على أطلال مدرسة أسامة بن زيد التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، فى منطقة الصفطاوى شمالى مدينة غزة.

«رامى»: الصواريخ أحرقت المدرسة وذكرياتنا صارت سراباً

يقف الطفل رامى الأحول، صاحب الـ8 أعوام، ينظر بعينين تملأهما الحسرة والألم على ما تبقى من طاولات ومقاعد كان يستخدمها رفقة زملائه قبل 3 أشهر لحضور حصصهم الدراسية، يتجول الطفل المفجوع بين الركام، يصعد فوق السقف المهدم بفعل القصف الإسرائيلى ويهبط بعدها إلى ساحة المدرسة التى لا تزال أصداء ضحكاته معلقة هناك، حيث كانت شاهداً على لحظات سعيدة ما لبثت أن تبدلت إلى أصوات صراخ ومشاهد دماء وأشلاء ودخان يغطى السماء.

وقال «رامى» الذى نزح إلى المبنى التابع لـ«أونروا» رفقة عائلته بعد استهداف منزلهم بمنطقة حى الشيخ رضوان، إنّه من المفترض أن يكون الآن قد تسلم كتبه وبدأ الدراسة فى الصف الثالث الابتدائى، إلاّ أنّ طائرات الاحتلال شنت غارات متتالية فى الثالث من نوفمبر الماضى على مدرسته التى كانت تؤوى آلاف النازحين، لتقتل العشرات من البشر وتدمر الحجر، وبصوت يملأه الخوف يتابع حديثه لـ«الوطن»: «قبل ما دارنا تنقصف جمعت كل كتبى وأقلامى وحطيتهم فى شنطة المدرسة، وأول ما طلعنا من البيت الاحتلال قصفه، وزعلت عليه بس كنت كتير مبسوط إنى قدرت آخد كل أغراضى المدرسية، ولما نزلت الصواريخ على المدرسة كل شىء راح واحترق».

«شذا»: نستحق العيش والتعلم مثل سائر أقراننا بالعالم

لم يكد ينسى العالم مجزرة مدرسة أسامة بن زيد، لتفاجئهم طائرات الاحتلال باستهداف جديد لمدرسة أخرى ولكن فى تلك المرة كانت من نصيب «الفاخورة» بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، ليروح ضحيتها أكثر من مائتى شهيد، وتصبح المدارس منافذ لرائحة الموت كما هو الحال فى القطاع المنكوب، تقول شذا الديب، 14 عاماً، من سكان المخيم وإحدى الناجيات من القصف، إنّها كانت تأمل فى استكمال دراستها وتصبح طبيبة: «أنا كتير كنت شاطرة فى الدراسة، ودائماً بطلع الأولى على الصف وبحلم أصير دكتورة»، تتخوف «لمى» كثيراً من عدم تمكنها من إكمال دراستها وأن تصبح الحرب هى نهاية الحياة فى مدينتها: «صحيح إنى حزينة وموجوعة وزعلانة كتير، بس بتكلم مع حالى بصوت عالى إنه لازم العدوان يخلص ونرجع تانى ندرس ونذاكر ونحقق كل شىء حلمنا فيه، نحنا بنستحق نعيش ونتعلم زى كل الطلاب».

«شهد»: أذاكر حتى أعود لمدرستى بعد توقف الحرب

فى زاوية أخرى من المدرسة المستهدفة وفوق طاولة تتراص كتب ودفاتر يكسوها رماد القصف، تحاول شهد جاد الله، 10 أعوام، نازحة من حى الرمال، شمالاً، جاهدة بيديها الصغيرتين إزالة الغبار عن أدواتها المدرسية، بينما تنسكب الدموع على خديها، وتقول بصوت متقطع يخنقه البكاء إنها ستظل تحتفظ وتدافع عن كل ما يذكرها بمعلمتها «نهلة» التى ارتقت شهيدة أمام بوابة المدرسة بعد أن استهدفها الصاروخ بشكل مباشر: «كانت كتير طيبة وبحبها كتير، هى معلمتى من أول سنة وحبيت مادة الإنجليزى بسببها، ومش متخيلة كيف ممكن ترجع الدراسة تانى بعد الحرب إذا ضليت عايشة وما أشوفها»، تتردد فى أذنى «شهد» الكلمات الأخيرة لمعلمتها: «كانت دايما تقولى انتى أشطر صبية فى الفصل وبدى ياكى تكونى سفيرة فى أوروبا عشان توعى الناس بقضيتنا وتعرفيهم على فلسطين وغزة الجميلة».

ورغم الحزن الدفين الذى يسكن قلب الطفلة الغزاوية، إلاّ أنّها فى كل مساء تمسك بقلمها وتخط الكلمات التى كانت قد تعلمتها مطلع سبتمبر الماضى، أى قبل شهر من العدوان الإسرائيلى: «الدراسة توقفت وما بنعرف إمتى راح ترجع، وبحاول أضل متذكرة الدروس اللى أخدناها قبل الحرب، وعشان هيك بذاكر وأكتب كل يوم، عشان لما نرجع أكون مستعدة للامتحانات مثل السنوات الماضية».

ولأن الغزاويين أدمنوا انتزاع الحياة من بين فكى الغزاة، فقد تحولت خيام النازحين على امتداد القطاع بداية من شماله مروراً بالوسط ووصولاً لجنوبه إلى مراكز للدراسة فى حدود الإمكانيات المتاحة، وفى محاولة لعدم حرمان الأطفال النازحين فى غزة من التعليم بسبب العدوان الإسرائيلى، يجلس طارق العنابى، 25 عاماً، داخل خيمة بأحد مراكز الإيواء بمدينة رفح أقصى جنوبى القطاع، فيما يلتف حوله عشرات الأطفال بأعمار مختلفة، ليقوم بكتابة بعض حروف اللغتين العربية والإنجليزية على لوح خشبى مستخدماً «الطباشير» فيما يردد الطلاب الكلمات بصوت واحد لحفظها.

ويقول: «حال الأطفال اللى فجأة صحيوا لقوا مدارسهم مهدمة وعامهم الدراسى انتهى بيقطّع القلب، وما قدرت أتفرج عليهم بدون ما أساعدهم»، لافتاً إلى أنّه بدأ فى تعليمهم منذ الأسبوع الرابع للحرب: «بسأل الأطفال شو بدكم تدرسوا اليوم وبنبلش برأى الأغلبية، كمان لاحظت إن الفصول الدراسية هاى بتخفف عنهم وبتخلى نفسيتهم أحسن فى ظل القصف والدم والشهداء اللى بيشوفوهم كل يوم».

وتزامناً مع استهداف مدارس التعليم الأساسى فى قطاع غزة لم تسلم الجامعات من صواريخ الاحتلال وقذائف مدفعيته، فوسط هتافات وتصفيق حاد من الجنود، استهدفت الطائرات الإسرائيلية مبنى جامعتى الأقصى والإسلامية، ليصبحا أثراً بعد عين، ويقول عزام الشريف، 20 عاماً، طالب بالفرقة الثانية بكلية التربية بالجامعة الإسلامية، إنها تضم مئات الآف من الطلاب والطالبات: «هى أبرز جامعات فلسطين، وكانت منبراً للعلم، وفيها ذكرياتنا وأحلامنا، وكل شىء تمنيناه».

ويتفحص الطالب العشرينى بإمعان صور جامعته المدمرة: «كل مابشوف هيك مشاهد بينحرق قلبى، مش قادر أستوعب إن كل هذه الأمور صارت فى لمح البصر»، يأمل «عزام» أن ينتهى العدوان سريعاً لتتمكن غزة من لملمة شتات نفسها ويقول: «أكيد الجامعة مش هترجع تتبنى فى يوم وليلة، ولازم شهور طويلة ويمكن سنين عشان نعيد الحياة الدراسية من جديد، وما بدى السنة تضيع عليّا، ونفسى بعد الحرب أحصل على منحة دراسية عشان أكمل تعليمى».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: غزة طلاب غزة

إقرأ أيضاً:

من القصف الى القيد

من #القصف الى #القيد
( العالم كما لا نحب أن نراه)

#حنين_عساف

بداية أوكد أن وجعي الأول هو وجع الانسان، فبحسب نظرية الهوية الاجتماعية لهنري تاجفيل يتعاطف الانسان مع من يشبهه، وهذا بما يعرف بالتحيز داخل الجموعة، وأنا هنا لست بصدد شرح هذه النظرية فالانترنت مليء بالمصادر التي تشرح هذا الموضوع بالتفصيل.

ومع ذلك نرى الانسان يرتكب أكبر الجرائم باتجاه أبناء جنسه في غزة والسودان حيث الجوع والحصار والتجويع والاعتداء على النساء والأطفال، والقتل بأبشع الطرق، كيف ممكن للانسان أن يغلق جميع منافذ النجاه هكذا على الناس في غزة والسودان وغيرها من الدول التي تعاني من الحروب.

مقالات ذات صلة مرشح منصب نقيب المحامين المحامي أشرف الزعبي يوجه دعوة لحضور اللقاء العام 2025/05/21

هذا الكلام يخطر في بالي وبال العديد من الناس يوميا، الذين لا يتحملون أن يشاهدوا هذه القسوه والجرائم دون أن يأخذوا موقف ويحاولوا ولو بالكلمة ايقاف هذا الجنون وهذه الحرب. وعلى الجانب الأخر هناك أناس أخرون يتفرجون بصمت ويقولون “أنا شو دخلني شو طالع بايدي”.

وخلال معانتي من هذا الألم النفسي وتفكيري المستمر بما يحصل بأخواننا بغزة والسودان، ولسوء حظي أو لحسنه لا أستطيع التحديد صراحة، صادفت يوم أمس فيديو يوثق واحدة من أبشع مماراسات “الترويض” للفيلة بما يعرف باسم “فاجان” ولأنني أؤمن أن الروح واحدة وأنه لا يحق للانسان أن يعتدي على أبناء جنسه أو مخلوقات اخرى على الأرض، اعتصرني الألم لأن ما رأيته يفوق قدرة العقل على الاحتمال، حيث يتم اختطاف صغار الفيلة من امهاتهم وربطهم وتجويعهم، وضربهم حتى ينزفوا، وحرمانهم من النوم والحركة حتى يخرج هذا الكائن صرخة معروفة لدى مروضين الفيلة أنه هكذا استسلم أخيرا وسيمتثل لكل أوامرهم، وكل هذا يحصل فقط لاستخدام هذا الكائن في السيرك والترفيه عن الناس، الذين لو عرفوا ما يحصل خلف الكواليس لما كان هذا الأمر مسلي بالنسبة لهم، ربما عرفتم الان لماذا قلت لسوء حظي أني رأيت هذا الفيديو.

اما لماذا قلت لربما لحسن حظي فهذا بسبب أن معرفتي بهذا الأمر ستمنعني أبدا من الذهاب لسيرك يستخدم الحيوانات، هذا بالاضافة بمعرفتي بالمخاطر التي يتحملها العاملين بالسيرك فلطالما سمعنا عن اسود ونمور هجموا على مروضيهم، فلماذا نعرض الأنسان وروح الحيوان على حد سواء لكل هذا العنف والخطر فقط لمجرد التسلية، وقررت أن أكتب هذا المقال من باب التوعية.
لكن للحقيقة كتابة هذا المقال كانت صعبة جدا علي فالانسان وخاصة في الدول التي تعاني من الحروب والمجاعات يتعرض لأقسى أنواع الظلم والوحشية.

على الجانب الأخر جاءني تساؤل أخر، وهو كيف لنا كبشر أن ننقسم هذا الانقسام الغريب بين قادر على تعذيب وسحق أي روح لتحقيق مصلحته، وبين من لا يقدر على تحمل هذه القسوة ويحاول تغيير ما يحصل بكل ما أوتي من قوة، وبين لامبالي يشاهد ويصمت!!!

مقالات مشابهة

  • ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 53،901 شهيد وأكثر من 122 ألف مصاب منذ 7 أكتوبر 2023
  • من القصف الى القيد
  • ملكة بلجيكا القادمة مهددة بعدم استكمال دراستها
  • السجن 20 يوماً لضابط احتياط إسرائيلي رفض المشاركة في العدوان على غزة
  • نفذته امرأة.. هجوم طعن بسكين يسفر عن إصابة عدة أشخاص بجروح مهددة للحياة بألمانيا
  • «الألعاب الرياضية للمدارس والجامعات» تستقطب 33 ألف طالب وطالبة
  • البيئة تنظم فعالية بيئية تشاركية بمدينة شرم الشيخ بمشاركة أكثر من 150 فردًا
  • مذكرة بإقفال المؤسسات العامة والمدارس والجامعات
  • وزير الصحة الفلسطيني: فقدان 29 طفلاً بسبب الجوع في غزة.. و14 ألف آخرون حياتهم مهددة
  • في ظل استمرار العدوان والحصار الصهيوني الحصول على مياه آمنة للشرب في غزة مهمة شبه مستحيلة