أسباب استباحة خاركيف وتحملها النصيب الأكبر من الانتقام الروسي
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
خاركيف- لطالما كانت خاركيف هدفا رئيسا لأي قوات أو أحزاب أو قوى إقليمية أو دولية، على مدار عقود طويلة، ويشهد تاريخ المدينة وحاضرها على ذلك، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا.
وكان وصول قوات ألمانيا النازية إلى خاركيف في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1941 سببا رئيسا لتدخل دول الحلفاء إلى جانب موسكو في الحرب العالمية الثانية، لا سيما وأنها كانت من أقوى المدن السوفياتية وأكثرها تحصينا.
وتعدّ المدينة من أوائل المدن التي أُعيد بناؤها بعد الحرب؛ لأنها ضمت عددا من مصانع الدبابات والمدرعات ومحركات الطائرات وغيرها من الآليات الثقيلة، كما حصلت بعد الحرب على "وسام لينين" الشرفي، وصفة "المدينة البطلة"، واحدة من بين 12 مدينة سوفياتية قاومت الألمان آنذاك.
ولرمزيتها المستندة بالأساس إلى مكانتها العسكرية والصناعية وموقعها الجغرافي، اختيرت المدينة في 2010 مكانا لتمديد عقد اتفاقية بقاء الأسطول الروسي في البحر الأسود بين موسكو وكييف، بعد وصول الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، إلى سدة الحكم.
غالبا ما كانت خاركيف وبشكل عام مدينة يدعم سكانها حظوظ الموالين لروسيا في أي انتخابات، وكانت في 2014 من المدن التي شهدت حراكا انفصاليا كبيرا، ولكن لم يكتب له النجاح، على غرار مدن دونيتسك ولوغانسك، لأن كييف سارعت إلى وأده بالقوة آنذاك.
وقبيل الحرب الراهنة، توقع الرئيس الأوكراني بالفعل أن تكون خاركيف هدفا رئيسا لأي اجتياح روسي واسع النطاق، وهو الأمر الذي حدث فعلا، لكنه شمل خاركيف ومقاطعات شرقية وشمالية وجنوبية عدة أخرى معا.
وتتمحور الرواية الروسية الصريحة اليوم حول أحقية الروس بالمدينة، لأنهم يرون فيها "إرثا تاريخيا"، ويعدّون أن غالبية سكانها الناطقين بالروسية "مضطهدي الحقوق" من سلطات كييف الموالية للغرب، وهي رواية يكذبها الأوكرانيون، الذين يؤكدون أن المدينة غُيرت ديموغرافيا على مدار عقود، وحلّت عليها لعنة الموقع الجغرافي القريب من روسيا، كما يرون.
وفي حديث مع الجزيرة نت، يقول المؤرخ أوليكساندر بالي، مؤلف كتاب "الموجز في تاريخ أوكرانيا" أن "الاتحاد السوفياتي عمل على تغيير ديموغرافية المدن الكبرى عمدا، بتوطين الناطقين بالروسية فيها ومنع تداول الأوكرانية؛ ولهذا نجد أن سكان مدن خاركيف ودونيتسك ولوهانسك وحتى كييف كانوا يتحدثون الروسية أكثر قبل الحرب، في حين أن معظم سكان الضواحي يتحدثون الأوكرانية".
ويضيف في حديثه عن المقاطعة الشرقية التي تحمل اسم المدينة، وتبلغ مساحتها 31.4 ألف كم مربع، أنه "في بلدات وقرى وضواحي خاركيف، يتحدث الناس الأوكرانية على الطريقة المسماة "سورجيك"، وهي الأوكرانية التي تأثرت بالروسية بحكم القرب منها".
منذ أحداث سنة 2014، وما تبعها من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ودعمها جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، اللتين ضمتهما رسميا دون اعتراف دولي في سبتمبر/أيلول 2022، تغير هوى خاركيف جذريا على ما يبدو، حتى باتت من أكثر المدن معاداة لما يسمى بـ"العالم الروسي"، ومناهضة له.
ويبرز ذلك من خلال حجم المقاومة التي أبدتها المدينة منذ بداية الحرب، إضافة إلى تحول كثير من سكان المدينة إلى تحدث الأوكرانية عمدا، وهو ما يؤكده المؤرخ بالي بقوله "غير ملايين الأوكرانيين نظرتهم إلى روسيا بعد أحداث 2014، وتحولت في أعينهم إلى عدو بدلا من شقيق، وخاركيف لم تكن استثناء هنا".
ويتابع "في أولى أيام الحرب، وصل الروس سريعا إلى داخل أحياء المدينة، لكن مقاومتها فاجأتهم، فهي لم تكن متوقعة بهذا الحجم، وكبدتهم خسائر كبيرة، ثم انتهت بانسحابهم من معظم أراضي المقاطعة في سبتمبر/أيلول 2022 أيضا".
ويضيف المؤرخ "برأيي، خاركيف أوجعت العدو أكثر من غيرها؛ لأن الناطقين بالروسية فيها هم الذين كان يقاتلون الروس، ويقولون لهم إن هذه أرض أوكرانية، ولن تستباح لكم، وهو ما انعكس إيجابا على معنويات الأوكرانيين والجيش، وسلبا على الجانب الآخر".
ولهذه الأسباب جميعها، وبحكم أنها أقرب المدن الكبيرة إلى الحدود الروسية، حيث يبعد مركزها نحو 40 كم فقط عن حدود مقاطعة بيلغورود، تبدو خاركيف "مستباحة" أمام القصف، الذي يصيبها بوتيرة شبه يومية أكثر من غيرها.
يوضح عمدة المدينة إيهور تيريخوف، للجزيرة نت "خاركيف تقصف غالبا بصواريخ "إس 300"، وبحكم الموقع الجغرافي القريب من بيلغورود الروسية، فإن هذه الصواريخ تصل إلى أهدافها خلال 40 ثانية فقط"، ويضيف "نحتاج إلى دفاعات قادرة على اعتراض هذه الصواريخ بكفاءة، لا سيما وأنها تسلك مسارا باليستيا يصعب على الدفاعات المتوفرة التعامل معها".
وبالفعل، كثيرا ما تسمع أصوات الانفجارات في المدينة قبل أن تدوي صافرات الإنذار، وما أكثر دويها وطول ساعات التحذير من خطر القصف في خاركيف، أما في باقي مدن المقاطعة، فيبدو الوضع أسوأ، حيث تستبيح قذائف الهاون وغراد وغيرها مختلف المواقع، دون أن تستطيع الدفاعات صدها جميعها.
"دوافع انتقامية"يعدّ العمدة تيريخوف أن هدف القصف على خاركيف هو "الانتقام من المدينة وساكنيها"، مؤكدا أنه "يصيب غالبا الأحياء السكنية وشبكات الطاقة وغيرها من البنى التحتية الحيوية ومرافق المواصلات، ويخلق أعباء كثيرة".
كما أشار إلى أن "وتيرة القصف على المدينة زادت مؤخرا، تماما كما حل مع مدن أوكرانية أخرى، وهذا كان متوقعا من المعتدي الروسي مع اشتداد البرد"، حيث تصل درجات الحرارة في خاركيف إلى ما دون 15 درجة تحت الصفر.
لكن لهذا "الانتقام" سببا آخر، على ما يبدو، فالمدينة "المستباحة" أصبحت مصدر إزعاج للروس، وخاصة في بيلغورود المجاورة، التي تقصف بعنف من حين إلى آخر، والأمر بينهما بات فعلا ورد فعل. لكن إيفان ستوباك، الخبير العسكري في "المعهد الأوكراني للمستقبل"، والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني، يرى أن "الأمر ليس كذلك تماما، وإن كان غير مستبعد".
ويوضح ستوباك في حديث مع الجزيرة نت "هذا حدث وسيحدث؛ ولكن يجب أن نذكر أن كييف كثيرا ما تشير إلى أن القصف على بيلغورود وغيرها ناتج عن أخطاء روسية (فيما يتعلق بكفاءة بعض أنواع الصواريخ المستخدمة)، أو حتى نتيجة تعمد قيادة روسيا قصف أحياء سكنية في مدن داخل أراضيها، بهدف تعبئة النفوس محليا ضد أوكرانيا، وضمان استمرار الحرب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القصف على
إقرأ أيضاً:
السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
اعلن اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في لبنان الشمالي تأييده الكامل لمطالب القطاع العام ورابطة موظفي الادارات العامة.
وقال رئيس الاتحاد النقيب شادي السيد في بيان: " بادىء ذي بدء نسأل الحكومة مجتمعة هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟ وبالطبع انهم يعلمون الجواب جيدا ، ويعرفون ان ما يصل الى القطاع العام لا يكفي اليومين الانفي الذكر".
وطالب الحكومة" بالتعاطي بموضوعية او لنقل بعقلانية مع هذا الملف ، بعيدا من الإنسانية التي يبدو انها غير متوافرة في الحسبان".
وتابع: "كما نطالب انطلاقا مما ذكرنا باعطاء القطاع العام ما يمكن موظفوه من الوصول أقله الى مكاتبهم والى مراكز عملهم ، والا كيف للدولة ان تمضي بجيش مهزوم ؟"، مؤكدا ان القطاع العام بكل فئاته من التعليم والمؤسسات المستقلة والبلديات والادارات العامة المتعارف عليها هي جيش الدولة، وهذا الجيش مهزوم مكلوم مصاب في المال وفي المجتمع وفي الحضور، لذلك نؤكد تضامننا الكامل مع مطالب القطاع العام بكل فئاته ونؤكد ضرورة دعم المدرسة الرسمية بشكل لا يقبل التزييف او التسويف او المماطلة".
كما أكد " ضرورة المسارعة لدعم القطاع العام كما يشتهي بالمال المخصص للموظفين وايضا بالمراكز التي تعاني من تعطل الالات ومن عدم توافرها اصلا ومن انقطاع الكهرباء ومن البرد في المناطق الجردية".
وسأل السيد "كيف يمكن لهذه الدولة ان تسمح لنفسها ان تجبي المال من خلال هذا القطاع العام ولا تعطيه حقه ولا تنصفه؟"، ورأى ان "وزير المال معني برفع تقرير عاجل واضح المعالم الى رئاسة الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعا لكي يسارع فورا الى تحديد زيادات فورية ثم الى تعديل اصل الرواتب وتعديل الحد الادنى للاجور. اطلاق سلسلة رواتب جديدة ، لكي تبدا العدالة فعليا على ارض الواقع" .
وختم مطالبا"بحق مستحق ولا نطالب بامور كمالية اقتضى التوضيح".
مواضيع ذات صلة اتحاد بلديات قطاع غزة: كميات السولار التي دخلت القطاع منذ وقف إطلاق النار لا تكفي 5 أيام عمل Lebanon 24 اتحاد بلديات قطاع غزة: كميات السولار التي دخلت القطاع منذ وقف إطلاق النار لا تكفي 5 أيام عمل