عربي21:
2025-05-24@19:20:48 GMT

هنا الجنوب.. الفرصة الوحيدة لعالم جديد!

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

يتضح باستمرار أنّ سلاح الولايات المتحدّة الأهمّ لفرض إرادتها على العالم هو هيبتها، هذه الهيبة لا أحد يشكّ في أنّها مُستمدة من قوّة الدولار والأسلحة الفتاكة ومن ميراث الاستعمار الذي صاغت به النخبَ التابعة لها في العالم، ولا ينبغي أن يفوت، والحالة هذه، ذلك البريق الذي تتبهرج به الهيبة، بلد الأحلام والحرية والفرص التي لا تنفد، بلد الثقافة الأخاذة التي تسلب العالم وعيه بالسينما والموسيقى ونمط الحياة الأمريكي، وتلفّ العالم بالتقنيات التي لا تكاد تتنافس إلا فيما بينها، فإن أطلّ أحد برأسه إلى ميدان المسابقة، يُحتوى بنعومة، أو يُحطم بلا رحمة.

. هذه أمريكا المُرعِبة والمُحببة.

يمكن الجزم بأن أمريكا هي هكذا في قلوب النخب العربية الحاكمة، هلع يملأ أفئدة رجال تلك النخبة ويكاد يسقط بها تحت أقدامهم، وغرام بكل شيء فيها، ربما حتى بالديمقراطية التي لا يحبّون استنساخها في بلادهم؛ إذ يمكن للمرء أن يقع في غرام ما يكره، وانجذاب دائم إليها يُشعر بدرجة من قلّة الحيلة أقرب إلى الهوان، هوان التابع الأبديّ، هوان المربوط من قديم بحبل خفيّ، وحزن غامض إزاءها، حزن مفتول من تلك الخيوط الثلاثة: الهلع، والغرام، والهوان، كعاشقة لا تجد من سيّدها إلا الإذلال المزخرف بالغواية.

أيّ شيء يَحُطّ تلك النخب عن الارتفاع ببلادها عمّا هي عليه؛ وهي تملك كلّ هذه المضائق والممرّات المائية والثروات الطبيعية والمواقع الاستراتيجية، بحيث تُحرز سيادتها وتحرّر إرادتها وتفرض نفسها على هذا العالم؟! فلتوضع هذه النخب اليوم في ميزان الحرب الغزّية، لتخرج منه بوزن صفريّ، وبقيمة مُستفادة من الانصهار في كفّ الإرادة الأمريكية
وإلا فأيّ شيء يَحُطّ تلك النخب عن الارتفاع ببلادها عمّا هي عليه؛ وهي تملك كلّ هذه المضائق والممرّات المائية والثروات الطبيعية والمواقع الاستراتيجية، بحيث تُحرز سيادتها وتحرّر إرادتها وتفرض نفسها على هذا العالم؟! فلتوضع هذه النخب اليوم في ميزان الحرب الغزّية، لتخرج منه بوزن صفريّ، وبقيمة مُستفادة من الانصهار في كفّ الإرادة الأمريكية.

الهيبة الأمريكية اختُبِرَت مرات عديدة في العالم، وليس ثمّة حاجة لاستدعاء انكشافها في غير المجال العربيّ والإسلامي، فقد كانت تلتقط أنفاسها وهي تجرّ خيبتها مُستترة بليل أفغانستان، في نهاية لاحتلال دام عشرين عاما؛ لم يتبق منه إلا السلاح الذي لم تحتمل خفة الهروب الليلي حمله، وإذا كان لَيلُ الأمريكي فجرَ الأفغاني، فقد كان في الحقيقة التاريخية بداية الفجر العالميّ، وبالأحرى بداية فجر الجنوب العالميّ، وكأيّ فجر فإنّه ينتزع ضوءه من الظُلمات الكثيفة، وفي التاريخ والجغرافيا، وفي الصراع والتدافع؛ يليق بكلّ انتزاع ذلك الألم الفَجريّ العنيف!

وكأيّ إمبراطورية مرتبكة بين القوّة الطاغيّة الظاهرة، وبين الإدراك المشوش لانحسار الهيبة؛ فإنّها لا تتعلّم من أخطائها. مأساة المفرط في قوته؛ في كون هذه القوّة تأتي على بصيرته، فالعيون الأمريكية وبقدر ما هي معزّزة بكلّ ما لم يخطر على قلب بشر من قبل من وسائل الرؤية البعيدة وأدوات الاستشعار؛ فإنّها مُغلّفة بالدولار، وكأنّ الرأس الأمريكي ممسوكا دائما بقبضات المتغطرسين الأثرياء، وعَمى القويّ في كونه لا يمكنه رؤية قوّة الضعيف، وهكذا تحاول أمريكا مرتبكة إخافة الفقراء في اليمن، الذين لا يملكون ما يخافون عليه، تماما كما اندفعت غريزة المحو الإسرائيلية لدفع الغزّي للاستسلام بعدما لم تُبِق له ما يخشى عليه. تَشبيه القويّ بالثور الهائج بديع، والحالة هذه.

ها هي الإمبراطورية لا تملك أيّ خيارات في دعمها لحرب الإبادة الإسرائيلية، إلا رمي الصواريخ على اليمن، فيردّ اليمنيون بضربة مباشرة لباخرة أمريكية. هل يفكر الأمريكان، حقّا، في غزو جبال اليمن؟! هل يفكرون في تجربة أفغانية، ولكن عربية هذه المرّة تُجهز على ما تبقى من الهيبة الأمريكية؟! ماذا فعلت قنابلهم الطُّنّيّة المخترقة للتحصينات في غزّة المُلقاة من طائراتهم أو من الطائرات الإسرائيلية؟! وماذا فعلت طائراتهم التجسسية في سماء غزّة وأجهزة تنصّتهم المحيطة بها؟! وماذا فعلت فرقهم الخاصة المساندة للقوّات الإسرائيلية المنهكة؟! وهذه غزّة، الضيقة المنبسطة صغيرة المساحة، فماذا لهذا الأمريكي في اليمن؟!

الأمريكي يرمّم هيبته في نفسه، وهو لا يكاد يصدق، فقط لأنّ قوته عمياء، أنّ غطرسته مشروع مفتوح للتمريغ الدائم في تضاريس الكرة الأرضية، في غاباتها ورمالها وجبالها ووديانها وبحارها، من فيتنام إلى العراق إلى أفغانستان إلى غزّة إلى اليمن.

وحدها النخب العربية الحاكمة التي تعتقد أنّ الأمريكي مطلق القدرة، نافذ الإرادة، ولكن الفقراء في أفغانستان والعراق واليمن وغزّة، لم يؤمنوا بذلك أبدا، ويستخدمون سلاحا غريبا عن تلك النخب، وهو الإيمان بأنّ القدرة المطلقة والمشيئة النافذة لله وحده، وأنّ الصراع هو بين الإرادات، لا بين القوى المادية. وصراع هذا حاله، لا يلزمه بعدَ الإيمان ذاك؛ إلا الاستعداد بالاستطاعة الممكنة، والصمود، ومن لم تكن له تجربة صمود تُعرَف، كيف له أن يعرف قيمة الصمود في صراع كهذا، وكيف له ألا يراه شعارا أو خطابة أو إنشاء فارغا؟!

ها هو المنطق، وها هي الأخلاق، في الجنوب فقط، حيث الضعفاء وحدهم، ولأنّهم ضعفاء فقط فوحدهم من يملك إرادة مواجهة الأقوياء، وإعادة التوازن، العقل والأخلاق، للعالم، ولأنهم فقراء فلا شيء يخشون عليه إلا إيمانهم وكرامتهم وإراداتهم
من أدنى ظروف المكابدة التي يمرّ بها المرء في حياته الشخصية صعودا في واجبه العامّ واصطفافا إلى جانب فقراء العالم؛ لا شيء أثمن ولا أقوى من هذا الصمود، ينتزع به المرء إنجازه، أو في أقلّ الأمر يحافظ به على كرامته واحترامه لنفسه، لذلك، لا عجبَ أنّ بعض المثقفين والمعقبين على الشأن العام، وعلى هذه الحرب الدائرة، حتى من موقع الانتصار للمظلومين، لا تجد لهم في رؤاهم القلقة والمضطربة مكانة للصمود؛ قيمة ومعنى، فإدراك القيمة المادية للصمود لا يتأتى إلا من الإيمان والتجربة، والصمود في معناه العام هو رفض الاستسلام، لا ساعة المواجهة فحسب، بل في كلّ ساعة، وأن تتعلّم الوقوف بعد كلّ كبوة، والاشتعال بعد كلّ انطفاء، والبناء بعد كل هدم، والترميم بعد كلّ إتلاف.

ها هم الفقراء في غزّة قد ألقوا عود ثقابهم المشتعل على العالم الجافّ، وها هو صداهم في اليمن يثبت أنّ أمريكا تطبق على العالم بهيبة يمكن الوقوف إزاءها، وإظهار الصلابة نحوها، وها هي جنوب أفريقيا تضع "إسرائيل" في قفص الاتهام، ومعها ذلك العالم الذي يُسمّي نفسه بكلّ وقاحة، "العالم الحرّ"، إذ إنه حرّ في انتهاك بقية العالم واستضعافه وسرقته والتسلط عليه ونهب ثرواته، "العالم الحرّ" الذي يرى "إسرائيل" حرّة في إبادة من تشاء وتهجير من تشاء، في ضَربٍ من السياسة المُعدمة من كلّ منطق يمكن التفاهم معه، ومن كل خُلُق يمكن التعويل عليه.

ها هو المنطق، وها هي الأخلاق، في الجنوب فقط، حيث الضعفاء وحدهم، ولأنّهم ضعفاء فقط فوحدهم من يملك إرادة مواجهة الأقوياء، وإعادة التوازن، العقل والأخلاق، للعالم، ولأنهم فقراء فلا شيء يخشون عليه إلا إيمانهم وكرامتهم وإراداتهم.

هنا الجنوب.. الفرصة الوحيدة لعالم جديد.

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمن امريكا غزة اليمن القوة النظام العالمي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بعد کل

إقرأ أيضاً:

كشف كواليس "الفرصة الذهبية".. تصفية السنوار وشبانة

ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نقلا عن مسؤولين في حماس وعرب أن محمد السنوار قتل مع مجموعة من كبار مسؤولي الحركة كانوا في اجتماع عندما استهدفتهم غارة إسرائيلية.

وقال مسؤولون في حركة حماس ومسؤولون عرب إن الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة هذا الشهر أصابته أثناء حضوره اجتماعا لكبار قادة الحركة، مما أسفر عن مقتل عدد من العناصر المهمين وترك فراغ في القيادة العليا للجماعة التي صنفتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

وأوضح المسؤولون أن الغارة الجوية قتلت محمد السنوار، الذي تم دفنه بهدوء بعد أيام، إلى جانب قادة آخرين من بينهم محمد شبانة، قائد لواء رفح التابع للحركة.

وذكر المسؤولون أن قادة حماس كانوا مجتمعين في نفق بمدينة خان يونس جنوب غزة لمناقشة أمور، منها نهجهم في محادثات وقف إطلاق النار مع إسرائيل، عندما تعرضوا للقصف.

وخالف الاجتماع بروتوكولات حماس الأمنية خلال الحرب، وأتاح لإسرائيل فرصة لضرب عدة أهداف بالغة الأهمية في آن واحد.

وقال المسؤولون إن دقة الهجوم الأخير وتوقيته أظهرا قدرة إسرائيل الاستخباراتية الهائلة.

وأضافوا أن السنوار كان معروفًا بحرصه الشديد على البقاء بعيدًا عن الأضواء، ولم يكن يعلم بتحركاته أو كيفية الاتصال به إلا قلة قليلة من الناس.

وأشار المسؤولون العرب إلى أنه كان يعمل بشكل كبير خلف الكواليس، مما أكسبه لقب "الظل".

وعثرت حماس على جثمان السنوار بعد يوم من الغارة، ودفنته في قبر مؤقت داخل نفق آخر بعد إبلاغ عائلته، وفقًا للمسؤولين، مؤكدةً بذلك مزاعم إسرائيل بترجيح وفاته.

وأضاف المسؤولون أن حماس تعتزم نقل جثمان السنوار إلى مقبرة مناسبة بعد توقف القتال.

رجل الظل

ويعتبر السنوار واحدا من أبرز المطلوبين لجهاز الشاباك والجيش الإسرائيلي، ويُعتبر من أبرز من خططوا لهجوم 7 أكتوبر 2023، كما كان رافضا لأي تقدم في مسار مفاوضات تبادل الأسرى.

وحسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، فإن محمد السنوار أكد في الفترة الأخيرة مواقفه المتشددة، ما تسبب بأزمة داخلية في الحركة، خصوصا مع قادة الخارج الذين اختار الأميركيون التفاوض معهم بشكل مباشر، متجاوزين السنوار.

وبحسب الصحيفة، فإن قادة الخارج أصدروا تعليمات بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر، ما أثار غضب محمد السنوار الذي اعتبر أن القرار فرض عليه بالقوة.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الغضب دفع السنوار إلى دعوة قادة من جناحه العسكري لاجتماع موسع، دون اتخاذ احتياطات كافية، ما أتاح لإسرائيل "فرصة ذهبية" لرصده واستهدافه.

مقالات مشابهة

  • وفاة صاحب “السعفة الذهبية” العربية الوحيدة
  • نخب متأسرلة… وطنيون بالتقسيط
  • تقرير غربي: اليمن يغلق بوابة إسرائيل إلى العالم
  • قبيل دقائق من فتح صناديق الاقتراع.. ما هي البلديات التي فازت بالتزكية؟
  • نصائح دولية للبنان بعدم إهدار جهود إنقاذه ومخاوف من تقدم الملف السوري عليه
  • «قمة الإعلام العربي 2025» تجمع صناع الإعلام والقائمين عليه في العالم العربي
  • برعاية محمد بن راشد وتوجيهات أحمد بن محمد.. قمة الإعلام العربي 2025 تجمع صناع الإعلام والقائمين عليه في العالم العربي لرسم ملامح مستقبله
  • لمرحلة القادمة: لماذا يجب أن يُمنح كامل إدريس الفرصة؟
  • من يقود العراق؟ تقرير عالمي يكشف انهيار النخبة في العراق
  • كشف كواليس "الفرصة الذهبية".. تصفية السنوار وشبانة