الحرب في السودان ومقاربات عودة الإسلاميين (1-2)
تاريخ النشر: 23rd, February 2024 GMT
(1)
تنشط هذه الأيام دعاية كثيفة، عن حسن نوايا أو عن تخطيط مريب بأجندة مريبة وعمل ممنهج مرتب، حول زوبعة "عودة الإسلاميين" في السودان، فمن أحسن النوايا مخطئ، ومن مكر وكاد فهو مخطئ، ولكل أسبابه ومنطلقاته.
والنقطة الأولى التي ينطلق منها أصحاب النوايا الحسنة، أن الفعل السياسي للإسلاميين كان مجمدا وعاد لأن المعادل الثاني، وهو قوى الحرية والتغيير (قحت)، قد غاب أو ابتعد عن دفة الحكم.
ولم تتوقف أنشطة الإسلاميين يوما واحدا، فمنذ اليوم الأول، أي 19 نيسان/ أبريل 2019م، انعقد اجتماع وتلته اجتماعات وقرارات لم تتوقف، واتصالات مع السياسيين، ومن بينهم الإمام الصادق المهدي وقوى سياسية أخرى، تحت مسمى المؤتمر الوطني، وحتى حميدتي أشار للقائه مع قيادات من الإسلاميين. والجهة الوحيدة التي أغلقت بابها دون الإسلاميين هي المجلس العسكري..لم تتوقف أنشطة الإسلاميين يوما واحدا، فمنذ اليوم الأول، أي 19 نيسان/ أبريل 2019م، انعقد اجتماع وتلته اجتماعات وقرارات لم تتوقف، واتصالات مع السياسيين، ومن بينهم الإمام الصادق المهدي وقوى سياسية أخرى، تحت مسمى المؤتمر الوطني، وحتى حميدتي أشار للقائه مع قيادات من الإسلاميين. والجهة الوحيدة التي أغلقت بابها دون الإسلاميين هي المجلس العسكري وبالتالي فإن الحديث عن عودة الغائبين ليس في محله، ولم يكن الإسلاميون في حالة غياب، فقد بدّلوا في قيادتهم أكثر من مرة حسب مقتضى الحال ومقابلة الفراغ بعد الاعتقالات والتضييق..
وثانيا، فإن التصور بأن الفعل السياسي رهين بالحكم، نظر قاصر، فالإسلاميون أصحاب مشروع سياسي يستند إلى فكرة، والفكرة لا تحدها المؤسسات والهياكل، وربما كانت فترة مغادرة الحكم سانحة لإعادة النظر في التجربة بالتقييم والتطوير والتجديد، وكل ذلك تم وجرى عليه نقاش وحوار..
وثالثا، فإن حصر الإسلاميين في تيار حزبي معين، هو دعاية مقصودة. إن السلفيين جزء من الإسلاميين، والصوفية جزء من الإسلاميين، والمؤتمر الشعبي هم برمزية الإسلاميين ذات أنفسهم، والأنصار من الإسلاميين.. هذه التصنيفات "المعلبة" ذات هدف خبيث، للتفتيت والعزل والتشتيت، وينبغي عدم الركون إليها..
(2)
هدف الحديث من الماكرين والكائدين عن عودة الإسلاميين تهدف لعدة نقاط منها:
- ربط الحرب منشأ ونتيجة بذلك، والحرب عندهم قامت لقطع الطريق أمام الثورة، وانتصار الجيش يعني عودتهم، وبالتالي نهاية التغيير أو الثورة، ولذلك هم الأكثر ترويجا لهذا الافتراض، مع إدراكهم ومعرفتهم بأن الإسلاميين لم يكونوا سببا في الحرب بل سعوا لإطفاء حريقها أكثر من مرة. ثم إن معركة الكرامة شارك فيها "الشعب السوداني بكلياته" وليس حزبا أو جماعة سياسية أو اجتماعية، وهذه واحدة من أكبر أخطاء وتقديرات "قحت" و"تقدم" من بعدها، حيث افترضوا أن المقاومة الشعبية ومناهضة التمرد عمل سياسي، ولم يكن الأمر كذلك، بل ردة فعل شعبية وهبّة وطنية في وجه قوة متوحشة ومرتزقة غزاة ارتكبوا أكبر الجرائم في التاريخ..
- والنقطة الثانية في هذه الدعاية الماكرة، تسويق ارتباط أجندة "الجيش" مع "الإسلاميين"، وهي خدمة تقدمها "قحت" و"تقدم" وغرفهما إلى المليشيا، وتصوير أن المليشيا جزء من طلائع الثورة وأن ما تقوم به هو استردادالاستثمار في الحروب فعل خاسر وقاصر، وهو عمل جهات غير معنية بالبلاد والعباد، لأن نتائج الحروب كارثية بكل الأحوال وعواقبها وخيمة؛ ضياع ونزوح ولجوء وسلب ونهب، وتدمير ممنهج، وذلك ما حدث حين انتصرت قحت لأجندة أجنبية واستغلت قوة طائشة ومطامع شخصية وحدث ما حدث الديمقراطية والمسار السياسي، وعزز ذلك مواقف كثيرة لاحقة شكلت "قحت" فيها حاضنة سياسية للمليشيا وأكثر إخلاصا لها، وربطت "مستقبلها" ببقاء ووجود المليشيا، وهذا سوء تقدير..
- والنقطة الثالثة إثارة حفيظة أو تبرير مواقف أطراف كثيرة لديها فوبيا من "الإسلام السياسي"، وهذا أكثر البنود دافعية لهذه الادعاءات..
وخلاصة القول، أن الاستثمار في الحروب فعل خاسر وقاصر، وهو عمل جهات غير معنية بالبلاد والعباد، لأن نتائج الحروب كارثية بكل الأحوال وعواقبها وخيمة؛ ضياع ونزوح ولجوء وسلب ونهب، وتدمير ممنهج، وذلك ما حدث حين انتصرت قحت لأجندة أجنبية واستغلت قوة طائشة ومطامع شخصية وحدث ما حدث..
ومنذ وقت مبكر رهن الإسلاميين مشاركتهم في العملية من خلال انتخابات وطنية نزيهة، ونقول "مشاركتهم" وليس عودتهم فهم لم يغيبوا، وكانوا على ثقة بقوة تأثيرهم وفوزهم في أي انتخابات، ومن الواضح أن الحرب قامت لقطع الطريق أمام ذلك الانتقال وليس العكس.. وهذا ما نفصله فيه لاحقا إن شاء الله.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسلاميين السودان حميدتي الثورة السودان الثورة الإسلاميين حميدتي البرهان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من الإسلامیین لم تتوقف ما حدث
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. جهود بارزة لدعم القطاع الزراعي في السودان
أحمد مراد، أحمد عاطف (أبوظبي)
أخبار ذات صلةعصفت الحرب الدائرة في السودان، منذ أبريل 2023، بغالبية القطاعات الحيوية، حيث يُعد القطاع الزراعي الأكثر تضرراً، في ظل تعرض البنية التحتية الزراعية للتدمير الكامل، جراء تصاعد العمليات العسكرية في المناطق التي تمثل القلب النابض للإنتاج الزراعي، خصوصاً الجزيرة وسنار ودارفور وكردفان، ما فاقم معاناة السكان.
وتسببت الحرب في تداعيات كارثية طالت معظم جوانب القطاع الزراعي السوداني، إذ تُشير بعض التقديرات إلى خروج نحو 60 % من مساحة الأراضي المستخدمة عن دائرة الإنتاج. علماً بأن السودان يمتلك 170 مليون فدان صالحة للزراعة، وكان المستخدم منها قبل الحرب 40 مليوناً فقط.
ويُعد مشروع الجزيرة الذي يمتد على مساحة 2.3 مليون فدان واحداً من أكثر المشاريع الزراعية تضرراً من الحرب، مما تسبب في خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة، نظراً لكونه أكبر مشروع في العالم يروى بنظام الري الانسيابي، ويشكل مصدر الدخل الأساسي لأكثر من مليون أسرة سودانية.
وفي دارفور، تبدو الأوضاع أكثر كارثية، وأكثر تعقيداً، حيث يعتمد نحو 85 % من سكان الإقليم على الزراعة، وقد أجبرت العمليات العسكرية غالبيتهم إلى الفرار والنزوح بعيداً عن أراضيهم الزراعية.
كما تُعد سنار والنيل الأزرق وشمال وغرب كردفان أكثر الولايات المتضررة من الحرب، حيث شهدت انخفاضاً ملحوظاً في المساحات المزروعة، ولم تسجل ولايتا شمال وغرب كردفان أي إنتاج زراعي في موسم المحاصيل الصيفي لعام 2023.
وبحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية «الفاو»، فإن إنتاج السودان من الحبوب تراجع بنسبة تزيد على 60%، موضحة أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي، وبات غالبية المزارعين يجدوا صعوبة في الوصول إلى الأراضي والمواد الأولية.
وتسبب اتساع رقعة الحرب على امتداد نحو 70% من مناطق السودان في تعطيل عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي، لا سيما مع فقدان 85% من قدرات شبكات الري.
دعم الإمارات
منذ اندلاع النزاع في السودان، في أبريل 2023، تحرص دولة الإمارات على دعم جميع القطاعات الحيوية في البلاد، ومن بينها القطاع الزراعي، حيث وقعت اتفاقية مع منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» لتقديم تمويلاً قدره 5 ملايين دولار يوجه لمشروع تخفيف المجاعة ودعم أصحاب المشروعات الزراعية الصغيرة والأسر الرعوية المتأثرة بالحرب.
ويوفر المشروع مساعدات طارئة في مجال المحاصيل والماشية والخدمات البيطرية لنحو 275 ألف أسرة من صغار المزارعين والرعاة الضعفاء، ويستفيد منه نحو مليون و375 ألف شخص.
كما يهدف إلى الحد من الخسائر في الثروة الحيوانية من خلال التطعيم الوقائي ضد الأمراض العابرة للحدود، ويستهدف مليوني رأس من الحيوانات، ويستفيد منه نحو 600 ألف شخص، 25% منهم من الأسر التي تعيلها النساء.
تراجع حاد
شددت الباحثة في الشؤون الأفريقية، نسرين الصباحي، على أن تداعيات الحرب في السودان لم تقتصر على المشهدين السياسي والإنساني فحسب، بل امتدت لتضرب بشدة القطاع الزراعي الذي يُعد أحد أهم ركائز الاقتصاد السوداني، إذ يعتمد عليه ملايين السكان في حياتهم اليومية.
وأوضحت الصباحي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن تدهور القطاع الزراعي في السودان جاء نتيجة مباشرة لعدة عوامل تراكمية أفرزها النزاع المسلح، أبرزها موجات النزوح الجماعي التي ضربت المجتمعات الريفية، والتي تُعد الحاضنة الأساسية للنشاط الزراعي في البلاد.
وأشارت إلى أن النساء والفتيات اللاتي يُمثلن عماد القوة العاملة الزراعية في كثير من مناطق السودان، هن الأكثر تضرراً من النزاع، ليس فقط بفعل العنف والنزوح، بل أيضاً نتيجة تحملهن لأعباء جديدة، أبرزها محاولة تأمين الغذاء في بيئات صارت غير صالحة للإنتاج الزراعي بفعل الدمار وانعدام الأمن.
وقالت الباحثة في الشؤن الأفريقية، إن التقارير الأممية تُظهر أرقاماً مرعبة، إذ بلغ عدد النساء والفتيات النازحات داخل السودان نحو 5.8 مليون، ضمن أكثر من 12 مليون نازح داخل السودان وخارجه، وكثير من هؤلاء كانوا في الأصل من سكان المناطق الزراعية، مما يعني فقداناً جماعياً للأيدي العاملة، وانهياراً للقدرة الإنتاجية في قطاعات الزراعة والرعي، لا سيما في مناطق مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
وأضافت أن المرأة السودانية في الأرياف أصبحت مضطرة للعب أدوار متعددة، في ظل غياب الرجال بسبب الحرب أو النزوح أو القتل، من الزراعة والرعي إلى رعاية الأطفال وتأمين الغذاء والمأوى، وهو ما يجعل النساء يتحملن العبء الأكبر في مجتمع منهك أصلاً اقتصادياً واجتماعياً.
ونوهت الصباحي بأن استمرار النزاع وتصاعد المعارك، خصوصاً في مناطق الإنتاج الزراعي الأساسية، يُهددان بإدخال السودان في مرحلة انعدام أمن غذائي غير مسبوق، مشددة على أهمية تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل، وإعادة التفكير في سبل تأهيل المجتمعات الزراعية المتضررة، مع التركيز على خدمات الدعم النفسي والصحي للنساء اللواتي تحولن من ضحايا مباشرة للحرب إلى خط الدفاع الأول في مواجهة الجوع والانهيار الاقتصادي.
ضربة قاصمة
قالت الباحثة في الشؤون الأفريقية، نورهان شرارة، إن القطاع الزراعي السوداني كان يمثل ما بين 30 و%35 من الناتج المحلي الإجمالي، ويُعد مصدر رزق لنحو %60 من القوى العاملة. ومنذ اندلاع الحرب، تلقى القطاع ضربة قاصمة، حيث تشير التقارير الدولية والمحلية إلى أن السودان فقد معظم موارده الطبيعية والبشرية، مع نزوح نحو 12 مليون شخص داخل وخارج البلاد، كثير منهم من المزارعين الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للمواسم الزراعية.
وأضافت شرارة، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن البيانات تشير إلى أن البنية التحتية الزراعية تعرضت لانهيار شبه كامل، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الوطني من الحبوب بنسبة لا تقل عن %60، في ظل انقطاع الإمدادات الأساسية من بذور وأسمدة، بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية في مناطق الزراعة الأساسية مثل الجزيرة والنيل الأزرق وكردفان.
وأكدت أن السودان يقف على حافة المجاعة، وفقاً لتصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC)، حيث يعاني نحو 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ورغم وصول بعض المساعدات الإغاثية، فإن المستقبل يبدو قاتماً، مشيرة إلى أن معالجة الانهيار الكارثي للقطاع الزراعي لن تكون سريعة أو سهلة، بل ستتطلب سنوات من العمل، وتمويلاً دولياً ضخماً، وأهم من كل ذلك استقراراً سياسياً حقيقياً يؤسس لإعادة بناء ما دمرته الحرب في الريف السوداني.