لجريدة عمان:
2025-05-28@20:44:04 GMT

هذا كل ما تغير في موقف العالم من حرب إسرائيل

تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT

لماذا الآن؟ هذا هو السؤال. لماذا الآن؟ لماذا بدأ المد يتحول فيما يتعلق بغزة بعد تسعة عشر شهرا من الهجوم المتواصل الذي كان واضحا للعيان أمام الجميع، والذي أعلنت عنه السلطات الإسرائيلية نفسها؟

يختلف التغير المشهود خلال الأسبوع الحالي في نبرة حديث قادة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي اختلافا واضحا عن هراء الإعراب عن «الخوف»، والتأكيد لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

فالخطاب الآن يقول: إن أفعال إسرائيل «غير مبررة أخلاقيا»، و«غير متناسبة بالمرة»، وإن تهديدات قادتها «بغيضة». وبعض من هذا سوف يستمر في المستقبل. فقد ارتقت الحرب إلى مستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وهذا ما لا يمكن إنكاره، ولا يمكن الدفاع عنه، ولا يمكن التلاعب فيه. كان بوسع البعض أن يجادلوا في الأمر على مدى عام ونصف العام، لكن الآن لا يمكن لأحد الوقوف إلى منبر أو الجلوس إلى مائدة عشاء والقول بحجة تسوغ قتل مائة شخص كل يوم مثلما حدث في الأسبوع الماضي، أو أن لإسرائيل أي خطة عدا ما يعلنه قادتها المرة تلو المرة إذ يتكلمون عن التهجير والاستيطان. فقد ولَّى زمان التذرع بحجة أن هذا كله يرمي إلى إزالة حماس، وتركت إسرائيل حلفاءها، مثلما قال حلفاء لها في وسائل الإعلام البريطانية، وظهرهم للجدار.

ولكن بين الإدانة والغضب فجوة، فضلا عما يحدث على الأرض؛ فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل تكون أدوات اللوم الدولي مكسورة. على مدار الحرب باتت المنظمات الدولية، والبعثات الإنسانية، ومحاكم العدل تعد عديمة الحيلة؛ بسبب عجزها عن تحويل ما تتوصل له من نتائج إلى أفعال. والكلام وحده لا معنى له؛ فغاية أمره أنه يرتد عن القبة الحديدية التي تتمترس بها إسرائيل من العقاب. وفي كل يوم يستيقظ العالم ليواجه قيادة إسرائيلية تنتهك كل قانون من قوانين الأخلاق أو المنطق؛ فالضحايا هم المعتدون، وعمال الإغاثة الإنسانية هم المنحازون، والجيش الذي يقتل عمالا غير مسلحين في المجال الطبي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، والأعلى هو الأسفل.

ومع أن التغير في لغة حلفاء إسرائيل الدوليين لافت للنظر؛ فسوف يكون من الخطر أن نغالي في تقدير أهمية ذلك. إذ لا يقتصر الأمر على عدم اكتراث السلطات الإسرائيلية، ولكنها تستمد قوة من الإدانة التي تثبت أن إسرائيل واقفة وحدها، ولا بد لها من الصمود؛ لأنها كالعادة تتعرض لسوء الفهم والتمييز، ولأنها محاطة بالأعداء. ثم إن هذا التغير لا يبدو فتحا عظيما إلا عند مقارنته بما سبقه. فلوقت طويل للغاية كان وصف ما يجري في غزة المستحق أمرا يستجلب تشويه السمعة بل التجريم؛ فثمة أشخاص موجودون الآن رهن الاحتجاز متهمون بوصف الواقع. وغاية القول هو أن العام ونصف العام الماضيين قد شهدا سلسلة من الفتوح التي لم تفض إلى شيء: من مظاهرات تاريخية، وتغير هائل في الرأي العام العالمي، وصراع في قلب المؤسسات السياسية والقانونية والأكاديمية في الغرب حول حق الاحتجاج على الإبادة الجماعية الجارية. حتى أصبحت فلسطين ـ وهي القضية التي كانت في حين من الدهر قضية هامشية ـ من قضايا المتن التي تكمن في القلب من السياسات والخطاب في الغرب. ومع ذلك؛ في ظل تقاعس الحكومات ذات النفوذ على إسرائيل عن العمل لم ينقذ شيء من ذلك روحا ولم يُنجِ نفسا.

غير أنه لا يزال في هذه اللحظة ما يمكن التوسع فيه ليصبح أمرا ذا معنى. فالسياسة تنزع إلى الثبات، من قبيل الحفاظ على التحالفات والوضع القائم. وتغيير ذلك يستوجب أزمة حقيقية، غير أن إسرائيل تمكنت من تصعيد حملتها على غزة إلى مستوى تجاوز حتى ذلك الحاجز العالي. وباكتفاء الحكومات بالمشاهدة بينما يتضور شعب جوعا، وتزهق أرواح أمام أعين الجميع، وتبرز ضلوع في صدور أطفال هامدين وتغور عيونهم في محاجرها؛ فإن هذه الحكومات تتعرض لوصمة التواطؤ. ولا علاقة لحرمان شعب من الطعام، وفرض هذه القوة عليه، بحملة عسكرية ذات أهداف استراتيجية لها أضرار جانبية مؤسفة، وإنما يتعلق بإنشاء جيتو عقاب جماعي. فنحن الآن شهود على كتابة فصل حاسم من فصول التاريخ. والذين يرعون هذا العمل معروفون بوضوح، وداعمون ومتعاطفون، ولكنهم يبدون الآن منزعجين من الوضع الذي يجدون أنفسهم فيه. وللزمن أيضا دوره؛ فقد طال الأمر كثيرا، وبات واضحا أنه يستحيل فرضه من خلال الاعتياد على القتل الجماعي. ولكن قد يكون هذا أيضا هو سمة الطور الراهن من أطوار حملة إسرائيل، وهو بوضوح شديد أشد همجية وسفورا في نواياه من الأطوار السابقة.

لو أن الموقف الجديد الذي يتبناه القادة الغربيون يرمي إلى اتقاء المحاسبة فهو قليل للغاية ومتأخر كثيرا؛ فقد اكتملت السجلات توثيقا بالفعل. ولو أنه يرمي إلى ردع إسرائيل عن مواصلة خططها لتقويض الحياة، وإرغام الشعب على الرحيل، وتجويع من يبقون منه وقتلهم؛ فإن هؤلاء القادة يواجهون قوة ضاربة مستعملين في مواجهتها ما لا يتجاوز البيانات الصحفية. ولا تزال الفجوة بين أفعال إسرائيل وردود أفعال العالم شديدة الاتساع تفتقر إلى التناسب. ولقد وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالفعل إهانات لفرنسا، والمملكة المتحدة، وكندا متهما حكومتها بالوقوف في صف حماس لا لشيء عدا إقرارها بما هو واضح: وهو أن إسرائيل يجب أن تتوقف عن قتل الناس وتجويعهم. ففي أي عالم يعلن عضو في حكومة أن حكومته تعتزم محو البقية الباقية من منطقة وتهدف «بعون الرب» إلى إزالة سكانها؛ فلا يكون الرد على ذلك إلا محض تهديدات مبهمة بـ«عمل ملموس»؟ وأي رادع هو اللازم؛ لكي لا يحث مرة أخرى أن تذهب طبيبة إلى العمل ثم ترجع إلى رفات تسعة من أطفالها العشرة، وقد هلكوا بضربة واحدة؟

سوف يقتضي الأمر أكثر من مراجعة محادثات التبادل التجاري المستقبلية بين إسرائيل والمملكة المتحدة وتعليقها. فهذه الآليات وإشارات الاستنكار والاستياء الرامية إلى تحفيز الخارجين على القانون للرجوع إلى الصفوف قد حولتها إسرائيل إلى حطام واستفادت من بعدها عنها، فلا بد للإجراء اللازم أن يبدل المخاوف والافتراضات القديمة تبديلا. وأول ما يجب تبديله هو الاعتقاد السخيف بأن إسرائيل حليف يمثل عنصر استقرار في منطقة معادية، وأنها بلد يشترك مع الغرب في قيم حضارية ومن ثم يجب دعمه. والثاني هو الخوف من أن الانفصال عن إسرائيل سوف يخرب ترتيبات أمنية وتآزر تاريخي؛ فإسرائيل في نهاية المطاف قد فعلت ذلك بنفسها إذ أجهزت على ثوابت سياسية وأخلاقية عالميا وإقليميا، ولم يجارها حلفاؤها في ذلك بعد. وفور القبول بهذه الحقائق؛ فالأدوات التي يسهل استعمالها لمعاقبة البلاد جاهزة للحشد. وتبقى الولايات المتحدة هي الطرف ذو النفوذ الأكبر، لكنها ليست الفاعل الوحيد. فبلاد الاتحاد الأوروبي تمثل ثلث إجمالي التجارة العالمية لإسرائيل؛ لذا ينبغي السعي لفرض حظر. ولا بد من فرض عقوبات، لا على المستوطنين فقط وإنما على الساسة أيضا في الحكومة ممن أعانوا أولئك المستوطنين. ولا بد من احترام أحكام المحكمة الجنائية الدولية الصادرة بحق القيادة الإسرائيلية. ولا بد من تفعيل حصار يرسخ عمليا وضع الدولة المنبوذة الذي اكتسبته الحكومة الإسرائيلية منذ أمد بعيد من حيث المبدأ.

وحتى في هذه الحالة لا يجب أن يكون هذا كله إلا البداية، البداية المتأخرة إلى درجة مأساوية. وبوسع المرء أن يفسر لماذا لم يحدث شيء من ذلك حتى الآن؛ فذلك بسبب الآمال في أن يبقي دعم إسرائيل على بعض النفوذ، وبسبب المخاوف من أن يكون في اتخاذ إجراءات قوية تجزئة لإيران، وبسبب الولاء لفكرة الدَيْن التاريخي، والخوف من عالم مضطرب قد ينجم عن القطيعة مع إسرائيل. ولكن هذا العالم بات قائما بالفعل، ولم يعجّل قدومه إلا الجبن بدلا من أن يمنع قدومه.

والفلسطينيون من غزة إلى الضفة الغربية هم الذين يدفعون الثمن غاليا لهذا التقاعس، ولكن بقية العالم أصيبت أيضا بجرح غائر. ولو لم يحدث شيء فإن تفاقم هذا الجرح معنويا وسياسيا سوف يحيق بالعالم كله.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن إسرائیل لا یمکن ولا بد

إقرأ أيضاً:

كيف يعزّز فشل إسرائيل العسكري في غزة من مكاسب حماس الاستراتيجية والدولية؟

قال المحامي والضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، موريس هيرش، إنّ: "الاحتلال لا يُخفي وأوساطه الأمنية والعسكرية أن استمرار الحرب على غزة طيلة هذه المدة دون القضاء على حماس، يشكّل خيبة أمل كبيرة، رغم  ما يتم تكراره من مزاعم دعائية فارغة".

وعبر مقال، نشره معهد القدس للشؤون الأمنية والخارجية، أوضح هيرش، أنّ: "الحركة تمتلك لاستراتيجية متعددة الطبقات، وصلت أخيرا إلى تشويه سمعة جيش الاحتلال الإسرائيلي على الساحة الدولية، وفي الوقت ذاته الحفاظ على سلطتها في غزة، مع تأمين موارد إعادة الإعمار الدولية".

وتابع المقال الذي ترجمته "عربي21" بالقول: "رغم أهداف الاحتلال المُتمثّلة بتفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحماس، فإن الضغوط الدولية أجبرته على السماح لها بمواصلة وظائفها الحكومية، لتوزيع المساعدات الإنسانية، وإبقاء الأسرى في غزة تأمين وجودي لها".

وأبرز: "لن يتم إطلاق سراحهم بالكامل إلا من خلال المفاوضات وحدها، التي أسفرت حتى الآن عن إطلاق سراح أسراها الكبار، وعددهم 2144 مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى".

"عندما نفذت حماس هجوم الطوفان كان لها عدة أهداف، تحققت كلها تقريباً، أهمها قتل أكبر عدد من الجنود والمستوطنين، وأسرهم، واستخدامهم أوراق مساومة لضمان إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ومثّل قتل عشرات آلاف الفلسطينيين في غزة، مناسبة لتشويه سمعة الاحتلال، وإدانته في الساحة الدولية، وإعادة إشعال النقاش العالمي حول الدولة الفلسطينية، واعتراف العالم بها" استرسل المقال ذاته.


وتابع: "في نهاية المطاف، سعت الحركة للبقاء على قيد الحياة بعد الحرب، والحفاظ على مكانتها الحاكمة في المجتمع الفلسطيني، والتمتع بثمار الجهود الدولية الحتمية لإعادة بناء غزة".

وأشار إلى  أنه: "منذ البداية، أدركت حماس أنها لا تستطيع مجاراة القوة العسكرية للاحتلال، وأدركت جيداً أن ردّه سيكون ساحقاً، لكنها عملت على تحويل هذا الردّ العنيف إلى أصل استراتيجي يمكن استخدامه ضده، عبر الاستعانة بحلفائها وأصدقائها حول العالم، أولهم الأمم المتحدة ومؤسساتها في غزة، وبدأت بإصدار قرار تلو الآخر لإدانة الاحتلال..".

وأوضح أنّ: "الحليف الثاني للحركة هو المحور الإيراني لمساعدتها في التصدّي للعدوان الاسرائيلي، حيث انضم حزب الله والحوثيون بسرعة لمهاجمة الاحتلال، وأطلق الحزب أكثر من عشرة آلاف صاروخ وقذيفة وطائرة بدون طيار، ما تسبّب بأضرار واسعة النطاق، وإجلاء أكثر من 140 ألف مستوطن، وجمع الحوثيون بين الهجمات المباشرة على الاحتلال، وتعطيل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فيما هاجمت إيران، دولة الاحتلال بمئات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار".

وأضاف: "الحليف الثالث لحماس هي مجموعات إسلامية، منتشرة في مختلف أنحاء العالم، حيث نجحت الحركة بحشد الدعم الشعبي، وملايين المتظاهرين ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومهاجمته، والضغط على حكوماتهم لفرض عقوبات عليه".

وأكد أنّ: "الحركة شوّهت سمعة الاحتلال، وانضمت إليها هيئات الأمم المتحدة، بما فيها الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان وسلسلة من: المقررين الخاصين، ومحكمة العدل الدولية، وصولا لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب آنذاك، يوآف غالانت، بوصفهم مجرمي حرب".


وأردف: "فرضت العديد من حكومات العالم، بما فيها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وبريطانيا، وكندا، وهولندا، وأستراليا، ودول أخرى، حظراً كاملاً أو جزئياً على تصدير الأسلحة أو المكونات للاستخدام العسكري للاحتلال".

ولفت أنّ: "هدفا آخر من أهداف حماس في طريقه للتحقق من خلال تزايد عدد الدول المعترفة بفلسطين، بلغ عددها تسعة، وهي: أرمينيا، سلوفينيا، أيرلندا، النرويج، إسبانيا، جزر البهاما، ترينيداد، وتوباغو، جامايكا وبربادوس، مع احتمال انضمام فرنسا وبريطانيا لها".

وختم بالقول إنّه: "إذا استمرت الأحداث في مسارها الحالي، فلا شك أن حماس ستنتصر في الحرب، وتحقّق كل أهدافها من الهجوم، وسيكون هذا بمثابة كارثة بالنسبة للاحتلال".

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: إسرائيل تغير وجه الشرق الأوسط وتعزز مكانتها كقوة إقليمية
  • السيد القائد: نسعى لموقف أقوى إلى جانب فلسطين في معاناتها التي لم يسبق لها مثيل
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • كيف يعزّز فشل إسرائيل العسكري في غزة من مكاسب حماس الاستراتيجية والدولية؟
  • موقف ديانج من المشاركة مع منتخب مالي.. وفرص لحاقه بالأهلي في المونديال
  • ومضة الشرارة التي تغير مجرى حياتك
  • مدحت شلبي: الأهلي في موقف صعب بسبب وسام أبو علي
  • شركات الطيران الأجنبية التي ألغت أو أجلت رحلاتها إلى “إسرائيل” نتيجة الضربات الصاروخية على مطار اللد “بن غوريون”
  • كاتبة في الغارديان: تغير حديث العالم عن إسرائيل لن ينقذه أو يغيّر التاريخ