2023 سنة المنعطف السلبي للغرب
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
2023 سنة المنعطف السلبي للغرب
تتقدم الصين عبر بريكس نحو مشاركة الولايات المتحدة في زعامة العالم في أفق الانفراد بها.
في ملف الحرب الروسية – الأوكرانية يتعرض الغرب لهزيمة حقيقية وخلال الشهور الأخيرة، يتعاطى الغرب بنوع من الغموض مع هذه الحرب.
2023 سنة التحولات الكبرى التي تقوض زعامة وقوة الغرب، فهو خسر أخلاقيا في قضية فلسطين بعدما أيد همجية إسرائيل، ولم يعد يمتلك المبادرة في أوكرانيا.
شاهد الرأي العام العربي كيف أن الغرب الرسمي يقتصر فقط على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» ويتناسى جذور المشكل وهو الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين.
شهد العالم سنة 2023 قفزة نوعية في عمل منظمة بريكس بانضمام دول جديدة ذات ثقل مثل، إيران والسعودية والأرجنتين في قمة جنوب افريقيا خلال أغسطس الماضي.
أبرزت 2023 هوان الأنظمة العربية وانعدام الوحدة والمصير المشترك وفضحت طوفان الأقصى أن هذه الأنظمة بين خانع للغرب وعميل له، بل حتى لإسرائيل من خلال التآمر ضد فلسطين.
* * *
ترحل سنة 2023 بعدما ساهمت في توضيح معالم الخريطة الجيوسياسية العالمية المقبلة والآخذة في التبلور، من خلال الحروب التي اندلعت مثل «طوفان الأقصى»، التي أكدت بدء انهيار الكيان الإسرائيلي رغم جرائمه الحالية، ثم استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، وسعي الصين الحثيث لتقاسم الزعامة مع الولايات المتحدة في أفق الانفراد بها.
والواقع أن حصر الأحداث السياسية الكبرى، التي تشكل منعطفا كبيرا، وتحمل تأثيرات في المستقبل، عملية صعبة نظرا لكثرتها وتأثيرها الإقليمي قبل الدولي، وإن كان المقياس الرئيسي هو مدى حضور حدث ما في وسائل الإعلام، لا من حيث الحيز الزمني، ولا من حيث تأثيره في الرأي العام الدولي، ثم كيف انشغلت دول العالم بهذه الأحداث، يبقى الحدث الأبرز هو «طوفان الأقصى»، الذي اندلع يوم 7 أكتوبر ويستمر حتى نهاية السنة الجارية، وقد يستمر خلال الأسابيع الأولى لسنة 2024.
هذا الحدث الكبير والخطير بكل تجلياته ودلالاته جاء ليبرز، رغم وحشية الكيان الصهيوني، بممارسة حرب الجبناء بقتل المدنيين، خاصة الأطفال، نقاط ضعف خطيرة للأمن القومي للكيان الصهيوني، فقد أصبح الفلسطينيون قادرين على صنع سلاحهم بأيديهم، ونعني الصواريخ، وفرض واقع جديد على كيان الاحتلال.
ولا يمكن نهائيا لإسرائيل، التي تحظى بحماية مطلقة وغير مشروطة من واشنطن، القضاء على صناعة السلاح الفلسطيني، التي ستتطور خلال السنوات المقبلة. يأتي طوفان الأقصى ليؤكد أن من يصنع سلاحه بيده فهو قادر على فرض معادلات جيوسياسية جديدة.
ارتباطا بهذا، يشكل حزب الله النموذج بعدما تقدم في صناعة السلاح واستيراده من إيران، وكيف جعل إسرائيل لا تهاجم لبنان، كما كانت تفعل قبل حرب تموز، كما يمكن الاستشهاد بمسيرات إيران وتركيا وكيف تفرض مشهدا حربيا جديدا في العالم، لاسيما في أكبر حرب بعد العالمية الثانية وهي الحرب الروسية – الأوكرانية.
سنة 2023، جاءت لتبرز مرة أخرى حالة الهوان التي تعيش فيها غالبية الأنظمة العربية، التي تتشدق بالوحدة والمصير المشترك. جاءت عملية طوفان الأقصى لتفضح أن الكثير من هذه الأنظمة بين خانع للغرب وعميل له، بل حتى لإسرائيل من خلال التآمر ضد فلسطين.
أمام هذا الخنوع، يشهد العالم العربي، والبداية بقوة مع 2023، دورا أكبر لجماعات سياسية مسلحة تستعيد روح التعاون، التي كانت سائدة في الستينيات وبداية السبعينيات وسط العرب في مواجهة إسرائيل.
وعلاقة بهذا، انضمت حركات سياسية مسلحة إلى النزاع مثل، حركة «أنصار الله» وحركات عراقية علاوة على الحضور الدائم لحزب الله اللبناني، لقد كانت أكبر مفاجأة في النزاع في الشرق الأوسط ليس تبادل النار الحدودي بين حزب الله وإسرائيل، بل انخراط أنصار الله في مواجهة إسرائيل، أولا عبر ضرب مناطق في الأراضي المحتلة، خاصة إيلات، ثم من خلال استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، الأمر الذي دفع البنتاغون إلى تأسيس قوة بحرية دولية لمواجهة هذا المستجد.
هذا النزاع يأتي ليبرز مدى تفاقم الشرخ بين الغرب الرسمي، الذي تمثله عواصم مثل برلين وباريس ولندن وواشنطن وباقي العالم، وهكذا، أصبح الشرخ كبيرا بين الغرب الرسمي والرأي العام العربي والإسلامي، هذا الأخير الذي رأى كيف أن عواصم الغرب سارعت لنجدة الكيان، وكيف مارست نفوذها وحق الفيتو في مجلس الأمن لمنع أي إدانة للكيان، بل معارضة وقف إطلاق النار رغم بشاعة قتل الأطفال.
شاهد الرأي العام العربي كيف أن الغرب الرسمي يقتصر فقط على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» ويتناسى جذور المشكل وهو الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين.
شهد العالم سنة 2023 قفزة نوعية في عمل منظمة البريكس بانضمام دول جديدة ذات ثقل مثل، إيران والعربية السعودية والأرجنتين في قمة جنوب افريقيا خلال أغسطس الماضي.
وبهذا أصبح هذا التكتل منافسا حقيقيا لمجموعة السبع الكبار. وتعد هذه القمة من الأحداث المهمة للغاية التي تبرز وتوضح معالم الخريطة الجيوسياسية المقبلة للعالم. فقد تبنت الدول الكبرى في بريكس خطابا واضحا بوضع حد لهيمنة الغرب على العلاقات الدولية، وهي الهيمنة التي دامت طويلا.
ومن ضمن الملفات التي تميزت بها دول البريكس، خاصة روسيا والصين وجنوب افريقيا والبرازيل، هو رفض سياسة الغرب تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ويكفي أن جنوب افريقيا تزعمت مبادرة تقديم دعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.
أبرز أعمال البريكس هو الاتفاق باستعمال العملات الوطنية في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، مع إعطاء الأولوية للعملة الصينية على حساب العملة الأمريكية الدولار، وهو منعطف لافت في الصراع الجيو اقتصادي.
ويبقى الملف الثالث هو الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ يتعرض الغرب لهزيمة حقيقية في هذا الملف. وخلال الشهور الأخيرة، يتعاطى الغرب بنوع من الغموض مع هذه الحرب، فقد تبين له الفرق والفارق في وقت واحد، وفق المحلل الجيوسياسي الفرنسي باسكال بونيفاس، بين الحرب في الإعلام والمتمنيات، ومعطيات الواقع الحقيقي.
سنة 2023 على خلاف سنة 2022، ضمت روسيا إلى الأبد شرق أوكرانيا إلى وحدتها الترابية، كما تبين استحالة تقدم القوات الأوكرانية نحو الشرق بعد الترويج والتهليل للهجوم المضاد، واتضح صعوبة مسايرة ليس فقط أوكرانيا لإيقاع روسيا، بل حتى الاتحاد الأوروبي في مجال التسلح، كل هذا دفع أوكرانيا والغرب إلى تخفيض كثافة المواجهات الحربية في أفق البحث عن هدنة والانتقال إلى السلام لاحقا.
لكن الغرب يريد استعادة ولو ربع الأراضي التي استولت عليها روسيا ليمني النفس بانتصار ليس نسبيا فقط بل مزيفا، وذلك ليحفظ ماء وجهه أمام باقي العالم، بعدما روّج بأن روسيا ستنهزم وستصبح قوة ثانوية في الساحة الدولية.
إن سنة 2023 تبقى سنة التحولات الكبرى التي تقوض زعامة وقوة الغرب، فهو خسر أخلاقيا في قضية فلسطين بعدما أيد همجية إسرائيل، ولم يعد يمتلك المبادرة في أوكرانيا، وأخيرا تتقدم الصين عبر البريكس نحو مشاركة الولايات المتحدة في زعامة العالم في أفق الانفراد بها.
*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: بريكس الغرب قضية فلسطين طوفان الأقصى الحرب الروسية الأوكرانية حركة أنصار الله حزب الله الحرب الروسیة طوفان الأقصى من خلال سنة 2023 فی أفق
إقرأ أيضاً:
اليوم العالمي للنحل..أعظم الملقحات التي تطعم العالم
يُبرز اليوم العالمي للنحل الذي يأتي هذا العام تحت شعار "النحل مُلهم من الطبيعة ليغذينا جميعا"، الأدوار الحاسمة التي يلعبها النحل في السلسلة الغذائية للبشرية، وصحة النظم البيئية لكوكب الأرض، بما يشير إلى أن فقدان النحل سيجعل العام يخسر أكثر بكثير من مجرد العسل.
ويواجه النحل وغيره من المُلقّحات تهديدات متزايدة بسبب فقدان موائلها، والممارسات الزراعية غير المستدامة، وتغير المناخ والتلوث. ويُعرّض تناقص أعدادها إنتاج المحاصيل العالمي للخطر، ويزيد من تكاليفها، ويُفاقم بالتالي انعدام الأمن الغذائي العالمي.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4تراجع أعداد النحل والملقّحات تهدد مصادر الغذاءlist 2 of 4ماذا يحدث للبيئة والبشر إذا اختفى النحل؟list 3 of 4أعجوبة النحلة الطنانةlist 4 of 4دراسة: جزيئات البلاستيك لها أثر مدمر على النحل والملقّحاتend of listوحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) هناك أكثر من 200 ألف نوع من الحيوانات تصنف ضمن المُلقّحات غالبيتها العظمى برية، بما في ذلك الفراشات والطيور والخفافيش وأكثر من 20 ألف نوع من النحل، الذي يعتبر "أعظم الملقحات".
ويعدّ التلقيح أساسيا لأنظمة الأغذية الزراعية، إذ يدعم إنتاج أكثر من 75% من محاصيل العالم، بما في ذلك الفواكه والخضراوات والمكسرات والبذور. بالإضافة إلى زيادة غلة المحاصيل.
كما تُحسّن الملقّحات جودة الغذاء وتنوعه، وتُعزز حماية الملقحات التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية الحيوية، مثل خصوبة التربة، ومكافحة الآفات، وتنظيم الهواء والماء.
حسب بيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يتم الحصول على 90% من إنتاج الغذاء العالمي من 100 نوع نباتي، ويحتاج 70 نوعا منها إلى تلقيح النحل.
إعلانوأظهرت الدراسات أن الحشرات غير النحل لا تُمثل سوى 38% من تلقيح المحاصيل، مقابل أقل من 5% من تلقيح المحاصيل بالنسبة للفراشات، ويسهم تلقيح الطيور بأقل من 5% من الأنواع المزهرة حول العالم و1% للخفافيش.
وتبلغ تكلفة التلقيح الاصطناعي أعلى بـ10% على الأقل من تكلفة خدمات تلقيح النحل، وفي النهاية لا يمكننا تكرار عمل النحل بنفس الجودة أو الكفاءة لتحقيق نفس الإيرادات.
وعلى سبيل المثال، تتراوح تكلفة تلقيح هكتار واحد من بساتين التفاح في الولايات المتحدة ما بين 5 آلاف و7 آلاف دولار ومع وجود ما يقارب 153 ألفا و375 هكتارا من بساتين التفاح في جميع أنحاء البلاد، ستصل التكلفة إلى نحو 880 مليون دولار سنويا، بالنسبة لحقول التفاح فقط.
وعموما، تمثل الملقحات الحشرية ما يقارب 35% من إجمالي الإنتاج الغذائي العالمي، ويتولى نحل العسل 90% من عبء هذا العمل.
يتعرض النحل والملقحات الأخرى فعليا لتهديد متزايد جراء الأنشطة البشرية مثل استخدام مبيدات الآفات، والتلوث البيئي الذي يشمل جزيئات البلاستيك والتلوث الكهرومغناطيسي (ذبذبات أبراج الاتصالات والهواتف المحمولة وخطوط الكهرباء)، والأنواع الغازية لموائله، والتغير المناخي. ورغم أن الصورة البارزة تشير إلى وضع كارثي يتعلق بتعداد النحل العالمي.
لكن تحليل البيانات التي وردت في نشرة منظمة الفاو تظهر أن فكرة انهيار أعداد النحل عالميا ليست دقيقة تماما، لكن مع ذلك يبقى مستقبل أعداد النحل العالمية غير مؤكد تماما.
وتشير البيانات إلى أن أعداد النحل في بعض الدول الآسيوية تشهد تزايدا مطردا، بينما تواجه في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية بشكل عام تحديات كبيرة في العقود الأخيرة، بسبب تدمير الموائل، والتعرض للمبيدات الحشرية، وتغير المناخ، والأمراض، والطفيليات.
إعلانويعود تزايد أعداد النحل في آسيا إلى التنوع الطبيعي في القارة، والمناخ المعتدل، وتقاليد تربية النحل العريقة، وازدهار تربية النحل التجارية، وعلى سبيل المثال عززت الصين، أكبر منتج للعسل في العالم، أعداد نحل العسل لديها بشكل كبير لتلبية الطلب العالمي.
وإذا اعتمدت المناطق التي تواجه تدهورا سياسات أكثر صرامة للحفاظ على النحل وممارسات زراعية مستدامة، فقد تُسهم في استقرار أعداد النحل، بل وتعزيزها، في السنوات القادمة. في الوقت نفسه، يجب على الدول التي تشهد تزايدا في أعداد النحل أن تظلّ متيقظة للتهديدات الناشئة لحماية إنجازاتها.
ويعتمد مستقبل النحل -الذي خصص في 20 مايو/أيار سنويا كيوم عالمي له- على قدرة البشر على التكيف والابتكار وحماية موائله. فبدلا من التركيز فقط على حالات التناقص، ينبغي دراسة ومحاكاة قصص تكاثره وانتعاش موائله في مناطق مختلفة من العالم.
وتُساعد الممارسات الزراعية الصديقة للبيئة، مثل الزراعة البينية، والزراعة الحراجية، والإدارة المتكاملة للآفات، وحماية الموائل الطبيعية، وتوفير مصدر غذائي ثابت ووفير للنحل في استدامة الملقحات، مما يضمن استقرار توفر المحاصيل وتنوعها، ويُقلل من نقص الغذاء والآثار البيئية.
وتعزز الجهود المدروسة لحماية الملقحات في نهاية المطاف الحفاظ على مكونات أخرى من التنوع البيولوجي، مثل مكافحة الآفات، وخصوبة التربة، وتنظيم الهواء والماء. وإنشاء أنظمة زراعية غذائية مستدامة، يلعب النحل دورا بارزا فيها.