شوق وحب وامتنان لما أعطاه إيانا الرحمن.
زحام وجموع، ودنيا صغيرة من كل الأوطان، صراع وجدال وتضارب في الأبدان، تعاون وحب وكرم مكنون في الوجدان. تجربة فريدة مليئة بالإيمان، لخالق بشر من كل لون وصنف ومكان.
بيت الله الحرام، تهيمن حوله أبنية شاهقة دون إتزان، بقصد راحة ورفاهية لكل زائر فرحان، أسواق وفنادق ومقاهٍ في غير حسبان، كبيرة أحجامها عالية صروحها عميقة أنفاقها معقدة أدراجها... هندسة راقية، لاهية بتقنيتها الإنسان، غافلة عن خصوصية المكان.
مسؤولية يتحملها كل إنسان مدرك، فاهم للهندسة والبنيان، مواد بناء كثيرة مستخدمة من غير حسبان، ناسين بساطة الرحمن.
فلتنتبه أيها الإنسان إنه بيت الرحمن، كبير عظيم في الشأن بسيط خفيف البنيان، الله المستعان.
ومكة المكرمة، هي وادي غير ذي زرع وما يحيط فيها من أزقة ودروب قديمة كحال أي مدينة إسلامية تطورت بطريقة تلقائية عفوية حسب حاجات ومتطلبات المناخ والمجتمع المحيط. وتتمركز الكعبة المُشرّفة وسط المدينة وما حولها من فضاءات واسعة لأداء فريضة العبادة التي يجب أن تكون صافية نقية، ذات روحانية وقدسية عالية.
مكة المكرمة ليست مدينة كسائر المدن، هي قبلة يتوجه نحوها ملايين المسلمين، كل سنة لأداء الفرائض بصعوباتها ومشقاتها؛ حيث إنه كلما زادت المشقة ارتفع الأجر.
وبعد تطور التكنولوجيا والازدياد الكثيف في أعداد المسلمين من الحجاج والمعتمرين، أصبحت الحاجة ماسة إلى التوسع المعماري لتوفير أكثر عدد من الخدمات والتسهيلات، التي بدورها تساعد الحاج على أداء الفريضة كاملة.
وهنا فكر وفلسفة المهندس المعماري ومخطط المدينة يلعب دورا هاما في تطوير وتوسيع المكان بتحديد التوجه المناسب للتوسع وتحديد الهدف المرجو منه.
شعور متضارب انتابني وأنا أزور بيت الله الحرام لأول مرة، بين مسلمة تحلم بزيارة بيت الله الحرام وبين معمارية ناقدة متألمة لما أخذ التوسع المعماري والتكنولوجي من مسار؛ حيث تحولت الكعبة المتفردة في سيادتها وقدسيتها إلى كتلة مركزية صغيرة محاطة بأسوار من صروح عالية حابسة معها كل أنفاس الهواء والنقاء.
تحولت الكعبة إلى بلازا تُحيط بها فنادق ومطاعم وأسواق لتوفير الراحة وتحسين الاقتصاد؛ حيث كان من الممكن- باعتقادي- أن يتم التوسع بطريقة أخرى لتأخذ مسارًا مختلفًا عمّا هي عليه الآن، مع إدراكي الكامل لحجم المشاكل الوظيفية العالية التي تفرض على المهندس طرح فكرة تصميمية مناسبة تخدم الحاج لإتمام المشاعر المقدسة والحفاظ على القوة الروحانية لبيت الله الحرام؛ كأن يكون التوسع الفندقي خارج نطاق الكعبة المكرمة؛ للحفاظ على خصوصيتها وأهميتها وإيجاد حلول مختلفة للوصول إليها باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة.
وأخيرًا.. الحج ليس أداء شعائر بالجسد فقط، وإنما أرواح تتواصل مع الخالق بأذهان صافية خالية من متطلبات الحياة وتقنياتها.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: بیت الله الحرام
إقرأ أيضاً:
الشؤون الدينية: ترجمة خطبة الجمعة لأول مرة في المسجد الحرام لـ 35 لغة
أعلنت رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي عن ترجمة خطبة الجمعة غدًا، لأول مرة في المسجد الحرام، لـ 35 لغة؛ بهدف إثراء تجربة القاصدين والمعتمرين وإبراز فضائل وآداب يوم الجمعة، وسيؤم المصلين معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس.
وأكد مستشار رئيس الشؤون الدينية، المشرف العام على الإعلام والتواصل برئاسة الشؤون الدينية، فهيم الحامد، حرص الرئاسة على ترجمة خطبة الجمعة بعدة لغات، لتكون جسرًا ممتدًا للتواصل بين الشعوب، وتبادل الثقافات والحضارات.
يُذكر أن ترجمة خطبة الجمعة تُعد من الأهداف الإستراتيجية لإيصال رسالة الحرمين الوسطية للعالم، فضلًا عن خدمة الزائرين والقاصدين دينيًا بلغاتهم المتباينة.