سودانايل:
2025-07-01@09:44:40 GMT

لا صوت فوق السلام

تاريخ النشر: 9th, January 2024 GMT

من منطلق المناسبة التاريخية ربما تحتاج نخبتنا المتصارعة على المسرح السياسي إلى إعادة استلهام تجربة اللواء الابيض وثورة ١٩٢٤ وتداعياتهما في ذكراها المئوية. كما استلهام فكرة تأسيس مؤتمر الخريجين في ذكرى ميلاده السادس والثمانين. لكن هذه القراءة التاريخية تعقب ولاتسبق مهمة اطفاء نار الحرب وتكريس نشر السلام.

فالآن لا صوت يعلو وسط ركام أكداس بؤسنا الراهن فوق نداء السلام. فمالم نعيد فلاحة حقلنا السياسي بوعي من هضم كارثة الحرب الماحقة لن ننجح في غرس اشجار مثمرة أو جني قطاف مزهرة. لكأنما قطاعا غير ضيق من نخبنا المنشغلة بالهم السياسي لم تدرك بعد حجم الكارثة الناجمة عن هذه الحرب المقيتة . فهي لم تلحق دمارا بالبنى المادية فقط ، بل جرفت تربة الحقل السياسي العتيق ؛ نباتاته ،أشجاره،أزاهيره و قنواته برمته .
*****
مع ذلك كأنما لا تزال هذه النخبة مدمنة التشاكس والإصطراع غير قادر ة على رؤية بانوراما أطلال ذلك الخراب .أو لعلها لا تكاد تصدق . أو هي غير قادرة على الخروج من أوهام ظلال ذلك الحقل اليباب. فنداء اطفاء الحرب العالي يستدعي بالضرورة الإجماع على تحطيم صناديق التفكير الصدئة ،هجر أقفاص التنميط السياسي المخشّبة. كل كلام عن شكل الدولة حاليا أو معاقبة القتلة واللصوص ليس غير حصاد أوهام لزرع في البحر في غير موسمه . فلا أحد يملك عند منعطف العجز والخواء الراهن قدرات تشكيل الدولة أو نصب آليات المحاكمة وتنفيذ العقوبات. وحده مطر السلام ينبت حقلا يعين على إعادة بناء مؤسسات الدولة كما اعادة نسج عصب المجتمع.لذلك يأتي الجدل في شأن شكل الدولة قبل تثبيت وقف النار بمثابة زرع ألغام على درب السلام.
*****
نداء السلام يعلو على غيره لأنه العلاج العاجل الناجع لتضميد عذابات ملايين السودانيين . هو السبيل الوحيد الآمن لعودة الملايين إلى بيوتهم الخربة والمنهوبة.هو نافخ النفحات مالئة صدور أجيال بالقدرة على استئناف حياتهم المألوفة . هو وحده مانح أسباب الطمأنينة المفقودة بغتة كما استردا د فرص الإنتاج المصادرة عنوة . نخبنا المتصدية للمسرح السياسي مطالبة بكسر أنماط التفكير المغرقة في الإنكفاء والمفرطة في شطط التنظير على حدٍ سواء. فمفتاح الخروج من الأزمة يتجسد ببساطة في إطفاء نار الحرب . كل الجهود ينبغي تكريسها من أجل احتواء ألسنة اللهب ،تجفيف مصادر صب الزيت على الحطب ورفع كل مسببات ومظاهر الدمار . مامن فرص حقيقية لاعادة بناء راسخ على الخراب الراهن.
*****
حينما يصبح مصير الشعب والوطن رهين بالسلام كما يتحدث الواقع بطلاقة فلا حجة تنهض في وجه قبول مبدأية وقف النار. ليس بين المتصارعين من نخبنا على السلطة من معسكر اليسار من هو في مقام ثورية فلادمير لينين.فعندما كانت روسيا تحت حمم فوهات ماكينة الحرب الألمانية إبان الحرب العالمية الأولى لم يستنكف الزعيم القائد قبول (شروط السلام المخزي)حسب توصيفه أمام اللجنة المركزية للحزب.لينين قبل إطفاءجبهة الحرب في مارس ١٩١٨(إنقاذا للثورة)تحت شعار(الخبز والارض والسلام). ألا يحتاج يساريونا إلى قبس من ذلك الوهج ؟ البلاشفة صنفوا تلك الحرب منذ انطلاق شرارتها بانها حرب البورجوازية.
*****
ليس بين كل المتنطعين من غلاة يميننا من هو في مكانة الفقيه الايراني الامام روح الله الخميني المعروف بآية الله ومستحدث منصب مرشد الثورة والدولة. كل إرثه الاسلامي ورصيده النضالي وسعة قاعدته الجماهيرية لم تمنعه من (تجرع السم) كما اسمى قبوله اتفاق السلام مع عدوه اللدود صدام حسين بغية إطفاء حرب اشتعلت جبهتها ثماني سنوات.ربما شكّل قبول تناول تلك الكأس في اغسطس ١٩٨٨ انكسارا في هيبة الزعيم الايراني وسيرته النضالية ضدالاقطاع في ظل امبراطورية اسرة بهلوي ثم تهشيم حلم تصدير الثورة .لكن حال الشعب الإيراني يومها لم يكن يحتمل مزيدا من التضحيات.قبل الخميني وقف النار ثم استمر الطرفان على مدى أربع جولات أساسية وسلسلة ماكوكية في التفاوض بغية تنفيذ بنود الاتفاق.
*****
ليس بين المتصارعين على مسرحنا المتصدع من بذل على الصعيد العام في شأن تحديث الدولة أوحتى عسكرتها كما أنجز الإمبراطور الياباني هيروهيتو.كما ليس بينهم من تقلّب في نعماء السلطة كما أُتيح للرجل من حيث الرفاهية وأمدها. مع ذلك رفع الإمبراطور مصالح شعبه فوق كل حقوقة الموروثة والمكتسبة وفوق ميوله ،أهوائه ونزعاته عندماكاشف ساعة الحقيقة بحتمية إعلان الاستسلام في اغسطس ١٩٤٥.ذلك لم يكن خيارا محببا على الصعيد القومي غير ان الإمبراطور استهدف إنقاذ وطنه من الدمار الشامل.الرجل المؤلّه قال قولته التاريخية تحت الغبار النووي(لايهمني ما يحدث لي بل أريد النجاة لرعايايا ). موجة من الحزن الموشح بنوبات من ممارسة الإنتحار اجتاحت جزر اليابان غضبا على قرار الامبراطور لكن الشعب طوّق نصف الإله بحصانة ضد عقوبات الأعداء.
*****
حربنا المقيتة الخاسرة تستدعي رجالا يستوعبون الوعي بمصير الشعب ،اللحظة التاريخية، والقدرة على تحمل كلفة فاتورة السلام بالإضافة إلى رفع المصالح الوطنية فوق كل المنطلقات الضيقة . عددٌ محدود من هولاء ربما سمع -حتما لم يقرأ-مقولة الفيلسوف الاسباني جورج سانتيانا( من لا يقرأ التاريخ يعيد إنتاجه.)أقل عددا من أولئك ربما اطلع على قول ماركس (التاريخ يعيد نفسه مرتين؛الأولى مأساة والثانية مهزلة)لعل عددا بينهم سمع من يردد حكمة نحيب محفوظ (آفة حارتنا أن كل شيء يُنسى بعد حين).ربما آفة حارتنا أنها تعج بمتشاكسين وحاقدين لا يتخلون عن خلافاتهم - وهي كثيرة-ولايتناسون أحقادهم - وهي عديدة- أو يتنازلون عن مصالحهم-وهي أكثر- ولو إلى حين!

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مفكر سياسي: ترامب لا يزال يسعى ليكون بطل السلام

قال الدكتور عبد المنعم سعيد، المفكر السياسي، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يزال يسعى ليكون "بطل السلام"، مشيرًا إلى أن ظروف المنطقة قد تتيح له فرصة لتحقيق هذا الهدف، موضحًا أن حماس قد رفعت من قدراتها العسكرية خلال الأسبوعين الماضيين.

ترامب يلتقى وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلي لوقف الحرب على غزةالبيت الأبيض: ترامب يتواصل مع المسؤولين الإسرائيليين لإنهاء الحرب في غزةالملفين السوري واللبناني

وأضاف عبد المنعم سعيد، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية كريمة عوض، ببرنامج "حديث القاهرة"، المُذاع عبر شاشة "القاهرة والناس"، أن إسرائيل تتحرك بقوة في الملفين السوري واللبناني، مرجحًا أن سوريا قد تكون مستعدة لإبرام اتفاق مع إسرائيل، قائلًا: "موضوع الجولان سيكون منفصلًا عن أي انسحاب إسرائيلي من المناطق التي سيطرت عليها بعد سقوط نظام بشار الأسد، في ظل معاناة سوريا من ضعف في الجيش وانقسامات داخلية عميقة بين العلويين والدروز والأكراد".

الحرب الأهلية

وأشار عبد المنعم سعيد، إلى أن الأولوية الأولى للشعب السوري حاليًا هي تنظيم حياته بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب الأهلية، والتي تسببت في نزوح أعداد كبيرة من السكان، مؤكدًا أن الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي يعد جديدًا على السلطة، لا يملك حتى الآن صلاحيات كاملة بشأن أي اتفاق محتمل مع إسرائيل، رغم التوافق المبدئي على وجود دستور أو قانون، غير أن الأوضاع الاقتصادية والعقوبات المفروضة على سوريا تتطلب إعادة ترتيب الأولويات قبل أي تحرك سياسي فعلي.

طباعة شارك ترامب دونالد ترامب الرئيس الأمريكي حماس إسرائيل

مقالات مشابهة

  • مخطط «ترامب- نتنياهو!».. هل ينقذ «مجرم الحرب» ويسهّل السطو على لقب «رجل السلام»؟!
  • محللون: ترامب يقايض نتنياهو بالعفو لإنهاء الحرب وإنقاذ مستقبله السياسي
  • مفكر سياسي: ترامب لا يزال يسعى ليكون بطل السلام
  • الفن السياسي
  • السيسي يدعو لـاستلهام السلام المصري-الإسرائيلي
  • قيادى بـالمؤتمر: 30 يونيو لحظة تأسيس للوعي السياسي وإدراك لمعنى الدولة
  • مونيكا وليم تكتب: تحليل النهج السياسي الخارجي في ضوء النظرية السياسية.. مقاربة مصر ما بعد 30 يونيو نموذجًا
  • هدنة الفاشر -سلام السودان
  • الأخ مُندهش ..!!
  • هل حَلَّ السلامُ في الشرق الأوسط أم ستتجدد الحرب؟