آخر تحديث: 13 مارس 2024 - 12:48 مبقلم: أحمد صبري يبقى النِّفط العراقي وسُبل المحافظة عَلَيْه من الهدر ورهنه لدى الشَّركات الاحتكاريَّة، وتكريس عائداته لغير مقاصده الاقتصاديَّة والحياتيَّة، يشغل بال واهتمام المعنيِّين بهذا القِطاع الحيَوي وانعكاسه على الاقتصاد العراقي الَّذي دقَّ ناقوس الخطر مجموعة من نُخب العراق وكفاءاته، الَّذين كان لَهُمْ دَوْر في إدارة القِطاع النِّفطي وتكريس عوائده لسعادة العراقيِّين، وعمليَّة البناء وتشخيص أسبابها عَبْرَ مقترحات واقعيَّة ورؤية تستند إلى التجربة لوقف تداعيات الأزمة وارتداداتها على مجمل الأوضاع الاقتصاديَّة في العراق.
إنَّ التَّفريط بالنِّفط ورهنَه لدى الشَّركات الأجنبيَّة الَّتي أمَّمها العراق في سبعينيَّات القرن الماضي هو خطٌّ أحمر؛ لأنَّه ثروة الأجيال، وأي تجاوز أو تلاعب به يمسُّ السِّيادة الوطنيَّة وموجبات الأمن الوطني واشتراطاته.ويسلِّط الخبير النِّفطي العراقي ووزير النِّفط الأسبق عصام الجلبي الضَّوء على أربع مراحل مرَّت بها الصِّناعة النفطيَّة، وحدَّد ملامح كُلِّ مرحلة من خلال الأرقام والوقائع من العهد الملكي لغاية مرحلة احتلال العراق في ندوة كرّست لهذا الغرض. وأشار إلى أنَّ الصِّناعة النفطيَّة اكتشافًا وإنتاجًا وتسويقًا وتطويرًا حدَثت في العهد الملكي وثلاثة عهود (جمهوريَّة) خصوصًا منذ اكتشاف النِّفط عام 1927وتخصيص مُعْظم وارداته إلى مجلس الإعمار، موضحًا أنَّ العهد الجمهوري الأوَّل 1958 لغاية 1963 شهد إصدار قانون (80) هو بداية لعمليَّة تأميم النِّفط العراقي لاحقًا، وأنَّ عهدَي الأخوَيْنِ عارف شهدتا تأسيس شركة النِّفط الوطنيَّة 1964، فضلًا عن إصدار قانون رقم (97) عام 1967 الَّذي أعطى لشركة النِّفط الوطنيَّة مسؤوليَّة الإنتاج والاستثمار الوطني المباشر. ويوضح أنَّ المرحلة الرَّابعة في مسار صناعة النِّفط إنتاجًا وتسويقًا واستخدامًا وتطويرًا بعد عام 1968 شهدت إنجازات كبيرة في مقدِّمتها تأميم النِّفط وتطوير صناعته لِيصلَ إنتاج العراق إلى معدَّلات غير مسبوقة، حيث وصل إلى أربعة ملايين برميل يوميًّا، فيما كانت النيَّة تتَّجه إلى الوصول بالإنتاج إلى أكثر من خمسة ملايين، في حين عجزت الشَّركات الأجنبيَّة بتوقيعها العقود مع الجانب العراقي الوصول إلى هذا المستوى من الإنتاج. وأكَّد أنَّ إدارة تشغيل القِطاع النِّفطي والصِّناعة النفطيَّة ـ بما فيها عمليَّات الاستخراج والإنتاج والتَّسويق وإنشاء المصافي ـ كانت بِيَدٍ عراقيَّة خالصة، حيث استطاع الكادر النِّفطي أن ينهضَ بهذه المُهِمة من دُونِ مساعدة خارجيَّة.وفي مقارنة مع ما يحصل بعد احتلال العراق، تساءل الجلبي: أين تتَّجه الصِّناعة النفطيَّة ودَوْر الكادر الوطني في عمليَّة الاستخراج والإنتاج والتَّسويق والتَّطوير؟ فيجيب قائلًا: رغم رصد ملايين الدولارات للشَّركات الأجنبيَّة، إلَّا أنَّها فشلت في رفع معدَّلات الإنتاج إلى سابق عهدها، فضلًا عن حصولها على مبالغ طائلة في عمليَّة الاستخراج والتَّسويق. ودعا الجلبي إلى التَّنبيه إلى مخاطر عقود التَّراخيص مع الشَّركات الأجنبيَّة الَّتي قال إنَّها استحوذت على أموال العراق المتأتية من تصدير نفطه واستخراجه، الأمْرُ الَّذي يدعو إلى إعادة النَّظر بهذه العقود لضمانِ حقوق العراق في ثروته.واستطاع العراق أن يبلغَ إنتاجه خلال الحصار إلى ثلاثة ملايين برميل يوميًّا من خلال كادره الوطني، كاشفًا عن أنَّ العراق كان يصدِّر نَحْوَ (400) ألف برميل يوميًّا خارج مذكّرة التَّفاهم عَبْرَ الحوضيَّات والأنابيب للحصول على النَّقد الأجنبي؛ لإدامة أُمور مستلزمات وديمومة الحياة في العراق. وكشف عن أنَّ حاكم العراق السَّابق بول بريمر تعمَّد إبعاد الكادر النِّفطي وشركاته العاملة وحوَّل العاملين فيها إلى أرقام وظيفيَّة.وطبقًا لإحصائيَّة متداولة، فإنَّ حكومة المالكي استلمت خلال ثماني سنوات من عمرها نَحْوَ (540) مليار دولار لَمْ تستخدمْ في عمليَّات البناء والإعمار والصحَّة والتَّربية والطُّرق كما كان متوقعًا.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
إيجابيات وسلبيات الاستثمار الأجنبي!
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
تكشف لنا بعض التقارير الاقتصادية أنَّ هناك عدة خروقات تحصل من خلال تدفق بعض الاستثمارات الأجنبية إلى الدول الراغبة في توسيع أنشطتها الاقتصادية وتعزيز نموها الاقتصادي، وقد قرأنا مؤخرًا قيام بعض الدول بعمليات الاختراق للأنظمة المحلية في بعض الدول الخليجية، كما قرأنا عن زيادة عمليات غسل الأموال بطرق مختلفة من خلال أعمال بعض المستثمرين الأجانب في المنطقة.
ورغم ذلك؛ فهذا لا يعني أن تتوقف الدول عن جذب الاستثمارات الأجنبية، ولكن عليها مراقبة تلك المؤسسات والحذر منها ومن العاملين بها، خاصة المؤسسات التي تحاول إبعاد العنصر والكادر الوطني من الالتحاق بالعمل في تلك المؤسسات. وهذا ما رأيناه مؤخرًا في إصرار بعض الدول على تقليل أعداد الكفاءات الوطنية في المؤسسات التي تُقيمها باستثمارات أجنبية؛ الأمر الذي قد يسهم في إعطاء فرصة لها للتلاعب في بيانات تلك الشركات وإبعاد الرقابة عنها من الجهات المعنية. وهذا ما يجب الحذر وعدم التقليل منه خلال الفترة المقبلة.
بالنسبة لنا فإن قيمة الاستثمارات الأجنبية في عُمان تصل اليوم لحدود الـ30 مليار ريال عُماني، وقد تحقق ذلك نتيجة للجهود التي بذلتها الجهات المعنية في البلاد خلال العقود الماضية لتحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد تنافسي قائم على الصناعة والاستثمار والابتكار؛ بدلًا من الاعتماد على الأنشطة التقليدية، وذلك من خلال تقديم مزيد من التسهيلات للمستثمرين، وتوفير برامج التمويل، وتهيئة البنية التحتية اللازمة لتمكين المستثمر من تحقيق رغبته في العمل والإنتاج والتصدير إلى الخارج، بجانب تشغيل المزيد من العُمانيين في تلك الأعمال. وقد أشار إلى ذلك معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار في بيانه الذي ألقاه أمام أعضاء مجلس الشورى الأسبوع الماضي، بحيث تركزت المناقشات التي تمت في هذا الصدد على العديد من القضايا أهمها تعزيز مساهمة القطاعين الصناعي والتجاري في الناتج المحلي الإجمالي.
وكما هو معروف فإن الاستثمارات الأجنبية في أية دولة تؤدي دورًا محوريًا في دعم التنمية الاقتصادية، إلّا أنها تحمل معها أيضًا بعض التحديات والمخاطر. وإيجابيات الاستثمارات الأجنبية تتمثل في نقل التكنولوجيا والخبرات؛ حيث توفّر الشركات الأجنبية تقنيات حديثة وأساليب إدارية متقدمة تفيد السوق المحلية، وتساهم في تطوير المهارات التقنية للعمالة الوطنية، وخلق فرص عمل للشباب من خلال افتتاح مشاريع جديدة؛ الأمر الذي يعزز من زيادة الدخل القومي، وتحسين البنية التحتية للمشاريع وتشجيع المنافسة وتحسين جودة المنتجات والخدمات المحلية.
لكن للاستثمار الأجنبي أيضًا سلبيات عديدة؛ منها: وجود احتمالات الاستغلال الاقتصادي؛ حيث تستغل بعض الشركات الأجنبية الموارد الطبيعية لتلك الدول، أو تقوم باستغلال اليد العاملة الرخيصة دون مردود عادل للدولة. وهي موجودة اليوم في بعض الدول الأفريقية؛ حيث تستخرج معادن نادرة لتحصل على أرباح هائلة، مقابل تقديم إتاوات رمزية للحكومات. كما إن بعض الشركات لها تأثير على السيادة الوطنية، من خلال فرض بعض الاشتراطات والحصول على امتيازات خاصة بها بجانب تدخلاتها السياسية أحيانًا. كما إن هناك بعض الشركات التي تقوم بتحويل الأرباح السنوية لها إلى الخارج بصورة كبيرة؛ الأمر الذي يُقلّل من الأثر الإيجابي الصافي على الاقتصاد المحلي، فيما هناك شركات أجنبية تملك رأس مال وتقنيات تجعل من الصعب على الشركات المحلية المنافسة معها، بينما بعضها تعمل على إضعاف القوانين البيئية أو العمالية.
وعمومًا فإنَّ بعض الشركات الأجنبية لها القدرة على خرق القوانين بعدة طرق؛ منها التواطؤ مع موظفين محليين نتيجة ضعف الرقابة والإشراف، وتقديم رشاوى للحصول على عقود أو استثناءات قانونية، بجانب نشر الفساد، والتهرب الضريبي عبر التلاعب بالحسابات أو تحويل الأرباح إلى دول ذات ضرائب منخفضة، إضافة إلى خرق قوانين البيئة، واستغلال العمال وتشغيلهم بأجور متدنية أو في ظروف غير إنسانية.
وأخيرًا.. فإنَّ الاستثمارات الأجنبية تعد سلاحًا ذا حدين؛ الأمر الذي يتطلب تنظيمها ومراقبتها جيدًا، إضافة أنها تمثل تهديدًا إذا تم التساهل معها دون قوانين صارمة أو شفافية في التعامل. وهذا ما يدفع الدول المضيفة لوضع أُطر قانونية واضحة ومُحكمة تحمي سيادتها ومواطنيها، وتضمن الموازنة بين جذب الاستثمارات وتحقيق مصالحها الاقتصادية والاجتماعية.
رابط مختصر