لجريدة عمان:
2025-12-03@18:39:35 GMT

النمط الاجتماعي.. والنمط الاقتصادي

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

ما يدفعني لكتابة هذه المقالة هو الإشارة المتكررة التي وجدتها في التقارير والتحليلات التي تحاول استشراف معطيات العام الجديد (2024) على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث أحرص بشكل سنوي على مطالعة بعض التحليلات التنبؤية لمسار الأحداث العالمية، والتي ترتكز على آراء الراصدين والخبراء، وقراء خط التاريخ والمفكرين المستقبليين.

الإشارة التي أقصدها هنا بالتركيز على كيف ستلعب الأنماط الاجتماعية (الصغيرة) دورًا في تحولات اقتصادية استراتيجية. هذه الأنماط والتي تكاد تكون غير مرئية، أو خارج عن إطار الاهتمام العام ما زالت الدراسات حولها شحيحة، ومجزأة، وتفتقد للمنظور الشمولي. منها على سبيل المثال التوقع الذي وضعه كلٌ من: أريانا هافينجتون ، وفونكي أفولابي براون، وديفيد كو حول صعود ما يُعرف بـ «اقتصاديات النوم». حيث أصبحت (جودة النوم) اليوم عنصرًا محوريًا في منظومة جودة الحياة؛ ولكن مع ظهور معاناة عالمية من مشكلات الأرق والنوم السيئ وتدهور الإنتاجية العامة للأفراد بسبب مشاكل النوم؛ صعد سوق منتجات النوم، والتي تركز في أشكالها المتعددة على توفير الظروف الملائمة لتحسين جودة النوم لدى الأفراد. حيث باتت العيادات المتصلة بموضوع اضطرابات النوم، أو استشارات تحسين جودة النوم تنتشر بشكل موسع، والطلب عليها يرتفع من حين لآخر. عوضًا عن أن الإحصائيات العالمية تشير إلى ارتفاع الطلب على الأدوية المساعدة على النوم. وفي الحديث عن صعود «اقتصاديات النوم» تتم الإشارة إلى الدراسة الشهيرة التي أجرتها مؤسسة راند والتي حسبت كلفة خسائر الإنتاجية بسبب تدهور منظومة جودة النوم للعاملين، حيث تصل الخسائر في أقصاها بالولايات المتحدة الأمريكية إلى نحو 2.9% من الناتج القومي.

يقودنا هذا الحديث إلى قضايا أخرى، يمكن أن نسقط عليها ذات الدلالة الاقتصادية، فمن الممكن أن نتحدث عن كلفة الازدحام المروري وتأثيره على الإنتاجية العامة، أو كلفة استخدام الشبكات الاجتماعية وتأثيرها على الإنتاجية العامة. قد تكون هذه القضايا وغيرها تقاس في سياقها التخصصي (الفني)، وفي المقابل يتم الاستهانة بتأثيرها الاقتصادي الكلي، ويتم في بعض الأحيان القفز على الأنماط الاجتماعية المولدة لها. فجزء من مشكلات الازدحام المروري على سبيل المثال يعود إلى أنماط اجتماعية، في ثقافة استخدام المركبات، والإحجام عن النقل التشاركي والنقل العام. وجزء من تأثير الشبكات الاجتماعية على الانتاجية يعود إلى نوعية المحتوى المستهلك من قبل الأفراد عبر هذه الشبكات، وآليات توظيفها واستهلاكها كأنماط اجتماعية. وهو ما يتطلب في المرحلة المقبلة التركيز على دور الأنماط الاجتماعية في الإنتاجية العامة، وحين نتحدث عن موضوع الإنتاجية العامة، فهي تتضمن إنتاجية العمل والعمالة، وتتضمن كذلك الانعكاسات على تحصيل الدارسين، وعموم قدرات الأفراد على القيام بأدوارهم حسب المعايير والمحددات التي يقتضيها السياق الذي ينشطون فيه. وبالعودة إلى دور الأنماط الاجتماعية نعتقد أن هناك جملة من الأنماط التي تستحق محور التركيز عليها في سياق فهم الإنتاجية، وقياس المؤثرات عليها، فقد تكون هذه الأنماط في هيئة (معتقدات/ أعراف/ سلوكيات/ ممارسات جمعية) ولكنها في المجمل تشكل هدرًا للطاقات الإنتاجية، سواء ممارسة أنماط الحياة الصحية، أو تقليل احتمالية حدوث بعض الأمراض المؤثرة على إنتاجية الفرد، أو الاهتمام بأنماط علاقات اجتماعية وأسرية صحية وداعمة، أو ضرورة الاستثمار في عمليات التعلم الذاتي وتطوير المعرفة، أو آليات التحكم في القدرة المالية الذاتية وسواها. وهذه أمثلة يختلف الأفراد في منظورهم لها، وفي أفكارهم تجاه شكل الالتزام الأمثل فيها، بناء على معتقداتهم، والنسق الثقافي والاجتماعي الفرعي الذي يوجههم، بالإضافة إلى ما ألفوه من ممارسات مجتمعية محيطة في سياق الاجتماعي الأصغر. فالحفاظ على نمط الأسرة الداعمة قد يشكل للفرد دافعًا لإنتاجية أكبر، ويقلل مساحة التعرض للتشتت، ويهيئ للفرد أن ينخرط في منظومة الإنتاج بتركيز أكبر. ويمكن أن نسحب ذلك على بقية الأنماط المذكورة أعلاه.

وبالعودة إلى التوقعات بصعود «اقتصاديات النوم» يبرر المؤلفون ذلك بأن عام (2024) سيكون عام العودة الكلية إلى المكاتب، وذلك بعض رفع كافة التدابير المتعلقة بجائحة كورونا (كوفيد 19)، وحاجة أغلب المؤسسات لعودة الموظفين إلى المكاتب. وهذا يفيد بأن الجائحة خلقت هي الأخرى نمطًا اجتماعيًا يركز على إمكانية العمل في أي وقت ومن أي مكان. وبحسب وجهة نظر الباحثين فإن هذا النمط أفقد العديد من الأشخاص النوم المنتظم، عوضًا عن الوقت الموسع الذي يقضيه الموظفون ليلًا مع عائلاتهم أو أصحابهم لعدم وجود التزام بوقت محدد للصحو صباحًا. وبالتالي فإن هذا النمط سيضع أمام قطاع واسع من الموظفين تحديا لإعادة ضبط نومهم، وتحسين جودته، والقدرة على العودة إلى منظومة العمل بطريقتها السابقة. وهو بحسب توقع الباحثين ما سيدفع إلى زيادة الطلب على منتجات النوم باختلافها. في الصين هناك تسمية شائعة عن «اقتصاديات النوم» تشبه هذا التحدي بـ «عصر الأرق العظيم»، بينما ترصد الكثير من التقارير المرتبطة بالتطورات التقنية لعام 2024 أن جزءا من المبتكرات المتوقعة أن تدخل السوق وتحدث انتقالًا كبيرًا يتصل بالأجهزة المساعدة على النوم، والتي تستفيد من البيانات الضخمة، ومن التتبع الدقيق لحياة الفرد عبر الملاصقة المباشرة من خلال استخدام بيانات الهاتف، وما يتم تخزينه، وتعلميه للآلة من بيانات حول الأشخاص ونمط عيشهم.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإنتاجیة العامة جودة النوم

إقرأ أيضاً:

زيادة الإنتاجية وترشيد الاستهلاك.. كيف قللت مصر وارداتها من القمح؟

نجحت جهود الحكومة فى زيادة إنتاجية القمح المحلى، ما أدى إلى تراجع واردات الأقماح بنسبة 22% خلال الـ10 أشهر الأولى من العام الجاري عن مثيلاتها من نفس الفترة العام الماضي بما يدعم الاقتصاد المحلي إضافة إلى تقليل فاتورة الاستيراد.
 

أسباب تراجع واردات القمح

وكشف حسين عبدالرحمن أبوصدام الخبير الزراعي، نقيب عام الفلاحين، عن أسباب تراجع واردات مصر من الأقماح  ودلالة ذلك، حيث قال إن تراجع واردات مصر من الأقماح يعكس نجاح جهود الحكومة في زيادة الإنتاج المحلي من الأقماح وتقليل فاتورة الاستيراد لتوفير العملة الصعبة، ويؤكد أن الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح في سياستها نحو تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، لافتًا إلى أن واردات مصر من الأقماح تراجعت بنسبة تزيد عن 22% خلال الـ10 أشهر الأولى من العام الجاري عن مثيلاتها من نفس الفترة العام الماضي بما يدعم الاقتصاد المحلي.
 

خبير اقتصادي يوضح أسباب تراجع واردات القمح خلال 10 أشهر من العام الحاليمصر تقلص واردات القمح وتعزز الإنتاج المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتيبشاي : 800 مليون دولار وفرًا في فاتورة استيراد القمح خلال 9 أشهر

وأضاف "أبوصدام" أن تراجع واردات مصر من الأقماح يرجع لعدة أسباب أولها نجاح الحكومة الموسم الماضي في شراء  نحو 4 ملايين طن من الأقماح المحلية، وذلك بعد تحديد سعر مجزي لشراء الأقماح من المزارعين قبل زراعته حيث حددت الحكومة لموسم  2024/2025 سعرًا عادلاً لأردب القمح أعلى جودة وصل لـ2200 جنيه، ما شجع المزارعين لزيادة توريد الأقماح للحكومة.
 

وتابع، أنه من الأسباب الرئيسية لتراجع واردات مصر من الأقماح اتجاه الحكومة لترشيد استهلاك الأقماح وتحسين منظومة دعم رغيف الخبز والعمل على كل المحاور الأخرى لزيادة الإنتاج مثل استنباط أصناف تقاوي عالية الإنتاجية وتوزيعها على المزارعين بأسعار معقولة ما جعل المزارعون يزرعون معظم المساحات بتقاوي معتمدة عالية الإنتاجية، كذلك سعي الحكومة لتقليل نسبة الفاقد سواء في أوقات الزراعة والحصاد أو التخزين مع حث المزارعين على استخدام الآلات والمعدات الحديثه في زراعة وحصاد الأقماح، بالإضافة إلى بناء الصوامع الحديثة التي منعت فاقد كان يصل في الشون الترابية إلى 15%وساعدت الصوامع الحديثة في القضاء على التلاعب بالأقماح المحلية المخزنة الذي كان واقعًا في نظام التخزين في الشون الترابية القديمة.

وأشار "أبوصدام" إلى أن زيادة التوعية بالمواعيد المثلى لزراعة الأقماح ووضع تركيبة محصولية لزراعة الأصناف المناسبة لكل محافظة وكذلك التوعية بطرق الزراعة المثلى أدى إلى زيادة الإنتاج في وحدة المساحة عن الأعوام السابقة، فوصل انتاج فدان القمح إلى 24 أردبا بعدما كان لا يزيد عن 18 أردبًا.

زيادة في مساحات القمح
 

وأكد أن تراجع واردات مصر من الأقماح سيستمر حتي نصل للاكتفاء الذاتي في السنوات القادمة وأن العام الحالي سيشهد  تقلصًا أكثر لاستيراد الأقماح من الخارج، متوقعًا زيادة في مساحات زراعة القمح لتتجاوز 3.5 مليون فدان وأن توريد الأقماح للحكومة سيزيد عن الموسم الماضي بسبب زيادة أسعار الأقماح حيث حددت الحكومة سعر توريد أردب القمح زنة 150 كيلو جرام لموسم 2025-2026 لأعلى درجة نظافة بـ 2350 جنيهًا، وهو ما دفع المزارعين للتهافت على زيادة مساحات زراعة القمح وسوف يؤدي لزيادة نسبة توريد الأقماح للحكومة هذا الموسم، حيث يزرع القمح في مصر عادةً بين منتصف نوفمبر وحتى نهاية ديسمبر ويبدأ موسم الحصاد من منتصف أبريل حتى منتصف يوليو من كل عام.

طباعة شارك القمح الأقماح انتاجية القمح الزراعة توريد الأقماح أسعار الأقماح

مقالات مشابهة

  • الصحة تحتفي باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة وتطلق مبادرات تعزز جودة حياتهم
  • وزيرة التنمية الاجتماعية ترعى حفل اعلان الفائزين بمسابقة العروض التقديمية للحضانات
  • القصبي: نستهدف مناقشة بحث حول قضية التمكين الاقتصادي كمدخل لتطوير منظومة الحماية الاجتماعية
  • ضبط 6 آلاف قضية في 24 ساعة ضمن حملات مكبرة لقطاع الأمن الاقتصادي
  • ختام «قمة الأولوية – آسيا».. تعزيز النمو الاقتصادي والتكنولوجيا العالمية
  • زيادة الإنتاجية وترشيد الاستهلاك.. كيف قللت مصر وارداتها من القمح؟
  • الفريق الوطني يؤكد على سرعة تبسيط إجراءات وتطوير خدمات التأمينات الاجتماعية
  • وزير المالية أمام "الشورى": "ميزانية 2026" توفر الحماية الاجتماعية وتحافظ على الإنفاق في الخدمات الأساسية
  • الاجتماع الأول للجنة المصرية الكورية يبحث تحديات الاستثمار وتعزيز التعاون الاقتصادي
  • س & ج.. كيف أسقطت الإدارية العليا نتيجة «الدقي–العجوزة»؟.. أهم المخالفات الجسيمة التي قلبت النتيجة