ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم الشرع في القيام بتعبير الرؤى والمنامات أو ما يسمى بتفسير الأحلام؟ وهل هذا الأمر يجوز شرعًا؟

وأجابت دار الإفتاء على السؤال، بأن الأصل في تعبير الرؤيا أنه ملكة كملكة الفقه بالنسبة للفقيه؛ فتفسير الرؤيا مشروع لمن يحسنه؛ لأن الله تعالى أوجد الرؤيا ليستفيد منها الناس عن طريق من يعلم تأويلها منهم، كما هو الحال في القرآن والسنة، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]، وقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: 7].

فمن لم يكن من أهل الذكر في هذا الشأن فلا يحلّ له أن يتكلم فيه، بل هو مقصور على أهل العلم به.

قال العلامة ابن عبد البر في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (1/ 288، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية-المغرب): [قيل لمالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كلُّ أحدٍ؟ فقال: أبالنبوة يُلعب؟ وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت. قيل: فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه؛ لقول من قال إنها على ما أُوِّلت عليه؟ فقال: لا. ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يتلاعب بالنبوة] اهـ.

وقال العلامة أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/ 278، ط. مطبعة السعادة): [ولا يعبر الرؤيا إلا مَن يحسنها، وأمَّا من لا يعلم ذلك ولا يحسنها فليترك] اهـ.

وتابعت دار الإفتاء: وقد جوَّز النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر رضي الله عنه أن يعبر الرؤيا، وأخبره بأنه أصاب وأخطأ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يحدث أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني أرى الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سببًا وَاصِلًا من السماء إلى الأرض، فأراك أخذت به فَعَلَوْتَ، ثم أخذ به رجل من بعدك فَعَلَا، ثم أخذ به رجل آخر فَعَلَا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وُصِلَ له فَعَلَا. قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، بأبي أنت، والله لتدعني فلأعبرنها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اعْبُرْهَا»، قال أبو بكر رضي الله عنه: أما الظلة؛ فظلة الإسلام، وأما الذي ينطف من السمن والعسل؛ فالقرآن حلاوته ولينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك؛ فالمستكثر من القرآن والمستقل.

وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض؛ فالحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيُعليك الله به، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله، بأبي أنت، أصبتُ أم أخطأتُ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَصَبْتَ بَعْضًا، وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا»، قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأتُ؟ قال «لَا تُقْسِمْ». متفق عليه واللفظ لمسلم.

وبناءً على ما سبق ذكره وبيانه: فتأويل الرؤى المنامية جائز شرعًا لمن يحسنه؛ وهو مستمدٌ من الكتاب والسنة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم رسول الله رجل آخر ف دار الإفتاء رضی الله

إقرأ أيضاً:

علي جُمعة: سبب تأخر المسلمين تركهم لوصايا رسول الله

قال الدكتور علي جُمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، أنه عندما بدأنا في ترك وصايا وسنن النبي اختلت موازين الحياة لدينا،وانهارت منظومة العلم في مجتمعنا.

جمعة يوضح القواعد الكلية الخمسة في الفكر الإسلامي جمعة: "لا ضرر ولا ضرار" القاعدة الأولى في الفكر الإسلامي الجهل والجاهلية

وأكد جُمعة أنه إذا اختل العلم فإننا في ضلالة وجهالة، سمى النبي ﷺ ما قبل الإسلام بالجاهلية نسبةً إلى عدم العلم، وجاء مُعلما، وأول ما واجهه به ربه سبحانه وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فوجهه إلى العلم الصحيح، وإلى الأمل الفسيح.

 

وتابع فضيلة المفتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على الملك فقال: «ما أنا بقارئ»، فغطه مرتين ﷺ وهو الذي أخلص العبادة لربه، وهو الذي بلغ من التقوى منتهاها، ومن الاصطفاء نهايته؛ فهو المصطفى ﷺ، أرشده أول ما أرشد إلى أن يقرأ هذا الكون الفسيح الذي حولنا {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.

كتاب الله المنظور والمسطور 

وأوضح جمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بدراسة كتاب الله المنظور بالتأمل فيه بدراسة أحواله، ثم ثنّى بقراءة الكتاب المسطور الذي سينزل على قلبه الشريف، والذي سيكون هدىً للمتقين، ورحمةً للناس أجمعين، وشفاءً لما في الصدور، وكلاهما -أعني كتاب الله المنظور وكتابه المسطور- من عند الله سبحانه وتعالى.

 

وعلى ذلك شدد فضيلة عضو هيئة كبار العلماء أنه لا تناقض بين كتاب الله المنظور،وكتاب الله المسطور أبدا، والوعي فيهما ينبغي أن يكون قبل السعي؛ فلابد أن نتعلم هذا الكون الذي حولنا، وندرك سنن الله فيه، ونبحث، ونسير في الأرض، ونبني العلم طبقةً بعد طبقة، ونتقدم الأمم بمشعل الحضارة والعلم.

 

وانتهى فضيلة الدكتور علي جمعة أن المسلمون قد فعل تقلدوا العالم والحضارة حتى تخلوا عن قراءة كتاب الله المنظور، وهنا بدأوا في التخلف والتأخر عن الأمم، ومن هنا سادت عليهم أممٌ أخرى، وما كان لهم أن يسودوا إذا ما التزمنا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله.

مقالات مشابهة

  • حكم صلة الرحم إذا كانت أخلاقهم سيئة.. دار الإفتاء تُجيب
  • حكم الصلاة على النبي بعد الأذان
  • علي جُمعة: سبب تأخر المسلمين تركهم لوصايا رسول الله
  • حكم صلاة الجمعة لمَن أدرك الإمام في التشهد.. الإفتاء تجيب
  • دار الإفتاء توضح كيفية تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة
  • حكم من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم؟.. الإفتاء تُجيب
  • هل يأثم من يترك صلاة الجمعة بسبب مواعيد عمله؟ الإفتاء تجيب (فيديو)
  • حكم قول "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه"
  • الحسين شهيد الحق والعدالة والإيمان
  • تفسير رؤية البسملة في المنام.. ماذا قال عبد الغني النابلسي؟