لماذا دعم البرهان حميدتي بإصرار خلال الفترة الانتقالية؟ (4 – 10)
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
تعرض المقال الأول للأهمية القصوى لإيقاف الحرب ومعالجة أسبابها، التي لن تتم بدون وحدة القوى المدنية، للدفاع عن التصور الديمقراطي لحل هذه الأزمة الكارثية. وكان المقال الثاني بعنوان " من يحمي الديار من حماة الديار؟" ومقولته الأساسية ان الخطر على استقرار الشعوب يأتي من الجيوش، عندما تنتزع السلطة. أما المقال الثالث فقد واصل، نفس الطرح، بتأكيد ان أكبر وأعظم المخاطر على الجيوش تأتي من الانقلابات التي تتحدث، زورا، باسم الجيوش نفسها.
أسست قوات الدعم السريع في 2013، وكان ذلك احتفاءا بنجاحات ما سمي بحرس الحدود في محاصرة الحركات، ثم احضار قواته الى الخرطوم لقمع انتفاضة 2013، ولإرهاب سكان الخرطوم. صدر القانون المنظم له في سنة 2017 وترقي حميدتي من رتبة العميد الي رتبة اللواء. كان قواته حوالي 30 ألف عند التأسيس ووصلت الي 50 ألف عند التقنين، وتخطت مائة ألف عند اندلاع الحرب..
قامت اللجنة الأمنية، بتوجيه من الحركة الاسلاموية، بانقلاب عسكري في 11 أبريل لقطع الطريق على ثورة ديسمبر. رفضت جماهير الاعتصام تعيين ابن عوف. فتم تقديم البرهان، الذي اشترط مشاركة حميدتي. كان ذلك امتداد طبيعي للحلف الذي نشأ بينهما، عندما عملا معا في مكافحة الحركات في دارفور.
شاركت قوات الدعم السريع مع الجيش في ارتكاب مجزرة فض الاعتصام. وعندما زلزلت مواكب 30 يونيو 1989 الأرض تحت اقدام المجلس العسكري الانتقالي، تراجع وقبل التفاوض مع قحت. وفي 11 يوليو 2019 (بعد شهر من مجزرة فض الاعتصام) وقبل انتهاء المفاوضات حول الوثيقة الدستورية في أغسطس19، صدر التعديل الأول لقانون الدعم السريع، بتأثير مباشر من البرهان، الذي وقع عليه، رغم عدم امتلاكه الحق في ذلك. وسمي الامر الدستوري 32. هذا التعديل نص على مهام واسعة للدعم السريع تشمل مكافحة الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب وغيرها. هذا التعديل قنن استمرار مشاركة الدعم السريع مع أوربا فيما سمي بعملية الخرطوم، ونال منها مئات الملايين من الدولارات.
هذا التعديل يكشف جزء من خفايا ومؤامرات العسكر عند تفاوضهم حول الوثيقة الدستورية. أعتقد ان هذا وغيره من أخطاء القوى المدنية يحتاج للكشف والنقاش علنا. الهدف الأساسي من ذلك التعديل هو نقل صلاحيات القائد الأعلى للقوات، في قانون 2017، الى القائد العام للقوات المسلحة. بصريح العبارة الا يكون للمدنيين ولرئيس الوزراء أي سلطة على الدعم السريع. وتزاد الريبة عندما تم تعديل أخر في 30 يوليو، بعد 3 أسابيع من التعديل الأول، بإلغاء المادة 5 من قانون الدعم السريع (الخضوع لقانون القوات المسلحة) وتنص على: (يجوز لرئيس الجمهورية في أي وقت ان يدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وتخضع عندئذ لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2009). جاء هذا التعديل المستعجل ليعطي حميدتي سلطات مطلقة على قواته. واصل البرهان دعم حليفه حميدتي بمنحه حق التنقيب الحصري عن الذهب في جبل عامر بدارفور، وقد استخدم حميدتي السلاح ضد بقية المعدنيين. استخراج الذهب بكميات تجارية فتح الباب للتحالف مع الامارات وروسيا.
وقع حميدتي على الوثيقة الدستورية ممثلا للمكون العسكري، الأمر الذي أبرز مكانته العالية وسط المكون العسكري، واعطته نفوذا سياسيا كبيرا.
نصب حميدتي كنائب لرئيس مجلس السيادة رغم عدم وجود نص على ذلك في الوثيقة الدستورية، وهكذا ينال المكون العسكري رئيس ونائب رئيس مجلس السيادة. وقد استغل حميدتي تلك الصفة ليوسع من نفوذه وكثرت تحركاته الداخلية والخارجية.
فرض حميدتي كرئيس لوفد الحكومة للتفاوض مع الحركات الدارفورية في جوبا، وتسربت معلومات انه كان يحسم النقاط الخلافية بقرار منه دون الرجوع للخرطوم. وكان هناك اتهام علني ان حميدتي عقد حلفا (تحت التربيزة) مع الحركات المسلحة.
أعطى البرهان الدعم السريع وبقرار فردي ثلث قيمة الصناعات العسكرية، التي تم تمويلها من أموال دافع الضرائب.
أوضحت جلسات محكمة بكراوي بتهمة قيادة انقلاب، محاولة حميدتي السيطرة على سلاح المدرعات، ولم يحرك البرهان ساكنا. كما تكررت الاخبار عن إهانة قوات الدعم السريع لقادة عسكريين كبار، وغيرها ما كان معروفا، وسط صمت من قيادة الجيش.
تشارك البرهان وحميدتي في تنفيذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، كما شاركت قواتهما في قمع المتظاهرين بوحشية وسادية.
فشل انقلاب 25 أكتوبر في ان يجد أي سند شعبي، وصار السودان بلا مجلس وزراء، وتوسع الرفض الشعبي في كل السودان. وتضارب المصالح والطموحات الشخصية لكل منهما. وضغوط حلفاء الرجلين داخليا وإقليميا زاد من حدة التناقضات، وأصبح الفتور، بل العداء، يرشح للرأي العام. وجاء الاتفاق الاطاري ليفتح ملفات الدمج مرة أخري.، وكذلك قضية اصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية. شعر الاسلامويين بخطورة الأمر، فنظموا حملة لمعارضة الاتفاق الاطاري. حاول كرتي الضغط على حميدتي لإرغامه على التراجع. ورأت الامارات، بوضوح وبلا مواربة، سيطرة الاسلامويين على السلطة بعد انقلاب 25 أكتوبر، فضغطت على حليفها حميدتي.
جوهر العرض أعلاه، ان قيام البشير بالاعتماد على قوات الدعم السريع لحمايته، هو مشابه لكل ما قامت به الأنظمة العسكرية في العالم العربي من إنشاء جيوش خاصة لحماية القائد. أما البرهان، في إطار سعية المحموم، للبقاء رئيسا فقد عمل منذ انقلاب 11 أبريل2019، على استخدام حميدتي كأداته الضاربة لإرهاب الشعب، ترويع شركائه في قيادة الجيش، وتهديد وما تبقي من الوطنية داخل الجيش من خطورة التحرك ضده.
تأكيدا لمقولتنا بان قادة الأنظمة العسكرية يرتكبون كل الجرائم، ويفعلون أي شيء للبقاء في السلطة.
siddigelzailaee@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الوثیقة الدستوریة قوات الدعم السریع هذا التعدیل
إقرأ أيضاً:
لماذا يتعمد عثمان ميرغني التضليل؟
لماذا يتعمد عثمان ميرغني التضليل؟
بابكر فيصل*
قلت في كثير من المناسبات أن حرب الخامس عشر من أبريل هى حرب الأكاذيب بإمتياز، حيث تم إستغلال وسائل التواصل الإجتماعي والصحف ووسائل الإعلام من أجل التضليل ونشر الدعاية وتشكيل الرأي العام عبر تزييف الوقائع واستبدال الحقائق بالتصورات والرغبات.
قد كتب الأستاذ عثمان ميرغني مقالاً بعنوان “تصريحات بابكر فيصل” يعكس حقيقة ما ذهبت إليه من وصف الحرب التي تدور رحاها في بلادنا بأنها حقاً حرب الأكاذيب، حيث تعمد بتر تصريحي لصحيفة الشرق الأوسط من سياقه، كما أنه تبرع بالحديث بلساني وتفسير كلامي حسب رغبته وليس كما قلته أو قصدت إليه.
في البدء يتوجب علىَّ إيراد التصريح كاملاً حتى تتضح الصورة وينكشف التضليل :
(وفي هذا الصدد، رأى رئيس المكتب التنفيذي لحزب «التجمع الاتحادي»، بابكر فيصل، أن إعادة طرح خريطة الطريق السابقة في القمة العربية، «تشبه إملاء شروط طرف منتصر على طرف مهزوم، وهو أمر لا يعكس ما يجري على أرض الواقع».
كما رفضت «قوات الدعم السريع» تأييد الأمم المتحدة لمبادرة عدتها «أحادية الجانب» من طرف الجيش، قائلة إن ذلك يعرّض للخطر مصداقية الهيئة الأممية، بوصفها “وسيطاً محايداً”
وأضاف فيصل في تصريح لـ«لشرق الأوسط»، أن على طرفي الحرب العودة إلى التفاوض في «منبر جدة»، وإجراء حوار جدي لوقف الاقتتال، ويستصحبوا فيه ما تم التوافق عليه في «اتفاق المنامة»، مشيراً إلى أن ما تم التوافق حوله حينها بلغ نسبة 85 في المائة حول تفاصيل وقف العدائيات وإطلاق النار.
وقال فيصل، لا توجد إرادة حقيقة كافية لوقف الحرب، وما كان يمكن تحقيقه قبل سنتين منذ اندلاع الحرب قد يصعب تحقيقه الآن. وأضاف أن إعلان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في القمة الخليجية – الأميركية بالرياض حول مواصلة الجهود لوقف الحرب في السودان «أمر جيد، ونتمنى اتباعه بخطوات تنفيذية لاستئناف منبر جدة، بدعوة الأطراف المتحاربة للعودة إلى التفاوض، خصوصاً أنه تم قطع أشواط كبيرة في المحادثات السابقة.
وأشار إلى أن المرجو من «منبر جدة» أن يصل بالأطراف المتحاربة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وترتيبات إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، وإفساح المجال أمام القوى المدنية لتقرر في العملية السياسية، ما بعد إيقاف الحرب).إنتهى
كتب عثمان ميرغني التالي : (هذا الحديث خطير للغاية من عدة أوجه الأول : بابكر فيصل بذلك أعطى نفسه حق تمثيل الدعم السريع وتقدير أن هذه الشروط غير مقبولة، وكان الأفضل أن يترك هذا الأمر للطرف المعني أن يقرر ذلك).
وجه التضليل في حديث عثمان أعلاه هو إدعاؤه أنني تحدثت إنابة عن الدعم السريع، بينما أنا أتحدث أصالة عن الحزب الذي أمثله,وهو حزب له قراءة ورؤية للحرب وكذلك له تقديراته السياسية الخاصة والمستقلة، ولا يتخبط في أحاديثه كما يتخبط الأستاذ عثمان الذي قال بتفكيره الرغبوي المعهود في حوار مع قناة الغد قبل أكثر من عام أن “الحرب في السودان إنتهت”.
التضليل يبدو أكثر وضوحاً في بتر عثمان ميرغني لبقية الخبر الذي يقول : (كما رفضت «قوات الدعم السريع» تأييد الأمم المتحدة لمبادرة عدتها «أحادية الجانب» من طرف الجيش، قائلة إن ذلك يعرّض للخطر مصداقية الهيئة الأممية، بوصفها “وسيطاً محايداً”).
الحديث أعلاه ليس حديثي أنا بل هو رأي قوات الدعم السريع وهو الأمر الذي ينفي أنني أتحدث نيابة عنها.
ويواصل عثمان ميرغني في كلامه المغرض قائلاً : ( هنا لم يكتف بابكر فيصل بالتحدث إنابة عن الدعم السريع بل تعسف وتطرف في تمثيله للدرجة التي يحكم فيها -وهو مدني بلا خبرة عسكرية- بقوة وضع الدعم السريع الميداني. الوجه الثاني : بابكر فيصل منح نفسه صفة المحكم العسكري الذي يقرر أن الوضع الميداني تميل كفته لصالح الدعم السريع.. لا أعلم على أساس أو خبرة عسكرية بنى ذلك؟ قد يوحي ذلك للبعض أنه خلط بين الأماني والحقائق).
هنا أستسمح القاريء الكريم أن ينظر لحديثي كاملاً كما أوردته في صدر المقال، هل يوجد فيه أي كلام عن قوة وضع الدعم السريع الميدانية؟ وهل فيه ذكر لأن الوضع الميداني تميل كفته لصالح الدعم السريع ؟ هذا كذب صريح وتضليل فاجر !
إنَّ عدم واقعية خارطة الطريق التي قصدتها تتمثل في الجزئية التي تتحدث عن شروط الجيش المتمثلة في الآتي : إنسحاب الدعم السريع من جميع المدن والمناطق التي يُسيطر عليها وفك الحصار عن مدينة الفاشر فضلاً عن تسليم سلاحه وتجميع قواته في أماكن محددة. هذه الشروط في رأي الحزب الذي أمثله غير واقعية ولن تؤدي لذهاب الطرفين لطاولة المفاوضات.
والمفارقة أن هذا الرأي قال به حزب آخر مؤيد للجيش وقد ورد رأيه في ذات تقرير الشرق الأوسط ولكن عثمان ميرغني تعمد عدم الإشارة إليه إمعاناً في التضليل, حيث جاء في التقرير الآتي : (بدوره قال رئيس حزب الأمة “الإصلاح والتجديد” مبارك الفاضل المهدي إن خريطة الطريق المقدمة من الجيش للأمم المتحدة “غير واقعية”).
لماذا لم يتهم عثمان ميرغني “حزب الأمة” بأنه يتحدث بالإنابة عن الدعم السريع ؟ ولماذا لم يتهمه كذلك بأن حديثه عن “عدم واقعية” خارطة الطريق يعني أن الوضع الميداني تميل كفته لصالح الدعم السريع ؟
إن وقف الحرب لن يتم إلا بعد توفر الإرادة لدى الأطراف المتحاربة، وتوحيد الصف المدني الداخلي لممارسة أقصى أنواع الضغط على الأطراف فضلاً عن حشد الدعم الإقليمي والدولي للعب ذات الدور. الإشتراطات غير الواقعية لن تفعل شيئاً سوى إطالة أمد الحرب واستمرار نزيف الدم والخراب.
ختاماً : قد ظل موقفنا الداعي لوقف الحرب ثابتاً منذ اليوم الأول لإندلاعها، ولم نتزحزح عن رؤيتنا رغم تعرضنا لحملات ضخمة من التضليل والإساءة والتخوين، ومع مرور كل يوم من الحرب يتأكد صواب رؤيتنا التي سنستمر في التمسك بها من أجل وقف معاناة الشعب السوداني، لن ننحني للإبتزاز أو التهديد والوعيد وسنتصدى لكل حملات التضليل والأكاذيب بالحجة والمنطق السديد.
* رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي والقيادي بتحالف (صمود)
الوسومالجامعة العربية الجيش الحرب الدعم السريع السودان الشرق الأوسط بابكر فيصل تحالف صمود حزب التجمع الاتحادي عثمان ميرغني