أفعال إسرائيل وأمريكا أدخلت العالم مرحلة حرجة

عادت قضية فلسطين تحتل موقع الصدارة فى اهتمامات الناس وبخاصة أجيال جديدة انشغلت عقودا بمسليات ترفيهية حفلت بها ثورة السوشيال ميديا.

تدحرجت مكانة سلطة رام الله وحراسها نحو مزيد من الهامشية، ليس فقط لدى شعب الضفة وغزة بل فى أوساط إسرائيلية ودولية خاصة في عالم الجنوب.

ألمانيا مارست الإبادة البشرية واسع النطاق ضد شعب ناميبيا بين 1904 و1908 أي قبل أن وصول هتلر إلى السلطة فى برلين وقبل أن يمارس الإبادة ضد اليهود.

بتعبئة عسكرية وسياسية هائلة، تدخلت أمريكا بالتواطؤ مع إسرائيل فى حرب إبادة واضحة ضد شعب يحاول الحصول على حقه فى إقامة دولته المستقلة على أرضه.

المعركة باستمرارها وخسائر الجانب الإسرائيلى وبطولة مقاتليها الفلسطينيين تستحق فى صفوف مفكرى العرب وعامتهم صفة الملحمة كما كان يروى عن حروب الأقدمين.

خطط دبرت بعناية قبل شن الحرب ضد الضفة ثم ضد غزة لتفريغهما وتثبيت الدول العربية في قوالب حديدية تشل حركتها وتستكمل إجراءات إخضاعها للهيمنة الإسرائيلية.

قررت أطراف منها الدول العربية التعامل مع حرب فلسطين الدائرة كقضية محدودة ومحددة المكان والزمان رغم تطورات وأفعال كشفت أن تفاصيل حرب غزة والضفة اليومية ليست إلا قمة جبل جليد.

* * *

بينما قررت أطراف بعينها، من بينها الدول العربية، التعامل مع حرب فلسطين الدائرة حاليا كقضية محدودة ومحددة المكان والزمان، حدثت تطورات ووقعت أفعال كشفت عن أن التفاصيل اليومية لحرب غزة والضفة الغربية ليست سوى القمة الظاهرة من جبل جليد.

جبل عامر بالأساطير والخرافات والغرائب وبقصص من الكتب الدينية وبجماعات استيطان يهودية إرهابية أو عصابات إجرامية من بروكلين الأمريكية ومثيلاتها فى شرق أوروبا وفرنسا ومن ألمانيا.

عامر أيضا بخطط بدت كما لو كانت دبرت بعناية قبل شن الحرب ضد الضفة الغربية ثم ضد غزة لتفريغهما ولتثبيت الدول العربية داخل قوالب حديدية تشل حرية حركتها وتستكمل بها إجراءات إخضاعها للهيمنة الإسرائيلية.

من هذه التطورات والأفعال والغرائب المهمة والمؤثرة وهى كثيرة اخترت ما يلى:

أولا: استمرار القتال فى غزة إلى ما بعد المئة يوم

كانت المعركة وما زالت تدور بين أفراد أو مجموعات منهم من ناحية، ومن ناحية أخرى دولة كان جيشها فخرها وأمريكا القطب الأوحد حليفها، أقصد شريكها والمتواطئ معها تخطيطا وتنفيذا وحماية من حاملة طائرات يرافقها أسطولها.

كادت المعركة باستمرارها وخسائرها على الجانب الإسرائيلى وبطولة مقاتليها على الجانب الفلسطينى تستحق فى صفوف مفكرى العرب وعامتهم صفة الملحمة كما كان يروى عن بعض حروب الأقدمين.

عادت قضية فلسطين تحتل موقع الصدارة فى اهتمامات الناس وبخاصة الأجيال الجديدة التى انشغلت لعقود بمسليات ترفيهية حفلت بها ثورة السوشيال ميديا.

اليوم يتحدث شباب العرب وبكل اعتزاز وفخر عن شجاعة المقاوم الفلسطينى العربى وعدالة قضيته وعن بطولات وكرم أخلاق وحسن معاملة شهد بها أسرى يهود أفرج عنهم.

بالمناسبة، وبحكم المنطق أيضا، تدحرجت مكانة السلطة الحاكمة فى رام الله ومعها حراسها نحو مزيد من الهامشية، ليس فقط لدى شعب الضفة وغزة ولكن أيضا فى الأوساط الإسرائيلية والدولية وبخاصة فى عالم الجنوب.

ثانيا: حكاية ألمانيا

لعلها الحكاية الأكثر تعقيدا على الفهم والتعامل فيما صار يعرف بمجتمع حرب غزة. فهمنا الموقف الأمريكى وإن مال عدد من المسئولين العرب إلى ادعاء الاندهاش لهذا الموقف باعتبار أمريكا حليفة العرب.

وفهمنا الموقف البريطانى الذى جىء باللورد كاميرون من أجل تطبيقه ضد الحوثيين فى اليمن على الوجه الذى يستحقه مثل هذا الجانب من تراث الإمبراطورية وتقاليد الاستعمار البريطانى.

لم يفهم أكثرنا التعقيدات الغريبة فى الموقف الألمانى. المشكلة مع أبناء جيلى أننا نضجنا فى فترة كانت ألمانيا واليابان تستعيدان مجدا صناعيا بسرعة وثبات.

كانتا محل إعجابنا نحن سكان العالم النامى. لذلك يجد بعضنا صعوبة فى تفسير هذا الالتصاق الألمانى الشاذ بإسرائيل وممارستها بشغف وتدين عملية الإبادة البشرية لشعب كامل. أظن، ولن أكون مخطئا، أن ألمانيا فقدت تعاطفنا وسوف تفقد علاقات طيبة بكثير من أبناء جيلى وأجيال جاءت من بعد.

زادنا اقتناعا بسلامة موقفنا وخطأ الموقف الألمانى الغريب ما حدث من رد فعل ناميبيا، إحدى مستعمرات ألمانيا الأفريقية، قبل وخلال انعقاد جلستى محكمة العدل الدولية المخصصتين لمناقشة الدعوى الرائعة، محتوى وصياغة وعلما، المرفوعة من حكومة جنوب أفريقيا ضد ما اعتبرته سياسة إسرائيلية ممنهجة لإجراء عمليات إبادة بشرية لسكان غزة.

تبين أن أجيالا أفريقية وراء أجيال وأجيال عربية وآسيوية لم يكن قد نما إلى علمها فى غمرة عشقها وانبهارها بالصعود الألمانى أن ألمانيا نفسها مارست الإبادة البشرية على نطاق واسع ضد شعب ناميبيا فى الفترة ما بين 1904 و1908 أى حتى قبل أن يصل المدعو هتلر إلى سدة المستشارية فى برلين وبطبيعة الحال قبل أن يمارس الإبادة ضد اليهود.

ألمانيا الآن مطالبة من جانب الرأى العام العالمى، خاصة أهل الجنوب العالمى، بالاعتذار لشعب ناميبيا والإعراب عن نيتها دفع التعويضات اللازمة كما فعلت مع إسرائيل. ألمانيا قبل أمريكا وبريطانيا «العظمى» مطالبة بالتكفير عن ذنب عظيم وعن ارتكابها فعلا شريرا فى حق شعب فلسطين ومن قبله شعب ناميبيا.

من ناحية أخرى سمعت من دبلوماسى شرق أوروبى اعتقاده أنه بسبب هذا الموقف الألمانى من أحداث غزة فالمتوقع فى العقود القادمة ألا ترتاح شعوب شرق أوروبا للتعامل المكثف مع ألمانيا أو التحالف الوثيق معها خشية أن تعود فتمارس الإبادة مجددا أو تدفع حلف الأطلسى إلى ممارستها فى مواقع الأزمات الأوروبية وخارجها.

ثالثا: غرائب التراث

قرأت أن مسئولا إسرائيليا ألقى فى جنوده خطبة حفلت بكثير من غرائب القول والتاريخ مع احترامى وتقديرى للظروف والعقائد التى احتوت على هذه الغرائب أو بشرت بها. سمعت وأنا طفل ينام كل ليلة على حكايات ألف ليلة وليلة وحكايات من التراث الدينى لمختلف الشعوب.

عدت فى الأسبوع الماضى أى فى الألفية الثانية بعد الميلاد لأسمع نقلا عن هذا المسئول [نتنياهو]، وهو نفسه المسئول عن تنفيذ هذه المذبحة البشرية، وهو أيضا المتهم فى عرضه وشرفه!

عدت لأسمع نقلا عنه هو وغيره من وزراء التطرف الدينى يدعو جنوده لذبح الفلسطينيين، رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا وكل حيواناتهم الأليفة تنفيذا للدعوة الإلهية إلى بنى إسرائيل قبل نحو 3500 سنة لإبادة «العماليق»، وفى سردية أخرى أطلق عليهم «الجبارين»، سكان الأرض التى نزل فيها الإسرائيليون بعد خروجهم من مصر.

أعرف أن مسئولين أوروبيين يخشون أن تنعكس حرب غزة على أوروبا فى شكل موجة من العداء للسامية تحملها وتنفذها جماعات وحركات يمينية متطرفة. أعرف أيضا وبكل ثقة أن دولنا العربية وشعوبها معرضة الآن وربما لعقود عديدة قادمة لتهديد مماثل نتيجة عمليات القتل والتشريد التى يتعرض لها «عماليق» هذه الأيام، هم سكان الأرض التى نزل إليها «إسرائيليو» أيامنا.

جاء فى كتب التراث عن عماليق تلك الأيام وأنقل حرفيا «فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له، ولا تعف عنهم، بل أقتل رجلا وامرأة، طفلا ورضيعا، بقرا وغنما، جملا وحمارا».

هذه النصوص وغيرها تناقشه الآن بجدية واضحة أحاديث كثير من رواد صالونات السياسة فى عواصم عربية، وأمامهم على الشاشات مسئولون إسرائيليون فردوا خرائط اختفت منها الحدود السياسية لدول المشرق العربى وحل محلها لون واحد وعنوان كبير هو «خريطة دولة إسرائيل».

رابعا: لاهاى وجنوب أفريقيا

لم أتفاجأ تماما بما فعلته دولة جنوب أفريقيا برفعها دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. انبهرت بمذكرة الدعوى وازداد انبهارى عندما صرح لى الصديق ورجل القانون الدولى المعروف الدكتور علي الغتيت بأن المذكرة وثيقة يجب الاعتزاز بها كوثيقة نادرة من جميع النواحى.

انبهرت بالمذكرة ولم أتفاجأ بموقف جنوب أفريقيا. قضينا الأعوام الأخيرة نراقب ونتحسس ثورة فى المهد تتفجر فى أنحاء شتى من القارة السمراء. بدت لنا أفريقيا وقد قررت أخيرا أن سياسة الانصياع والخضوع لأدوات الاستعمار الجديد لم تجلب إلا تعطيل التقدم وتراكم عناصر التخلف.

كان واضحا فى الوقت نفسه أن الغرب يعود باندفاع وطاقة تنافسية جديدة لفرض نوع مختلف من الاستعمار تحت أسماء مبتكرة وقد انضمت الولايات المتحدة إلى القوى الأوروبية بذريعة التصدى للصين.

انتهينا إلى قناعة مفادها أن موقف جنوب أفريقيا من إسرائيل إنما هو إلى جانب أصوله التاريخية فى تجربة الأبارتهايد ودور إسرائيل فى تعضيدها عملا ثوريا أو على الأقل انتفاضة أفريقية قوية ضد سياسات الغرب والنظام الدولى بشكله الراهن وتأييد لحركة الجنوب العالمى نحو التقدم.

خامسا: روسيا والصين

بدا لى ولغيرى صوتهما خافتا على امتداد حرب الضفة وغزة. تفهمت الأمر. راح اعتقادى إلى أن الدولتين توصلتا مبكرا إلى أن الشرق الأوسط مقبل على تغييرات عظمى. توصلتا أيضا إلى أن كلا من أفريقيا وأمريكا اللاتينية تقف على فوهة بركان يوشك أن ينفجر.

فالدلائل غير قليلة سواء ما ارتبط منها بأزمة الاقتصاد العالمى أو ما تعلق بصعود تيارات قومية بتوجهات معادية للغرب. من الدلائل أيضا، وربما على رأسها، الوضع القلق، سياسيا واجتماعيا، في أمريكا، وهو المتسبب فى أنواع شتى من التوتر وعدم اليقين فى دول عديدة بحكم مكانة أمريكا كقوة ما تزال عظيمة التأثير فى مجريات السياسة الدولية.

بدا هذا الأمر واضحا بما لا يدع مجالا كبيرا للشك عندما تدخلت أمريكا بقوات عسكرية هائلة وتعبئة سياسية معتبرة، تدخلت بما يشبه التواطؤ مع إسرائيل فى حرب إبادة واضحة المعالم ضد شعب يحاول الحصول على حقه فى إقامة دولته المستقلة على أرضه.

بهذا التدخل وبما أعقبه من أخطاء فى السياسة الخارجية ارتكبتها أجهزتها العسكرية والدبلوماسية فقدت أمريكا لصالح الصين وروسيا أرصدة هامة كانت لها فى الشرق الأوسط وأوروبا والجنوب العالمى.

* * *

أتصور أن الحرب ضد الضفة وغزة كما أوضاع السياسة فى الداخل الأمريكى وفى الداخل الإسرائيلى والقلق السائد فى شتى أنحاء الشرق الأوسط دخلت جميعها مرحلة حرجة.

فى هذه المرحلة سوف تسعى أطراف إلى الإسراع فى لملمة خسائرها وفى الغالب بدون ضرورة للاشتباك مع أطراف أخرى. من ناحية ثانية توجد أطراف متزايدة العدد سوف تسعى للاستفادة من فرص لم تكن لتتوفر لولا الفوضى التى أتاحتها هذه الحرب والوحشية التى اتسمت بها.

*جميل مطر كاتب ومفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق

المصدر | الشروق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا ألمانيا ناميبيا إسرائيل أبارتهايد الضفة غزة فلسطين روسيا الصين الغرب النظام الدولي جنوب أفريقيا الجنوب العالمي الدول العربیة جنوب أفریقیا الضفة وغزة من ناحیة حرب غزة قبل أن ضد شعب

إقرأ أيضاً:

كاتبة في الغارديان: تغير حديث العالم عن إسرائيل لن ينقذه أو يغيّر التاريخ

شددت الكاتبة في صحيفة "الغارديان" البريطانية، نسرين مالك، على أن طريقة حديث العالم عن دولة الاحتلال الإسرائيلي تغيرت جراء العدوان المتواصل على قطاع غزة، مشيرة إلى أن "جواء التواطؤ دفعت قادة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى خطاب جديد. لكن هذا لن يُنقذهم - ولن يُغير مجرى التاريخ".

وتابعت متسائلة في مقال ترجمته "عربي21"، "لماذا الآن؟ هذا هو السؤال. لماذا الآن، بعد 19 شهرا من الهجوم المتواصل الذي كان واضحا للجميع، والذي أعلنته السلطات الإسرائيلية نفسها، هل بدأ توجه الأمور يتغير بشأن غزة؟".

وأضافت أن "التغيير الملحوظ في لهجة قادة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، يُمثل تحولا واضحا عن هراء المخاوف والتأكيدات المتكررة على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. الآن، أصبح الخطاب هو أن أفعال إسرائيل "غير مبررة أخلاقيا" و"غير متناسبة تماما"، وأن تهديدات قادتها "بغيضة". بعض هذا يُبشر بالمستقبل".


وبحسب المقال، فقد بلغت الحرب حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بطرق باتت لا يمكن إنكارها أو تبريرها، أو تحويلها. حاول البعضُ ذلك بجد لمدة عام ونصف، لكنهم الآن لا يستطيعون الوقوف على منبر أو الجلوس على مائدة عشاء والقول، نعم، في الواقع، إن هناك حجة لقتل 100 شخص يوميا، كما كان الحال الأسبوع الماضي. أو أن لدى إسرائيل خطة أخرى غير ما أعلنه قادتها باستمرار بأنها خطة تهجير واستيطان. لقد ولى زمن الحجةِ القائلة بأن الأمر  ببساطة يهدف إلى القضاءِ على حماس. إسرائيل، كما اشتكى أحدُ حلفاءِ وسائلِ الإعلامِ البريطانية، قد تركت أصدقاءها في وضع صعب.

ولكن ثمةَ فجوة بين الإدانة والغضب، وما يحدثُ على الأرض، وفقا للكاتبة، فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، تُحطَّم أذرع اللومِ الدولي. طوال الحرب، أصبحت المنظمات الدوليةُ والبعثات الإنسانيةُ ومحاكم العدلِ عاجزة بسببِ عجزِها عن ترجمةِ نتائجِها إلى أفعال. الكلماتُ وحدها لا تعني شيئا. إنها ببساطة ترتدُّ عن قبةِ إسرائيلَ الحديديةِ للإفلاتِ من العقاب.

وتابعت الكاتبة بالقول إن كل يوم، يستيقظ العالم ويواجه قيادة إسرائيلية تنتهك كل قانون من قوانين الأخلاق والمنطق. الضحايا هم المعتدون، والعاملون في المجال الإنساني متحيزون، والجيش الذي يقتل المسعفين العزل هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. الأعلى هو الأسفل.

وشددت الكاتبة على أن التغيير الأخير في لغة حلفاء إسرائيل الدوليين أمر لافت للنظر. ولكن من الخطر المبالغة في تقدير أهميته. فليس الأمر أن السلطات الإسرائيلية لا تهتم فحسب، بل تستمد القوة من الإدانة. كل هذا يثبت أن البلاد بمفردها ويجب أن تستمر لأنها، كما كانت دائما، يُساء فهمها، ويتم التمييز ضدها، ومحاطة بالأعداء. يبدو التحول وكأنه تقدم كبير فقط بالمقارنة بما حدث من قبل. لفترة طويلة، تم تشويه فعل تسمية ما يحدث في غزة باسمه، بل وتجريمه.

وأشار المقال إلى أنه هناك أشخاص يقبعون في الاحتجاز بتهمة وصف الواقع. إذا كان هناك شيء، فقد شهد العام والنصف الماضيان سلسلة من الاختراقات التي لم تعني شيئا: احتجاجات تاريخية، وتغير جذري في الرأي العام العالمي، وصراع في قلب المؤسسات السياسية والقانونية والأكاديمية الغربية حول الحق في الاحتجاج ضد إبادة جماعية متواصلة. فلسطين، التي كانت قضية هامشية في يوم من الأيام، أصبحت قضية رئيسية تكمن في قلب السياسة والخطاب الغربي. ومع ذلك، طالما رفضت الحكومات ذات النفوذ على إسرائيل التصرف، لم ينقذ أي من ذلك حياة واحدة.

لا يزال هناك شيء في هذه اللحظة يمكن توسيعه إلى شيء ذي معنى. تميل السياسة نحو الجمود - مراعاة التحالفات والوضع الراهن. يتطلب قلب ذلك أزمة حقيقية، ومع ذلك تمكنت إسرائيل من تصعيد حملتها في غزة إلى مستوى تجاوز حتى هذا الحد العالي. تقف الحكومات مكتوفة الأيدي بينما يتضور السكان جوعا، وتشاهد الأرواح تتلاشى أمام أعين الجميع، وترى أضلاع وعيون الأطفال الذابلة، ملطخة بوصمة التواطؤ، وفقا لما ورد في المقال.

وقالت الكاتبة إن حرمان الناس من الطعام، وممارسة هذه السلطة عليهم، ليس حملة عسكرية ذات أهداف استراتيجية تنطوي على أضرار جانبية مؤسفة، بل هو خلق غيتو للعقاب الجماعي. فصل تاريخي فاصل يُكتب الآن. رعاة هذا العمل واضحون، ويدعمونه بشدة، ومع ذلك يبدو الآن منزعجين من الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه. المدة الزمنية تلعب دورا أيضا. لقد طال أمد كل هذا، وبات من المستحيل إجبار الناس على التعود على القتل الجماعي. ولكن قد يكون هذا أيضا هو المرحلة الخاصة من حملة إسرائيل، التي أصبحت أكثر وحشية ووضوحا في نواياها من أي وقت مضى.

وأضافت الكاتب أنه إذا كان هذا الموقف الجديد الذي اتخذه القادة الغربيون يهدف إلى تجنّب الحساب، فهو قليل جدا ومتأخر جدا: لقد سُجِّلَت الحقيقة بالفعل. وإذا كان الهدف هو ردع إسرائيل عن تنفيذ خططها الرامية إلى تقويض الحياة، وإجبار الناس على الرحيل، وتجويع وقتل من تبقى منهم، فإنهم يواجهون قوة ضاربة لا تستخدم سوى البيانات الصحفية. لا تزال الفجوة بين أفعال إسرائيل ورد فعل العالم واسعة جدا بحيث لا يمكن قياسها. لقد أهان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، متهما حكوماتها بالانحياز إلى حماس لمجرد إعلانها أخيرا عن الأمر الواضح: أن على إسرائيل أن تتوقف عن قتل وتجويع الناس.

ولفتت الكاتبة إلى أنه في أي عالم يُعلن عضو في الحكومة أنه ينوي محو ما تبقى من منطقة ويهدف، "بعون الله"، إلى تهجير سكانها، فقط ليكون الرد مجرد تهديدات غامضة "بإجراء ملموس"؟ ما هو الردع المطلوب لمنع وقوع مجازر حيث تذهب طبيبة إلى عملها ثم تعود إلى رفات تسعة من أطفالها العشرة متفحمين، أُبيدوا بضربة واحدة؟

يتطلب الأمر، وفقا للمقال، أكثر بكثير من مجرد مراجعة وتعليق محادثات التجارة المستقبلية بين إسرائيل والمملكة المتحدة. لقد حطمت إسرائيل آليات الاستنكار التي تُعبّر عن الاستياء وتُحفّز الخارجين عن القانون على العودة إلى صفوفها، بل وجعلت من كونها خارجها فضيلة: إن الإجراء المطلوب يستلزم قلب المخاوف والافتراضات الراسخة.

أولا، الاعتقاد المُضحك الآن بأن إسرائيل حليف مُستقر في منطقة مُعادية، وأنها دولة تُشارك القيم الغربية المُتحضرة، ولذا يجب دعمها. ثم، الخوف من حدوث خلاف مع إسرائيل من شأنه أن يُخالف الترتيبات الأمنية والتآزر التاريخي - ففي نهاية المطاف، إسرائيل هي من حققت ذلك بالفعل. لقد قلبت التسويات السياسية والأخلاقية الإقليمية والعالمية رأسا على عقب، ولم يستوعب ذلك حلفاؤها بعد، حسب الكاتبة.


وأشار المقال إلى أنه بمجرد قبول هذه الحقائق، فإن مجموعة الأدوات، التي يتم نشرها بسهولة لمعاقبة الدول الأخرى، موجودة ليتم توظيفها. تظل الولايات المتحدة الطرف الأكثر نفوذا، لكنها ليست اللاعب الوحيد. يشكل الاتحاد الأوروبي حوالي ثلث إجمالي التجارة العالمية لإسرائيل: يجب السعي إلى فرض حظر. يجب فرض العقوبات، ليس فقط على المستوطنين ولكن على السياسيين في الحكومة الذين مكنوهم. يجب مراعاة أحكام المحكمة الجنائية الدولية على القيادة الإسرائيلية. يجب فرض حصار، وهو ما يرسخ عمليا وضع المنبوذ الذي اكتسبته الحكومة الإسرائيلية منذ فترة طويلة من حيث المبدأ.

وقالت الكاتبة إنه حتى في هذه الحالة، لن يكون كل هذا سوى البداية، وهي بداية متأخرة بشكل هائل ومأساوي. يمكن للمرء أن يفسر سبب عدم حدوث أي من هذه الأشياء حتى الآن: الآمال في أن يحافظ الحفاظ على إسرائيل إلى جانبها على قدر ضئيل من النفوذ، والمخاوف من أن التدابير القوية ستشجع إيران، والولاء لمفهوم الديون التاريخية، مخاوف من من أن الانفصال عن إسرائيل سيُبشّر بظهور عالم غير مستقرّ. لكن هذا العالم قائم بالفعل، والجبنُ لم يُسهم إلا في تعجيل ظهوره، بدلا من منعه.

واختتمت الكاتبة مقالها بالقول إن الفلسطينيين، من غزة إلى الضفة الغربية، يدفعون ثمنا باهظا للتقاعس، لكن جرحا عميقا قد أصاب بقية العالم. إن لم يحدث شيء، فإن مرضه الأخلاقي والسياسي سيشمل الجميع.

مقالات مشابهة

  • ألمانيا : وضع غزة لا يحتمل .. ولا تضامن مع “إسرائيل”
  • مستشار ألمانيا ينتقد سلوك إسرائيل في غزة.. لماذا يعد ذلك أمرًا مهمًا؟
  • هذا كل ما تغير في موقف العالم من حرب إسرائيل
  • استطلاع و3 تصريحات لافتة.. ألمانيا تغيّر لهجتها تجاه إسرائيل بسبب الإبادة في غزة
  • عاجل. وزير خارجية ألمانيا موبخا إسرائيل: ما يجري في غزة غير مقبول ولا يجب أن يكون التضامن بالإجبار
  • ألمانيا تنتقد إسرائيل: الهجمات على غزة لم يعد ممكنا تبريرها بأنها قتال ضد "حماس"
  • عاجل. لابيد يلمح إلى أن إسرائيل تمول المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر شركات وهمية في سويسرا وأمريكا
  • كاتبة في الغارديان: تغير حديث العالم عن إسرائيل لن ينقذه أو يغيّر التاريخ
  • نعيم قاسم: الحرب مع إسرائيل لم تنته.. وأمريكا تجاوزت حدود سيادة لبنان
  • إسرائيل وأمريكا تستكملان حرب الإبادة في غزة