لماذا يسمح الاحتلال بإنزال المساعدات جوا ويعرقل وصولها برا؟
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
غزة – خلال الأيام القليلة الماضية، توالت دول عربية وغربية، آخرها الولايات المتحدة الأميركية، على تنفيذ عمليات إنزال لطرود إغاثية مثبتة بمظلات، سقطت كميات منها في مياه البحر، وأخرى في مستوطنات "غلاف غزة" بسبب حركة اتجاه الرياح.
وقال منسق الاتصالات بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي "تأكدت الحاجة الماسة لإيجاد طرق بديلة لإيصال المساعدات لغزة"، مستدركا أن ذلك لا يتعلق باستبدال الشاحنات عبر الطرق البرية، بل ستكون هناك عمليات إنزال جوية إضافية.
في المقابل، اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هذه الطريقة في إيصال المساعدات يجب أن تكون "الملاذ الأخير" عندما لا يكون هناك خيار آخر، وعندما يتعذر الوصول للمتضررين عن طريق البر.
وقالت اللجنة الدولية إن "وصول المساعدات الإنسانية على الأرض هو الخيار الأمثل لإجراء تقييمات شاملة لاحتياجات الناس"، وإن إنزالها جوا "ليست الطريقة المثلى"، فهي تنطوي على مخاطر قد تهدد حياة السكان، إضافة إلى أنها وسيلة محدودة التأثير وعالية التكلفة.
وتحيط بغزة 7 معابر برية، تتحكم إسرائيل في 6 منها، أغلقت منها 4 معابر خلال الـ17 عاما الماضية وأبقت على معبري كرم أبو سالم التجاري وبيت حانون (إيرز) المخصص للأفراد والحالات الإنسانية، في حين أن السابع هو معبر رفح البري مع مصر المخصص للأفراد والبضائع.
وطرحت الجزيرة نت على خبراء ومحللين سؤالاً: لماذا تسمح إسرائيل بعمليات إنزال المساعدات جوا في حين تعرقل مرورها إلى غزة برا؟، وجاءت الإجابات متوافقة إلى حد كبير من حيث الدوافع والأهداف، سواء لإسرائيل أو لدول الإنزال الجوي.
في الوقت الذي تسمح فيه إسرائيل بالمساعدات الجوية، فإن مثيلتها من المساعدات المكدسة في الجانب المصري من معبر رفح انخفض مرورها للقطاع بنسبة 50% خلال فبراير/شباط الماضي مقارنة بالشهر الذي سبقه، بحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ويقدر المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة أن هناك أكثر من 600 ألف طن من المساعدات مكدسة بالشاحنات على معبر رفح، متسائلا "ما الذي يمنع دخولها وقد استشرت المجاعة واستشهد بسببها حتى اللحظة 10 أطفال في الشمال؟".
ويقول الثوابتة للجزيرة نت "بعد وقوع الكارثة والمجاعة، أطلت بعض الدول بفكرة إنزال المساعدات، منها من تحاول كسر المجاعة والتجويع، ومنها من تحاول ركوب الموجة في سلوك ممجوج، رغم أن الجميع يدرك أن الحل الأمثل ليس بإنزال المساعدات من الجو، وإنما إدخالها برا مباشرة إلى الأهالي".
وبرأي المسؤول الحكومي، فإن "هذه العمليات تأتي في سياق الالتفاف على الحلول الجذرية، وليّ ذراع الواقع والميدان والحقيقة، والتماهي مع سياسة الاحتلال بتعزيز التجويع، وشراء وقت لصالحه وترك المجاعة تفتك بالأبرياء".
و"لعمليات الإنزال الجوي، بغض النظر عن نوايا القائمين عليها، تبعات خطيرة على الغزيين، وتشكل تحديا كبيرا أمام المضطرين للحصول عليها، وربما يدفعون حياتهم ثمنا لها، لسقوط بعضها في البحر أو قرب السياج الأمني أو في مناطق تسيطر عليها قوات الاحتلال"، وفقا للثوابتة.
وقال "إن هذه الوسيلة في إيصال المساعدات صعبة للغاية في بيئة مزدحمة مثل القطاع الصغير الذي يسكنه 2.2 مليون نسمة، إضافة إلى احتمال تعرضها للتلف بسبب الظروف الجوية أو الحوادث، ولا يتحقق من خلالها مبدأ العدالة مطلقا، ولا تصل إلى كل متضرر، وتحتاج أن يركض كل الغزيين وراء المظلات الساقطة من السماء للحصول على نصيب منها".
ويتفق الثوابتة مع ما ذهبت إليه اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن تأثير المساعدات الجوية محدود، وكلفتها باهظة، وعدم تلبيتها احتياجات الغزيين المتزايدة، في حين أن النقل البري أقل كلفة ويؤمن المساعدات بشكل سليم وبكميات وافية.
أهداف إسرائيليةلإسرائيل أهداف عدة تريد تحقيقها من وراء السماح لبعض الدول بتنفيذ الإنزال الجوي، أفصح عن أحدها متحدث باسم جيش الاحتلال بقوله إن "إنزال المساعدات جوا يتيح للجيش التركيز على القتال"، مما يعني بحسب مدير البرامج في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) خليل شاهين "موافقة إسرائيل" على هذه الوسيلة.
ويحدد شاهين للجزيرة نت أهدافا عدة أرادت إسرائيل تحقيقها في مقابل هذه الموافقة:
الإنزال الجوي يعفي حكومة نتنياهو من الضغوط لفتح المعابر المغلقة، أو عدم وضع عقبات أمام تدفق المساعدات عن طريق معبر رفح. لا يمكن للمساعدات الجوية أن تُفشل أهداف حرب التجويع المستمرة بشكل كلي، خاصة من حيث الكميات، فمثلا أسقطت الولايات المتحدة بالاشتراك مع الأردن 35 ألف وجبة طعام، أي وجبة واحدة في اليوم لهذا العدد، في حين لم يحصل نحو 670 ألف مواطن في شمالي القطاع على أية مساعدات. التركيز على إيصال كميات محدودة من المساعدات الغذائية يعني عدم الضغط على إسرائيل من أجل عودة مقومات الحياة الأساسية كالوقود لتشغيل المستشفيات وما تحتاجه من معدات طبية كأجهزة الأشعة والأكسجين وغير ذلك، إضافة إلى تشغيل محطات المياه والصرف الصحي لتفادي انتشار الأوبئة التي تهدد حياة الناس. الإنزالات الجوية للمساعدات توفر مبررا لدولة الاحتلال للادعاء أمام محكمة العدل الدولية بأنها استجابت للإجراءات الاحترازية المؤقتة التي قررتها المحكمة. ما يزيد المخاوف أن الإنزال الجوي بموافقة إسرائيل قد يكون مقدمة لما هو أسوأ، أي الاستمرار في فصل الشمال عن الجنوب، وتنفيذ عملية برية في رفح، والسيطرة على معبر رفح ووقف استخدامه، ومواصلة إغلاق باقي المعابر، بما يعنيه ذلك من إعادة احتلال القطاع وعزله بالكامل عن العالم. الحديث الأميركي عن عملية إنزال جوي مستدامة للمساعدات وإنشاء ممر بحري، يلتقي مع الأهداف الإسرائيلية بخصوص عزل القطاع عن العالم، خاصة أن إسرائيل توصلت إلى تفاهمات مع قبرص بشأن إنشاء ممر بحري بذريعة إيصال المساعدات إلى غزة.ولكن، كما يوضح شاهين، "هناك مخاوف من استخدام الممر في تشجيع الهجرة خارج القطاع، مما يعني أن الفشل حتى الآن في إجبار الغزيين على الهجرة القسرية بالجملة باتجاه سيناء تحت وطأة حرب الإبادة والقتل الجماعي قد يدفع إسرائيل لتنفيذ هذا الهدف بالتقسيط وعلى مراحل، مع الاستمرار بالتدمير الشامل لكل مقومات الحياة".
الملفت في كل ذلك، بحسب شاهين، هو "موقف إدارة بايدن، إذ إن إنزال المساعدات جوا يمكن أن يتم لمنطقة محاصرة من جهة معادية، أما إنزالها على مناطق تحاصرها دولة تعتبر الحليف الأقرب للولايات المتحدة وتستفيد من جسر جوي أميركي من المساعدات والإمدادات العسكرية لمواصلة حرب الإبادة والتهجير، فهذا يفسر كدليل إضافي على أن الإدارة الأميركية هي شريك كامل في الحرب على غزة".
ليس بطولةيعتبر أستاذ العلوم السياسية حسام الدجني أن ثمة احتمالات تقف خلف التوجه لعمليات الإنزال، منها "تجاوز النظام الحاكم (ويقصد به حركة المقاومة الإسلامية "حماس")، والتعاطي مع المواطن مباشرة، وقد يكون الهدف متعلقا بالصدى الإعلامي، مما يخفف من حجم الانتقاد لتل أبيب بانتهاج سياسة التجويع".
وعن الاحتمال الثالث، يقول الدجني للجزيرة نت "ربما تخطط إسرائيل بهذه الخطوة إلى أن توسع من دائرة اتصالاتها واتفاقياتها حول المجالات الجوية من بوابة الإنزال الجوي للمساعدات، وربما تكون الاحتمالات الثلاثة معا تقف خلف التوجه الصهيوني الجديد".
وليس بعيدا عما ذهب إليه من سبقوه، يقول المختص بالشؤون الإسرائيلية مصطفى إبراهيم للجزيرة نت إن عمليات الإنزال هي "تنسيق عالي المستوى مع إسرائيل وليست بطولة، وتدرك إسرائيل أن هذه الموافقة ترضي أصدقاءها من هذه الدول أمام شعوبها، كما أن إسرائيل بهذه الخطوة تحقق ما تعلنه جهارا من القضاء على حماس وأي دور لها في حكم غزة، وكذلك تصفية الأونروا كأكبر هيئة دولية تتحمل المسؤولية الإنسانية في قطاع غزة".
وبرأي إبراهيم، فإن الإنزال الجوي للمساعدات "يعمّق من حالة الفوضى التي تريدها إسرائيل أكثر من المساهمة في إغاثة الجوعى، ويمتهن كرامة وآدمية المتضررين، فهي مجرد طرود غذائية جاهزة وآنية فقط، ولا تعالج آثار المجاعة التي تهدف من ورائها إسرائيل إلى الضغط على حماس ودفع الناس للثورة ضدها، لتحقيق مكاسب في مباحثات الهدنة وصفقة التبادل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إنزال المساعدات جوا إیصال المساعدات الإنزال الجوی من المساعدات للجزیرة نت معبر رفح فی حین
إقرأ أيضاً:
لماذا يستعجل ترامب وقف الحرب؟
خلافاً لمرّات كثيرة سابقة، خلّفت خيبات أمل متكرّرة بشأن تصريحات متفائلة حول قرب التوصّل إلى اتفاق بشأن الحرب الإبادية على غزّة، يبدو أن دونالد ترامب جاد في هذه المرّة بممارسة ضغط فعّال على الحكومة الإسرائيلية للقبول بصفقة.
يبني ترامب تحرّكه السياسي نحو وقف الحرب بطريقة أو بأخرى على أنه نجح في تحييد إيران وبرنامجها النووي، بعد أن نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في الفصل بين محاور المقاومة في المنطقة، بما يمكنه من الحصول على صفقة مع المقاومة الفلسطينية تتسم في جوهرها، بشكل أو بآخر من أشكال الاستسلام.
داعية السلام، والمهووس بالصفقات، يعتقد أن تحقيق السلام الذي ينتظره، يقوم على مبدأ وأساس استخدام القوة لإرغام أي طرف عدا دولة الاحتلال على الاستسلام والقبول بالاشتراطات الأمريكية والإسرائيلية.
لم يحصل ترامب على الإذعان من قبل إيران كما كان يدعو، ولذلك فإنه يواصل تهديداته بالعودة إلى القتال للإجهاز على النظام الإيراني، وكل ما يملك من إمكانيات قتالية، وبقايا المشروع النووي.
إذا كانت أمريكا، هي من أدار الحروب في المنطقة وموّلها بكل أنواع وأشكال الدعم، فإنه لن يترك لنتنياهو المجال، لكي يقرر مصير المنطقة.
ترامب فقد الثقة على ما يبدو بقدرة دولة الاحتلال على خدمة الأهداف والمصالح الأمريكية وحتى الإسرائيلية، بينما هو يستعجل الحصاد نحو إعادة ترتيب المنطقة وفق ما تقتضيه المصالح الأمريكية، وضمان أمن الدولة العبرية. تجربة الحروب الإجرامية الجارية منذ «طوفان الأقصى»، أكدت بما لا يدع للاجتهاد أن دولة الاحتلال ما كانت لتصمد كل هذا الوقت من دون الدعم الأمريكي الذي لم يتوقّف.
حرب الـ 12 يوماً مع إيران أكدت لدى الإدارة الأمريكية وغيرها، أن الردع الإسرائيلي بكل ما يملك لم ينجح في تجنب وصول الصواريخ الإيرانية، رغم مشاركة أمريكا، ودول أخرى مارست دوراً عملياً كبيراً في اعتراض الصواريخ الإيرانية.
وربما بات ترامب يدرك، منذ وقت ليس قصيراً، أن نتنياهو يخوض حروباً عدوانية، بدوافع شخصية وسياسية تستنزف الجيش والاقتصاد الإسرائيلي من دون أهداف واضحة، سوى القتل الجماعي والتدمير، الذي يقوّض مكانة دولة الاحتلال ومن يقف إلى جانبها، ويهدم كل منظوماتها الأخلاقية.
ترامب يسعى لإيجاد مخارج لإنزال نتنياهو عن الشجرة عَبر تضخيم دوره كبطل تاريخي، وإقناعه بوهم انتصار لم يتحقق، ومكافأته بإزالة التهديد القضائي عنه.
يقترح ترامب مخرجاً لنتنياهو، عَبر تسوية تضمن إنهاء ملفّاته القضائية، فضلاً عن وعود مبهمة، قد تستهدف إعادته للحياة السياسية مع بدائل لحلفائه الحاليين في الحكومة.
الفكرة ليست جديدة، فقد كان الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ قد أشار لها في تصريح قبل عدة أشهر، ما يعني أنه جاهز للتعاطي مع هذه التسوية، وإصدار عفوٍ عن نتنياهو.
التدخّل الأمريكي السافر في المنظومة الداخلية للقضاء الإسرائيلي لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام على الأطراف السياسية الفاعلة في دولة الاحتلال، باعتبار أن ذلك يقوّض المنظومة القضائية ويمسّ على نحوٍ صارخ بالاستقلالية النسبية للدولة، ويشكّل سابقة لتسليم قرارها بيد أمريكا.
تتلاقى وتتزامن تصريحات ترامب بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة تبادل، مع تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير الذي يقول: إنّ الصفقة إنْ تمّت فإنها تأتي في توقيت مناسب وإن جيشه بات قريباً من إنجاز مهمّته، وإنه لا يسعى لخوض حرب أبدية، فضلاً عن تصريحات لعديد من وزراء «الليكود».
نتنياهو قلق ومرتبك، ومشغول في كيفية التعامل مع حلفائه، وهو يحاول تأجيل زيارته حيث تم استدعاؤه إلى واشنطن لكي يتزامن وجوده مع الإفراج عن الرهائن كما قال ترامب.
سيحاول نتنياهو الحصول على وعود أمريكية تتجاوز البعد الشخصي الخاص بملفاته القضائية، خصوصاً فيما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة، في الاتجاه الذي يخدم السياسة الإسرائيلية الساعية لتصفية القضية الفلسطينية.
ولكن ما الذي يدعو ترامب إلى الاستعجال، لإنهاء الحرب الإبادية بعد كل هذا الوقت عدا أن نتنياهو فشل في تحقيق أي هدف من الأهداف التي تحدث عنها بشأن كل ملف القطاع؟
لا شكّ أن المناخ الإقليمي الذي تولّد بعد حرب الـ 12 يوماً على إيران، يدفع ترامب لتتويج ذلك، بمكاسب سياسية واقتصادية.
الحرب إن توقفت على ما جرى، من دون إنجازات سياسية وحالة استقرار هشّة في المنطقة، فإن ذلك لا يعني أن أمريكا حققت الانتصار في ظلّ صمود إيران، وتمسّكها بمواقفها المتصّلبة.
لا شكّ أن الادعاء بتحقيق الانتصار في الإقليم يتطلّب الانتقال إلى «اليوم التالي»، نحو توسيع «اتفاقات أبراهام» بأبخس الأثمان.
لا يمكن حتى الحديث عن «اليوم التالي» طالما أن الحرب العدوانية على القطاع مستمرة، حيث إن ذلك يتسبّب في حرجٍ كبير للدول العربية والإسلامية المستهدفة بـ»التطبيع».
سيدّعي ترامب أنّ وقف الحرب والانتقال إلى مرحلة «التطبيع» يشكّلان انتصاراً لدولة الاحتلال، التي أرادت فرضه على العرب بالقوة، وانتصاراً لأمريكا التي أثبتت أنها ملتزمة بحماية أمن حلفائها العرب والتخلّص من أيّ تهديد يستهدفهم.
* كاتب فلسطيني