لجريدة عمان:
2025-05-19@13:30:29 GMT

فن كتابة المقال الصحفي

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

أظن أنه يجوز لي أن أتحدث عن فن المقال الصحفي بعدما كتبت مئات من المقالات المنشورة بالصحف الكبرى في مصر وغيرها من بلدان العالم العربي. والواقع أن مفهوم «المقال الصحفي» يُنظَر إليه غالبًا باستهانة باعتباره مقالًا عابرًا هو وليد اللحظة التي يتحدث عنها؛ ومن ثم فإنه سوف يطويه الزمان مثلما يطوي اللحظات والأحداث العابرة التي تتغير باستمرار.

وربما يكون في هذا القول شيء من الحقيقة، ولكنه لا يقول كل الحقيقة؛ ولذلك فإننا ينبغي أن نتأمل حقيقة كتابة المقال الصحفي على نحو أكثر شمولًا.

لا بد منذ البداية أن نميز بين المقال الصحفي والمقال العلمي الذي نكتبه في مجلة أو كتاب؛ لأن المقال العلمي يكون موجهًا إلى قارئ مخصوص، بينما المقال الصحفي يكون موجهًا إلى القارئ العام الذي لا ينشغل بالمفاهيم والمصطلحات العلمية إلا إذا كانت تضيف إلى معرفته شيئًا جديدًا يتعلق بثقافته العامة. ولا يعني هذا التقليل من شأن المقال الصحفي؛ لأن دوره بالغ الأهمية فيما يتعلق بالتنوير وتأسيس الوعي الثقافي العام. وربما يدعونا هذا إلى مزيد من التأمل في فن كتابة المقال الصحفي.

الحقيقة أن كتابة المقال الصحفي تأتي على نوعين رئيسين: النوع الأول هو تلك المقالات التي تتناول الأحداث الآنية أو الراهنة التي تجرى في بلد ما، وهذه المقالات قد تكون لها أهمية كبرى، فهي يمكن أن تقيم الدنيا وتقعدها من خلال التأثير المباشر في الجماهير بأن تؤجج مشاعرهم أو تخمدها إزاء أحداث معينة. ولذلك فإن بعض كُتَّاب هذا النوع من المقالات تستخدمهم السلطة من أجل أداء أدوار معينة تهدف إلى التأثير في الرأي العام وتوجيهه. ولكن هذا لا يسري سوى على بعض كبار الكُتاب ممن لهم قدرة على التأثير في جماهير القرَّاء أو لديهم حظوة عندهم، أما الأغلبية من كتاب هذا النوع من المقالات فهم يكتبون عن الأحداث الجزئية الآنية والعارضة التي سرعان ما يطويها الزمن ويطوي معها كتاباتهم. فمهما كانت براعة الكاتب في فن الكتابة بوجه عام، ومهما كانت مقالاته تنطوي على كثير من الكلمات «الطنانة» والعبارات «الرنَّانة»؛ فإن تأثير كتاباته سيبقى مرهونًا بأهمية الحدث الذي يتحدث عنه، فإن لم يكن للحدث الجزئي أهمية أو قيمة تاريخية؛ فإن كتاباته ستؤول إلى الزوال سريعًا، ولن تبق إلا في أرشيفه الخاص.

أما النوع الثاني من كتابة المقالات الصحفية فهو يتمثل في تلك المقالات التي تتناول الأفكار التي تتعلق بالسياسة والعلم والفن والدين والقيم بوجه عام، بهدف تنوير الوعي العام من خلال أسلوب واضح بسيط يمكن أن يصل بسهولة إلى القارئ العام. وحتى حينما يتناول الكاتب هنا حدثًا من أحداث الواقع، فإنه يستخدم هذا الحدث باعتباره مناسبةً لتأمل ومناقشة قضية فكرية أكثر عمومية من هذا الحدث الجزئي؛ وبذلك يصبح الفكر مطبقًّا في الواقع، ويصبح الواقع مدخلًا لتنوير الوعي. وهناك أمثلة عديدة على هذا النوع من المقالات، ومن ذلك مقالات أستاذنا زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا ويوسف إدريس، وغيرهم كثير ممن كانوا يكتبون بشكل منتظم في المجلات والصحف الكبرى، وعلى رأسها جريدة الأهرام المصرية. لا يمكن أن ننسى -على سبيل المثال- مقال زكي نجيب محمود بعنوان «حديث الذبابة» الذي كان يرُّد فيه على تغييب الوعي الديني، حتى إن جاء على لسان الشيخ الشعراوي الذي روَّج لحديث ضعيف مفاده أنه إذا سقطت ذبابة في كوب من اللبن فيمكن أن تشربه؛ لأن الله الذي وضع المرض في أحد جناحيها قد وضع الدواء في جناحها الآخر! ولا يمكن أن ننسى مقاله بعنوان «عين فتحة عا» الذي كان يرُّد فيه على أعداء العَلمانية التي ينطقونها بكسر العين باعتبارها مستمدة من كلمة «العِلم» لا «العَالم»؛ وبذلك فإنهم لا يفهمون أصلًا حقيقة ما يتحدثون عنه! ولا يمكننا أن ننسى مقال أستاذنا فؤاد زكريا بعنوان «ميكرفون الجامع» الذي يحلل فيه المظاهر الشكلية للدين من خلال رفع الأذان والمواعظ والأدعية من خلال الميكروفونات المكبرة للصوت لفترة طويلة في عمق الليل؛ وكان يهدف من وراء هذا المقال إلى الكشف عن استخدام منتجات العلم البدائية (وهي الميكروفون هنا) بشكل سيئ ومزعج ينافي الغرض الأصلي الذي أُنشِئت من أجله. وهذا هو المقال الذي أعدت نشره في مجلة «الفكر المعاصر» التي توليت رئاسة تحريرها في إصدارها الثاني.

هذا النوع الثاني من الكتابة الصحفية هو النوع الذي ارتضيت. حقًّا إن هذا النوع من الكتابة عسير، ولكنه يكون قادرًا على البقاء بعد زوال اللحظات العابرة التي تُنتِج معظم الكتابات الصحفية الأخرى، وبوسعي الآن أن أتأمل هذه الحالة بطريقة فينومينولوجية (أعني من خلال التأمل الانعكاسي لتلك الحالة نفسها)؛ فلعل هذا يضيء ما أود الإفصاح عنه:

في كل أسبوع أجد أنني ملزم بكتابة مقال تتراوح عدد كلماته بين سبعمائة وثمانمائة تقريبًا. في كل مرة أجد نفسي ملزمًا -بحكم نهج الكتابة الذي ألزمت نفسي به - أن أجد فكرة جديدة أكتب عنها، أو أن أكتب عن تطوير لفكرة سبق أن تناولتها من قبل. وتلك معضلة كبيرة؛ إذ كيف تكتب أفكارًا جديدة بعدما تناولت هذه الأفكار في مئات المقالات. وحتى بعد أن تأتيك الفكرة الجديدة، فإنك يجب أن تنسجها بشكل مقنع يجسدها بوضوح في جُمَل وفقرات، وهو ما يمكن أن يستغرق أيامًا. ثم عليك بعد ذلك أن تراجع مجمل ما كتبت، فتحذف سطرًا أو تضيف سطورًا أخرى هنا أو هناك. هذه هي قناعتي عن فن الكتابة الصحفية من دون أن يعني ذلك التقليل من شأن النوع الأول من الكتابة الصحفية التي تتناول اللحظي والعابر.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة ومؤلف كتاب «ماهية اللغة وفلسفة التأويل»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا النوع من من المقالات یمکن أن من خلال مقال ا

إقرأ أيضاً:

بث مباشر لـ المؤتمر الصحفي للرئيس السيسي ونظيره اللبناني

في خدمة مميزة نقدم بث مباشر لـ المؤتمر الصحفي لـ الرئيس عبد الفتاح السيسي، نظيره اللبناني جوزاف عون.

الرئيس السيسي يوجه رسالة للمجتمع الدولي بشأن إعادة إعمار لبنانالرئيس السيسي يستقبل نظيره اللبناني لبحث التعاون المشترك.. ويؤكد دعم القاهرة الكامل لبيروتقمة مصرية لبنانية.. الرئيسان السيسي وعون يبحثان التعاون الاقتصادي ودعم لبنان في مواجهة التحديات الإقليميةالرئيس السيسي: ندعم جهود لبنان فى إعادة الإعمار والاستفادة من الخبرات المصرية

نص كلمة الرئيس خلال المؤتمر الصحفي: بسم الله الرحمن الرحيم أخى العزيز، الرئيس العماد جوزاف عون، رئيس الجمهورية اللبنانية الشقيقة، السيدات والسادة الحضور، أستهل كلمتى، بالترحيب بأخى الرئيس "جوزاف عون"، رئيس الجمهورية اللبنانية الذى يحل ضيفا عزيزا في  بلده الثاني "مصر"، تلك الزيارة، التى تحمل فى طياتها رمزية خاصة، فهى تجسد متانة العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين بلدينا، وتعكس ترابطا يمتد عبر العصور إذ لطالما شكلت مصر ولبنان، نموذجا فريدا، للأخوة العربية الحقيقية.

الحضور الكرام، تأتى زيارة الرئيس "عون"، فى مرحلة دقيقة وظرف إقليمى شديد التعقيد لتؤكد عمق العلاقات "المصرية - اللبنانية"، وصلابتها على كافة المستويات .. وتعكس الترابط الوثيق بين الشعبين والحكومتين.

ولقد مثلت مباحثاتنا اليوم، فرصة ثمينة لتبادل الرؤى، مع أخى فخامة الرئيس، حول سبل تعزيز التعاون بين بلدينا، لاسيما فى المجالات الاقتصادية والتجارية.

وأكدنا حرصنا، على دعم جهود لبنان فى إعادة الإعمار، من خلال الاستفادة من الخبرات المصرية الرائدة، فى هذا المجال.

كما شددت على موقف مصر الثابت فى دعم لبنان .. سواء من حيث تحقيق الاستقرار الداخلى، أو صون سيادته الكاملة .. ورفضنا القاطع لانتهاكات إسرائيل المتكررة، ضد الأراضى اللبنانية، وكذلك احتلال أجزاء منها.

وفى هذا السياق، تواصل مصر مساعيها المكثفة، واتصالاتها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لدفع إسرائيل نحو انسحاب فورى وغير مشروط، من كامل الأراضى اللبنانية .. واحترام اتفاق وقف الأعمال العدائية، والتنفيذ الكامل والمتزامن، لقرار 
مجلس الأمن رقم "1701".. دون انتقائية.. بما يضمن تمكين الدولة اللبنانية، من بسط سيادتها على أراضيها .. وتعزيز دور الجيش اللبنانى، فى فرض نفوذه جنوب "نهر الليطانى".

كما أجدد اليوم، دعوة المجتمع الدولى، لتحمل مسئولياته تجاه إعادة إعمار لبنان .. وأحث الهيئات الدولية والجهات المانحة، على المشاركة بفاعلية فى هذا الجهد .. لضمان عودة لبنان إلى مساره الطبيعى،على طريق السلام والتعايش والمحبة فى المنطقة.

السيدات والسادة،

لقد تطرقت مباحثاتى، مع أخى الرئيس "عون" كذلك، إلى تطورات الأوضاع فى قطاع غزة .. حيث أكدنا ضرورة إنهاء العدوان على القطاع فورا، واستئناف العمل باتفاق وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح كافة الرهائن والأسرى .. مع ضمان دخول المساعدات الإنسانية، بشكل عاجل .. لتلبية الاحتياجات الملحة، للمدنيين الأبرياء فى غزة.

كما جددنا التأكيد، على موقف مصر ولبنان الراسخ والداعم للقضية الفلسطينية ..مع رفض أى محاولات تهجير للفلسطينيين،أو تصفية قضيتهم العادلة.

ومن هذا المنبر، ندعو المجتمع الدولى، إلى حشد الجهود الدولية والموارد، لتنفيذ خطة إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها، وتمكين السلطة الفلسطينية.. من العودة إلى القطاع  والعمل على توسيع الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها "القدس الشرقية" كون هذا المسار، هو الضامن الوحيد، للتوصل إلى السلام الدائم والاستقرار فى المنطقة.

تناولت مباحثاتنا أيضا، الملفات الإقليمية الملحة، وعلى رأسها الوضع فى سوريا الشقيقة .. حيث جددنا دعمنا الكامل للشعب السورى الشقيق وأكدنا ضرورة أن تكون العملية السياسية، خلال الفترة الانتقالية.. شاملة وغير إقصائية .. مع استمرار جهود مكافحة الإرهاب، ورفض أى مظاهر للطائفية أو التقسيم.

كما شددنا على إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، على السيادة السورية .. وضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى السورية المحتلة، واحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها.

أخى الرئيس، فى ختام كلمتى، أؤكد لكم، أن مصر ستظل إلى جانب لبنان ، وإلى جانبكم، وإلى جانب الحكومة اللبنانية، فى كل المساعى الرامية، إلى الحفاظ على استقرار لبنان وسيادته، بما يلبى تطلعات شعبه النبيل .. ولنعمل معا من أجل  تعزيز علاقاتنا الثنائية فى كافة المجالات .. ليستعيد لبنان دوره العريق، كمنارة للثقافة والتنوير فى المشرق.. والعالم العربى.

لقد كان التواصل بين مصر ولبنان إيجابياً يهدف إلى التنمية والحضارة… فقد كان هناك تواصل بين المصريين القدماء والفينيقيين… وفي العصر الراهن كانت مصر من أوائل الدول منذ الأربعينات التي أقامت علاقات مع لبنان… ومصر ولبنان لديهما جهد مشترك عبر السنوات الماضية في مجال الثقافة والكتابة والشعر … السيد الرئيس… نحن داعمون لك ونتمنى لك كل التوفيق.


 

طباعة شارك السيسي جوزاف عون لبنان

مقالات مشابهة

  • بث مباشر لـ المؤتمر الصحفي للرئيس السيسي ونظيره اللبناني
  • استقبال حافل للعرض التقديمي لفيلم "عين حارة" الذي يمثل "القاهرة السينمائي" في مبادرة "فانتاستيك 7"
  • استقبال حافل للعرض التقديمي لفيلم عين حارة في مهرجان كان
  • استقبال حافل للعرض التقديمي لفيلم عين حارة بمهرجان كان
  • أطباء يعيدون كتابة الحمض النووي لإنقاذ رضيع
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • استشهاد الصحفي عبد الرحمن العبادلة في بلدة القرارة بخان يونس
  • أسترالي يدخل السجن مرتين بسبب خطأ في كتابة اسمه!
  • شاب يتعرض للسجن بسبب خطأ في كتابة اسمه
  • صفية العمري: أعتذر عن هذا النوع من الأدوار الفنية .. وثروتي حب الناس