“تريندز” يستعرض دور مراكز الفكر في دعم جهود التنمية المستدامة في جامعة الدول العربية
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
أبوظبي – الوطن:
يشارك مركز تريندز للبحوث والاستشارات في أعمال الملتقى السنوي الأول لمراكز الفكر في الدول العربية، الذي تعقده الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالعاصمة المصرية القاهرة، على مدار يومي 19 و20 ديسمبر الجاري تحت شعار «بالفكر نحققُ التنمية المستدامة»، بمشاركة 48 مؤسسة فكرية وأكاديمية، كما تتضمن مشاركة «تريندز» جناحاً نوعياً يضم ما يزيد على 200 إصدار علمي ومعرفي مترجم للغات عدة، وتحلل مجموعة واسعة من القضايا الإقليمية والدولية.
واستعرض «تريندز» في الجلسة الأولى من فعاليات اليوم الأول للمتلقى، دور مراكز الفكر في دعم جهود التنمية المستدامة، وتعزيز آفاقها المستقبلية، متناولاً جهود المركز البحثية والعلمية والمعرفية في دعم التنمية المستدامة، وذلك من خلال الدراسات والأبحاث التي تحلل التحديات الاستراتيجية والأمنية التي تهدد المنطقة العربية وتجعلها طاردة للتنمية، حيث أوصت هذه الدراسات بحلول ناجعة تمهد الطريق أمام صناعة تنمية عربية مستدامة.
تبادل الأفكار
وقال الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، في مداخلته بالجلسة الأولى من الملتقى السنوي الأول لمراكز الفكر في الدول العربية، إن هذا الملتقى المحوري يحظى بأهمية خاصة، حيث يجمع مراكز الفكر العربية لبحث التعاون وتبادل الأفكار حول القضايا التي تشغل هذه المنطقة المهمة من العالم، إلى جانب مشاركة الرؤى والتصورات التي تعزز فرص تحقيق التنمية المستدامة التي تنشدها الدول العربية.
وأوضح أن مركز تريندز للبحوث والاستشارات يمتلك تجربة مشابهة لجمع مراكز الفكر والدراسات، ولكن على نطاق عالمي، حيث يعقد سنوياً «مائدة تريندز المستديرة لمراكز الفكر»، والتي شهدت مشاركة واسعة من مراكز الفكر العربية والعالمية، تراوحت بين 30 إلى 40 مؤسسةً ومركزاً فكرياً، كما نظم المركز ملتقى عالمياً لمراكز الفكر في دبي عام 2021 بمشاركة 35 من رؤساء مراكز الفكر العالمية، وغيرها من المؤتمرات والملتقيات البناءة.
التنمية المستدامة
وأشار العلي إلى أن «تريندز» حريص على تعزيز التعاون البنَّاء مع مختلف مراكز الفكر، بما يدعم تحقيق الأهداف المشتركة، ومن هنا تأتي المشاركة في هذا الملتقى المهم لمراكز الفكر العربية، موضحاً أن تحقيق التنمية المستدامة أصبح يشكل محور الجهود التي تبذلها الدول، منذ أن طغت تحديات نضوب الموارد الطبيعية ومشكلات المناخ والبيئة، مبيناً أنه لهذا السبب، احتلت قضايا التنمية المستدامة وسبل توطينها ومواجهة تحدياتها مكان الصدارة في المحافل الدولية والإقليمية والوطنية كافة، وصار الحديث عن الاستدامة في الأنشطة الاقتصادية له الأولوية الأولى عند صُنّاع القرار في حكومات العالم أجمع، ولم تتخلَّفْ دول المنطقة عن الركب، فكانت للاستدامة تلك الأهمية نفسها في الدول العربية من الخليج إلى المحيط.
دعم التعاون العربي
وبين الرئيس التنفيذي لـ «تريندز» أن الفكر التنموي هو الأساس المتين الذي تقوم عليه صناعة السياسات التنموية السليمة، ولكن من المهم التركيز على دور مراكز الفكر العربية في دعم العمل الفكري في مجال التنمية المستدامة، سواءً في إصدار بحوث توطين هذه التنمية أو تقديم دراسات تستشرف مقوماتها وتحدياتها المستقبلية، مضيفاً أن الواقع الراهن للاقتصادات العربية يؤكدُ الدعم المستمر الذي تقدمه الحكومات العربية لأنشطة التعليم والتدريب لترسيخ الخبرات الثقافية والعملية اللازمة لرأس المال البشري، كما يؤكدُ انتشار العديد من مراكز الفكر في الدول العربية كافة، التي باتت تلعب دوراً لا غنى عنه لدعم التعاون العربي المشترك وتعزيز صناعة القرار التنموي العربي.
وتابع: «دراسات وبحوث واستشارات التنمية المستدامة على رأس برامج ومشروعات مركز تريندز البحثية، وذلك يعكس إيمان المركز الراسخ بأن الفكر هو الذي ينتج الحلول السليمة لمشكلاتنا الحالية والمستقبلية، ويعكس أيضاً إيمانه بأن دور مراكز الفكر لا يتمثل فقط في استشراف المستقبل، بل المشاركة في صنعه واستدامته».
حلول بحثية
وأكد الدكتور محمد العلي أنه إذا كانت التحديات والصعوبات التي تواجه التنمية العربية المستدامة، تتنوع بين التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية، فإن الجهود البحثية لـ «تريندز» توزعت لتشمل هذه التحديات كافة، وقدمت حلولاً متنوعة لها، حيث أصدر المركز العديد من الدراسات والبحوث التي تناولت قضايا التصنيع والتنافسية والنمو الاقتصادي على المستويين الإقليمي والدولي، وساهمت استشاراته في دعم صناعة القرار بالمنطقة العربية، خصوصاً فيما قدمه من توصيات لتهيئة بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات المفيدة للتنمية المستدامة.
وأضاف أن التنمية المستدامة لا تحدث إلا في بيئة مواتية لكي تتحقق وتستمر، ما جعل دراسات «تريندز» تستهدف تحليل التحديات الاستراتيجية والأمنية التي تهدد المنطقة العربية وتجعلها طاردة للتنمية، وأوصت هذه الدراسات بحلول ناجعة؛ لتمهيد الطريق أمام صناعة تنمية عربية مستدامة.
وذكر العلي أن «تريندز» عقد عشرات الاتفاقات والشَّراكات البحثية مع مراكز الفكر والبحوث في مختلف الدول العربية، كما شارك بفاعلية في غالبية المحافل الفكرية العربية والمعارض الثقافية والفكرية في المنطقة، إضافة إلى مشاركته في الاجتماعات السنوية للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للمناخ، في نسختيها «COP27» و«COP28».
جناح معرفي نوعي
إلى ذلك، قالت روضة المرزوقي، مديرة إدارة التوزيع والمعارض في «تريندز»، إن المركز يعزز مشاركته في الملتقى السنوي الأول لمراكز الفكر في الدول العربية، بجناح معرفي نوعي، يحفل بأكثر من 200 إصدار تتنوع بين الموسوعات العلمية والدراسات والأبحاث المختلفة، فضلاً عن أحدث إنتاجات المركز البحثية في مجال التنمية المستدامة والبيئة، ودراسات حديثة تعالج قضية التغير المناخي، مضيفة أن الجناح يهدف إلى نشر العلم والمعرفة، وتعظيم الاستفادة من المخرجات البحثية.
وأشارت إلى أن الجناح يسعى أيضاً إلى التعريف بالإنتاج العلمي والمعرفي للمركز في هذا الملتقى المهم الذي يشهد مشاركة العشرات من مراكز الفكر العربية، مضيفة أن المشاركة تفتح مجالات جديدة للتعاون والشراكة بين المؤسسات البحثية ومراكز الفكر، ما يساهم في خدمة البحث العلمي الرصين، ونشر الثقافة والمعرفة على نطاق أوسع.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
«معلومات الوزراء» يستعرض مستقبل النحاس في ظل التحول الرقمي والثورة الخضراء
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريرًا حول مستقبل النحاس تناول من خلاله حجم الإنتاج والاستهلاك العالميين للنحاس، مع التركيز على الدول الكبرى المنتجة واحتياطاتها، وتحليل الطلب المتنامي في ظل التحول التكنولوجي والبيئي، بالإضافة إلى استعراض أبرز التحديات الاقتصادية والسياسية والرؤى المستقبلية لتلبية الطلب العالمي المتزايد.
وأشار المركز إلى أن العالم يشهد حالياً تحولات عميقة في الاقتصاد والتكنولوجيا، تقودها الثورة الخضراء والتحول الرقمي، مما يرفع الطلب على المعادن الأساسية، وعلى رأسها النحاس، الذي يُعرف بـ"الذهب الأحمر"، لدوره الحيوي في دعم بنى الطاقة النظيفة، والاقتصاد الرقمي، والتقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.
وأوضح تقرير المركز أن الإنتاج العالمي للنحاس ينقسم إلى قسمين رئيسين: إنتاج المناجم والإنتاج المكرر (الإنتاج المكرر للنحاس)، ويمثل إنتاج المناجم المرحلة الأولية في سلسلة القيمة، حيث يتم استخراج خام النحاس من باطن الأرض، أما الإنتاج المكرر فيشير إلى معالجة هذا الخام وتحويله إلى نحاس نقي قابل للاستخدام في مختلف الصناعات، مضيفاً أن إنتاج النحاس من المناجم شهد زيادة ملحوظة على مدار الفترة الممتدة من عام 1990 حتى عام 2023، حيث ارتفع من 9.23 ملايين طن متري إلى 22.36 مليون طن متري، بما يعادل نسبة زيادة تقارب 142%.
وبالمثل، ارتفع الإنتاج المكرر من 10.81 ملايين طن متري في بداية التسعينيات إلى 26.50 مليون طن متري بحلول عام 2023، محققًا زيادة قدرها نحو 145%، ويعكس هذا النمو المستدام، التطور الكبير في قدرات التعدين والمعالجة خلال هذه السنوات، مما يؤكد الأهمية الاقتصادية المتزايدة لقطاع النحاس.
أما فيما يتعلق بإنتاج المناجم في المراحل الأولية، فتؤدي الدول النامية دورًا محوريًّا في قطاع التعدين عالميًّا، حيث تصدرت دولة تشيلي قائمة الدول المنتجة للنحاس في عام 2024، بحصة بلغت 23% من إجمالي الإنتاج العالمي، (أي ما يعادل 5.3 ملايين طن متري)، تلتها جمهورية الكونغو الديمقراطية بحصة 14% (3.3 ملايين طن متري)، ثم بيرو بنسبة 11% (2.6 مليون طن متري). وتشير هذه الأرقام إلى أن الدول الثلاث مجتمعة تمثل قرابة نصف الإنتاج العالمي من النحاس.
كما تبرز جمهورية الكونغو الديمقراطية كقوة صاعدة في هذا القطاع، وذلك بفضل امتلاكها احتياطيات ذات جودة عالية، إذ تصل نسبة تركيز النحاس في بعض مناجمها إلى أكثر من 3% مقارنةً بالمتوسط العالمي الذي يتراوح بين 0.6% و0.8% فقط. وقد أدى ذلك إلى تضاعف إنتاجها من المناجم بنحو ثلاث مرات بين عامي 2016 و2024، في حين سجلت تشيلي خلال الفترة ذاتها تراجعًا بنسبة 5% في إنتاجها.
وفي إطار زيادة إنتاج النحاس المكرر خلال العقود الثلاثة الماضية، -إذ ارتفع من 10.8 ملايين طن متري في عام 1990 إلى 26.5 مليون طن متري في عام 2023 ويشمل هذا الرقم نحو 4.5 ملايين طن متري من النحاس المعاد تدويره من الخردة (التكرير الثانوي)- أشار المركز إلى أن الصين تقود هذا التوسع العالمي في التكرير، إذ أصبحت الدولة الأولى عالميًّا في هذا المجال، بمساهمة تصل إلى 45% من إجمالي الإنتاج العالمي. ويبلغ إنتاجها السنوي أكثر من 12 مليون طن متري، ما يجعلها تمتلك أكبر طاقة تكريرية للنحاس في العالم، وهو ما أسهم في بروز قارة آسيا كمركز رئيسي لتكرير النحاس عالميًّا.
أما على المستوى الإقليمي، فقد شهدت حصة أفريقيا من التكرير العالمي نموًّا طفيفًا، من 7% في عام 1990 إلى 9% في 2023، مدفوعة بتوسعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، وفي المقابل، تراجعت حصة الأمريكتين من 39% إلى 15%، كما انخفضت حصة أوروبا من 32% إلى 14%، وأوقيانوسيا من 3% إلى 2%.
وتناول التقرير ما أشارت إليه بيانات توزيع احتياطيات النحاس العالمية بين الدول الكبرى أن أكثر من نحو 50% من تلك الاحتياطيات يتركز في خمس دول فقط، تتصدرها تشيلي بنسبة 20%، يليها كل من أستراليا وبيرو بنسبة 10% لكل منهما، ثم جمهورية الكونغو الديمقراطية والاتحاد الروسي بنسبة 8% لكل منهما، في حين تتوزع النسبة المتبقية (44%) على دول أخرى.
ويمنح هذا التركز الجغرافي الدول الخمس ميزة استراتيجية في التحكم بالعرض العالمي للنحاس، ويعزز من قدرتها على جذب الاستثمارات في قطاع التعدين، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على النحاس كمادة أساسية في التحول نحو الاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا المتقدمة.
وتمثل جمهورية الكونغو الديمقراطية حالة خاصة، لما تمتلكه من احتياطيات غير مستغلة من النحاس عالي الجودة، مما يمنحها فرصًا كبيرة للنمو الاقتصادي في حال توفرت بيئة استثمارية مستقرة.
وأوضح المركز إنه من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النحاس بأكثر من 40% خلال الفترة من 2023 إلى 2040، مدفوعًا بشكل أساسي بالتحول نحو الطاقة النظيفة والتوسع السريع في الاقتصاد الرقمي، وتشير بعض التقديرات إلى أن الطلب على النحاس في تقنيات الطاقة النظيفة وحدها قد يتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2040، ولتلبية هذا الطلب، ستكون هناك حاجة إلى أكثر من 10 ملايين طن إضافي من النحاس، أي ما يعادل تقريبًا نصف إجمالي المعروض العالمي في عام 2023.
ويُبرز هذا الطلب المتزايد الحاجة الملحة إلى استثمارات كبيرة في مشروعات تعدين نحاس جديدة، خاصة مع تراجع جودة الخام في المناجم القائمة، وزيادة القيود على جانب العرض. ومن أجل البقاء على المسار الصحيح لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2030، قد يحتاج العالم إلى تطوير ما يقارب 80 منجمًا جديدًا للنحاس، بتكلفة استثمارية قد تصل إلى 250 مليار دولار.
وأضاف المركز أنه في عام 2023، جاء ما يقرب من نصف استهلاك النحاس العالمي من قطاع الإنشاءات والإلكترونيات الاستهلاكية، بينما توزع باقي الطلب على قطاعات مثل: البنية التحتية، والنقل، والمعدات الصناعية، وقطاعات أخرى، وأضاف أن النحاس يُعَد عنصرًا أساسيًّا في التحولات العالمية نحو الطاقة المتجددة، فقدرته الفائقة على التوصيل الكهربائي وتعدُّد استخداماته يجعلانه بالغ الأهمية للصناعات الرئيسة مثل: البناء، والإلكترونيات، والطاقة المتجددة، والنقل، والدفاع. ومع تنامي الطلب عليه من قطاعات الكهرباء والذكاء الاصطناعي وتقنيات الطاقة النظيفة، تتعرض سوق النحاس العالمية لضغوط متزايدة بفعل قيود العرض، وعدم اليقين الجيوسياسي، وتزايد التوترات التجارية، وانخفاض جودة الخام.
وفي ظل تزايد اهتمام الصناعات بالاستدامة ومبادئ الاقتصاد الدائري، يبرز النحاس المُعاد تدويره كحل واعد لتلبية الطلب العالمي، إذ يحتفظ بخصائصه الفيزيائية والكيميائية دون تدهور في أثناء عملية إعادة التدوير، ولذلك يُمكن اعتبار المخزون الحالي من النحاس قيد الاستخدام جزءًا لا يتجزأ من احتياطيات النحاس العالمية، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب عملية إعادة التدوير طاقة أقل بكثير من تعدين وتكرير النحاس المُستخرج حديثًا، مما يؤدي إلى انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومن ثَمَّ، تُمثل إعادة تدوير النحاس أحد العوامل الرئيسة في انتقال المجتمع نحو أنماط إنتاج واستهلاك أكثر استدامة.
ومن ناحية أخرى، يمكن للدول تحقيق فوائد اقتصادية من خلال تصدير خردة النحاس إلى الدول ذات البنية التحتية المتطورة لإعادة تدويرها مرة أخرى، نظرًا لأن احتياجات بعض الدول من النحاس تعتمد بشكل كبير على النحاس المُعاد تدويره لتلبية الطلب الداخلي.
وأشار التقرير إلى أنه وفقًا للمجموعة الدولية لدراسة النحاس (ICSG)، فإن ما يقرب من ثلث استخدام النحاس العالمي في عام 2023 جاء من مصادر مُعاد تدويرها، وتُعَد الدول المتقدمة المصدر الرئيس لنفايات وخردة النحاس لإعادة التدوير، ففي عام 2023، استحوذت الولايات المتحدة وحدها على 14.5% من صادرات نفايات وخردة النحاس العالمية، تليها ألمانيا واليابان بنسبة 6.7% لكل منهما، ثم ماليزيا 5%، فهولندا 3.7%.
وفي إطار تعزيز الشفافية وفهم ديناميكيات سوق الخردة، أطلقت المجموعة الدولية لدراسة النحاس عددًا من المشروعات البحثية، من أبرزها: مشروع دولي لتحليل تدفقات النحاس المُعاد تدويره ومعدلات إعادة التدوير والسياسات المؤثرة على جمع وتداول هذه الخردة. وقد أسهمت هذه المشروعات في توفير بيانات دقيقة لصناع السياسات والمستثمرين، ووضعت أسسًا مهمة لدعم تطوير سوق الخردة عالميًّا.
وفي عام 2024، أطلقت المجموعة مشروعًا تحليليًّا جديدًا لتقييم اتجاهات إنتاج المصاهر الثانوية، وتحسين البيانات المتعلقة بالإنتاج الثانوي، ودراسة القضايا التنظيمية التي تؤثر على تدفقات النحاس المُعاد تدويره. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الجهود إلى زيادة المعروض العالمي من النحاس المكرر، وتعزيز دور الاقتصاد الدائري في القطاع.
وبناء عليه، أصبحت إعادة التدوير اليوم جزءًا جوهريًّا في صناعة النحاس الحديثة، ليس فقط كمصدر بديل للمواد الخام، بل كأداة استراتيجية لدعم الاستدامة البيئية وتحقيق التوازن في السوق العالمية في ظل تنامي الطلب وتحديات العرض.
وأوضح المركز أنه مع تسارع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والاقتصاد الرقمي، يشهد الطلب العالمي على النحاس -أو ما يُعرف بـ"الذهب الأحمر"- ارتفاعًا غير مسبوق، نظرًا لدوره الحيوي في البنية التحتية للطاقة المتجددة، والرقمنة، والنقل الكهربائي، والتصنيع المتقدم.
وفي ظل هذا المشهد، تسعى الدول الغنية باحتياطيات النحاس إلى تأمين موقعها في السوق العالمية عبر تعزيز سلاسل الإمداد، وتوسيع الاستثمارات في قطاع التعدين، وتطوير الصناعات المحلية المرتبطة به.
وذكر المركز أن التجربة الحالية في دول مثل: تشيلي، وبيرو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تشير إلى توجهات واضحة نحو زيادة القيمة المضافة، وذلك عن طريق تحديث منشآت التكرير والصهر، وتشجيع المعالجة المحلية للمواد الخام. إلا أن هذه الدول ما زالت تواجه تحديات هيكلية مزمنة، أبرزها: تقلبات أسعار السلع الأساسية، وضعف البنية التحتية، وتذبذب السياسات الاقتصادية، والفجوات في تعقيد هيكلها الإنتاجي. فعلى سبيل المثال، تمتلك إندونيسيا قدرات صناعية نسبية متقدمة مقارنة بدول مثل: زامبيا، والكونغو، ما يُبرز الحاجة إلى سياسات تنموية شاملة تشمل الاستثمار في البنية التحتية، وتنمية المهارات، وتعزيز التكامل الإقليمي.
أما من منظور السياسات التجارية، فيُظهر هيكل الرسوم الجمركية على منتجات النحاس في عام 2023 تعقيدًا واضحًا، إذ تُفرَض رسوم منخفضة على النحاس المكرر وسبائكه (أقل من 2% في الأسواق الكبرى)، مقابل رسوم أعلى على المنتجات النحاسية شبه المصنعة، كالأسلاك والأنابيب والصفائح (تصل إلى 8% في كوريا الجنوبية و7.5% في الهند). ويعكس هذا التفاوت محاولات الدول المستوردة لحماية صناعاتها التحويلية، مما يُقلل الحوافز لدى الدول المصدِّرة لتطوير صناعات القيمة المضافة محليًّا، ويُعمِّق الفجوات في سلاسل القيمة العالمية.
في السياق ذاته، تواجه صناعة النحاس العالمية تحديات إضافية، على رأسها تراجع جودة الخامات، وارتفاع التكاليف، وطول فترة تطوير المشروعات (التي تصل إلى 25 عامًا في بعض الحالات)، إلى جانب ارتفاع المخاطر الجيوسياسية وقيود التجارة، وللتغلب على هذه التحديات، يتطلب الأمر تسريع الاستكشافات، وتبسيط إجراءات التصاريح، وتقديم الحوافز المالية، ودعم الاستثمار في تقنيات الاستخراج والرقمنة الصناعية. كما يُعَد تنويع مصادر الإمداد أمرًا حاسمًا، إذ يمكن للشراكات التجارية الاستراتيجية بين الدول المنتجة والمستهلكة أن تُخفف من القيود الجمركية، بينما يُعزز تكوين سلاسل قيمة إقليمية أكثر تكاملًا لمرونة الصناعة واستدامتها.
وتُعَد الاستفادة من آليات التجارة التفضيلية، مثل: مبادرة "كل شيء ما عدا السلاح"(EBA) الأوروبية، أو نظام الأفضليات المعمم (GSP)، فرصة ثمينة للدول النامية لتوسيع صادراتها من النحاس المُصنَّع بدلًا من المواد الخام فقط. كما يمثل تشجيع التصنيع المحلي للنحاس -عبر دعم الصناعات التحويلية، وتقديم حوافز ضريبية، وإنشاء مناطق صناعية متخصصة- خطوة ضرورية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الصناعي وزيادة القدرة التنافسية عالميًّا.
وفي ظل محدودية التوسع السريع في الإنتاج الأوَّلي، تبرز أهمية الاقتصاد الدائري كمسار حيوي لسد الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب، حيث أن إعادة تدوير النحاس واستخدام الخردة الصناعية يسهمان في تقليل الانبعاثات وتحقيق الاستدامة. وتؤكد التوجهات الحديثة ضرورة دمج الإنتاج الثانوي بشكل استراتيجي ضمن منظومة سلاسل الإمداد العالمية للنحاس.
ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج مناجم النحاس بنسبة 3.5% في 2025، رغم إغلاق منجم "كوبري بنما-Cobre Panamá" الذي خفَّض الإنتاج 330 ألف طن. أما فيما يتعلق بإنتاج النحاس المكرر فمتوقع أن ينمو بنسبة 1.6% في 2025، مدعومًا بالتعافي من الصيانة وزيادة المنشآت في عدة دول. وبخصوص الاستهلاك العالمي للنحاس المكرر، فإنه سيرتفع بنسبة 2.7% في 2025، مع نمو قوي خارج الصين.
كما أنه من المتوقع أن يبلغ فائض النحاس المكرر نحو 194 ألف طن في 2025، مع تحذير من تغيرات في المخزونات الصينية التي قد تؤثر على التقديرات.
أشار التقرير في ختامه إلى أن النحاس يشكل حجر الزاوية في التحولات الاقتصادية والتكنولوجية التي يشهدها العالم اليوم، ويظل الطلب عليه في تزايد مستمر مع توسع الاقتصاد الأخضر والرقمي، وبالرغم من وفرة الاحتياطيات في بعض الدول، تواجه صناعة النحاس تحديات كبيرة تتعلق بجودة الخام، والمخاطر الجيوسياسية، والقيود البيئية. هذه التحديات تتطلب تبني استراتيجيات متكاملة تشمل: تطوير التعدين، وتعزيز إعادة التدوير، ودعم التصنيع المحلي، بالإضافة إلى بناء شراكات دولية متوازنة. هذا، ويمثل توظيف مبادئ الاقتصاد الدائري والتكنولوجيا الحديثة العنصر الأساسي في تحقيق الاستدامة وتلبية الطلب العالمي المتنامي على "الذهب الأحمر" في المستقبل القريب.
اقرأ أيضاًمعلومات الوزراء يسلط الضوء على قصة أول سائقة للقطار الكهربائي الخفيف LRT في مصر
معلومات الوزراء: البورصة السلعية صمام الأمان للأسواق وآلية فعالة لضبط الأسعار
«معلومات الوزراء»: 17.3 مليون سيارة كهربائية تم بيعها على مستوى العالم في 2024