رام الله إذ تستيقظ من سباتها.. لمن يقدم هؤلاء أوراق اعتمادهم؟

الشعب الفلسطيني يريد استعادة منظمة التحرير الفلسطينية، فردّوا الأمانة لأصحابها.

هل تظنون أن محاولة "تعميم الفشل" يمكن أن تنطلي على أبطال جنين وبلاطة وطولكرم قبل جباليا والشجاعية؟

إن كان ثمة من وظيفة لأي حوار وطني قادم، فيتعين أن تتصدره مهمة استعادة المنظمة وتحريرها من خاطفيها، توطئة لتفعيلها وإعادة هيكلتها.

.

هل يستوي الذين أعطوا معنى جديداً للقتال من مسافة صفر مع الذين لم يتورعوا عن إجراء المفاوضات والتنسيقات الحميمة، ومن مسافة صفر كذلك؟

من الذي عليه تقديم جردة حساب للشعب الفلسطيني؟ المقاومة الفلسطينية التي بعثت الروح مجدداً في عروق القضية الوطنية المتيبسة أم الذين سببوا تآكلها وتراجع مكانتها؟

الشعب الفلسطيني قال كلمته في آخر استطلاع وينتظر بفارغ الصبر عودة الروح إلى فتح، وآماله معقودة على تحرير القائد مروان البرغوثي الذي تُظهر الأرقام أنه وحده قادر على خوض صناديق الاقتراع بكفاءة.

* * *

لم تضع الحرب القذرة على غزة أوزارها بعد، ولكن خرج علينا نفرٌ من رام الله، مهدداً المقاومة بالويل والثبور وعظائم الأمور، متوعداً بتقديم قادتها "للمحاسبة". وحسناً فعل أنه لم يتورط في اقتراح تقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية... لقد غطّوا في سبات عميق طيلة أكثر من 75 يوماً من الكارثة والبطولة، صمتوا خلالها عن جرائم الاحتلال التي طاولت كل شبر في الضفة الغربية والقدس، وليس القطاع وحده.

واكتفوا ببيانات منسوخة ومكررة على طريقة "Copy & Paste"، لا يقرأها أحد، حتى معدوها، وعندما قرروا الكلام "نطقوا كفراً"، متدثرين دائماً بلبوس "الشرعية الرسمية"، ومشهرين سيف "الممثل الشرعي الوحيد".

لقد أظهرت تصريحات أمين سر منظمة التحرير، حسين الشيخ، وما تبعها من تصريحات لوزير سابق للأوقاف (لا أدري ما علاقة الأوقاف بالأمر)، انفصال "القوم" كلياً عن الواقع المعيش، ليس في غزة والضفة وفلسطين، إنما في عموم الإقليم وفي الساحة الدولية...

لقد استعجلوا كثيراً في مسعاهم لتفصيل جلد الدب على مقاسات أكتافهم غير العريضة، قبل أن يفلحوا، أو بالأحرى تفلح "إسرائيل" وداعموها، في اصطياده... ومن استعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه، تلكم قاعدة قديمة لم تمر على مسامع الشيخ والهباش كما يبدو.

أيها السادة، غزة ما زالت صامدة وثابتة، والمقاومة، كتائب وسرايا، ما زالت في ذروة عنفوانها، وكل يوم يمضي، يتكبد فيه العدو خسائر أكبر بكثير من اليوم الذي سبقه...

العدو بدأ يصرخ، وإن حاول التغطية على صرخاته، بالشعارات مرتفعة السقوف... ثقته بتحقيق أهدافه تتآكل، وشركاؤه وداعموه يتسابقون للهبوط عن قمم الأشجار التي صعدوا إليها بعد السابع من أكتوبر، وسقوف أهدافهم تنخفض يوماً إثر آخر.

فلماذا استعجلتم اللهاث خلف جلد الدب؟ ألم يكن بمقدوركم كظم غيظكم وتأجيل الكشف عن بؤس نياتكم لأيام وأسابيع أخرى؟ مهما كان الأمر، فقد جئتم أمراً فرياً، وأحسب أن ما بحتم به سيعجّل إغلاق هذا الفصل في المسار الفلسطيني.

تزعمون أنكم تمثلون حركة فتح، وقد استمعنا إلى إخوة آخرين من فتح يتحدثون بكلام آخر. أحدهم قال إنه مكلف من الرئيس عباس لاستطلاع فرص المصالحة مع حماس، وأمين سر الحركة تحدث عن حماس بوصفها جزءاً من النسيج الفلسطيني، وصب جام غضبه حيث ينبغي له أن يفعل ذلك؛ على "إسرائيل" لا على حماس، وآخرون لا يكفون عن التضرع لله لتخليص الحركة من "آسريها" الذين تسببوا بتمزيقها وتآكل دورها وتعميق ارتهاناتها..

وآسرو فتح بالمناسبة هم أنفسهم الذين اختطفوا منظمة التحرير بعدما جرفوها وجوّفوها من أي روح ولحم ودم وأعصاب، وأحالوها إلى "جثة هادمة"، لم يبق منها سوى "خاتمها الرسمي" الذي لم يستخدم في السنوات العشرين أو الثلاثين الفائتة سوى للتوقيع على أسوأ الاتفاقات وأبشع التفاهمات.

من الذي يتعين عليه أن يقدم جردة حساب للشعب الفلسطيني؟ المقاومة الفلسطينية التي بعثت الروح مجدداً في عروق القضية الوطنية المتيبسة أم الذين كانوا سبباً في تآكلها وتراجع مكانتها بعد تحويلها إلى جملة من العناوين المطلبية التافهة والمبعثرة من نوع: أموال المقاصة، وتسهيلات على المعابر، وعدد أكبر من تصاريح العمال، وأخرى لكبار الشخصيات، وتنسيق أمني لمطاردة المقاومين، وتسهيل مرور "علية القوم" على الجسر والحواجز؟ من المسؤول عن "مسخ القضية" إلى هذا الحد؟

من الذي يتعين محاسبته على خرق الإجماع الوطني؟ الذين انفردوا بقرار الحرب أم الذين انفردوا بقرارات التسوية المذلة والتنسيق الأمني "المقدّس"، وضربوا عرض الحائط بقرارات الإجماع الوطني ومقررات أعلى مؤسسات صنع القرار الفلسطيني، المجلسين الوطني والمركزي، وعطّلوا الانتخابات لأسباب نعرف ويعرفون أنها لم تكن سوى ذريعة العاجز والخائف من خوض غمار الاستحقاق؟

هل شاركتم المقاومة، بل فصائل المنظمة، وحتى اللجنة المركزية لحركة فتح، في قراراتكم وتوجهاتكم السياسية حتى تطالبوا حماس مشاركتكم قرارها إطلاق الطوفان؟ هل ثمة فلسطيني واحد لديه أدنى ذرة شك في أن "إسرائيل" كانت لتكون أول من سيعلم بالقرار لو كنتم على علم به، ولربما بعد دقائق معدودات؟

أيها السادة، أنتم منفصلون عن الواقع تماماً كأنَّ أخبار الصعود الصاروخي لشعبية حماس في أوساط شعبها، والهبوط الصاروخي كذلك لأسهمكم، لم تصلكم بعد. أنتم أصحاب "الكسور العشرية" في استطلاعات الرأي، فيما طوفان التأييد لطوفان الأقصى بلغ حداً لامس ضفاف الإجماع الوطني.

عن أي صفة تمثيلية تتحدثون، وأنتم بالذات لم تخضعوا لاختبار الانتخابات؟ وأتمنى من الله أن تجازفوا بالخضوع له حين يصبح ذلك ممكناً، لنرى الغث من السمين، ونستمسك بما ينفع الناس ويبقى في الأرض. من فوَّضكم، بالتحدث باسم الشعب الفلسطيني؟ هل هو المنصب الذي وصلتموه بالتعيين الفاسد، الذي لم يقابل بالترحاب سوى من الجانب الآخر: "رجلنا في المقاطعة"؟

لمن تسارعون إلى "تقديم أوراق اعتمادكم"؟ للأميركي الباحث في سوق "السكراب" عن قطع غيار مستعملة وقماشة أمنية بالية يصنع منها قاطرة تقود العربة الفلسطينية، وتعبر بها إلى مرحلة "ما بعد الحرب على غزة"؟

هل تبغون حجز مقعد لكم على متن هذه القاطرة؟ هل أزعجتكم الأصوات المتنامية، حتى من داخل حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، لإعادة بعث وهيكلة المنظمة والمنظومة السياسية الفلسطينية برمتها، لترتقي إلى مستوى الكارثة والبطولة في غزة والاستعداد لخوض غمار حقبة استراتيجية جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني، لا مطرح فيها لمن قاده إلى التهلكة والتيه بسياسات التساوق والاستجداء على موائد اللئام؟

وهل يستوي قولكم إنّ مسار التفاوض لم يأتِ بشيء جدي يذكر، مع أنكم "اختلقتم" رقماً عصياً على البلع والهضم: "عودة مليوني لاجئ بنتيجة أوسلو"، مثله مثل مسار المقاومة الذي لم يأتِ سوى بالكارثة على حد قراءتكم؟

وهل تظنون أن محاولة "تعميم الفشل" يمكن أن تنطلي على أبطال جنين وبلاطة وطولكرم قبل جباليا والشجاعية؟ هل يستوي الذين أعطوا معنى جديداً للقتال من مسافة صفر مع الذين لم يتورعوا عن إجراء المفاوضات والتنسيقات الحميمة، ومن مسافة صفر كذلك؟

الشعب الفلسطيني يريد استعادة منظمة التحرير الفلسطينية، فردّوا الأمانة لأصحابها، وإن كان ثمة من وظيفة لأي حوار وطني قادم، فيتعين أن تتصدره مهمة استعادة المنظمة وتحريرها من خاطفيها، توطئة لتفعيلها وإعادة هيكلتها..

الشعب الفلسطيني يتطلع إلى قيادة طوارئ انتقالية مؤقتة عليا ممثلة لجميع فصائل وقواه الحيّة، وفي صدارتها قوى المقاومة، ومن ضمنها، بل بخاصة، حماس والجهاد، إلى جانب حركة وفصائل منظمة التحرير..

قيادة مبنية على الشراكة الفاعلة بآلية عمل منتظمة، وظيفتها قيادة الشعب لا المصادقة على قرارات معدة سلفاً تسهر على تنفيذ قراراتها، بعد سجل بائس من ضرب عرض الحائط بمقررات الإجماع الوطني والمؤسسات، وذلك من قبل ترويكا فلسطينية لا يزيد عدد المنخرطين فيها على أصابع اليد الواحدة.

الشعب الفلسطيني قال كلمته في آخر استطلاع للرأي العام، وهو ينتظر بفارغ الصبر عودة الروح إلى حركة فتح، وآماله معقودة على تحرير القائد الأسير مروان البرغوثي الذي تُظهر الأرقام أنه وحده القادر على خوض مغامرة صناديق الاقتراع بكفاءة، وأنه الأكثر قدرة على مد جسور التلاقي مع بقية الأطراف الفلسطينية، والأفعل لجهة ضخ دماء جديدة في عروق الحركة التي تيبست قيادتها بعد سبات "بريجينفي" مديد.

لقد ملّ الشعب الفلسطيني من استخدام خاتم منظمة التحرير وشعارها كسيف للابتزاز وأداة لتوزيع صكوك الشرعية أو حجبها... سئم الشعب الفلسطيني لفرط المناشدات والنداءات ببعث المنظمة وإصلاحها وتفعيلها... فكل نداءاته تحطمت على صخرة الصد والرفض والاحتكار... وقد آن الأوان لكسر هذه الحلقة المفرغة والشروع في إعادة بناء الحركة الوطنية وتأهيلها لخوض مرحلة جديدة في كفاح الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله وسيادته.

*عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات السياسية

المصدر | الميادين نت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين غزة فتح المقاومة الفلسطينية السلطة الفلسطينية الحرب على غزة منظمة التحرير الفلسطينية تنسيق أمني الشعب الفلسطینی الإجماع الوطنی منظمة التحریر من مسافة صفر حرکة فتح

إقرأ أيضاً:

محمد أبوزيد كروم يكتب: حيا الله السلاح والكفاح، والنصر الذي لاح

تحوّلت المؤامرة على السودان، في آخر تحولاتها، من الفعل العسكري عبر ميليشيا الدعم السريع، إلى معركة إعلامية وسياسية ودبلوماسية ودولية، وهو عين فشل المؤامرة.
واجه الجيش السوداني معركة الوجود والحسم بصبر وتكتيك عالٍ، وفي ظل ظروف معقّدة جداً.
انتهت الإمارات، راعية الحرب والخراب والتدمير في السودان، إلى البحث عن مخرج من ورطتها، عبر التصعيد في الميدان، من خلال استخدام المسيّرات الاستراتيجية التي وصلت إلى بورتسودان، وبالتصعيد والتحشيد النوعي والكمّي في الصحراء الكبرى، وفي كردفان والفاشر، لكنها فشلت في تحقيق أي إنجاز يُذكر.

في الجانب الآخر، فشل ما يُسمّى بتحالف “تأسيس”، الذي يُمثّل الجناح السياسي لميليشيا ال دقلو، في الاتفاق على تشكيل حكومة منفى، كما فشلت أطرافه المتناحرة والمتنافرة في التوصل إلى أدنى حد من التنسيق والعمل المشترك.

ثم خرجت إدارة ترامب المتحالفة مع الإمارات، الشهر الماضي، بإعلان عقوبات على السودان ضمن مسلسل الوهم الأميركي، ولم تمضِ أيام حتى فقدت هذه العقوبات أثرها ولم يعد لها أي اهتمام.
جاء بعد ذلك، في الأسبوع قبل الماضي، اجتماع وزراء دول الآلية الرباعية في واشنطن، بحضور السفير المصري، لكن لم يكن هناك أي جديد بشأن ملف السودان، بعد أن سلّمته هذه الآلية للحرب والخراب بفشلها وحقدها.

أما آخر أوراق العدو الإماراتي وميليشياته، فتمثلت في ورقة الميليشياوي خليفة حفتر، الذي اعتدى على الحدود السودانية، ودخل بميليشياته، بالتنسيق مع ميليشيا الدعم السريع، إلى المثلث الحدودي، في تطور خطير وغير مسبوق، وتعدٍّ سافر على السودان ومصر.

هذه الخطوة تُظهر بوضوح حالة الانهيار التي تعيشها الإمارات وميليشيا دقلو. أما الجيش السوداني، فهو في طور الترتيب للرد، وتلقين المجرم الفاشل حفتر درسًا لن ينساه. وما سيراه حفتر من الجيش السوداني سيكون أسوأ وأفجع مما لقاه من الجيش التشادي الذي هزمه في الحرب الليبية-التشادية، واعتقله مقيدًا بالحبال ليسلّمه إلى الولايات المتحدة لأكثر من عشرين عامًا، ثم لتُعيده عميلًا لمشروعها في المنطقة والشرق الأوسط، إلى جانب وكيلتها ووكيلة إسرائيل، الإمارات. أما تجرّؤه على السودان، فليعلم حفتر أن دخول السودان ليس كخروجه منه!

ولكي يعرف الناس مدى فشل المؤامرة على السودان، فلينظروا إلى هذه التطورات والمتغيرات، وليقرأوا ما قاله أحد أبواق الميليشيا الإعلامية، المدعو “عزّام عبد الله”، الذي يقدّم برنامجًا على وسائل التواصل الاجتماعي يستضيف فيه حواضن الميليشيا وحلفاءها.
قال هذا البوق، بغباء وصراحة مفرطة، وهو يتجرّع علقم الهزيمة والانكسار، إن “أمريكا وإسرائيل لن تتركا الدعم السريع ينهزم، لأن هذه الحرب أكبر من مشروع صراع داخلي”.
يقول هذا البوق هذه “الحقيقة” وهو يعلم تمامًا أنه مجنّد في هذا المشروع، وأنه لا مشروع لديهم أصلاً. ولكن، من قال لك أيها الغافل، إن الدعم السريع لن ينهزم رغم دعم أمريكا وإسرائيل؟!

إذاً، ما تفسير كل هذه الهزائم والانتكاسات، وهذه الدول معكم ومع ميليشياتكم؟!
إن الحل، وطريق النصر والخلاص، وهزيمة أعداء الداخل والخارج، يبدأ وينتهي بالسلاح والمقاومة الشعبية المسلحة، وبمزيد من التجهيز والترتيب للقتال والدفاع عن البلاد والعباد والكرامة والشرف.

وما كان لكل هذه الانتصارات العسكرية والسياسية والدولية أن تتحقق، لولا السلاح والكفاح والمقاومة.
لا أحد يحترم الضعفاء في هذا العالم، فحيّ على السلاح، والكفاح، والنصر الذي لاح.

محمد أبوزيد كروم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • 1400 عام من الصمود.. ما الذي يجعل أمة الإسلام خالدة؟
  • وزير الخارجية يبحث مع نظيره الفلسطيني تطورات غزة وتداعيات التصعيد الإقليمي
  • وزير الدفاع الباكستاني: يجب وقف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني وإيران
  • احتجاجات في نيويورك تضامناً مع الشعب الفلسطيني
  • المؤتمر: مصر ستظل الحاضن والداعم الأول للقضية الفلسطينية
  • كفى مزايدة
  • الأزهر يقدم 10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أوراق…إسمها عملة)
  • مستقبل وطن: مصر ثابتة في دعم القضية الفلسطينية وترفض التصعيد الإقليمي
  • محمد أبوزيد كروم يكتب: حيا الله السلاح والكفاح، والنصر الذي لاح