موات ثقافى.. يستحق الإبادة!
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
ما هذا الذى يجرى فى الجسد الثقافى المصرى والعربى؟ ما حالة الموات التى دهمته ومازالت منذ اندلعت عملية طوفان الأقصي؟. الشارع كله يغلى ويئن ويسير على جمر النار، والمبدعون والمثقفون فى واد بعيد، وكأن على رءوسهم الطير؟ تحتفل إدارة جائزة ساويرس بتسليم جوائزها للفائزين بها، وفى ظل حالة غليان كهذه لا يصدر بيان عن لجنة الجائزة دعمًا للشعب الفلسطينى! الفائز بالجائزة هذا العام واحد من أكبر مبدعينا، الروائى فتحى امبابى (عن روايته رقص الإبل) فلم يفكروا فى منحه وقتًا للحديث عن أطفال غزة ولا عن دمارها ولا عن الإبادة العرقية الجارية هناك؟ الأدب لا ينفصل عن السياسة، وحتى رواية رقص الإبل نفسها أدب مضفر بالسياسة، وهى فى صلب قضية هوية أهل وادى النيل.
ملتقى ثقافى واحد- وربما اثنان فقط- هما من اهتما بأحداث غزة، برؤى متباينة، أما البقية من «الصالونات» فسارت على وتيرتها الوئيدة الغريبة، حيث أقامت أمسيات لشعراء متوسطين أو دون ذلك، وزعت على روادها شهادات تقدير- وربما دكتوراه فخرية!- ولم يشعروا بأحد أو يشعر بهم أحد!
أدونيس.. الشاعر والمبدع الكبير يتحاور ببيانات متبادلة مع اقطاب الثقافة والفكر فى العالم العربى - وبينهم قلة من المثقفين المصريين- أما الباقون فلم يدفعوا بكتاب للمطابع، ولم يدبجوا سوى مقال أو بضع مقالات كما هى حال أغلبنا، لكن عمل جماعي لم يحدث! آفة مصر هى غياب العمل الجماعى.
طالبت فى عدة مقالات سابقة بأن تتحول تظاهرتنا الثقافية السنوية المعروفة بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، إلى تظاهرة تحيى أدب المقاومة وتعيد إليه رونقه المفقود، ولكنّ أحدًا لم يهتم!
من هنا تأتى قيمة ما تقوم به لجنة الحريات بنقابة اتحاد كتاب مصر، التى نظمت سلسلة من الندوات المهمة، تفاعلًا مع ما يجرى فى غزة، بل وأكثر من هذا تستعد لإصدار كتاب يضم رؤى المبدعين لدعم أهلنا فى غزة، ربما يعوض هذا الصمت المريب الذى يجتاح أروقة أجهزة وزارة الثقافة. ومن هنا وجب تحية اللجنة برئاسة الشاعر مصباح المهدى.
وبعيدًا عن حالة الموات الثقافى الحالية، نحن مدعوون للتفكير والاجتهاد بحثًا عن حلول مختلفة للخروج بالقضية من النفق المظلم. بداية وحدة الفلسطينيين خير من انقسامهم.. الانشطار القائم يهدد القضية بالفناء وبطول أمد الصراع. الديمقراطية والانتخابات وكافة أشكال ووسائل العمل العام، لا تجدى إلا فى حالة وجود الدولة. وحدة القرار الفلسطينى أكثر جدوى من الديمقراطية. صوت الرفض الفلسطينى للتهجير إلى أى مكان وجب انطلاقه عاليًا.. مهما كانت الإغراءات التهجير نكبة فلسطينية جديدة. التطبيع بلا مقابل مع العدو الصهيونى لا يجب أن يحدث إلا مع الحل النهائى. المقاومة بالوعى والثقافة، والدول العربية تسهم فى إشعال جذوة الوعى الشامل بالقضية، ومثلما حذفت من المناهج الدراسية كل المواد المحرضة على العدو، يجب أن تدرس كل المواد التى تؤكد أحقية الفلسطينيين فى دولتهم. الحوار الفكرى الفلسطينى العربى مهم. وزارات التعليم العربية وجب عليها تدريس تاريخ فلسطين لطلابها، وتتيح لهم دراسة الماجستير ونيل الدكتوراه فى مجالات تتعلق بالقضية الفلسطينية. الإعلام الفلسطينى فقد قوته السابقة وعليه استعادتها. وعلينا إعادة تقليد الاحتفال العربى بذكرى يوم الأرض، ليكون يومًا عربيًا لفلسطين.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
رحلة النغم والألم ( 2 )
يستمر "عبد الحليم حافظ" في الحديث معى فيعرض إلى سرد المعالم الرئيسية في مشواره الفني وتعامله مع الجمهور، فيقول لى بثقة الفنان الأصيل المترع بالذوق الرفيع والإحساس الصادق: "أنا أحمل على أكتافي مهمة تبسيط الأداء، وهذا ما دفع بالجيل الغنائى الجديد أن يتجه صوب هذا الطريق". عندما يعرج على بداية حياته يقول في أسى المكلوم: " تحملت الصدمات منذ البداية لا سيما عندما عزف الجمهور عن الاستماع إلىّ، وطالبنى بالنزول عن المسرح وصاح البعض: "إيه ده اللى انت بتعمله؟". بيد أنى لم أحبط وتمسكت بالبقاء على المسرح حتى أحقق الهدف الذي جئت من أجله. تعاملت يومها مع السهل الممتنع، وهي مسألة في غاية الصعوبة".
وأسأله: هل توقعت هذه البداية من الجمهور؟ وكيف رسم لنفسه طريق الخروج من أزمة الموقف؟ فقال: "كل وسيلتي يومها كانت الاستمرار في البقاء وعدم مغادرة المسرح". ويردف قائلا: " أنا لا أعيش في أفكار مسبقة قبل مواجهتي للجمهور باستثناء العمل الغنائي. عندما أتجه إلى المسرح أتصرف بالبساطة. ما يأتى وأنا على المسرح يكون رد فعل للحظة ذاتها. فما كان من الممكن أن أرسم صورة مسبقة لمواجهة الجمهور، لأنني لو فعلت ذلك سأفشل، وأنعزل عن أحاسيس الناس. وأنا في ذلك أسير وفق ما قاله " هيتشكوك" ذاته:" كل واحد منا في إمكانه أن يمثل شرط أن يعطى للدور ما هو مطلوب".
ويحدثني عما كان يشغله في تعامله مع الأحداث والتطورات، فيقول: "تشغلنى المشاكل الاجتماعية بكل أشكالها. ولقد أدركت أن ما نعانى منه من فقر ومرض سببه الأول والأخير هو الجهل، ولهذا كان يتعين على التعليم أن يسلك الطريق الصحيح. ومن الطبيعى أن التعليم لا يتم إلا عن طريق إنشاء الجامعات، والإسهام في بناء الكليات، ولا بد من تعاون الحكومة والشعب لمحو الجهل والأمية. أمر آخر يشغلنى هو مسألة الحروب، فهي إذا انتهت في مكان اندلعت في مكان آخر. والمثال واضح أمامنا، فالحرب قد تتوقف في فيتنام لتندلع في الشرق الأوسط. وهناك مشكلة عدم استقرار في العالم، مع مشكلة تضخم السكن وغلاء المعيشة، وهذا ليس في مصر فقط وإنما في كل مكان في العالم".
ويتحدث "عبد الحليم حافظ" عن المشاكل التى قد تعرض للشباب فيقول:" مشكلة الشباب ذاتها هى التى تدفعهم إلى تدمير أنفسهم كى يشعر العالم بوجودهم، وانسياقهم في تيارات اللامبالاة، ونبذهم لوجوه الحياة، وهو ما يؤدى بهم إلى العيش في قلق دائم وتوجس، ويزداد الأمر وطأة بأن يجابه الشباب الطرق المسدودة في مختلف المجالات".
ويحدثنى "عبد الحليم" عما يفعله في أوقات الفراغ فيقول:" أعيش مع الموسيقى معشوقتى، فأستمع إليها، وأشاهد الأفلام السينمائية بكل ألوانها، وأمارس رياضة "البنغ بونغ"، وأقرأ في الأدب والسياسة". أما الأمور التى تتكرر كثيرا معه فتتعلق بالمشاعر مع المعجبين، وكلمات التقدير التي يخطها لهم سواء على صورة من صوره، أو على ورقة في " الأوتوجراف" فيقول: " كل تمنياتى بالسعادة والحب"، ويردف " عبد الحليم" قائلا: لقد اكتشفت قبل عامين أنها كلماتى الدائمة التى أكتبها للناس في معرض تقديرى لمشاعرهم تجاه أعمالى الفنية".
لقد بدا لى "عبد الحليم حافظ" ــ الذى يحمل بين أضلاعه كميات مكثفة من المشاعر والألم ــ أنه لم يصب بردود فعل سلبية من جراء ذلك، بل على العكس فإن كل الألم الذى اختصه والتصق به زاد من رهافة حسه، وزاد من نظرته الصافية تجاه الناس والأشياء، ولهذا غدا المألوف منه هو العبارة التي يعلق بها على كل ما يكتبه المعجبون به والتي اختصرها في قوله: "كل تمنياتي لكم بالسعادة والحب".