فيلم ونكا.. صانع الحلوى الذي تجرّع المرارة
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
في الأيام الأخيرة من عام 2023، عُرض فيلم "ونكا" (Wonka) الذي يعيد للأذهان ذكريات السينما الموسيقية الكلاسيكية، ويقدم قصة صانع الحلوى "ويلي ونكا" الذي ظهر مرتين من قبل على الشاشة الكبيرة؛ الأولى عام 1971 في فيلم "ويلي ونكا ومصنع الشيكولاتة" (Willy Wonka & the Chocolate Factory)، والثانية في فيلم "تشارلي ومصنع الشيكولاتة" (Charlie and the Chocolate Factory).
أخرج "باول كينغ" فيلم "ونكا" في نسخته الجديدة، والعمل من بطولة "تيموثي شالامي" و"أوليفيا كولمان" و"هيو غرانت"، ويستند إلى الشخصية الشهيرة، لكنه ليس اقتباسا مباشرا للرواية، بل بنى صُناع الفيلم خلفية وتاريخا للشخصية تتناسب مع العمل الأدبي.
ونكا.. قصة للكبار والصغاريبدأ فيلم "ونكا" بأغنية يسرد عبرها البطل أين كان قبل هذه اللحظة، ورحلته لسبع سنوات بين البحار، ثم وصوله إلى المدينة التي يحلم ببناء إمبراطورية الحلوى الخاصة به على أرضها.
وعبر الكلمات والألحان والرقص يؤسس الفيلم لهذا العالم الفيلمي، ويُظهر تفاؤل البطل وأحلامه العريضة في مقابل قسوة المدينة ووحشيتها وقد سلبته كل مدخراته خلال دقائق من وصوله، وتحول من شاب مبتهج إلى متشرد بلا مأوى.
وبحثا عن مكان للمبيت، يقع "ونكا" ضحية سهلة للسيدة "سكربينغ" صاحبة النزل المتواضع، التي جعلته يوقع على عقد سيصبح بموجبه عاملا في مغسلتها لعقود، لينضم لمجموعة أخرى من العمال الذين خدعتهم على مر السنوات، ومنهم الفتاة اليتيمة "نودل"، وعلى الجانب الآخر يكتشف الشاب أن سوق بيع الحلوى في المدينة مغلق على ثلاثة صناع فقط لا يقبلون منافسته، ويتآمرون مع قائد الشرطة على منع "ونكا" من صناعة الشيكولاتة وبيعها.
ومن هنا تبدأ حبكة الفيلم الحقيقية، عندما يتحالف البطل مع زملائه من عبيد السيدة "سكربينغ" لبيع الشيكولاتة سرا في المدينة وجمع المال الكافي لتحريرهم جميعا، وهو ما يقودهم إلى مجموعة من المغامرات المضحكة التي تجعلهم يكتشفون قدراتهم الحقيقية، ويوظفون معارفهم ومهاراتهم لتحقيق النجاح.
وعلى الرغم من أن الفيلم ليس اقتباسا مباشرا من رواية "روالد دال"، فإنه كان مخلصا لأسلوب الكاتب الأدبي الذي يقدم في أعماله خطين متوازيين؛ الأول قصة بسيطة ومثيرة للأطفال، والثاني أفكارا أكثر عمقا -وفي بعض الأحيان سوداوية- تستهدف البالغين والمراهقين.
وتتركز القصة المباشرة في فيلم "ونكا" في مغامرة شاب غريب عن المدينة لا يهدف إلا إلى صنع الحلوى وإسعاد السكان، ولكن يمنعه ثلاثة من الأشرار. وبشكل أعمق يجد المشاهد أنه أمام حبكة أكثر تعقيدا عن الرأسمالية الشريرة التي تمنع الكيانات الاقتصادية الصغيرة من النمو في ظل سوق غير مفتوحة، بل مبنية على الاحتكار، بالإضافة إلى معالجة تعامل صغار السن مع الفقد المبكر لذويهم، مثل "ونكا" الذي فقد أمه والفتاة "نودل" التي تعتقد أنها يتيمة.
هذا الازدواج يسمح للأفلام بالاستمرار لسنوات فتصبح كلاسيكية بعد عقود، فعلى سبيل المثال سيعيد الطفل الذي يشاهد "ونكا" في 2023 مشاهدته في 2043 مع أطفاله، ويكتشف عمق الأفكار التي ربما مرت عليه ببساطة لصغر سنه.
ونكا.. انتعاشة الأفلام الموسيقيةقُدمت قصة "ويلي ونكا" مرتين على الشاشة من قبل، النسخة الأقدم من إنتاج 1971، وهو فيلم غنائي كلاسيكي من بطولة "جين وايلدر"، ويركز بشكل أساسي على طبيعة "ويلي ونكا" المرحة المتلاعبة الذي وصل منتصف العمر ويبحث عن وريث لإمبراطورية الشيكولاتة التي صنعها على مر السنوات.
أما نسخة 2005 فمن إخراج "تيم بروتون" وبطولة "جوني ديب"، وركزت بشكل أكبر على مفهوم العائلة والحب الأسري، حيث افترض صناع الفيلم أن "ونكا" ابن لعائلة مضطربة وأب كاره للحلوى مما أشعل شغف ابنه بها، وبينما يبحث عن وريث لمصنعه يجد عوضا عن ذلك طفلا يصحح مفاهيمه ويعرّفه على دفء الحب العائلي.
واستند فيلم "ونكا" في نسخته الحديثة بشكل كبير على نسخة عام 1971، ويبدأ هذا الإلهام في ملابس "ونكا" وبدلته المخملية البنفسجية والقبعة البنية العالية وعصا المشي، وتصميم شخصية "أومبا لومبا" الخيالية بشعرها الأخضر وقصر قامتها الشديد، وهو تصميم مختلف عن ذلك السريالي الخاص بنسخة تيم بروتون.
ويظهر هذا الإلهام بأوضح صوره في موسيقى الفيلم وأغانيه، وقد اقتبس شريط الصوت الخاص بفيلم "ونكا" جُملا لحنية من الموسيقى التصويرية لفيلم "ويلي ونكا ومصنع الشيكولاتة"، وبعض الأغاني التي أعاد توزيعها وتغيير كلماتها. وهذا الأسلوب في الاستلهام يلعب على شعور المشاهدين بالحنين لفيلم كلاسيكي تربت عدة أجيال عليه، بينما يفتح الباب واسعا أمام حبكة وأفكار وثيمات جديدة تعطي القصة المزيد من الطزاجة والشباب.
وعلى الجانب الآخر ينتمي الفيلم إلى الأفلام الموسيقية، وهو النوع الذي لمع في منتصف القرن العشرين ثم اندثر بالتدريج، ويتميز بدمج الأغاني والرقصات ضمن الحبكة الأصلية، بالإضافة إلى الاهتمام بعناصر معينة في الإنتاج مثل الديكور والملابس، واختيارات محددة في الممثلين والممثلات الذين يجب أن يتمتعوا بخفة في الحركة وقدرة على الغناء تضاهي مواهبهم التمثيلية.
وفي العقدين الأخيرين عادت الأفلام الموسيقية الأميركية على استحياء بمشاريع قليلة العدد ولكنها حققت نجاحا كبيرا، من أشهرها "لا لا لاند" (La La Land) و"قصة الحي الغربي" (West Side Story)، والأخير إعادة إنتاج لفيلم كلاسيكي بنفس الاسم أيضا مثل فيلم "ونكا".
وعلى هذا الصعيد قدم فيلم "ونكا" تجربة بصرية وسمعية مميزة للغاية بين أفلام 2023، بتصميم إنتاج وديكورات مبهرة بألوانها الزاهية، والحيوية الشديدة في النقلات بين الحوار العادي والأغنيات، وأداء الممثلين بالكامل حتى غير المعتادين على الغناء. وعلى الرغم من قلة خبرة "تيموثي شالاميه" في هذا النوع من الأفلام فإنه استطاع منافسة ممثلين كلاسيكيين اشتهروا بهذا النوع من الأفلام.
وتَرشح بطل فيلم "ونكا" لجائزة أفضل ممثل في "غولدن غلوب"، ومن المتوقع ترشحه لعدد أكبر من الجوائز المتخصصة في الأوسكار. وبعيدا عن الجوائز تمكن الفيلم من تحقيق النجاح في موسم نهاية العام السينمائي، ووصلت إيراداته حتى كتابة هذه السطور إلى 465 مليون دولار مقابل ميزانية 125 مليون دولار.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ما هو “محور موراج” الذي تريد إسرائيل حشر الغزاويين فيه؟
#سواليف
أعلن وزير المالية الإسرائيلي أنه يجب #تدمير #غزة وحشر سكانها في #محور_موراج كي يغادروا منه إلى دول أخرى.. فما هو هذا المحور وما هو الهدف من إنشائه.
“محور موراج”، يمتد من الشرق إلى الغرب بين مدينتي #رفح و #خان_يونس جنوب قطاع غزة، في خطوة تعد استراتيجية لتعزيز #السيطرة_العسكرية الإسرائيلية على المنطقة.
وكانت إسرائيل أعلنت في أبريل 2025 عن إنشائه كممر أمني جديد ، معتبرتة إياه “فيلادلفيا 2″؟.
مقالات ذات صلةويهدف هذا المحور إلى فصل مدينة رفح عن بقية مناطق القطاع، مما يؤدي إلى تقطيع أوصاله ميدانيا وزيادة الضغط العسكري والإنساني على السكان المحليين، ولا سيما على حركة “حماس”.
وقد أطلق على هذا المحور اسم “موراج”، نسبة إلى المستوطنة الإسرائيلية السابقة التي كانت قائمة في نفس المنطقة قبل أن تخليها إسرائيل ضمن خطة “فك الارتباط” عام 2005.
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الممر بأنه “فيلادلفيا 2″، في إشارة إلى الممر الأمني الذي أنشئ سابقا على الحدود بين غزة ومصر بهدف منع تهريب الأسلحة والأنفاق.
ويأتي إنشاء هذا المحور في سياق جهود إسرائيل لإعادة تشكيل الخريطة الأمنية لجنوب قطاع غزة، إذ يتيح لها فصل رفح عن خان يونس وقطع خطوط الإمداد والاتصال بينهما. كما يمنح الجيش الإسرائيلي أفضلية تكتيكية في مراقبة الحركة الميدانية وملاحقة المقاتلين الفلسطينيين، ويزيد من تعقيد مهمة إدخال المساعدات الإنسانية، التي تشهد بالفعل تراجعا حادا بسبب العمليات العسكرية المكثفة والحصار المفروض على القطاع.
وقد قوبلت هذه الخطوة بانتقادات دولية وحقوقية، حيث اعتبرت بمثابة محاولة لتقسيم غزة فعليا وإعادة فرض واقع أمني جديد عبر القوة العسكرية.
ونتج عن العمليات التي رافقت إنشاء المحور نزوح عشرات الآلاف من المدنيين، في ظل تدهور متسارع للأوضاع الإنسانية وارتفاع في أعداد الضحايا، خصوصا في المناطق الجنوبية التي باتت تشهد قصفا مكثفا واشتباكات متواصلة.
ويشير مراقبون إلى أن “محور موراج” لا يقتصر على كونه ممرا عسكريا، بل يعد جزءا من خطة إسرائيلية أوسع لإعادة هيكلة الواقع الجغرافي والسياسي في القطاع، بشكل يضعف البنية المجتمعية ويصعب استعادة التواصل بين مناطق غزة المختلفة، بما يخدم رؤية إسرائيل لمرحلة ما بعد الحرب. كما يخشى أن يؤدي هذا المحور إلى تكريس الانقسام المكاني ويعيق أي محاولة مستقبلية لإعادة توحيد القطاع تحت إدارة فلسطينية موحدة.
وتتزايد الضغوط على إسرائيل من أطراف دولية وحقوقية، خصوصا مع التحذيرات من أن استمرار العمليات العسكرية وتوسيع السيطرة على الأراضي قد يؤديان إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق، ويُعقّدان أي جهود سياسية للوصول إلى تسوية دائمة للصراع.