بوصلتنا التضامن مع فلسطين
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
علي الرئيسي **
معركة المُقاومة الفلسطينية في غزة، تختلف عن كل المعارك الماضية؛ لأنَّ انتصار المقاومة هو انتصار لحركة التحرر وللشعوب ضد الهيمنة الغربية، وهي المسمار الأخير في نعش الحركة الاستيطانية الصهيونية، التي تمثل أداة للاستعمار الغربي الإمبريالي. أما هزيمة المقاومة- لا سمح الله- ستكون تراجعًا مُؤلمًا في نضال الشعب الفلسطيني، وستُتيح للمشروع الصهيوني الغربي مواصلة هجومه على قوى المقاومة في المنطقة.
يُصوِّر الإعلام الغربي أن ما حدث في 7 أكتوبر لم تسبقه أحداث، أو أنه حادثة مُنفصلة قامت بها المقاومة، وليس ردًا على عقود طويلة من الاحتلال والتعسف وسرقة الأرض وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني. في الحقيقة وَجَدَتْ المقاومة أنها مُضطرة للقيام بهذه العملية لأن كل المؤشرات كانت تدل على أنَّ مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية وصلت إلى مراحلها النهائية، خاصة في ضوء الضغوط التي كانت تُمارسها الولايات المتحدة للدفع بعملية التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية الوازنة في المنطقة، لا سيما بعد تفريغ اتفاقيات أوسلو من مضمونها، في ضوء تزايد مُمارسات الاحتلال الإسرائيلي في الاستيطان السرطاني، والممارسات غير الإنسانية والجائرة للمستوطنين، والمعاناة اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون في الضفة والقدس المحتلتين، إضافة إلى عملية تدنيس المسجد الأقصى المبارك.
كما فرضتْ إسرائيل حصارًا ظالمًا لسنوات عديدة على الفلسطينيين في قطاع غزة، مُسيطرة على المعابر كافةً، وهي التي تُحدد مقدار وكميات الطعام والماء والأدوية وغيرها من الضروريات التي تدخل إلى القطاع، وكان ذلك كله يتم أمام أنظار العالم والغرب، دون أي احتجاج مما يُسمى بـ"العالم المُتحضِّر"!
وهناك تحولات سياسية داخلية خطيرة في إسرائيل، وبالذات بعد تحالف نتنياهو مع اليمين الديني المتطرف بزعامة بن غفير ووزير المالية سموتريش، اللذين يدعوان صراحة إلى احتلال الضفة الغربية والسعي إلى تهجير أهلها إلى الأردن، كما يدعوان الآن إلى تهجير الفلسطينيين من غزة وتوطينهم في سيناء المصرية.
يحدث هذا وسط واقع عربي ضعيف ومُشتَّت؛ حيث تعاني معظم الدول العربية الوازنة من مشكلات اقتصادية وحروب أهلية، إضافة إلى استسلامها للهيمنة الأمريكية، إلى جانب سعي بعض الحكام العرب إلى التحالف مع الكيان الصهيوني، بينما هذا الكيان يذهب نحو التشدد والتطرف ضد العرب والمسلمين.
هذه ليست فقط سياسة قصيرة النظر، وإنما هي خيانة لشعب عربي يُعاني من القهر والاحتلال. كما إن هذا اليمين الفاشي في إسرائيل لن يتوقف عند تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم، وإنما سيعمل على تحقيق شعار الصهيونية "من النيل إلى الفرات".
لقد قدَّمت المقاومة خلال 3 أشهر من الحرب على غزة درسًا لكل المُقاومين والمناضلين، بصمودها الباسل أمام آلة الحرب الإسرائيلية والمتحالفة مع أمريكا والغرب الذي يقوم بتزويدها بأحدث الأسلحة الحديثة. ورغم ذلك، تفوَّقت المقاومة ولم تستطع إسرائيل- ومن خلفها أمريكا- تحقيق أي هدف من أهدافهم الاستراتيجية، ألَا وهو القضاء على حركة حماس، وإطلاق سراح الأسرى، وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء. لقد تلقّى الجيش- الذي ظل يزعم أنه لا يُقهر- ضربات مُوجِعة من المقاومة، فقتلت وجرحت الآلاف من جنودهم، وأتلفت الكثير من عدتهم العسكرية. كل ذلك حدث رغم الحصار الظالم، ولنا أن نتخيل لو أن حدود الدول العربية مفتوحة مع فلسطين لإدخال السلاح والرجال لمحاربة هذا الكيان الغاصب، فماذا سيكون الوضع عندئذٍ؟!
بقيت المقاومة وحدها في الساحة، عدا المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان التي شغلت شمال فلسطين المحتلة ودفعت الآلاف من المستوطنين للفرار والنزوح وتحوليهم إلى لاجئين، إلى جانب الحظر الذي فرضه اليمن على السفن الإسرائيلية في باب المندب، فيما بقيت الأنظمة العربية مُتفرِّجة كأنَّ الذي يحصل لا يعنيها بشيء! وفي خضم ذلك، تأتينا أخبار أن بعض الدول العربية بدأت في طرح حلول انهزامية على المقاومة، وهذه الحلول والأطروحات هي في الحقيقية أطروحات إسرائيلية وأمريكية، من ضمنها صفقة لتبادل الأسرى، ونفي قائد المقاومة يحيى السنوار إلى الجزائر، وتخلّي المقاومة عن حكم غزة؛ أي ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه بالقوة العسكرية تقوم بعض الدول العربية بفرضه عبر ما يُسمى بـ"المفاوضات".
طبعًا لا يُمكن التقليل من الكُلفة العالية التي دفعها الشعب الفلسطيني في صموده في غزة، فقد تجاوز عدد الشهداء أكثر من 21 ألف شهيد، وهناك عشرات الآلاف من الجرحى؛ معظمهم من النساء والأطفال، فضلًا عن الدمار الشامل الذي أصاب البنية التحتية والمساكن والمستشفيات وغيرها.
ورغم ما قدمته المقاومة والشعب الفلسطيني من تضحيات في غزة والضفة الغربية، فإنها فضحت بجلاء الادعاءات والمعايير المزدوجة للغرب حول حقوق الإنسان والحرية والعدالة، وما تقوم به حكومات الغرب من التضييق ومطاردة المتضامنين مع فلسطين خيرُ دليل على ذلك. ولم يدرك ذلك شعوب الجنوب فحسب، لكن الشعوب الغربية أيضًا التي خرجت وتظاهرت تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، وبذلك أعادت المقاومة عدالة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث العالمية، بجانب عدالة كل قضايا العدالة ومحاربة الهيمنة الغربية، كما عرَّت حقيقة قيم الغرب الاستعماري الإمبريالي.
** باحث في قضايا التنمية والاقتصاد
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الجبهة الوطنية: الدول التي تسقط لا تنهض مجددا وتجربة مصر العمرانية هي الأنجح
أكد الدكتور عاصم الجزار، رئيس حزب الجبهة الوطنية أن استكمال المشروع الوطني للدولة المصرية، الذي انطلق تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ عشر سنوات، يمثل الضمانة الأساسية لاستمرار استقرار الدولة ومواجهة التحديات الخارجية والداخلية.
وأوضح الجزار خلال حواره مع الإعلامي نشأت الديهي ببرنامج بالورقة والقلم على قناة Ten أن العبقرية السياسية للرئيس السيسي تمثلت في الحفاظ على الاتزان الاستراتيجي، من خلال تجنب الانزلاق في أي صراعات، والتركيز على تنمية الداخل المصري، مشيرًا إلى أن هذا الاتزان هو أحد عوامل النجاح الكبرى للمشروع الوطني.
ولفت الجزار الانتباه لما يحدث حولنا، تجارب الدول التي تسقط يصبح من الصعب عليها النهوض مجددا، خاصة إذا كانت دولة ذات كثافة سكانية كبيرة مثل مصر، وبما اتجهت له مصر من استكمال المشروع الوطني لم يكن فقط خيارًا تنمويًا، بل ضرورة وجودية لضمان الاستقرار..وأضاف الجزار: "نحن أمام إنجاز استثنائي بكل المقاييس..فتجربة مصر العمرانية الأنجح والأكبر ..منذ آلاف السنين كانت مصر تعيش على 7% فقط من إجمالي مساحتها، وحتى عام 2013 لم يتغير هذا الواقع، لكن خلال العشر سنوات الماضية، ومن خلال تنفيذ 15 منطقة تنمية عمرانية جديدة، نجحنا في رفع نسبة المساحة المعمورة إلى 13.7% بنهاية عام 2024، مقارنة بـ7% فقط قبل بدء المشروع".
وأشار إلى أن هذا التطور العمراني كان مخططًا له أن يتحقق في أفق زمني يصل إلى عام 2050، لكن ما تحقق خلال عشر سنوات فقط يُعادل ما كان مخططًا له في أربعة عقود، وبتكلفة إجمالية تجاوزت 10 تريليونات جنيه.. مشيرا إلى أننا لا نستطيع اختصار هذا التطور بوصفه توسع عمراني فقط، هذا ظلم لما تم على الأرض، بل هو إعادة صياغة لمفهوم التنمية الشاملة، حيث تضمنت هذه المناطق الجديدة مرافق حديثة، وشبكات طرق قوية، ومصادر طاقة ومياه، وقدرات إنتاجية عالية، وهو ما انعكس على تحسين جودة الحياة وفرص العمل والتنمية الاقتصادية، ولم يفت الجزار الحديث عن فلسفة الجمهورية الجديدة، موضحًا أنها لا تعني فقط إنشاء مناطق عمرانية جديدة، بل تشمل أيضًا تطوير العمران القائم، وإعادة بناء الدولة بمفهوم جديد يقوم على الكفاءة والعدالة والتنمية المستدامة.. وارساء "ثقافة العمران" التي ترتبط بالسلوك المجتمعي والاقتصادي والثقافي، وليست فقط بالبنية التحتية.
وختم الجزار تصريحه بالتأكيد على أن المشروع الوطني المصري هو مشروع تنموي شامل متعدد الأبعاد، يهدف إلى بناء مستقبل يليق بمصر وشعبها، ويحقق الاستقرار والتنمية للأجيال القادمة.