لجريدة عمان:
2025-06-23@23:02:16 GMT

النمط الاجتماعي.. والنمط الاقتصادي

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

ما يدفعني لكتابة هذه المقالة هو الإشارة المتكررة التي وجدتها في التقارير والتحليلات التي تحاول استشراف معطيات العام الجديد (2024) على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث أحرص بشكل سنوي على مطالعة بعض التحليلات التنبؤية لمسار الأحداث العالمية، والتي ترتكز على آراء الراصدين والخبراء، وقراء خط التاريخ والمفكرين المستقبليين.

الإشارة التي أقصدها هنا بالتركيز على كيف ستلعب الأنماط الاجتماعية (الصغيرة) دورًا في تحولات اقتصادية استراتيجية. هذه الأنماط والتي تكاد تكون غير مرئية، أو خارج عن إطار الاهتمام العام ما زالت الدراسات حولها شحيحة، ومجزأة، وتفتقد للمنظور الشمولي. منها على سبيل المثال التوقع الذي وضعه كلٌ من: أريانا هافينجتون ، وفونكي أفولابي براون، وديفيد كو حول صعود ما يُعرف بـ «اقتصاديات النوم». حيث أصبحت (جودة النوم) اليوم عنصرًا محوريًا في منظومة جودة الحياة؛ ولكن مع ظهور معاناة عالمية من مشكلات الأرق والنوم السيئ وتدهور الإنتاجية العامة للأفراد بسبب مشاكل النوم؛ صعد سوق منتجات النوم، والتي تركز في أشكالها المتعددة على توفير الظروف الملائمة لتحسين جودة النوم لدى الأفراد. حيث باتت العيادات المتصلة بموضوع اضطرابات النوم، أو استشارات تحسين جودة النوم تنتشر بشكل موسع، والطلب عليها يرتفع من حين لآخر. عوضًا عن أن الإحصائيات العالمية تشير إلى ارتفاع الطلب على الأدوية المساعدة على النوم. وفي الحديث عن صعود «اقتصاديات النوم» تتم الإشارة إلى الدراسة الشهيرة التي أجرتها مؤسسة راند والتي حسبت كلفة خسائر الإنتاجية بسبب تدهور منظومة جودة النوم للعاملين، حيث تصل الخسائر في أقصاها بالولايات المتحدة الأمريكية إلى نحو 2.9% من الناتج القومي.

يقودنا هذا الحديث إلى قضايا أخرى، يمكن أن نسقط عليها ذات الدلالة الاقتصادية، فمن الممكن أن نتحدث عن كلفة الازدحام المروري وتأثيره على الإنتاجية العامة، أو كلفة استخدام الشبكات الاجتماعية وتأثيرها على الإنتاجية العامة. قد تكون هذه القضايا وغيرها تقاس في سياقها التخصصي (الفني)، وفي المقابل يتم الاستهانة بتأثيرها الاقتصادي الكلي، ويتم في بعض الأحيان القفز على الأنماط الاجتماعية المولدة لها. فجزء من مشكلات الازدحام المروري على سبيل المثال يعود إلى أنماط اجتماعية، في ثقافة استخدام المركبات، والإحجام عن النقل التشاركي والنقل العام. وجزء من تأثير الشبكات الاجتماعية على الانتاجية يعود إلى نوعية المحتوى المستهلك من قبل الأفراد عبر هذه الشبكات، وآليات توظيفها واستهلاكها كأنماط اجتماعية. وهو ما يتطلب في المرحلة المقبلة التركيز على دور الأنماط الاجتماعية في الإنتاجية العامة، وحين نتحدث عن موضوع الإنتاجية العامة، فهي تتضمن إنتاجية العمل والعمالة، وتتضمن كذلك الانعكاسات على تحصيل الدارسين، وعموم قدرات الأفراد على القيام بأدوارهم حسب المعايير والمحددات التي يقتضيها السياق الذي ينشطون فيه. وبالعودة إلى دور الأنماط الاجتماعية نعتقد أن هناك جملة من الأنماط التي تستحق محور التركيز عليها في سياق فهم الإنتاجية، وقياس المؤثرات عليها، فقد تكون هذه الأنماط في هيئة (معتقدات/ أعراف/ سلوكيات/ ممارسات جمعية) ولكنها في المجمل تشكل هدرًا للطاقات الإنتاجية، سواء ممارسة أنماط الحياة الصحية، أو تقليل احتمالية حدوث بعض الأمراض المؤثرة على إنتاجية الفرد، أو الاهتمام بأنماط علاقات اجتماعية وأسرية صحية وداعمة، أو ضرورة الاستثمار في عمليات التعلم الذاتي وتطوير المعرفة، أو آليات التحكم في القدرة المالية الذاتية وسواها. وهذه أمثلة يختلف الأفراد في منظورهم لها، وفي أفكارهم تجاه شكل الالتزام الأمثل فيها، بناء على معتقداتهم، والنسق الثقافي والاجتماعي الفرعي الذي يوجههم، بالإضافة إلى ما ألفوه من ممارسات مجتمعية محيطة في سياق الاجتماعي الأصغر. فالحفاظ على نمط الأسرة الداعمة قد يشكل للفرد دافعًا لإنتاجية أكبر، ويقلل مساحة التعرض للتشتت، ويهيئ للفرد أن ينخرط في منظومة الإنتاج بتركيز أكبر. ويمكن أن نسحب ذلك على بقية الأنماط المذكورة أعلاه.

وبالعودة إلى التوقعات بصعود «اقتصاديات النوم» يبرر المؤلفون ذلك بأن عام (2024) سيكون عام العودة الكلية إلى المكاتب، وذلك بعض رفع كافة التدابير المتعلقة بجائحة كورونا (كوفيد 19)، وحاجة أغلب المؤسسات لعودة الموظفين إلى المكاتب. وهذا يفيد بأن الجائحة خلقت هي الأخرى نمطًا اجتماعيًا يركز على إمكانية العمل في أي وقت ومن أي مكان. وبحسب وجهة نظر الباحثين فإن هذا النمط أفقد العديد من الأشخاص النوم المنتظم، عوضًا عن الوقت الموسع الذي يقضيه الموظفون ليلًا مع عائلاتهم أو أصحابهم لعدم وجود التزام بوقت محدد للصحو صباحًا. وبالتالي فإن هذا النمط سيضع أمام قطاع واسع من الموظفين تحديا لإعادة ضبط نومهم، وتحسين جودته، والقدرة على العودة إلى منظومة العمل بطريقتها السابقة. وهو بحسب توقع الباحثين ما سيدفع إلى زيادة الطلب على منتجات النوم باختلافها. في الصين هناك تسمية شائعة عن «اقتصاديات النوم» تشبه هذا التحدي بـ «عصر الأرق العظيم»، بينما ترصد الكثير من التقارير المرتبطة بالتطورات التقنية لعام 2024 أن جزءا من المبتكرات المتوقعة أن تدخل السوق وتحدث انتقالًا كبيرًا يتصل بالأجهزة المساعدة على النوم، والتي تستفيد من البيانات الضخمة، ومن التتبع الدقيق لحياة الفرد عبر الملاصقة المباشرة من خلال استخدام بيانات الهاتف، وما يتم تخزينه، وتعلميه للآلة من بيانات حول الأشخاص ونمط عيشهم.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإنتاجیة العامة جودة النوم

إقرأ أيضاً:

البناء الاقتصادي في سلطنة عُمان.. بين الطموح والتحديات

في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجه قطاع الإنشاءات، يبرز "البناء الاقتصادي" كأحد الحلول الفعّالة لتحقيق التوازن بين الجودة والتكلفة. وبينما تسعى سلطنة عُمان إلى تعزيز كفاءة المشروعات العمرانية وتطوير بيئة البناء، تثار تساؤلات حول مدى تطبيق هذا المفهوم على أرض الواقع، والمعوقات التي تحول دون استدامته؟

في هذا الاستطلاع نستعرض آراء عدد من المختصين والمهندسين حول واقع البناء الاقتصادي في سلطنة عُمان، ونرصد أبرز الإيجابيات والتحديات والدور الذي يمكن أن تلعبه العمارة التقليدية العُمانية في تقديم حلول مستدامة واقتصادية في آن واحد..

واقع البناء الاقتصادي

يوضح الدكتور ياسر الجابري مهندس مدني أن مفهوم "البناء الاقتصادي" في عالم المقاولات يعنى بتقليل التكلفة الإجمالية للمشروع دون المساس بجودة أو سلامة أو كفاءة الأداء، وذلك عبر تصميم ذكي واختيار مواد فعّالة وتطبيق تقنيات تنفيذ تسهم في تقليص الزمن والتكاليف.

وفي تقييمه لواقع البناء الاقتصادي في سلطنة عُمان، أوضح الجابري أن هناك تطورًا ملموسًا في هذا المجال، إلا أن التحديات المرتبطة بالتكاليف والكفاءة لا تزال قائمة، وأشار إلى أن هذا الواقع يمكن تحليله من خلال رصد عدد من الإيجابيات التي تعزز بيئة البناء، وفي المقابل بعض المعوقات التي تتطلب حلولا مبتكرة.

كما أوضح أن أبرز الإيجابيات في واقع البناء الاقتصادي بسلطنة عُمان هي توفر المواد الأساسية محليا، كوجود مصانع وطنية لإنتاج الإسمنت والطابوق والحديد مثل "حديد مسقط" و"حديد صلالة" و"جندال" أسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد وخفض تكاليف النقل، كذلك وجود كفاءات وخبرات محلية، حيث يوجد في السوق العُماني عدد كبير من المهندسين العُمانيين والمقيمين ذوي خبرة عالية في التصميم والتنفيذ، وهو ما يعزز جودة الإنشاءات ويزيد الاعتماد على الكفاءات المحلية.

كما أن تبنّي الأنظمة الحديثة في البناء يسهم في التحول تدريجيا نحو استخدام أنظمة مثل الهياكل المعدنية الجاهزة (Precast & Steel Structures)، والتي تساهم في تقليل مدة التنفيذ وخفض التكلفة الإجمالية، لا سيما في المشروعات الكبرى.

بالإضافة إلى وجود رقابة حكومية على الأسعار، حيث تمارس الجهات المعنية رقابة نسبية على الأسعار للحد من أي تلاعب من قبل الموردين أو المقاولين، خصوصا في مشروعات القطاع العام، ما يعزز من شفافية السوق ويحمي الميزانيات العامة.

كما أشار الجابري إلى أن تعزيز مفهوم "البناء الاقتصادي" يتطلب دعما مستمرا للتقنيات الحديثة وتطوير منظومة التدريب، وتحقيق توازن بين الجودة والتكلفة ضمن الأطر التنظيمية المعتمدة.

وأضاف الجابري أنه على الرغم من التطورات الإيجابية التي يشهدها قطاع البناء في سلطنة عُمان، إلا أن الواقع يكشف عن مجموعة من التحديات التي تؤثر بشكل مباشر على كفاءة البناء الاقتصادي واستدامته.

حيث إن أحد أبرز هذه التحديات يتمثل في ارتفاع تكلفة الأيدي العاملة، نتيجة للتشريعات المتعلقة بالحد الأدنى للأجور ومتطلبات التأمينات الاجتماعية، وهو ما أدى إلى زيادة الكلفة التشغيلية، لا سيما في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كما يواجه القطاع ضعفا في كفاءة بعض المقاولين، حيث يسهم غياب الخبرة الفنية لدى بعضهم في ارتفاع معدلات الهدر وتأخير الإنجاز، الأمر الذي ينعكس على التكلفة النهائية للمشروعات.

كما أضاف: إن الاعتماد على الأساليب التقليدية في البناء لا يزال شائعا، مثل الصبّ اليدوي واستخدام البلوك الإسمنتي، وهو ما يحد من الاستفادة الكاملة من تقنيات البناء الحديثة التي تُعد أكثر توفيرا من حيث الوقت والتكلفة. كما يلاحظ ضعف في ثقافة "القيمة مقابل التكلفة" لدى بعض الملاك، حيث يتم التركيز على تقليل التكاليف في المراحل الأولى من المشروع دون النظر إلى التكاليف المستقبلية التي قد تنجم عن استخدام مواد منخفضة الجودة تتطلب صيانة متكررة.

مشيرا إلى أنه لا يمكن إغفال محدودية التنافس الحقيقي في بعض الولايات، حيث يؤدي نقص المقاولين والموردين في هذه المناطق إلى ضعف في الخيارات المتاحة واحتكار نسبي في السوق، مما ينعكس سلبا على الأسعار وجودة الخدمات المقدمة.

كما أكد الجابري أن المهندسين في قطاع المشروعات العمرانية اليوم يواجهون مجموعة من التحديات الاقتصادية المتزايدة، تؤثر بشكل مباشر على قدرة التنفيذ ضمن الإطار الزمني والمالي المحدد، ومن أبرز هذه التحديات ارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الحديد والأسمنت والخرسانة ومواد التشطيب، حيث تتأثر هذه الأسعار بعوامل خارجية مثل تقلبات السوق العالمية وسعر صرف العملات، ما يضيف عبئا إضافيا على ميزانيات المشروعات.

كما تشكل أزمة السيولة وتأخر صرف مستحقات المقاولين والاستشاريين إحدى أبرز العراقيل التي تؤثر على استمرارية العمل، وتضاعف من احتمالات تعثر أو توقف بعض المشروعات، حيث إن تكلفة الأيدي العاملة سواء نتيجة لزيادتها أو لندرتها أصبحت من العوامل المقلقة، خاصة في ظل السياسات الجديدة التي تقنن استقدام الأيدي العاملة الوافدة، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية.

وأوضح الجابري أن المهندسين يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان تحت ضغط كبير من قبل الملاك لتقليص التكاليف إلى أدنى مستوى ممكن، في وقت يتطلب فيه الحفاظ على جودة وسلامة التنفيذ، ما يضعهم أمام معادلة صعبة بين الالتزام بالميزانية وضمان المعايير الفنية.

كما أن التضخم وتغير الأسعار أثناء مراحل التنفيذ، خاصة في العقود طويلة الأمد يشكلان تحديا حقيقيا، إذا لم تتضمن العقود بنودا للمراجعة السعرية، ما يعرض بعض الشركات لخسائر غير متوقعة. كما لا يغيب عن المشهد ضعف التخطيط المالي أو سوء إدارة الميزانية في بعض المشروعات، حيث تُهمل أحيانا الدقة في توزيع الميزانيات على البنود المختلفة، ما يؤدي إلى استنزاف الموارد قبل اكتمال الأعمال.

وأضاف الجابري: "في ظل تقلبات السوق العقاري وتذبذب الطلب على المشروعات السكنية أو التجارية، تبرز الحاجة إلى دراسات جدوى دقيقة لتفادي الاستثمار في مشروعات قد تفتقر إلى الاستدامة، حيث إن أية تغييرات مفاجئة في الضرائب أو الرسوم الحكومية، مثل تطبيق ضريبة القيمة المضافة أو تعديل المتطلبات الرسمية، يمكن أن ترفع الكلفة الإجمالية وتربك حسابات التنفيذ".

العمارة التقليدية

من جانبه أكد المهندس المعماري عيسى بن صالح البهلاني مدير الموارد البشرية والإدارة والقيمة المحلية المضافة في شركة الصاروج للإنشاءات أن العمارة العُمانية التقليدية كانت فعّالة بشكل لافت في مقاومة الحرارة، بفضل اعتمادها على مواد طبيعية مثل الطين والحجر والجص، التي تتميز بقدرتها العالية على العزل الحراري، كما أن تصميماتها كانت تراعي التهوية الطبيعية وتوجيه المباني بشكل يقلل من التعرض المباشر لأشعة الشمس.

وقال البهلاني إن تصاميم البيوت القديمة كانت أكثر كفاءة في هذا المجال مقارنة بالمباني الحديثة، حيث كانت تعتمد على الإضاءة والتهوية الطبيعية، مما يقلل الحاجة إلى أجهزة التكييف والإضاءة الاصطناعية، وبالتالي يؤدي إلى خفض استهلاك الطاقة بشكل ملحوظ.

وأضاف البهلاني إن دمج بعض عناصر العمارة القديمة في المباني الحديثة، مثل الأفنية الداخلية والنوافذ المرتفعة، يمكن أن يساعد في تحسين التهوية وتقليل الحاجة إلى التكييف، مما يساهم في تقليل التكاليف التشغيلية.

كما أوضح البهلاني أن استخدام مواد البناء التقليدية مثل الحجر والجص في العصر الحالي لا تزال تتمتع بقيمة اقتصادية كبيرة، خاصة في المناطق الحارة، فهي تتمتع بعمر افتراضي أطول وتتطلب صيانة أقل، مما يقلل من التكاليف على المدى الطويل.

ويؤمن البهلاني بأن التوجه نحو البناء المستدام المستوحى من التراث العُماني يمكن أن يكون مجديا اقتصاديا على المدى الطويل، حيث يقلل من استهلاك الطاقة ويحسن جودة الحياة داخل المباني، كما يعزز الهُوية الوطنية ويزيد من جاذبية المشروعات السكنية والتجارية والسياحية.

أما عن التحديات التي قد تواجه تطبيق عناصر العمارة التقليدية في مشروعات البناء الحديثة، فيشير البهلاني إلى أن أبرز هذه التحديات تكمن في ارتفاع كلفة بعض المواد التقليدية، وقلة الكوادر المتخصصة في هذا النوع من البناء وكذلك غياب بعض التشريعات التي تشجع على الدمج بين التراث والتقنيات الحديثة.

كما يرى البهلاني أن هناك جهودا مبذولة من بعض الجهات الحكومية والمستثمرين لدعم هذا التوجه، خاصة في مشروعات السياحة والتراث، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الدعم من خلال السياسات والحوافز التي تشجع على الابتكار وتعزز الدمج بين التراث والتقنيات الحديثة في مشروعات البناء.

وأوصى بتبني تصاميم معمارية مستوحاة من التراث العُماني في المشروعات القادمة، مؤكدا أن هذا النوع من التصميم لا يقتصر فقط على تقديم حلول بيئية واقتصادية، بل يساهم في ترسيخ الهُوية العمانية وإعطاء المشروعات طابعا فريدا ومميزا.

فوائد البناء التراثي

من جانب آخر، يعتبر المهندس المعماري عثمان بن خلفان الحبسي أن العمارة العُمانية القديمة كانت تملك القدرة الفائقة على مقاومة الحرارة، رغم التحديات البيئية القاسية التي كانت سائدة في تلك الفترة، إذ تمتاز المباني العُمانية بجدران سميكة تصل سماكتها إلى 50 سم ونوافذ صغيرة وأفنية مركزية، وهي جميعها عناصر صممت خصيصا لتقليل درجات الحرارة وزيادة تدفق الهواء داخل المباني، مما يعزز الراحة ويقلل من الحاجة لاستخدام الطاقة.

وفيما يتعلق بتصاميم البيوت القديمة، يرى الحبسي أن هذه المباني كانت تساهم بشكل كبير في تقليل استهلاك الطاقة، فالبيوت الطينية كانت تمنع امتصاص الحرارة، مما يساعد في الحفاظ على درجات حرارة معتدلة بداخلها دون الحاجة لاستهلاك الطاقة الكهربائية.

وأكد الحبسي أن البناء التقليدي المتأثر بالتصاميم القديمة العُمانية يعد أعلى تكلفة مقارنة بالبناء الحديث، ويعود ذلك إلى التفاصيل المعمارية الدقيقة مثل الأقواس والزخارف، إضافة إلى الحاجة للعمل اليدوي المتقن في تنفيذ هذه التصاميم.

ويعتقد الحبسي أن دمج بعض العناصر التقليدية في المباني الحديثة يمكن أن يساهم بشكل كبير في تقليل التكاليف التشغيلية مثل الكهرباء والتكييف، فعلى سبيل المثال استخدام الحجر كطبقة خارجية أو الطين والجص كعازل خارجي يساعد في تقليل انتقال الحرارة من الخارج إلى الداخل، مما يساهم في تقليل استهلاك الطاقة.

وأشار الحبسي إلى أن استخدام المواد التقليدية مثل الحجر والجص يعد خيارا صديقا للبيئة، ويقدم العديد من الفوائد الاقتصادية على المدى الطويل، فالجص الجيري يسمح بمرور الرطوبة عبر الجدران، مما يحافظ على صحة المبنى ويمنع نمو العفن، كما أن هذه المواد تدوم طويلا وتساعد في تقليل تكاليف الترميم والصيانة.

أما فيما يخص البناء المستدام المستوحى من التراث العُماني، فيعتقد الحبسي أنه سيكون مجديا اقتصاديا على المدى الطويل خاصة مع توفر المواد المحلية بأسعار أقل مقارنة بالمواد الحديثة المستوردة، ومع ذلك يواجه هذا التوجه بعض التحديات الاقتصادية منها تكاليف العمل اليدوي المرتبطة بالتفاصيل الدقيقة للمباني التقليدية، وكذلك صعوبة توفر بعض المواد المحلية.

ويؤكد الحبسي أن الجهات الحكومية والمستثمرين قد بدأوا في دعم هذا التوجه نحو العمارة المستدامة المستوحاة من التراث العُماني، ولكن هناك حاجة أكبر لتعزيز الوعي حول الفوائد الاقتصادية والبيئية لهذا التوجه.

وأكد الحبسي أنه يعتزم الاستمرار في استخدام التصاميم المعمارية المستوحاة من التراث العُماني، نظرا لما تحمله من جمال فني وابتكار ثقافي خاصة في العناصر المعمارية مثل المداخل والأقواس والمشربيات التي تضفي على المباني طابعا مميزا يعكس الهُوية العُمانية.

كما اقترح الحبسي عددا من المبادرات لتعزيز الوعي حول أهمية العمارة العُمانية في تقليل الأعباء الاقتصادية الناتجة عن الحرارة مثل إنشاء مساحات خضراء داخل المدن لتقليل تأثير الاحتباس الحراري، وتشجيع استخدام الطاقة الشمسية لتقليل استهلاك الطاقة، وأيضا تعزيز استخدام المواد التقليدية مثل الحجر والجص في البناء لتحقيق استدامة اقتصادية وبيئية.

مقالات مشابهة

  • ستر ناسفة وألغام معدة للتفجير ودراجة نارية مفخخة ضُبطت خلال العملية الأمنية النوعية التي نفذتها وحدات وزارة الداخلية وجهاز الاستخبارات العامة ضد خلايا تابعة لتنظيم داعش الإرهابي بمحافظة ريف دمشق
  • نشرة المرأة والمنوعات| تحذيرات من تريند الكركم بالسوشيال ميديا.. العمل من المنزل يقلل التوتر ويزيد الإنتاجية.. مشروب يساعد على التركيز لطلاب الثانوية العامة
  • دراسة نفسية: العمل من المنزل يقلل التوتر ويزيد الإنتاجية
  • نقابة UMT في المالية ترفض اختيارات المؤسسات المالية الدولية التي فاقمت الفوارق الاجتماعية
  • البناء الاقتصادي في سلطنة عُمان.. بين الطموح والتحديات
  • الأمانة العامة لمجلس التعاون تؤكد عدم رصد أي مؤشرات إشعاعية غير طبيعية نتيجة الأحداث التي شهدتها المنطقة
  • "منتدى عُمان للموارد البشرية" يستعرض آليات تمكين الكفاءات الوطنية وزيادة الإنتاجية
  • أمانة جازان تحقق قفزة نوعية في جودة الحياة بإطلاق مشروع “بهجة الوطني”
  • نائب رئيس الوزراء وزير الصناعة والنقل يتفقد الخطوط الإنتاجية الجديدة لمصنع «مكارم تكس»
  • قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 6679 قضية متنوعة خلال 24 ساعة