في عالم اليوم، باتت البيانات والمعلومات هي أساس الحياة والنشاط البشري، إذ نعتمد عليها في كل شيء، من الاتصالات والتواصل الاجتماعي إلى العمل والتجارة والتعليم والترفيه.

ومن أجل انتقال هذه البيانات والمعلومات بسلاسة وسرعة، لا بد من وجود بنية تحتية قوية وفعالة لتوصيلها، وهنا يأتي دور كابلات الألياف الضوئية البحرية التي تعد أحد أهم المكونات الأساسية لهذه البنية التحتية.

وتوصف كابلات الألياف الضوئية البحرية بأنها أنظمة نقل بيانات تستخدم لنقل المعلومات عبر المحيطات، وتتكون الكابلات من ألياف ضوئية رفيعة تنقل البيانات في شكل إشارات ضوئية.

وتمثل هذه الكابلات تقنية مهمة في عصر الاتصالات الحديثة، وتلبي حاجة متزايدة لنقل كميات ضخمة من البيانات عبر المحيطات.

أنواعها

وتختلف كابلات الألياف الضوئية البحرية حسب خصائصها واستخداماتها، ويمكن تقسيمها إلى عدة أنواع رئيسية، وهي:

كابلات الألياف الضوئية أحادية الوضع: وتَستخدم أليافا ضوئية أحادية الوضع تنقل البيانات في اتجاه واحد فقط. كابلات الألياف الضوئية متعددة الأوضاع: وتستخدم أليافا ضوئية متعددة الوضع تنقل البيانات في اتجاهين مختلفين. كابلات الألياف الضوئية الهجينة: وتستخدم مزيجا من الألياف الضوئية أحادية الوضع ومتعددة الوضع. مزاياها

وتتميز كابلات الألياف الضوئية البحرية بالعديد من المزايا، أهمها:

السرعة: فالبيانات تُنقل بسرعات فائقة تصل إلى ملايين البتات في الثانية الواحدة. السعة: فهذه الكابلات تتمتع بسعة كبيرة تسمح لها بنقل كميات هائلة من البيانات. الموثوقية: وتتميز هذه الكابلات بالموثوقية العالية وتتمتع بمقاومة عالية للتلف.

ونظرا لهذه المزايا، تلعب كابلات الألياف الضوئية البحرية دورا مهما في نقل البيانات والإنترنت، إذ تُستخدم هذه الكابلات لنقل مجموعة واسعة من البيانات، وتعتبر العمود الفقري لشبكة الإنترنت في الوقت الراهن.

وبذلك، تلعب كابلات الألياف الضوئية البحرية دورا مهما في ربط القارات والدول معا، وتعزيز الاتصالات والإنترنت.

أول مشروع فعلي لنقل الإشارات الضوئية تحت الماء كان عام 1988، وكان عبر المحيط الأطلسي (شترستوك) تاريخها

بدأت فكرة نقل الإشارات الضوئية تحت الماء في الستينيات والسبعينيات، ولكن لم ينفذ أول مشروع فعلي إلا في عام 1988، وكان هذا المشروع هو كابل الاتصالات الثامن عبر المحيط الأطلسي، وأول كابل ألياف ضوئية عبر المحيط الأطلسي (TAT-8) يربط بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ويمثل خطوة هامة في تطوير الاتصالات البحرية.

ومنذ ذلك الحين أُنشئت العديد من الكابلات البحرية التي تربط القارات والدول المختلفة، وبلغ إجمالي طول هذه الكابلات اليوم نحو 1.4 مليون كيلومتر.

وتطورت كابلات الألياف الضوئية البحرية بشكل كبير منذ بداية استخدامها، وأصبحت أكثر قدرة وموثوقية، وتوسعت شبكات الكابلات لتشمل معظم مناطق العالم، وزادت عدد الكابلات لتلبية الطلب المتزايد على نقل البيانات.

كما زادت سعة هذه الكابلات بشكل كبير، وهي قادرة على حمل عدة تيرابايتات من البيانات في الثانية، ويتمتع كابل "ماريا" -وهو مشروع مشترك بين "مايكروسوفت" و"فيسبوك" و"تيليكسيوس"- بقدرة تصل إلى 200 تيرابايت في الثانية.

وتطورت تقنيات تصميم وتصنيع كابلات الألياف الضوئية البحرية، مما جعلها أكثر موثوقية ومقاومة للتلف، وتستخدم أحدث كابلات الألياف الضوئية البحرية مجموعة من التقنيات المتقدمة، بما في ذلك:

الألياف الضوئية أحادية الوضع: وتتميز هذه الكابلات بمقاومة عالية للتداخل، مما يسمح بنقل البيانات بسرعات أعلى. تقنيات التصحيح التلقائي والتشخيص الذاتي: وتعمل هذه التقنيات على تصحيح الأخطاء التي تحدث أثناء نقل البيانات، مما يحسن من موثوقية النظام ويعزز قدرة الكابلات على التحمل. تقنيات التشفير: وتُستخدم هذه التقنيات لتأمين البيانات المرسلة عبر الكابل، مما يحميها من التجسس. تقنيات التضخيم البصري: وتستخدم لتعزيز إشارات الضوء على مدى الكابل لضمان وصولها بقوة كافية. أهميتها

تحظى كابلات الألياف الضوئية البحرية بأهمية كبيرة في عصر الاتصالات الحديث، وذلك لعدة أسباب:

ربط القارات والدول: فتمثل هذه الكابلات وسيلة حديثة وفعّالة لربط القارات ببعضها، مما يختصر المسافات الجغرافية ويجعل التواصل الدولي أسرع وأكثر كفاءة. نقل البيانات بسرعات فائقة: فهي تتيح نقل البيانات بسرعات عالية، مما يساهم في تحسين أداء الاتصالات وتحسين تجربة المستخدمين على مستوى العالم. تلبية احتياجات الاتصالات الحديثة: فهي تلبي الطلب المتزايد على نقل كميات ضخمة من البيانات الذي ينشأ نتيجة للتقدم التكنولوجي والاستخدامات المتعددة، مثل البث المباشر والألعاب عبر الإنترنت. توفير الاستقرار والموثوقية: فقد صممت كابلات الألياف الضوئية لتكون مقاومة للتداخلات الكهرومغناطيسية والتشويش، مما يجعلها خيارا موثوقا ومستقرا لنقل البيانات. تسهيل التعاون الدولي والأعمال: إذ تساهم في تعزيز التواصل بين الدول والشركات العابرة للحدود، مما يعزز التعاون الدولي ويدعم الأعمال والتجارة العالمية. تأمين البيانات الحيوية: حيث تلعب دورا حيويا في نقل البيانات الحيوية، مثل البيانات العلمية والطبية عبر المحيطات، وهو ما يسهم في التقدم في مجالات البحث والطب.

وتمتد هذه الكابلات لمسافات طويلة تصل إلى آلاف الكيلومترات، مما يسمح بنقل البيانات والمعلومات بين القارات المختلفة بسرعة وكفاءة.

وتتميز كابلات الألياف الضوئية البحرية بسرعتها الفائقة في نقل البيانات والمعلومات، إذ يمكن لهذه الكابلات نقل البيانات بسرعات تصل إلى ملايين البتات في الثانية الواحدة.

ونظرا لسرعة كابلات الألياف الضوئية البحرية، فقد أصبحت هذه الكابلات الخيار الأفضل لنقل البيانات والمعلومات عبر الإنترنت، إذ تُستخدم لنقل مجموعة واسعة من البيانات والمعلومات عبر الإنترنت.

ونتيجة لذلك تساهم كابلات الألياف الضوئية البحرية في تسهيل نقل البيانات والمعلومات بين الأشخاص والمؤسسات في جميع أنحاء العالم، مما يساهم في تعزيز الاتصالات والتعاون الدولي.

آلأعطال تحدث بسبب العوامل الطبيعية أو البشرية (شترستوك) التحديات التي تواجهها

تواجه كابلات الألياف الضوئية البحرية بعض التحديات، مثل الأعطال والأضرار والمخاطر البيئية. وقد تقع الأعطال بسبب العوامل الطبيعية مثل العواصف البحرية والزلازل والبراكين، أو بسبب العوامل البشرية مثل عمليات الصيد أو أعمال البناء أو التنقيب عن النفط.

وعند وقوع عطل في كابل الألياف الضوئية البحرية، فقد يؤدي ذلك إلى انقطاع الاتصال بين الدول المختلفة. وقد تقع الأضرار في كابلات الألياف الضوئية البحرية بسبب التآكل، أو بسبب الاصطدام مع السفن.

وإذا وقع ضرر في كابل الألياف الضوئية البحرية، فإن ذلك قد يؤدي إلى تقليل سعة الكابل، أو حتى إلى انقطاع الاتصال تماما.

وتتعرض كابلات الألياف الضوئية البحرية للمخاطر البيئية، مثل التلوث البيئي، أو التأثيرات الحرارية، أو التأثيرات الكيميائية.

وقد يؤثر التلوث في جودة المياه حول الكابلات، مما يؤدي إلى تدهور الأداء أو تلف الكوابل على المدى الطويل، أو حتى انقطاع الاتصال تماما.

كما أن التداخل الكهرومغناطيسي من مصادر خارجية قد يؤثر في جودة إشارات الضوء داخل الكابلات، مما يتطلب إجراءات للتقليل من تأثيره.

وهناك العديد من الحلول التي يمكن اتخاذها لتقليل تحديات كابلات الألياف الضوئية البحرية، مثل:

استخدام تقنيات حديثة لتحسين مقاومة الكابلات للتلف والأعطال. إنشاء كابلات احتياطية لتقليل تأثير الأعطال في الاتصالات. وضع أنظمة لرصد الكابلات واكتشاف الأعطال في وقت مبكر.

وتعمل شركات الاتصال على تطوير هذه الحلول لتقليل التحديات، والحفاظ على كفاءة هذه الكابلات.

الكلفة والتمويل

تعد كلفة كابلات الألياف البحرية مسألة معقدة وتتأثر بعدة عوامل، بما في ذلك كلفة الإنشاء والنقل والتوصيل والتشغيل والصيانة والأمان والحماية.

وتختلف التكاليف بحسب طول الكابل وسعة البيانات التي يوفرها، وتتراوح الكلفة المقدرة لإنشاء كابلات الألياف الضوئية البحرية بشكل عام بين نحو 30 و50 ألف دولار لكل كيلومتر.

وتشمل تكاليف إنشاء الكابل ما يلي:

تحديد المسار: ويعتمد ذلك على المسافة بين النقاط المتصلة والتضاريس البحرية. التصميم والتصنيع: فتكاليف تصميم الكابل وتطويره وتصنيعه في المصنع تؤخذ في الاعتبار. التعبئة والتغليف: ويقصد بذلك تعبئة الكابل وتغليفه استعدادا للنقل. النقل: أي تكاليف نقل الكابل إلى موقعه النهائي باستخدام سفينة متخصصة. التركيب: أي تكاليف تركيب الكابل باستخدام سفينة متخصصة. الاختبارات: أي تكاليف اختبار الكابل للتأكد من أنه يعمل بشكل صحيح.

وتتطلب كابلات الألياف الضوئية البحرية صيانة مستمرة لضمان استمرار عملها بشكل صحيح. وتشمل تكاليف الصيانة ما يلي:

المراقبة: أي تكاليف مراقبة الكابلات باستمرار لرصد أي مشاكل محتملة. الإصلاحات: أي تكاليف إجراء الإصلاحات اللازمة للكابلات التي تتعرض لأضرار. التحديثات: أي تكاليف تحديث الكابلات بشكل دوري لزيادة سعتها أو أدائها.

وتتضمن تكاليف تشغيل كابلات الألياف الضوئية البحرية أيضا تكاليف الكهرباء والعمالة والإدارة. وتمَوّل كابلات الألياف الضوئية البحرية من مجموعة متنوعة من الجهات، بما في ذلك الشركات الخاصة والحكومات والبنوك.

وتميل الشركات الخاصة إلى تمويل كابلات الألياف الضوئية البحرية التي تربط بين المواقع التجارية الرئيسية، كما تميل الحكومات إلى تمويل كابلات الألياف الضوئية البحرية التي تربط بين الدول النامية.

وهناك أيضا بعض البنوك التي تقدم قروضا لتمويل كابلات الألياف الضوئية البحرية.

كابلات الألياف الضوئية البحرية ستستمر في التطور في السنوات القادمة (شترستوك) مستقبلها

يُتوقع أن تستمر كابلات الألياف الضوئية البحرية في التطور في السنوات القادمة، وذلك من أجل مواكبة النمو المستمر في حركة مرور البيانات عبر الإنترنت. ومن المتوقع أن تركز التطورات على المجالات التالية:

زيادة السعة: فكابلات الألياف الضوئية البحرية تستمر في زيادة سعتها، وذلك من أجل مواكبة النمو المستمر في حركة مرور البيانات، ومن المتوقع أن تصل سعة الكابلات الجديدة إلى 300 تيرابايت في الثانية أو أكثر. تحسين الأداء: فشركات الاتصال تعمل على تحسين أداء كابلات الألياف الضوئية البحرية، وذلك من أجل تقليل التأخير وتحسين جودة الخدمة، ومن المتوقع أن تصبح كابلات الألياف الضوئية البحرية أسرع وأكثر موثوقية في السنوات القادمة. خفض التكاليف: إذ تسعى شركات الاتصال إلى خفض تكاليف إنشاء وصيانة كابلات الألياف الضوئية البحرية، ومن المتوقع أن تساعد التطورات التكنولوجية الجديدة في تحقيق ذلك.

وبالإضافة إلى استخدامها الحالي في نقل البيانات، من المتوقع أن تُستخدم كابلات الألياف الضوئية البحرية في مجموعة متنوعة من الاستخدامات الجديدة في السنوات القادمة، بما في ذلك:

الواقع الافتراضي والواقع المعزز: إذ يمكن استخدام كابلات الألياف الضوئية البحرية لنقل البيانات اللازمة لتشغيل تطبيقات الواقع الافتراضي والواقع المعزز بجودة عالية. الذكاء الاصطناعي: إذ يمكن استخدام كابلات الألياف الضوئية البحرية لنقل البيانات اللازمة لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي بكفاءة عالية. السيارات ذاتية القيادة: فيمكن استخدام كابلات الألياف الضوئية البحرية لنقل البيانات اللازمة لتشغيل السيارات ذاتية القيادة بأمان.

وتلعب كابلات الألياف الضوئية البحرية دورا مهما في الاقتصاد العالمي، حيث توفر اتصالات عالية السرعة بين القارات، ومن المتوقع أن تستمر هذه الكابلات في التطور في السنوات القادمة، وذلك من أجل مواكبة النمو المستمر في حركة مرور البيانات عبر الإنترنت.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی السنوات القادمة فی نقل البیانات من المتوقع أن ت لنقل البیانات البحریة التی عبر الإنترنت من البیانات البیانات فی وذلک من أجل فی الثانیة بما فی ذلک ت ستخدم تصل إلى

إقرأ أيضاً:

لماذا أشعر بالحنين إلى عصر ما قبل الإنترنت رغم أنني لم أعشه؟

قبل أشهر انتشر على منصة «إكس» (تويتر سابقًا) مقطع فيديو لا أستطيع التوقف عن مشاهدته. المشهد يعود إلى عام 2003: فرقة موسيقية ستصبح لاحقًا معروفة باسم MGMT، تؤدي أغنيتها «Kids» أمام زملائهم في باحة ترابية بجامعة ويسليان في ولاية كونيتيكت الأمريكية. لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي قد وُجدت بعد. شيء ما في طريقة تصرف الناس، في حضورهم للمكان، في نظراتهم غير المصطنعة، يلمس وتراً داخلياً في قلبي ويملأني بشعور غريب من الحنين. لا أحد يبدو أنيقًا. الكاميرا تهتز أثناء محاولتها التقاط الجمهور بارتباكهم، بأكتافهم المنحنية وحركاتهم غير المتناغمة. وخلف عدسة هذا التسجيل لا يبدو أن أحدا كان يصور شيئا آخر.

كنت في الرابعة من عمري فقط حين تصوير ذلك الفيديو؛ فلماذا أشعر عند مشاهدته وكأنني فقدت عالما كاملا؟ استطلاع حديث يشير إلى أنني لست وحدي في هذا الشعور؛ فقرابة نصف الشباب يفضلون العيش في عالم بلا إنترنت. في الواقع؛ توقعت أن تكون النسبة أعلى. لا يعني ذلك أن جيلي يرغب فعلا في التراجع عن كل التحولات التي شهدتها العقود الأخيرة، لكن من الواضح أننا نشعر بأن هناك شيئا ما نفتقده، شيئا كان لدى الأجيال السابقة، ونعزو غيابه إلى الإنترنت، أو على الأقل إلى شكله الحالي الذي تهيمن عليه وسائل التواصل الاجتماعي.

ما الذي نظن أننا نفتقده؟ بالنسبة لي؛ أعتقد أن الناس في زمن ما قبل الإنترنت كانوا يتصرفون بطريقة أكثر أصالة وفرادة. لقد جعلتنا وسائل التواصل الاجتماعي أسرى دورات سريعة من الصيحات والموضات، ما خلق تشابها مخيفا في أنماطنا وسلوكياتنا: نشتري المنتجات ذاتها، نرتدي الملابس ذاتها، نتصرف بالطريقة ذاتها، نردد النكات ذاتها، وحتى «الغرابة» أو «التميّز» صارتا جزءا من موضة.

أتخيل أيضا أنه لو لم نكن معروضين أمام الآخرين طوال الوقت، لكانت صداقاتنا وعلاقاتنا أقل تسليعا. اليوم أصبح قضاء الوقت مع الأصدقاء مادة قابلة للتوثيق والنشر لجمهور مجهول الهوية.

أدرك أن هذه تصورات رومانسية إلى حد ما. وأنا مدركة أيضا لكل ما أستفيد منه من عصر الاتصال الرقمي. البحث في عدد قليل من الكتب والموسوعات للحصول على معلومة واحدة، أو النمو في منطقة نائية منعزلة عن العالم، لا بد أنه كان شعورا خانقا ومحبطا.

لكن ربما هذه «السلبيات» نفسها هي ما يتوق إليه الشباب اليوم. لدينا إحساس بأن الجهد العملي - الذي كان يُبذل في تكوين الصداقات، أو في اكتشاف الموسيقى الجيدة، أو في الانتماء إلى تيار ثقافي معين - كان يحمل قيمة فُقدت الآن. فالحياة اليوم تبدو أكثر سلاسة، أكثر كفاءة، وأكثر «تلوينًا» بتعبير الكاتب مايكل هاريس، الذي وصف هذا التحول بـ«فقدان النقص».

مؤخرا عرض عليّ مدير المكتب جهازا قديما كان هو وأصدقاؤه يستخدمونه لمتابعة مباريات كرة القدم: جهاز «سيفاكس» (Ceefax). كان يظهر لهم نتيجة المباراة عبر تغيّر رقم واحد على شاشة التلفاز. كانوا يقضون فترة ما بعد الظهر جالسين على الأريكة منتظرين تغيّر ذلك الرقم. شعرت بالغيرة منهم؛ لماذا؟ رغم أن التجربة الآن تحسنت بلا شك؛ فإنني مأخوذة بذلك الغموض: إذا لم يكونوا يشاهدون المباراة، ولا يقرأون تحديثاتها، فبماذا كانوا منشغلين؟ بمَ كانوا يملأون أفكارهم؟

الحقيقة أن الملل ذاته قد يكون هو الجواب، وهذه تجربة أصبحت نادرة في عصر الاتصال الدائم. على الأقل؛ لو شعروا بالملل كانوا سيضطرون إلى تحفيز أنفسهم من الداخل، لا من خلال شاشات خارجية. وقد لا يكون هذا ما حدث فعلا، لكن هذا الغموض بالذات هو ما يجعله مغريا ومؤثرا بالنسبة لي. يطاردني شعور بأن قضاء هذا الكم الهائل من الوقت على هواتفنا قد سرق منا شيئا إنسانيا وحيويا.

صحيح أن كل عصر كان يشهد نوبات من الذعر من التكنولوجيا الجديدة و«تهديدها للروح البشرية» ـ من الإذاعة إلى التلفاز، إلى الصحف، وصولا إلى الإنترنت ـ والحنين للماضي مشترك بين جميع الأجيال. لكني لا أظن أن أي جيل سابق احتقر عصره بهذا الشكل الجماعي، إلى حد الرغبة في محو السمة الأساسية لعصره. نحن نشعر بالحنين إلى عالم لا يمكن إعادته. كما قال دونالد ترامب ذات مرة: «الآن كل شيء على الكمبيوتر».

والأكثر سخرية أن هذا الحنين إلى زمن ما قبل الإنترنت تغذيه الإنترنت ذاتها؛ إنها الماكينة التي تُغذينا بلا توقف بمقاطع من الماضي، بلقطات لشباب عاشوا منذ عقود في عالم يبدو عفويًّا وغير مراقب.

وهكذا؛ فإن المحرك الأساسي لهذا الحنين هو الشيء ذاته الذي يتمنى نصفنا التخلّص منه رغم أنه مورد مذهل وفّر لنا إمكانية الوصول غير المسبوق إلى الموسيقى القديمة، والمعرفة، وأنماط حياة مختلفة، بل إن طبيعته نفسها ديمقراطية؛ فهو يتيح مساءلة الإعلام التقليدي حول القضايا العالمية، ويكسر القوالب الجاهزة.

إذا ما كان هذا الاستطلاع بمثابة جرس إنذار فماذا عسانا نفعل؟ رغم ما في الحنين من لذة؛ فإنني لا أعتقد أن الحل يكمن في اجترار الماضي بعين دامعة، ولا في تمجيد أصالة مزعومة لماض مثالي. «الأصالة» ـ في ظني ـ هي القدرة على الاختيار: أن تكون حرا في أن تشارك أو لا، أن تظهر أو تختفي، أن تتفاعل أو تنسحب ـ باختصار: الحرية.

فإذا لم يعد بالإمكان «إيقاف تشغيل» الإنترنت بالكامل؛ فإن كلمات فرقة MGMT قد تكون ملهمة: «اضبط نفسك، وخذ فقط ما تحتاجه منه».

إيزابيل بروكس كاتبة مستقلة

عن الجارديان

تمة الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي

مقالات مشابهة

  • تهالك الطرق وتأخر إكمال مشاريع الصيانة وراء حوادث السير في الأنبار
  • أمن الجيزة يضبط المتهمين بسرقة كابلات من شركة في كرداسة
  • وزير الاتصالات: مشروع الرقم العقاري القومي يوحّد البيانات
  • ضبط عصابة سرقة كابلات الاتصالات في كرداسة
  • لماذا أشعر بالحنين إلى عصر ما قبل الإنترنت رغم أنني لم أعشه؟
  • محافظ الدقهلية يستقبل وفد مركز معلومات مجلس الوزراء لبحث سبل التعاون فى مجال البيانات
  • 9 أسباب وراء ظهور بقع حمراء في الجسم- هذه طرق علاجها
  • التنمية المحلية: تسهيل ربط قواعد البيانات مع منظومة الرقم القومي العقاري
  • "الدولة" يبحث إنشاء هيئة وطنية مستقلة لإدارة وحوكمة البيانات
  • التجارة: شمول أكثر من 40 مليون مواطن بعملية تحديث البيانات