عرق السوس.. مشروب رمضاني تناوله نابليون على فراش الموت ووزّعه الإسكندر على جنوده
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
يعد عرق السوس أحد المشروبات المميزة على مائدة الإفطار في شهر رمضان المبارك، وذكره الطبيب العربي ابن البيطار، فقال "أنفع ما في نبات عرق السوس عصارة أصله، فهو دواء لأمراض الحلق والكبد إذا وضعته تحت اللسان، وعلاج لالتهابات المعدة وأمراض الصدر إذا مضغته، وإذا شربته قطع العطش".
عشبة معمرةوعرق السوس اسم مشتق من اليونانية القديمة ويعني "الجذر الحلو"، وهو نبات عشبي بأزهار أرجوانية تميل إلى اللون الأزرق، له غلاف يشبه غلاف البازلاء، ينمو في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وفي آسيا، ويتم حصاده في فصل الخريف بعد سنتين إلى 3 سنوات من زراعته، وله نكهة حلوة ومميزة، إذ يحتوي على السكر والعديد من الفيتامينات والمعادن.
يقول موقع "ريدرز دايجست" إن عرق السوس حظي بمكانة مميزة منذ عصور ما قبل التاريخ، وتعود بداية استخدامه إلى الثقافات الآشورية والمصرية والصينية والهندية القديمة، كإحدى الوصفات الطبية المتداولة، وإنه في سنة 2300 قبل الميلاد اعتبره الإمبراطور الصيني شينونغ نبتة سحرية تقوي المسنين وتكسبهم مناعة.
وفي مصر القديمة، استخدمه قدماء المصريين كمشروب اقتصر على الملوك والأمراء، وكذلك استخدموه في إبعاد الأرواح الشريرة عن المتوفى حديثا، وطمأنته حتى يبعث من جديد، حتى إنه عثر على بعض جذور عرق السوس في مقبرة توت عنخ آمون بين الكنوز الملكية عند اكتشافها عام 1923.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الشاي أم القهوة.. ما المشروب الأكثر استهلاكا بعد الماء؟list 2 of 4تسبب التوتر والقلق والاكتئاب.. 7 أطعمة ومشروبات ينبغي تجنبهاlist 3 of 4القهوة.. هل تصبح مشروب الرفاهية في المستقبل؟list 4 of 4مشروبات الكيتونات لإنقاص الوزن.. مكمل غذائي أم خدعة تسويقية؟end of listواعتاد الجنود في الجيشين اليوناني والروماني مضغ جذور عرق السوس أثناء المسيرات الطويلة والمعارك، لإرواء عطشهم وترطيب أجسامهم عندما لا يكون لديهم ما يكفي من الماء، إذ أمر الإسكندر الأكبر بتوزيعه عليهم كحصص إعاشة، وعلى نفس خطى الإسكندر الأكبر، أوصى الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت جنوده باستخدام جذور عرق السوس للغرض نفسه، غير أنه حرص شخصيا على مضغه لسبب آخر، وهو تهدئة أعصابه في ساحة المعركة، ويقال إنه أكثر من مضغه، حتى تحولت أسنانه إلى اللون الأسود، كذلك يُزعم أنه وهو على فراش الموت، طلب خلط جذور عرق السوس في زجاجة من الماء ليتمكن من شربه.
تحول عرق السوس إلى مشروب شعبي في مصر خلال العصر الفاطمي، وأصبح متاحا للفقراء والأغنياء، ويحظى بإقبال كبير بين كافة الأوساط والطبقات.
واعتادت الأسر العربية تجهيزه على المائدة الرمضانية ضمن مجموعة من المشروبات الباردة الأخرى مثل قمر الدين والتمر الهندي والخروب والسوبيا، لتعويض الجسم السوائل المفقودة خلال ساعات الصيام.
ولم يقتصر استهلاك شراب العرق سوس على شهر رمضان فحسب، بل تشربه شعوب عربية مختلفة من أيادي الباعة الجائلين في الشوارع طوال العام، وانتشرت مهنة "بائع عرق السوس" الذي يجوب الشوارع برنات صاجاته النحاسية وعباراته المميزة "عرق سوس شفا وخمير"، وبملابس تراثية تعبر عن تاريخ المهنة وعراقة المشروب.
مذاق متداخللم يتبق من هذه اللوحة سوى بعض من آثارها، ففي الآونة الأخيرة، لم يعد مشروب عرق السوس يحظى بالقبول نفسه، وتقلصت مهنة بائعه، وإن لم يعد موجودا إلا بشكل نادر في المناطق التراثية القديمة، مثل وسط العاصمة المصرية القاهرة ولاسيما في شارعي الحسين والمعز لدين الله الفاطمي، كذلك تحرص بعض الخيام الرمضانية والفنادق السياحية في شهر رمضان على الاستعانة به كجزء من الفلكلور.
أما الأجيال الناشئة، فيعترفون بعدم فهمهم لطبيعة مذاقه المتداخل الذي يجمع بين الطعم المر والحلاوة في آن واحد، وربما تكون مادة الغليسيرهيزين "المحلي الطبيعي الموجود في جذور العرق سوس" سببا في عدم تقبل مذاقه، إذ تدوم لفترة في الفم، كما أنها تشبه مذاق السكرين "المحلي الصناعي" والذي يعد أكثر حلاوة من سكر المائدة بنحو 30 إلى 50 مرة.
يمكن تحضير مشروب العرق سوس عن طريق نقع جذور نبتته المجروشة في قليل من الماء وكربونات الصوديوم وتركه بضع ساعات حتى يتخمر، ويفضل وضع الخليط في مكان مشمس، ثم يخفف بالماء، ويصفى باستخدام قطعة من قماش الشاش القطني (قماش منسوج بشكل فضفاض)، ويصب في أكواب.
ومؤخرا بدأت شركات الأغذية في إنتاج عبوات من مسحوق عرق السوس سريع التحضير، ويكتفى بخلطه بالماء عند الاستخدام.
وجدير بالذكر أنه مع فوائد العرقسوس، يوصى دائما بعدم تناوله بكميات كبيرة أو لفترات طويلة، إذ إن الإفراط في تناوله يسبب العديد من المشكلات والآثار الجانبية، بدءا من عدم انتظام ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم وضعف العضلات والخمول، ويرجع ذلك لاستنفاد الغليسيرهيزين لمستويات البوتاسيوم في الدم.
يشار أنه منذ عام 2004، بدأ الاحتفال باليوم العالمي لعرق السوس وتحديدا في 12 أبريل/نيسان من كل عام.
وفي عام 2009، أطلقت السويد مهرجانا لتذوق عرق السوس بكل أشكاله، كذلك يتزايد الطلب على حلوى عرق السوس في أوروبا وأميركا الشمالية، وأشارت شركة "ترانسبيرنسي" لأبحاث المستهلك، أن عرق السوس بفضل حلاوته الطبيعية يمكن أن يسد حاجة الفرد من السكر ويغنيه عن المنتجات المحلاة من أجل صحة أفضل، إذ تشير التوقعات إلى إصابة نحو 10.4% من سكان العالم بمرض السكري بحلول 2030.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
حجاج وعبد الغني وباباكستا وكولونيا يشاركون في ندوة "الإسكندر بين الأسطورة والمدينة"
عقدت مكتبة الاسكندرية جلسة نقاشية بعنوان "الإسكندر بين الأسطورة والمدينة" أدارتها الدكتورة منى حجاج، رئيسة الجمعية الأثرية بالإسكندرية، وتحدث فيها كل من الدكتور محمد عبد الغني، أستاذ التاريخ والحضارة اليونانية والرومانية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وكاليوبي باباكستا، مديرة معهد البحوث الهيلينية لحضارة الإسكندرية، و صوفيا أفغيرينو كولونيا، أستاذة فخرية، بقسم التخطيط الحضري والإقليمي في كلية الهندسة المعمارية الجامعة التقنية الوطنية في أثينا (NTUA).
وأوضحت الدكتورة منى حجاج، أن إنجازات الإسكندر غير المسبوقة أسهمت في تحويله من شخصية تاريخية إلى رمز شبه أسطوري ما يطرح تساؤلًا صعبًا حول الفصل بين الحقيقة والخيال، مشيرة إلى أن الإسكندرية أبرز المدن التي أسسها تجسد هذا التداخل بوضوح إذ جمعت بين الرؤية السياسية والاقتصادية والعمرانية، وبين الأساطير التي نسجت حول نشأتها ودورها الحضاري لتصبح مركزًا للمعرفة ومنارة للحضارة الهلنستية.
وتناول الدكتور محمد عبد الغني خلفية تاريخية عن علاقة الإسكندر الأكبر بمصر متسائلًا عما إذا كان يمكن اعتباره منقذًا مؤمنًا أم سياسيًا محنكًا، واستعرض جذور الصراع الطويل بين الإغريق والفرس وتأثيره في حملات الإسكندر موضحًا أن كراهية المصريين للحكم الفارسي بسبب اضطهاده الديني والسياسي سهّلت دخول الإسكندر إلى مصر دون مقاومة عام 332 قبل الميلاد.
وقالت كاليوبي باباكستا، إن الإسكندر الأكبر غيّر كل مسار الحياة وجمع بين الشعوب، فهو كان قائد ذكي ومحب للحياة وشغوف وواجه الحياة والموت بشغف، والمدن التي بناها تظل إرث للإنسانية، مشيرة إلى أن الإسكندرية تعبر عن الروح الهيليثتية.
وعبرت صوفيا أفغيرينو كولونيا، عن سعادتها بالعودة إلى مدينة الإسكندرية، مشيرة إلى أن الإسكندر أسسها ولكنه لم يعيش لرؤيتها مكتملة، ولكنها ظلت عاصمة للمعرفة ولها تأثير كبير على العلم والثقافة والدين فهي دائمًا فريدة من نوعها.
واُفتتح في بداية الفعالية معرض "الإسكندر الأكبر: العودة إلى مصر" يضم 53 عملًا فنيًّا تتضمن 40 لوحة كبيرة الحجم و12 منحوتة برونزية وخزفية بالإضافة إلى "بيت بندار" وهو عمل خشبي أصلي ومبهر، حتى 17 يناير 2026، فيما قدمت فرقة يونانية عرض فني فلكلوري، كما عُرض خلال الندوة فيلم قصير عن الإسكندرية.
جدير بالذكر أن المعرض يُقام في مكتبة الإسكندرية برعاية السفارة اليونانية في القاهرة ووزارات الدفاع والخارجية والداخلية اليونانية وجامعة أرسطو في ثيسالونيكي، والأكاديمية الوطنية للعلوم، وينظم بالتعاون بين المكتبة والمختبر التجريبي في فيرجينا واتحاد البلديات اليونانية والمركز الهيليني لأبحاث الحضارة السكندرية والمتحف الفني النمساوي.