سودانايل:
2025-05-08@10:40:45 GMT

هل فقد السودانيون إنسانيتهم..؟

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT

المقال الأسبوعي في صحيفة الشرق الأوسط

فيصل محمد صالح

هذا سؤال مؤلم، وتبدو إجابته أكثر إيلاماً، لكنه سؤال الساعة الذي يجب أن يتم طرحه، ومناقشته.

الحروب لا تدور في ميادين المعركة وحدها، لكنها تدور أيضاً في عقول الناس وضمائرها، تدخل بين أحاسيسها ومشاعرها وعواطفها، تتأثر وتؤثر، سلباً وإيجاباً. عقول وضمائر الناس هي أخطر ميادين المعركة، والخسائر في هذا الميدان لا يمكن تعويضها بسهولة؛ لأنها أصعب وأكبر وأكثر كلفة من الخسائر المادية.



خاض السودانيون حروباً عنيفة في ما بينهم، أكثر من خمسين عاماً من حروب الشمال والجنوب، ثم نحو 15 عاماً من حروب دارفور، ودارت حرب محدودة أيضاً في شرق السودان. في كل هذه الحروب حدثت مآسٍ وجرائم وانتهاكات، لم يتم التوقف عندها والمحاسبة عليها، واكتفى الناس بالعبارة المألوفة «عفا الله عما سلف».

ما حدث خلال أشهر قليلة من الحرب الحالية فاق كل تصور ممكن، ووضع عقول السودانيين وضمائرهم أمام امتحان عصيب. هذه حرب لا قواعد أخلاقية أو إنسانية أو مهنية أو دينية تحكمها، ولا شأن لها بالقانون الدولي الإنساني والقوانين الدولية والمحلية الأخرى، ولا الأعراف المحلية التي يتغنى بها السودانيون في أغنيات الحماسة والفخر.

كانت بداية الحرب نفسها قمة الانتهاك لحق المواطنين المدنيين في اتخاذ القرار، فهم لم يختاروا الحرب ولا توقيتها. ثم كان حجم الانتهاكات والجرائم التي وقعت على العسكريين والمدنيين لا سابق لها في تاريخ السودان المعاصر، ولم تحدث في حروب المنطقة التي نشاهدها على الشاشات، ربما باستثناء حرب غزة.

لا يضع الطرفان المتحاربان أي اعتبار للمدنيين وممتلكاتهم، ولا للممتلكات العامة، ففي سبيل مطاردة أعداد قليلة من العسكريين من الممكن أن تُهدم المنازل والمنشآت العامة، ويسقط عشرات الأبرياء ضحايا للقصف المتبادل. تقتحم «قوات الدعم السريع» المنازل فتسرق وتنهب وتقتل، وتصور كل ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تبقَ سيارة مدنية في أي منطقة استولت عليها إلا ونهبتها، غير الأموال والممتلكات الأخرى، وما لا يفيدها تتركه لعصابات النهب مقابل جعل متفق عليه. يعود المواطنون مضطرين في بعض الأحيان إلى المنازل التي هجروها ليحضروا وثائق السفر وبعض الأوراق المهمة، فيجدوا مجندي «الدعم السريع» قد احتلوا المنزل واستباحوا كل شيء، يرفلون في ملابس أهل المنزل بلا أدنى إحساس بالخجل.

وجارتها قوات الجيش في بعض المناطق فنهبت المواطنين وممتلكاتهم، وربما تكون الوقائع أقل بالنسبة للجيش، لكن المبدأ نفسه موجود. هذا طبعاً غير جرائم العنف الجنسي والاغتصاب والاختطاف، والاعتقالات والسجن لفترات طويلة من دون مسوغ قانوني أو محاكمات.

وارتكب طيران الجيش مجازر متعددة قصف فيها المواطنين المدنيين في مساكنهم وهدمها فوق رؤوسهم، والمؤسف أنه كان يفعل ذلك بعد انسحابات كتائبه من بعض المدن التي تتسلمها «قوات الدعم السريع»، ثم يعود الطيران ليشنّ هجمات انتقامية لا تفرق بين مدني وعسكري، ولا بين منزل وثكنة عسكرية. وهدم طيران الجيش معظم المباني الكبيرة والضخمة في وسط العاصمة بحجة وجود جنود «الدعم السريع» داخلها.

الموجع والمخزي هو ما أحدثته الحرب في نفوس بعض الناشطين المدنيين الذين يقفون في منصة دعم الحرب، ويشجعون هذا الطرف أو ذاك، ويستخدمون خطاب الكراهية المقيت، ويستنفرون الناس بالعصبية القبلية والإثنية. يتبادل هؤلاء الناشطون نشر الأخبار الكاذبة والمفبركة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويغرقون بها الناس حتى تضيع وسطهم الحقيقة فلا يدركون وجهتها. ويحرّضون على تصفية الأسرى ذبحاً أو بإطلاق النار بدم بارد، بل وينشرون بعض التسجيلات المرئية لمثل هذه الجرائم التي وصل بعضها حداً بعيداً من القبح ومجافاة القيم الإنسانية.

وليس غريباً أن تجد جثثاً لجنود من الطرفين منشورة هنا وهناك تحت مسميات «جثث الكلاب» أو «الجيف» وربما معها ضحكات للشماتة، كما تنتشر فيديوهات تعذيب الأسرى من الجانبين وإهانتهم مصحوبة بكلمات التشجيع والاستحسان. أما الأشد مرارة فهو التلذذ بجثث ضحايا قصف الطيران ووصف الطيارين بالشجعان البواسل و«صانعي الكباب» بالإشارة إلى الجثث المحترقة. ثم الدعوة الصريحة المصحوبة بأسماء وصور بعض الناشطين والناشطات من الإعلاميين وأشباه الإعلاميين وهم يطلبون من القوات تصفية المدنيين الموجودين في المناطق الفلانية لأنهم «حواضن اجتماعية للتمرد»، ومن الممكن أن تجد إلى جانب هذه المادة المنشورة صورة الكاتب أو الكاتبة في كامل زينته الاجتماعية وكأنه مدعو لحفل استقبال.

لم يقل أحد لهؤلاء إن محكمة جرائم الحرب في رواندا، والتي عقدت جلساتها في مدينة أروشا التنزانية، قد حاكمت بعض الإعلاميين الروانديين بالتحريض على القتل والإبادة الجماعية.

بوضوح وصراحة شديدين، إن إنسانيتنا وضمائرنا وقيمنا الأخلاقية والدينية في خطر عظيم، نحن في حاجة إلى حالة صحوة عامة ويقظة عاجلة لنلتفت لمعالجة أنفسنا قبل أن يعمنا الخراب الأخلاقي قبل الخراب المادي.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة ترفض خطة إسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة: تنتهك المبادئ الإنسانية وتهدد حياة المدنيين

أكدت الأمم المتحدة أن الآلية التي اقترحتها السلطات الإسرائيلية لتوزيع المساعدات الإنسانية على المدنيين في قطاع غزة لا تتماشى مع المبادئ الأساسية للعمل الإنساني، محذّرة من أن هذه الخطة قد تؤدي إلى زيادة معاناة السكان في المناطق الأكثر تضررًا وتعرض حياة العاملين في المجال الإغاثي للخطر.

الأمم المتحدة: الخطة الإسرائيلية تخالف الحياد والاستقلالية

قالت أولجا تشيريفكو، المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة (OCHA)، إن الخطة الإسرائيلية الجديدة تهدف إلى إنشاء مراكز توزيع تابعة لإسرائيل داخل قطاع غزة، وهي خطوة من شأنها، حسب قولها، إنهاء الآلية القائمة حاليًا والتي تُدار من قبل الأمم المتحدة وشركائها الإنسانيين.

دبلوماسي فلسطيني سابق: تصريحات سموتريتش تكشف نوايا إسرائيل تجاه ضم أراضي غزة أونروا: استمرار القصف الإسرائيلي على غزة والحصار لأكثر من شهرين عقاب جماعي

وأوضحت تشيريفكو أن "منح المزيد من السيطرة العملياتية لطرف من أطراف النزاع، سيعرض المساعدات الإنسانية للخطر، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة إليها".

خطر مباشر على المدنيين وعمال الإغاثة

وأكدت المتحدثة أن الخطة تنتهك المبادئ الإنسانية الأساسية، مثل الحياد، والنزاهة، والاستقلالية، مشيرة إلى أن تطبيق هذه الخطة قد يؤدي إلى وضع المدنيين وعمال الإغاثة في خطر مباشر، خاصة إذا تمركزت هذه النقاط داخل أو قرب مناطق عسكرية.

وأشارت إلى أن وجود هذه المراكز بالقرب من مواقع عسكرية قد يجعلها أهدافًا محتملة، مما يعرض حياة المدنيين والفرق الإنسانية للخطر، ويقلّص من القدرة على العمل الإنساني بأمان وفعالية داخل قطاع غزة.

الفئات الضعيفة في غزة مهددة بالحرمان من المساعدة

وأضافت تشيريفكو أن من بين أبرز التحديات الناجمة عن هذه الخطة هو استبعاد الفئات الأكثر هشاشة، لا سيما الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الحركة أو التنقل، إذ أن "مناطق واسعة من غزة، حيث يعيش هؤلاء الأشخاص، قد تُحرم فعليًا من تلقي أي نوع من المساعدات الإنسانية".

تحذير أممي من انهيار المنظومة الإنسانية في القطاع

جددت الأمم المتحدة دعوتها إلى ضرورة التمسك بالمبادئ الإنسانية الدولية، وضمان أن تصل المساعدات إلى المحتاجين دون تدخل أو توجيه من أطراف النزاع، وشددت على أن تسييس العمل الإنساني أو إخضاعه لسيطرة طرف واحد يمثل خرقًا للقانون الإنساني الدولي، ويقوّض الثقة في المنظومة الإغاثية بالكامل.

وأكدت تشيريفكو أن الأمم المتحدة لا تزال ملتزمة بالعمل داخل غزة، بالتعاون مع شركائها الدوليين والمحليين، لضمان وصول المساعدات إلى أكبر عدد ممكن من المتضررين، ولكنها بحاجة إلى بيئة آمنة ومحايدة تُمكنها من أداء هذا الدور الحساس دون تهديد أو عرقلة.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال ينفذ مئات الانتهاكات ضد المدنيين.. تحركات دبلوماسية وميدانية لحل أزمة قطاع غزة
  • الرئيس المصري: نرفض استخدام التجويع سلاحا ضد المدنيين في غزة
  • التوترات بين الهند وباكستان.. قصف متبادل وسقوط قتلى وجرحى بين المدنيين
  •  إنهاء خدمات المدنيين.. شرطان وخطوتان للاستفادة من الميزة عبر أبشر
  • خالد عمر يوسف يكتب: حلول البصيرة ام حمد لمسيرات بورتسودان
  • "الأمم المتحدة" تطالب بوقف الهجمات على المدنيين في السودان
  • وزير الطوارئ والكوارث لـ سانا خلال الاجتماع التشاوري للوزارة :إحداث مركز وطني لإزالة مخلفات الحرب والألغام غير المتفجرة ‏التي خلفها النظام البائد
  • السلطة المحلية بمدينة البيضاء تدين جريمة استهداف العدوان الأمريكي المدنيين بشارع الاربعين بمنطقة سعوان بصنعاء
  • الإحتلال يدعو المدنيين إلى إخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي
  • الأمم المتحدة ترفض خطة إسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة: تنتهك المبادئ الإنسانية وتهدد حياة المدنيين