طبيب مغربي عاد من غزة … مأساة فوق المأساة / تفاصيل مفزعة
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
#سواليف
“مأساة فوق المأساة”.. بهذه الكلمات لخص #الطبيب المغربي #زهير_لهنا، الصورة القاتمة للوضع الصحي في قطاع #غزة، بعدما أمضى شهرا متطوعا تحت #الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ نحو 5 أشهر.
لهنا (56 عاما) سلط الضوء على ملامح هذه المأساة في مقابلة مع الأناضول، مبينا أنها تشمل غياب الكثير من #الأدوية ونقص الكادر الطبي وعدم توفر أسرة كافية للمرضى، وغياب البيئة المعقمة داخل #المستشفيات ما يرفع عمليات بتر الأطراف، فضلا عن المخاطر الحياتية التي يواجهها الأطباء.
وبسبب تركيزه على العمل التطوعي في مناطق الحروب والنزاعات، لُقب لهنا في الأوساط الطبية بالمغرب باسم “طبيب الفقراء”؛ إذ سبق أن سافر إلى سوريا عام 2014، وإلى قطاع غزة أكثر من مرة منها مرتان إبان حربي 2009 و2014، كما ساعد مرضى في عدة دول إفريقية.
صعوبة الوصول إلى غزة
وحول كيفية وصوله إلى غزة خلال الحرب للعمل متطوعا، أوضح لهنا أن الأمر لم يكن سهلاً، إذ حاول في البداية مع مجموعة أطباء فلسطينيين في “تجمع فلسطيني أوروبا” (غير حكومي) التوجه إلى غزة عبر معبر رفح مع بدء الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، لكن الأمر لم ينجح حيث “كانت الحدود مقفلة كليا”، كما يقول.
وأضاف: “مع الوقت والضغط، تم فتح #معبر_رفح لإدخال المساعدات (إلى غزة) التي لا تزال شحيحة حتى الآن”، مشيرًا إلى أنه مع فتح المعبر، بدأت الوفود التطوعية الطبية تدخل إلى غزة.
في ذلك الوقت عاود لهنا الكرة لينجح أواخر يناير/ كانون ثان 2024 في الدخول إلى غزة ضمن وفد تابع لمنظمة “رحمة حول العالم” الأمريكية (غير حكومية).
وأشار إلى أن هذا الوفد ضم 20 طبيبًا آخرين، منهم أطباء بريطانيون وأردنيون وأمريكيون وفرنسيون.
تطوع تحت القصف الإسرائيلي
وكما كان الدخول إلى غزة صعبًا، واجه الطبيب المغربي كسائر المتطوعين مخاطر وتحديات كبيرة، جراء قيام الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على المنشئات الصحية وحصارها.
وحول ذلك، قال إن الوفد الطبي التي كان يرافقه لاحظ بعد دخوله إلى غزة في 20 يناير أن الذهاب إلى شمال القطاع “شبه مستحيل” جراء قطع الجيش الإسرائيلي للطرق المؤدية إلى هناك.
وأوضح أنه بناءً على ذلك تم الاتفاق على تقسيم الوفد إلى قسمين؛ الأول يعمل في المستشفى الأوروبي بمدينة خانيونس جنوب القطاع، والثاني يعمل بمستشفى ناصر بالمدينة ذاتها.
وأضاف أن القسم الذي قرر العمل في مستشفى ناصر لم يتمكن من ذلك؛ لأنه “وجد المستشفى محاصرًا من قبل قوات الاحتلال”، وكان الدخول أو الخروج من المستشفى “شبه مستحيل بسبب قناصة جيش الاحتلال”، فضلا عن أنه يمكن اعتقال أو قتل كل من يخرج منه.
لذلك، وفق لهنا، “قرر الوفد الطبي كله في نهاية المطاف العمل في المستشفى الأوروبي، باستثناء 3 من أفراده خاطروا بحياتهم، وذهبوا إلى مستشفى الأقصى للعمل هناك”.
في المستشفى الأوروبي لم يجد لهنا قسمًا لتخصصه النساء والولادة، لذلك عمل على مساعدة الطاقم الطبي هناك، قبل أن يتطوع بمستشفى رفح للأم والطفل الإماراتي، وهو الوحيد المخصص للولادات جنوب مدينة رفح.
وواصفًا ظروف عمل الأطباء، ومن ضمنهم المتطوعون، في غزة أثناء الحرب، قال لهنا إن “الأطباء يتحدون الموت لإنقاذ الجرحى والمرضى”.
ولفت إلى أن الطاقم الطبي في المستشفى الأوروبي مثلا كان يبيت بـ4 غرف داخل المستشفى، على اعتبارها شبه آمنة، حيث لا تتعرض للقصف إلا قليلا، وفي حالات نادرة.
واعتبر أن “الحياة في ظل الحرب ليس سهلة”؛ فالطبيب يحصل على وجبة واحدة في اليوم، لكنه “في حالة أحسن بكثير من باقي المواطنين” في غزة.
ولفت إلى أن “الحالة في المستشفى تبقى أحسن بكثير خارجه بالنسبة للطاقم طبي”، حيث “يتوفرون على الماء والكهرباء والإنترنت رغم تغطيته الضعيفة”.
بتر الأطراف في غياب التعقيم
وقياسًا على المستشفى الأوروبي الذي عمل به، قال الطبيب إن المستشفى “أصبح كالقرية حيث استقبل في داخله وخارجه الكثير من النازحين، الذين يُقدرون بـ25 ألفا، ويضطر المواطنون إلى المبيت فيه”.
وأضاف أن هذه البيئة التي “تتسم بالاكتظاظ والغبار الناتج عن الدمار تساهم في التعفنات”؛ ما يؤدي إلى مخاطر صحية.
وأوضح: “للأسف، تعرضت جروح بعض المصابين للتعفن خلال العمليات التي أجريناها لهم؛ نتيجة الوضع غير الصحي داخل المستشفى”، في إشارة إلى عدم توفر الأجواء المعقمة، التي تتطلبها تلك العمليات.
ولفت الانتباه إلى النقص الكبير على مستوى الكادر الطبي في غزة؛ لأن “هناك استنزاف له بسبب كثرة الجرحى والمرضى”.
قصص مأسوية
ومتطرقا إلى قصص مأسوية آلمته، قال لهنا إن جراحا أمريكيا من أصول سورية اسمه براء أبلغه عندما انتهت مهمته بأنه بتر خلال 15 يوما فقط أطراف أشخاص يزيد عددهم بأكثر مما قام ببتره خلال 5 سنوات.
وأضاف أن هذا الطبيب ذاته قال له إنه اضطر في يوم واحد إلى بتر أطراف نحو 15 حالة، واصفا هذا الأمر بـ”المؤلم”.
وأشار لهنا إلى أن الأطباء في غزة يواجهون مصاعب في التعامل مع بعض الإصابات؛ حيث يموت المصابون بإصابات بليغة، ناهيك عن مرضى الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط وأمراض الفشل الكلوي، التي بات الحصول على أدويتها صعبًا.
وزاد: “إضافة إلى ذلك تكمن المشكلة في صعوبة إيجاد مكان لاستضافة المرضى عندما يتم علاجهم؛ مما يساهم في تدهور حالتهم الصحية مجددا عندما يضطرون للبقاء في خيام مكتظة”.
ووصف الوضع المعيشي في رفح بالصعب بسبب الاكتظاظ ودمار البنية التحية مثل الصرف الصحي، وعدم الاستحمام لانقطاع المياه، وقلة النوم، وغياب الراحة النفسية.
وأشار إلى أن الأهالي بغزة “يعيشون حالة رعب وضبابية بالمستقبل، ناهيك عن تدمير ماضيهم، والتجويع الذي يتعرضون له خاصة شمال القطاع”.
وقال لهنا إنه كان يظن أن “الحصار والتجويع أصبح من القرون الوسطى ومن الماضي، إلا أنه رآه بأم عينه بغزة”.
وأضاف أنه بعدما زار العديد من البلدان أثناء الحروب على مدار 25 عاما “لم ير في حياته مثل ما يجري في القطاع من فظائع”.
ارتفاع الولادات بغزة
وبخصوص ارتفاع نسبة الولادات بغزة في ظل الحرب، أوضح لهنا أن أهالي غزة يستبشرون بالحياة مع الولادات الجديدة.
واعتبر أن “الإيمان لدى الغزاويين هو الذي يبقيهم صامدين بعد فقدان أقاربهم جراء القصف”.
وبخصوص صعوبة وصول الأطباء المتطوعين إلى غزة، قال إن “المشكل يكمن في التنسيق، ولابد من إيجاد القنوات؛ لأن الدخول إلى غزة ليس بالأمر السهل، ويتطلب موافقة أولية (من السلطات المصرية)، والتنسيق مع جمعية ذات ثقة”.
الدروس المستفادة
وبشأن الدروس المستفادة من تجربة غزة بعدما غادرها في 25 فبراير/شباط، قال لهنا: “من يساعد الناس إنما يساعد نفسه، ومن يذهب إلى الناس يذهب إلى نفسه، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تتيح للإنسان اكتشاف نفسه، ومعرفة الأمور التي ينبغي فعلها وتلك التي يمكن الاستغناء عنها”.
واستدرك قائلا: “الطبيب في هذه الحالات يستفيد أكثر مما يعطي على الصعيد الشخصي”.
واعتبر أن “المرء يفكر في الموت بالنظر إلى مظاهر الموت الذي يوجد في كل مكان (في غزة)؛ وبالتالي فإن ذلك يدفعه إلى مراجعة النفس والمستقبل والأولويات”.
وزاد: “يستفيد الإنسان كثيرا، لأنه يعود من هناك غنيا بالتجربة، وعندما نذهب إلى إخواننا الفلسطينيين فإنهم يستبشرون، ويقولون إنه رغم كل هذا الخذلان، هناك إخوان لنا في الدين والإنسانية يأتون لمساعدتنا”.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين أول 2023 تشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات آلاف الضحايا معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا وكارثة إنسانية غير مسبوقة، الأمر الذي أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب “إبادة جماعية”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الطبيب زهير لهنا غزة الحرب الأدوية المستشفيات معبر رفح فی المستشفى الأوروبی وأضاف أن إلى غزة فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
الجوع يفتك بحياة الغزيين واستمرار إغلاق المعابر يعمّق المأساة
غزة- يخوض الآباء والأمهات في قطاع غزة يوميا معركة صامتة لم تعد تتمحور حول الأمان أو التعليم أو الاستقرار، بل أصبحت تدور بالكامل حول إطعام أبنائهم.
فمنذ إغلاق إسرائيل للمعابر بداية مارس/آذار الماضي ومنع دخول المساعدات والمواد الغذائية الأساسية، دخلت غزة مرحلة حادة من انعدام الأمن الغذائي، حيث شحّ الطعام من الأسواق، وتوقفت برامج الإغاثة والمساعدات، وباتت الأسر اليوم تعيش على فتات التكايا التي لم تعد تصل بانتظام.
وأدى منع إدخال الطعام إلى تفاقم حالات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء.
داخل مركز إيواء (غربي مدينة غزة) تشكو ميسون حلّس، وهي أم 3 أطفال، من حالة اكتئاب وهزال جسدي أصابتها بسبب شح الطعام، وصعوبة تأمينه لأولادها.
وتقول ميسون للجزيرة نت "ابني الصغير عمره 5 سنوات، منذ 4 شهور ما ذاق لا الحليب ولا البيض، يعاني من هشاشة في أسنانه وتسوس، وصار يتلعثم بالكلام. وهذا كله من نقص التغذية، الاحتلال يمنع دخول الطعام، ونحن ننام بدون عشاء".
ولفتت إلى أن ابنها الأكبر الطالب في الثانوية العامة بحاجة لغذاء يعينه على التركيز، لكنه يضعف يوما بعد آخر، وصار هزيلا ولم يعد يحفظ دروسه ولا يركز، وذكرت أن ابنتها الوسطى تعاني من الأنيميا، مضيفة "كنت قبل الحرب أطعمها حليبا وبيضا ومكسرات، كانت تقوّي دمها شوي، اليوم ما في شيء، حتى الحليب صار حلما".
وبخصوص حالتها، تتابع ميسون شارحة "أنا نفسي ما عدت مثل ما قبل، هذا الوضع أصابني بالاكتئاب والأزمات النفسية، وأثر بشكل شديد على سلوكي مع أولادي وسلوكهم معي، وأيضا أصابني بالدوخة وانخفاض ضغط الدم، وما عدت أقدر أشتغل زي زمان في الغسيل والطبخ وترتيب البيت".
إعلانوتحدثت حول كيفية تمضية يومها باحثة عن طعام لأولادها، فتقول "نبدأ ندوّر على وجبة إفطار، لو لقينا شوية خبز يابس أو رز، نحمد ربنا. زمان كانت التكية تجيب الأكل يوميا. الآن قليل، وإذا جاءت مبكرا نفرح، ونعتمد عليها، وتسكت جوع الأولاد".
وذكرت أن أولادها غالبا ما ينامون دون عشاء، وهو ما يمثل مشكلة لابنها الصغير الذي يبكي طول الوقت لأنه تعوّد أن يشرب كأسا من الحليب، أو أكل "ساندويتش من الجبن" وهو أمر مفقود تماما الآن.
"أمس شعرتُ أنني سأسقط من شدة الهزال. كنت سأقع، طلبتُ منهم فقط قطعة خبز حاف، وبعدها تحسنت شوي" بهذه الكلمات بدأت وسام السدودي، وهي أم 7 أطفال، حديثها داخل خيمتها في أحد مراكز الإيواء بغزة.
وسام، مثل غيرها من الأمهات في القطاع، لا تبحث عن الرفاهية أو التنوع في الوجبات، كل همها أن تُشبع أبناءها الجائعين. وتقول للجزيرة نت "أولادي يأكلون وجبة واحدة في اليوم. نعتمد على التكية، لكنها صارت نادرا لما تيجي (تأتي) وحين تحضر لا تكفي كل المركز".
وفي الوضع الطبيعي، كانت وسام تخبز يوميا قرابة 40 رغيفا لأسرتها، لكنها توقفت تماما قبل أسبوع بعد نفاد الطحين لديها، مضيفة "الآن لا يوجد لدينا أي خبز". وتكمل "نسينا طعم الخضار واللحمة، الأسعار نار، ومفيش شيء بالسوق أصلا، إحنا بنعيش تجويع حقيقي، صار الوضع أسوأ بكتير، هزال، ودوخة، وقلة تركيز، والأمراض صارت تنتشر بسرعة بسبب ضعف المناعة".
كان صوت نضال حلّس، مدير مركز إيواء يقع داخل مدرسة في حي الرمال الجنوبي، مليئا بالعجز بعدما انتهى من توزيع كمية من العدس على النازحين. ويقول للجزيرة نت "10 قدور كبيرة من العدس، انتهت خلال 10 دقائق فقط، تتخيل؟ كان هناك الكثير من الناس، والأغلبية لم يحصلوا على شيء".
إعلانوأشار إلى بوابة المدرسة، وقال "الناس تأتي من مناطق بعيدة، وليس فقط من مركزنا، يمشون كيلو واثنين، من أجل لتر عدس لإشباع أولادهم".
وبكثير من الأسى، ذكر نضال أن التكيات أصبحت نادرة وتقلصت بنسبة تصل إلى 90% بسبب عدم توفر المواد الغذائية في الأسواق، بعد أن كانت تأتي لمركز الإيواء بشكل يومي. ويضيف "يأتي الكثير من الناس يريدون الأكل، وليس عندنا ما نعطيهم.. حاليا نغطي فقط 30% من احتياج الناس".
جوع حقيقي
وبحسب مدير مركز الإيواء، فإن غزة دخلت مرحلة الجوع الحقيقي قبل نحو أسبوعين، مع توقف غالبية التكيات عن العمل، ونفاد غالبية البضائع من الأسواق، وارتفاع أسعارها بشكل فاحش.
ويكمل "الهزال ظاهر على الكل، البعض يسقط والبعض يغمى عليه، الوضع الصحي والنفسي صعب، والناس تحضر قبل أفراد التكية بساعتين، ويمكن أن تذهب بدون أن تأخذ أي أكل".
وتقول المؤسسات الإغاثية المحلية والدولية إن مخزونها من الطعام قد نفد بشكل تام، وهو ما دفع برنامج الأغذية العالمي إلى وقف تشغيل مخابز القطاع، كما توقفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) عن توزيع الطحين على العائلات.
ويكشف إبراهيم إرشي مدير برنامج التغذية في مكتب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (آي إتش إتش) أنهم سيتوقفون، اليوم الاثنين، عن توزيع المكملات الغذائية المخصصة للأطفال والحوامل والمرضعات، بعد نفاد المخزون.
ويضيف للجزيرة نت "في السابق كنا نوزع حليبا للأطفال ومواد غذائية أساسية، وعندما نفدت، حاولنا الصمود على الأقل بتوزيع المكملات، لكن حتى هذه نفدت". وتابع "لم نستطع إدخال أي مساعدات جديدة بسبب استمرار إغلاق المعابر".
وحذر إرشي من أن وقف توزيع المكملات الغذائية على الفئات الضعيفة فيه تهديد مباشر لحياة الأطفال. مؤكدا "سوء التغذية صار واقعا يوميا، والأطفال في غزة الآن يواجهون خطرا حقيقيا على صحتهم، بل على حياتهم".
إعلان