أهمية استثمار المقاومة كسلاحٍ إستراتيجي
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
لا شك أنَّ طوفان الأقصى خلط أوراقًا كثيرة في المنطقة العربية والعالم، الظاهر منها عسكري، لكن الباطن منها- وهو الأخطر- سياسيٌ وفكريٌ ونفسيٌ واستراتيجيٌ، فما إن تصمُت البنادق والمدافع في غزة ومن جغرافيات فصائل المقاومة بلبنان والعراق واليمن، ستشتعل جبهات أخرى أشد ضراوة من لهب وجحيم الملحمة العسكرية التي سطّرها فتية الإيمان بغزة وشرفاء العرب، وستتفاعل هذه الجبهات بالتداعي مثل كُرة الثلج؛ لتصبح جبالًا عصية على التجاوز أو السيطرة أو التطويع.
ما يدور على أرض غزة اليوم ليس مواجهة عسكرية فحسب؛ بل مفصل تاريخي سيكون سببًا في تغيير مجرى تاريخ المنطقة والعالم.
فصائل المقاومة تمثل حالة تاريخية خاصة، حالة لم توجد في ظل غياب الدولة، ولا في ظل قوة الدولة؛ بل في ظل وجود الدولة وفي ظل وهن الدولة كذلك؛ فهي حالة تاريخية وُلِدَتْ من رحم المُعاناة ووهن وشتات دولة الاستقلال العربي، هذه الدولة التي كبّلتها خيوط العنكبوت المُتمثلة في "وعد بلفور" وثقافة "سايكس/ بيكو"، وارتهنت لسراب اسمه "الشرعية الدولية" و"القانون الدولي"، ولم تُدرك أنها مجرد أدوات محدّثة وعصرية للاستعمار الجديد. فصائل المقاومة تشكّلت من الجيل الضحية، وهو جيل الستينيات، الجيل الذي لم يكن شريكًا في حروب الاستقلال، ولا شريكًا في غنائم دولة الاستقلال بعد الاستقلال الصوري الذي منحه المُستعمر الغربي للأقطار العربية، بعد أن كرّس فيها ثقافة الدولة القُطرية والتي جعلت من دولة الاستقلال لاحقًا دولة وظيفية للغرب ترهيبًا وترغيبًا.
فصائل المقاومة تتناسل وتتسع جغرافياتها وتتعدد وسائل مقاومتها لعصب الاستعمار الغربي الحديث وركيزته والمتمثل في الكيان الصهيوني، وبقدر وَهَن مواقف النظام الرسمي وارتهانه للغرب، تشتدُ شوكة المقاومة وتتطور أساليبها في المواجهة مع العدو، فانتقلت من المناوشات إلى المواجهة إلى الترهيب والردع.
ما نراه في غزة اليوم ليس مُنفصلًا عن سيرة النضال الفلسطيني، ولا النضال العربي ضد المستعمر، ولا عن تجربة فصائل الحركة الوطنية بلبنان والتي كانت المُلهم والداعم الأكبر لفصائل المقاومة بغزة وعموم فلسطين المحتلة.
الحالة الخاصة الأخرى لفصائل المقاومة أنها ما زالت مُتصالحة ضمنيًا وقانونيًا وأخلاقيًا مع النظام الرسمي العربي وفق ما يمكن تسميته بـ"اتفاق جنتلمان" (اتفاق النبلاء)، وهو اتفاق غير مكتوب، ورغم محاولات الغرب ودسائسه للوقيعة بين النظام الرسمي العربي وفصائل المقاومة، إلّا أن الفضل يعود إلى فصائل المقاومة أولًا التي مارست سياسة ضبط النفس وبدرجة مثالية في بعض الأحيان؛ كي لا تُستدرج إلى مربع العداء للوطن، فتفقد طهارة رسالتها.
وفي المقابل، ما زال هناك في النظام العربي الرسمي من ينظُر إلى فصائل المقاومة وأفعالها على الأرض بعينٍ واحدة، عين ترى في المقاومة الذراع الحر المُسلح للنظام الرسمي العربي المُكبل بأغلال الهمجية الغربية والقوة الغاشمة للغرب وسيف الشرعية الدولية المُسلط على رقاب الضعفاء، وعين ترى المقاومة قوة مارقة على الدولة وسلاح خارج سلطة الدولة ومؤسساتها الدستورية.
من المعارك الحامية الكبرى التي ستعقُب وطيس طوفان الأقصى، معركة التطبيع مع العدو، وملف مسؤوليات الدول عن السلاح والفصائل خارج سياق الدولة وإطارها. ونموذج أوسلو مع السلطة الفلسطينية بعد نزع سلاح منظمة التحرير الفلسطينية والقضاء على ذراعها المسلح عام 1982، وتحويلها إلى فصيل سياسي بلا أظفار ولا أسنان.. نموذج يحلم الغرب باستعادته وتكراره بعد الطوفان وسعار التطبيع كنصر سياسي يلغي النصر العسكري لفصائل المقاومة، كحالة شبيهة بنصر حرب أكتوبر العظيم عام 1973، والذي تحول إلى اتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها السرية والعلنية.
ما يحلم الغرب بتمريره اليوم هو القطيعة والمواجهة بين النظام الرسمي العربي وفصائل المقاومة، بمزاعم وذرائع كثيرة، وبالترهيب والترغيب للنظام الرسمي، وفي المقابل يعلم النظام الرسمي العربي- وقد لا يُدرك- أن هذه المواجهة لا تعني حربًا بالوكالة، وإنهاك الطرفين لصالح العدو؛ بل احتراب النظام الرسمي العربي مع شعبه؛ حيث تُمثِّل فصائل المقاومة اليوم الحلمَ العربي في التحرر والانعتاق من براثن المستعمر عبر بوابة فلسطين.
قبل اللقاء.. ثقافة المقاومة تتناسل وتتسع بعد كل مواجهة مع العدو، ولم تعد حكرًا على دول الطوق؛ بل اتسعت وامتدت إلى الأطراف كذلك.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إنفستكورب تستهدف استثمار 6 مليارات دولار خلال سنتها الحالية
أكد يوسف اليوسف، رئيس مجموعة توظيف الاستثمارات العالمية في “إنفستكورب”، أن المجموعة تستهدف خلال سنتها المالية الحالية أي في الفترة الممتدة من 1 يوليو 2025 حتى 30 يونيو 2026، استثمار ما لا يقل عن 6 مليارات دولار في قطاعات الملكيات الخاصة، والعقارات بما يشمل البنية التحتية، إضافة إلى أدوات الدين.
وقال اليوسف في تصريح لوكالة أنباء الإمارات “وام”، على هامش مشاركته في فعاليات أسبوع أبوظبي المالي، إن هذه الاستثمارات تمثل جزءاً من خطط توسعية قوية تعكس تنامي الفرص في الأسواق العالمية وخصوصاً في الولايات المتحدة.
وأوضح أن أسبوع أبوظبي المالي بات حدثاً محورياً منذ تأسيسه، لما يوفره من منصة تجمع قادة القطاع المالي العالمي، مؤكداً أن “إنفستكورب” تعد من أوائل المؤسسات التي تواجدت في سوق أبوظبي العالمي “ADGM” منذ عام 2014.
وأشار إلى أن المجموعة خطت خطوة مهمة قبل نحو عامين، عبر إدراج شركة “إنفستكورب كابيتال” في سوق أبوظبي للأوراق المالية “ADX”، ما عزز حضورها في أبوظبي والإمارات ودعم توجهاتها للنمو في المنطقة.
وبيّن اليوسف أن “إنفستكورب كابيتال” تُعد من الشركات الفريدة في الشرق الأوسط، لأنها تتيح للمستثمر العادي وليس فقط المؤسسات والمكاتب العائلية وأصحاب الملاءة العالية الاستثمار بشكل مباشر في محفظة متنوعة من الإستراتيجيات، تشمل الملكيات الخاصة، والعقارات والبنية التحتية، وأدوات الائتمان الخاصة.
وأوضح أن شراء المستثمر سهم “إنفستكورب كابيتال” يعني أنه اشترى أسهماً في شركة تستثمر في عدة دول وقطاعات، عبر محفظة متنوعة وشاملة ذات قدرة على توليد عوائد منتظمة، لافتا إلى أن الشركة تستهدف توزيع ما لا يقل عن 8% عائداً سنوياً خلال العام المقبل.
وتطرق اليوسف إلى الإعلان عن استحواذ “إنفستكورب” على شركة “جارديان فاير” موضحاً أن المجموعة تستثمر في السوق الأميركية منذ عام 1982، وقد أنجزت ما يزيد على 300 صفقة خلال تلك الفترة.
وأضاف أن تركيز المجموعة الحالي ينصب على القطاعات الأساسية المرتبطة بنمو الاقتصاد الأمريكي، ومن أبرزها أنظمة مكافحة الحريق وأنظمة السلامة، مشيراً إلى أن “جارديان فاير” تُعد من كبريات الشركات الرائدة في هذا القطاع بحجم أعمال يقارب 500 مليون دولار.وام