أسباب موافقة الحكومة على تحرير سعر الصرف رغم الرفض سابقًا
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
اتخذت الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية العديد من الإجراءات الاقتصادية والجهود للقضاء على أزمة شح النقد الأجنبي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحرير سعر الصرف يأتي متوازيا مع منظومة الإصلاحات الهيكلية المالية والنقدية المتكاملة التي تتخذها الحكومة لتعافي الاقتصادي المصري، هذا إلى جانب الحوار الاقتصادي المهم الدائر بالحوار الوطني، بهدف تمكين الاقتصاد المصري من مواجهة التحديات الراهنة، وإطلاق قدراته لتحقيق معدلات نمو وتشغيل أفضل، لذا اتخذت الدولة المصرية هذا القرار بما يصب في صالح تعزيز ونمو الاقتصاد المصري ووفقا لبرنامج الإصلاح الوطني الذي يهدف لتحسين معيشة المواطن المصري، لذا جاء هذا القرار بإرادة مصرية وطنية وليس بناء على إملاءات من صندوق النقد الدولي، والذي يقدم فقط نصائح اقتصادية يمكن لمصر الأخذ بها أو تجاهلها.
ورفضت القيادة السياسية منذ 9 أشهر تحرير سعر الصرف بناء على طلب من صندوق النقد الدولي، وكان ذلك وفق قناعة تامة أن الاقتصاد المصري وقتها غير مؤهل لاتخاذ هذه الخطوة في ظل أزمة شح النقد الأجنبي، لذا تم تغيير وجهة نظر صندوق النقد الدولي بشرح أضرار تحريك سعر الصرف آنذاك، وتوضيح أن ترك الدولار للعرض والطلب دون توفيره بالبنك المركزي: سيلحق ضررا بشرائح كثيرة من المواطنين مما يخالف توجهات القيادة السياسية والدولة المصرية التي ت على مصلحة المواطن المصري ولا تألوا جهدا المحاولة رفع عبء الأزمة الاقتصادية من على كاهله.
قرار تحريك سعر الصرف في التوقيت المناسبوأتى الآن قرار تحريك سعر الصرف في التوقيت المناسب، في ظل توافر المدخلات الدولارية مؤخرا بنسبة آمنة، ومع تقارب سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق السوداء مع سعر الصرف الرسمي ومع التراجع الملحوظ الذي بدئنا نشهده في أسعار المنتجات.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: البنك المركزي الحكومة سعر الصرف الاقتصاد المصري صندوق النقد الدولي سعر الصرف
إقرأ أيضاً:
محمد صبيح يكتب: نظرة متفائلة للجنيه المصري أمام الدولار
ينظر التاجر بارتياح إلى بضائعه الجديدة المرتبة في متجره، وهو يحسب فاتورة الاستيراد بثقة لم يشعر بها منذ فترة طويلة. لأول مرة منذ سنوات، يستطيع التخطيط لأعماله التجارية دون خوف من تغيرات مفاجئة في سعر الدولار قد تربك كل حساباته.
بعد سنوات من عدم الاستقرار، أصبح التجار في السوق المصري اليوم قادرين على إدارة أعمالهم بوضوح أكبر، بفضل سعر صرف واقعي يعكس الوضع الاقتصادي الحقيقي. هذا التغيير يمثل خطوة مهمة في مسار الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته مصر.
قصة التاجر، هي انعكاس لواقع جديد بدأ يتشكل في الاقتصاد المصري خلال الربع الأول من عام 2025، حيث شهد الجنيه المصري استقراراً ملحوظاً يعكس تحولاً جذرياً في مسار العملة الوطنية بعد سنوات من التذبذب والتراجع المستمر.
إصلاحات ونتائجفي الوقت الذي كانت فيه العديد من الاقتصادات الناشئة تترنح تحت وطأة السياسات النقدية المتشددة عالمياً، استطاع الجنيه المصري أن يحافظ على نطاق تداول مستقر نسبياً أمام الدولار الأمريكي، متراوحاً بين 50.3 و50.7 جنيه، وهو ما يُعد تحسناً ملموساً مقارنة بمستويات القلق التي سادت العام الماضي.
هذا الاستقرار لم يكن وليد الصدفة، بل جاء كثمرة لحزمة من الإصلاحات المدروسة والسياسات المالية والنقدية المنضبطة التي قادها البنك المركزي المصري، وفي مقدمة هذه السياسات، قرار خفض أسعار الفائدة استجابة لتراجع معدلات التضخم إلى 13.6% في مارس، وهو أدنى معدل منذ ثلاث سنوات.
هذا التراجع في التضخم منح المركزي هامشاً من المرونة لتهدئة السوق دون الإضرار بجاذبية الجنيه كوعاء استثماري في أعين المستثمرين.
وفي هذا السياق، تبدو توقعات صندوق النقد الدولي منطقية، إذ رجّح أن يسجل سعر صرف الجنيه متوسطًا عند 49.6 أمام الدولار خلال السنة المالية الحالية، مع انخفاض متوقع في عجز الحساب الجاري.
على صعيد الاقتصاد الكلي، أعطت المؤشرات الإيجابية دفعة قوية للجنيه المصري حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.3% خلال الربع الأول، مدفوعاً بقطاعات حيوية مثل التصنيع والتجارة والسياحة، هذه المؤشرات دفعت بنوك استثمار عالمية مثل "جولدمان ساكس" إلى توقع المزيد من التحسن في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار خلال العام الجاري.
ترى المؤسسات الدولية بوادر تعافٍ حقيقية في الاقتصاد المصري، تؤكدها مؤشرات الاستقرار النقدي الحالية، وما يميز هذه المرحلة هو أن استقرار الجنيه لم يأتِ نتيجة تدخلات مؤقتة، بل كنتيجة لتغيير هيكلي في بنية الاقتصاد المصري.
روافد جديدة من الثقة الدوليةلا يمكن تجاهل الأثر الإيجابي الذي أحدثته تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لا سيما في أدوات الدين الحكومية، كما أن حصول مصر على دفعة مالية جديدة من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.2 مليار دولار، إلى جانب مساعدات أوروبية، شكّل رافعة جديدة للاحتياطي الأجنبي، ومصدر دعم قوي لاستقرار الجنيه.
يتمثل أحد المؤشرات المهمة على تزايد الثقة الدولية في زيادة تحويلات المصريين بالخارج، والتي ارتفعت بنسبة 12% خلال الربع الأول، لتبلغ 9.3 مليار دولار.
هذه التحويلات، إلى جانب الانتعاش الملحوظ في إيرادات السياحة التي تجاوزت 4.5 مليار دولار خلال نفس الفترة، وفرت مصادر مستقرة من العملة الصعبة لدعم سوق الصرف.
"كل هذه العوامل تتضافر معاً لتعزيز موقف الجنيه المصري" وهو ما عزز من نظرة المستثمرين الأجانب إلى مصر كوجهة أكثر استقراراً للاستثمار، بعد سنوات التردد.
الجنيه يستعيد هيبتهالخلاصة أن الجنيه المصري في الربع الأول من 2025 لم يكن فقط عملة مستقرة، بل كان مرآة لما تحقق من إصلاحات اقتصادية حقيقية وما نشهده اليوم هو تحول نوعي في فلسفة إدارة الاقتصاد، يقوم على المرونة، والمصارحة، والتوازن بين احتياجات الداخل وثقة الخارج.
ورغم أن التحديات لا تزال قائمة، خاصة في ظل استمرار التوترات الإقليمية والضغوط على الأسواق الناشئة، فإن ما تحقق حتى الآن يبرر بعض التفاؤل، ويؤكد أن الجنيه بدأ يستعيد ما فقده، لا بالقوة، بل بالعقل والحكمة والسياسات المستندة إلى البيانات.
الجنيه المصري اليوم ليس فقط ورقة نقد، بل شهادة حية على أن الثقة تُبنى بالإرادة، وأن الإصلاح الحقيقي يثمر، ولو بعد حين.