بوريطة أمام الجامعة العربية: احترام الوحدة الترابية للدول العربية جوهر الأمن القومي
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
زنقة 20 | الرباط
أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اليوم الأربعاء بالقاهرة، أن احترام الوحدة الترابية للدول العربية جوهر الأمن القومي.
و قال بوريطة ، أن التزام المملكة المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، بدعم القضية الفلسطينية، ثابت وملموس ولا يخضع للمزايدات والشعارات.
وأبرز بوريطة، في كلمة خلال افتتاح أعمال الدورة 161 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، أن “المملكة المغربية، وبتعليمات من الملك محمد السادس، تؤكد الحاجة الملحة لوقف عاجل وشامل ودائم لإطلاق النار وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بدون عوائق أو تقييدات ورفض محاولات التهجير القسري للمدنيين واحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.
وفي إطار التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق، ذكر الوزير بأن المغرب بادر وبتعليمات من الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، إلى إرسال كميات مهمة من المساعدات الإنسانية العاجلة شملت مستلزمات غذائية وطبية، وأخرى تولت وكالة بيت مال القدس الشريف، الذراع التنفيذي للجنة القدس، تسليمها للمؤسسات الاستشفائية والاجتماعية الرئيسية المعنية بحالات الطوارئ الصحية والاجتماعية الناجمة عن تطورات الأوضاع في قطاع غزة.
وأشار إلى أنه بالموازاة مع هذا التحرك الإنساني، ظل مجلس الجامعة على مستوى المندوبين في حالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات الوضع في قطاع غزة.
كما ذكر بأن المملكة المغربية “دعت، بتعليمات من الملك محمد السادس، وبتنسيق مع اشقائنا في دولة فلسطين، إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، بتاريخ 11 أكتوبر 2023، شددنا فيه على ضرورة وقف إطلاق النار وتجنب استهداف المدنيين والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، ومنع محاولات التهجير القسري”.
وشدد على أنه “مخطئ من يظن أن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط سيتحقق عبر الحلول العسكرية أو مخططات تهجير الفلسطينيين، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى تكريس نزعة الاستعداء والانتقام والتطرف، والزج بالمنطقة في دوامة لا متناهية من الفوضى والعنف.
وخلص الى أن “السلام، كما سبق للملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، أن أكد في مناسبات مختلفة، سيبقى هو الخيار الاستراتيجي لشعوب المنطقة، وهو السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوبها”.
ولدى استعراضه للاوضاع التي تعرفها عدد من الأقطار العربية، التي ما زالت تعيش أزمات سياسية وحروبا ونزاعات كاليمن والسودان وسوريا، أبرز الوزير المغربي أن المملكة المغربية، بقيادة الملك، يحذوها أمل كبير في أن تستقر الأوضاع في هذه البلدان على أساس تغليب الحوار والمبادرات السلمية بعيدا عن منطق القوة والحلول العسكرية.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: الملک محمد السادس المملکة المغربیة
إقرأ أيضاً:
الأنظمة العربية من الحماية الأجنبية إلى التمكين القومي
أحمد بن محمد العامري
عانت معظم الأنظمة العربية منذ مرحلة ما بعد الاستقلال من تحديات بنيوية معقدة دفعتها طوعًا أو كرهًا إلى الاحتماء بالقوى الأجنبية طلبًا للدعم السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، واتقاءً لمخاطر داخلية أو إقليمية أو دولية، وقد شكّل هذا الاحتماء تحوّلًا عميقًا في مفهوم السيادة، إذ لم يعد الارتباط بالخارج مسألة ظرفية تقتضيها الضرورة؛ بل أصبح في حالات كثيرة خيارًا استراتيجيًا لتعزيز النفوذ الداخلي أو لتحقيق مكاسب إقليمية على حساب دول عربية أخرى.
إن دوافع هذا الارتهان للخارج تعود إلى جملة من الأسباب الموضوعية والتاريخية من بينها هشاشة المؤسسات السياسية، وغياب العقد الاجتماعي الذي يُؤسّس لعلاقة صحية بين الدولة والمجتمع، وتآكل شرعية كثير من الأنظمة بفعل القطيعة مع الجماهير، إضافة إلى غياب مشاريع تنموية مستقلة مستدامة وشاملة تلبّي طموحات الشعوب.
وبدلًا من اللجوء إلى مراجعة داخلية تعيد هيكلة العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أسس ديمقراطية تشاركية، اختارت بعض الأنظمة الاستقواء بالدعم الأجنبي كأداة لبسط السيطرة الداخلية أو لتحقيق توازنات إقليمية عبر استدعاء التدخلات الدولية، الأمر الذي ساهم في تعميق الانقسامات وزيادة التبعية.
لقد أسهم هذا المسار في إضعاف الموقف العربي الجماعي وأدى إلى تشظي القرار السيادي وانكشاف الأمن القومي العربي أمام التحديات الخارجية، في ظل غياب رؤية موحدة للأمن العربي، وتضارب المصالح بين الأنظمة وغياب الثقة المتبادلة. ولم يكن هذا الواقع إلا نتيجة طبيعية لغياب بنية عربية مشتركة تتجاوز الحسابات القطرية الضيقة وتؤمن بأن مصير الدول العربية مترابط، وأن أي تهديد يطال طرفًا منها سرعان ما ينعكس على سائر أجزائها.
وفي هذا السياق، يبرز السؤال الجوهري: كيف يمكن الانتقال من منطق الاحتماء بالخارج إلى بناء منظومة عربية قادرة على التمكّن الذاتي، وتحقيق الأمن والاستقرار والسيادة الحقيقية؟ إن الإجابة تبدأ من إعادة الاعتبار للإرادة الشعبية ومن الإقرار بأن التمكين السياسي لا يمكن أن يتحقق في غياب مشاركة المواطنين في صياغة القرارات المصيرية. إن بناء عقد اجتماعي عربي جديد يقوم على مبادئ المشاركة والمساءلة وسيادة القانون، هو المدخل الأول لاستعادة الثقة بين الشعوب والأنظمة، وتحويل الدولة من سلطة قمعية إلى مؤسّسة تمثيلية تعبّر عن الإرادة الجمعية.
وينبغي أن يُترجم هذا العقد إلى إنشاء مؤسسات عربية فاعلة، في مقدمتها برلمان عربي حقيقي، يعكس تطلعات الشعوب، ويعبّر عن المصالح القومية الكبرى مع احترام استقلالية كل دولة وسيادتها.
كما يتوجب تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الدول العربية ليس فقط من خلال التنسيق الاستخباراتي، بل عبر صياغة عقيدة عسكرية وأمنية مشتركة، تتجاوز الشكوك والهواجس المتبادلة، وتؤمن بأن أمن كل دولة هو جزء لا يتجزأ من أمن الأمة بأسرها.
ولن تكتمل عناصر هذا التمكين دون إصلاح عميق لوسائل الإعلام، من خلال وضع ميثاق شرف إعلامي عربي يجرّم كل ما يحرّض على الكراهية والانقسام الطائفي أو المذهبي أو المناطقي، ويكرّس خطابًا وحدويًا يعزز الانتماء القومي.
كما أن إصلاح التعليم يمثل ركيزة لا غنى عنها، إذ ينبغي إعادة صياغة فلسفته بما يعزز قيم الابتكار، ويُوحّد المفاهيم والمصطلحات الإدارية والعلمية، ويهيّئ أجيالًا قادرة على الإسهام في مشروع النهضة العربية.
والتحوّل من التبعية إلى التمكّن لا يستلزم بالضرورة ذوبان الهويات الوطنية أو إلغاء خصوصيات الحكم، بل يستدعي توافقًا واعيًا على أولويات قومية مشتركة في مجالات الأمن والتعليم والطاقة والاقتصاد والسياسة الخارجية. نحن في حاجة إلى بوصلة عربية موحّدة، وشمال قومي واضح، يقود الأمة نحو موضع يليق بها ليكون لها مكان تحت الشمس.
إن الأمم لا تُحمى من الخارج؛ بل تُبنى من الداخل، وإذا أرادت الأنظمة العربية أن تكون في مقدمة الدول، فعليها أن تُصغي لشعوبها وتتشارك معها القرار، وتعيد الثقة إلى البيت العربي عبر التلاحم لا التنازع، والوحدة لا الانقسام.