رمضان داخل خيم النزوح بغزة: وجوه غائبة وأسر تقطعت بها السبل
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
بعبارات مخنوقة جاء صوتها عبر الهاتف من شمال قطاع غزة وهي تخاطب صديقتها الموجودة في أحد مراكز الإيواء في مدينة دير البلح قائلة: «لم يعد رمضان يجمعنا، فقد تفرّق الأحبة، وتمزقت الأوصال، وخربت الديار، هذا أول رمضان يمرّ علينا، ونحن مشتتون شمال ووسط وجنوب القطاع، وأصعب ما في الأمر مجيء رمضان دون وجود أمي وأبي، لم نفترق منذ ٤٣ سنة لكن آلة الاحتلال الإسرائيلي استطاعت أن تحصد أرواحهم تحرمنا وجودهم دون سابق إنذار».
لم يكن حالها أفضل من حال الفلسطينية (ختام) التي اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي زوجها داخل مدرسة خليفة بمشروع بيت لاهيا، لقد كان المشهد قاسيًا للغاية، كانت تحمل طفلها الذي لم يتجاوز الأسبوع عندما أجبر جيش الاحتلال زوجها خلع ملابسه أمام عينها وعين أطفالها الصغار وقاموا بالتنكيل به وتركه في حفرة ليلة كاملة في برد الشتاء القارص قبل أربعة أشهر، أخبرتني أنها لم تستطع النوم، تعاني من الخوف والأرق منذ ذلك اليوم حتى هذه اللحظة، لقد تفتحت الجروح الغائرة مع إعلان رؤية هلال شهر رمضان المبارك، كانت تبكي وهي تقول لقد تشتت شملنا وبقيت لوحدي أعاني من الوحدة والخوف من المصير المجهول الذي ينتظرنا، كنت على أمل أن يتم وقف إطلاق النار وعودة الأسرى قبل الشهر الفضيل لكن ذهبت أحلامي مع الريح، لا أستطيع تبرير عدم وجود زوجي معي لأطفالي الذين يفتقدونه طول الوقت.
جارتي التي تسكن الخيمة المجاورة في مخيم النزوح برفح كانت تجلس محاطة بالعديد من الأطفال الصغار، كانوا يحملون بعض العلب الفارغة، بينما تقوم هي بصنع الفوانيس الرمضانية.
تذكرت عندما كنا أطفالا قبل سنوات عديدة لم نحظَ حينها بأدوات زينة كتلك الحديثة، كنا نجهز الفوانيس قبل أسبوع تقريبًا والتي كانت عبارة عن علب الحليب المجفف الذي كان يتناوله الأطفال، لم يكن من السهل الحصول عليها، كان الأمر يتطلب منا عناء البحث الذي يبدأ من بيوتنا إلى بيوت الجيران، نحصل على العلبة الفارغة، ثم نقوم بتنظيفها وتجفيفها ووضعها تحت أشعة الشمس.
وقت الظهيرة كان الوقت المناسب لتجهيزها، نلتف نحن الفتيات والفتيان في ركن بارد قبل بداية موسم رمضان، غالبًا ما تكون جلستنا تحت شجرة كبيرة من شجر الجميز، التوت البلدي أو الكينيا، ننتظر دورنا بكل هدوء حتى لا نقلق أخي محمد الذي كان يمسك بيده مسمار فولاذ حجم 6، يقلب علبة الحليب الفارغة، ثم يقوم بطرق المسمار بحجر ناري (زلط) يتم اختياره بعناية من حيث الحجم والشكل. يقوم بفتح الثقوب بطريقة محترفة وبمسافات منسقة ومتساوية التباعد وما أن ينتهي حتى يضع السلك في أحد أطراف العلبة، ويصلها بالطرف الآخر ليسهل علينا حمل الفانوس، وما أن ينتهي نخرج مسرعين للدكان لشراء الشمع صغير الحجم، غالبًا ما كنا نختار نحن البنات الشموع ذات اللون الأحمر والزهري، أما الأولاد فكان اللون الأزرق هو اللون الوحيد لاختيارهم.
نعود للراحة كل واحد إلى منزله، وما أن يعلو صوت أذان المغرب حتى ننطلق للشارع نشعل الشمع الصغير متعدد الألوان، يحمل كلٌّ منا فانوسه ويغني.
أهلًا أهلًا رمضان
مرحبْ مرحبْ رمضان
خلف قائد الفريق الذي يتقدم صفوفنا نجوب الحارة كلها، ونقف أمام كلّ منزل حتى يخرج صغاره لينضمّوا لقافلة أحباب رمضان.
اليوم عاد الصغار لممارسة الطقوس نفسها لكن بين الخيام الممتدة في كل ركن من مدينة رفح، لقد تقطعت بهم السبل، وأصبحت فرحتهم منقوصة في ظل تشتت شملهم مع باقي أسرهم، السؤال الذي يطرح نفسه لديهم بأي حال عاد إلينا رمضان هذا العام؟.
لقد جاء شهر رمضان هذا العام وما زال يعيش أكثر من مليونيْ فلسطيني في قطاع غزة مهجرين قسرًا ما بين وسط وجنوب قطاع غزة، يعانون جميعًا ظروفا قاسية تفتقر لأبسط مقومات الحياة الآدمية وسط الحرمان، والجوع، والفقر وانتشار الأمراض وشح المياه في أماكن نزوحهم القسري، إضافة إلى ما يزيد على 30 ألف شهيد، وأكثر من 7 آلاف مفقود، وأكثر من 73 ألف جريح، جلّهم من النساء والأطفال والشيوخ، عدا عن تدمير 75% من مبانٍ ومنشآت القطاع المدنية والإنسانية، محولة القطاع لمنطقة منكوبة وغير صالحة للحياة إلى جانب الكارثة الصحية والطبية نتيجة استهداف الاحتلال المرافق الصحية من مراكز وعيادات، وخروج معظم المستشفيات عن الخدمة، واستمرار المجازر الوحشية اليومية بحق العائلات الفلسطينية التي تجاوزت 2800 مجزرة، تمت عبر تعمد استهداف منازل المواطنين دونما سابق إنذار، وتدميرها فوق رؤوس سكانها وقصف مراكز الإيواء وخيم النازحين عبر صواريخ الطائرات الحربية وقذائف الدبابات، كما فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام بعد أن قام بقصف خيم عائلة عبد الغفور في منطقة مواصي خان يونس التي تعجّ بخيام النازحين التي صنّفها الاحتلال مناطق آمنة، كما استمر اقتحام مراكز الإيواء وممارسة جرائم القتل الميداني واعتقال النازحين فيها والتنكيل بهم وإخضاعهم للتعذيب واحتجازهم في أماكن مجهولة في تكريس لجريمة الاختفاء القسري التي تُمارس في إطار سياسية ممنهجة وضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة بحق سكان قطاع غزة.
أقبل شهر رمضان في ظل ما يعانيه سكان غزة من مأساة وكارثة إنسانية ومجاعة حادة جراء تواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، الأمر الذي يعني عدم قدرة سكان غزة على توفير وجبات الإفطار أو السحور في ظل الحصار واستمرار العقوبات الجماعية، وشحّ المساعدات الإنسانية، ما يستدعي تشكيل تحالف إنساني دولي يضمن توفير الحماية الدولية للفلسطينيين من جرائم الإبادة الجماعية، وتوفير الممرات الإنسانية الآمنة بما يضمن تدفُّق المساعدات الإنسانية وتأمين احتياجات إغاثة سكان غزة.
وفي هذا السياق يجب على المجتمع العربي والدولي وكل الشعوب المطالبة بالسلام والحرية والحياة بذل كل جهد ممكن لوقف الكارثة التي يعيشها أبناء شعبنا وأن يكون صوتهم عاليًا ضد هذه المذابح والمجازر والإبادة والتجويع والتهجير المتعمد، والعمل مع بلدانهم وكافة الجهات والمؤسسات الدولية والأطراف ذات الاختصاص لوقف فوري لإطلاق النار، والسماح بإدخال المواد الإغاثية والطبية منها بشكل عاجل، وعودة المهجّرين إلى ديارهم والكفّ عن الإمدادات العسكرية لإسرائيل التي تسهم في قتل أبناء شعبنا.
د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: صور توزيع المساعدات بغزة مفجعة.. لسنا هناك
قال متحدث الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الثلاثاء، إن الصور التي تظهر اقتحام فلسطينيين جائعين لإحدى النقاط الإسرائيلية الجديدة لتوزيع المساعدات في غزة، "أقل ما يقال عنها إنها مفجعة".
وأكد دوجاريك وفي مؤتمره الصحفي اليومي في نيويورك، أن توسيع نطاق العمليات الإنسانية بشكل هادف "أمر ضروري لدرء المجاعة وتلبية احتياجات جميع المدنيين أينما كانوا".
وأشار إلى أن الأمم المتحدة ليس لديها أي تأكيد مستقل لما حدث في نقطة التوزيع "لأننا لسنا هناك ولسنا مشاركين فيها".
وأوضح أن الأمم المتحدة وشركاءها لديهم "خطة مفصلة ومبدئية وسليمة من الناحية العملية، ومدعومة من الدول الأعضاء لإيصال المساعدات إلى السكان المحتاجين" في القطاع المحاصر.
وردا على مزاعم الاحتلال بأن عناصر حركة حماس يأخذون المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة، قال دوجاريك: "نحن نوزع المساعدات بناء على نظام نجح لفترة طويلة؛ أطعم الناس الذين يعانون من الجوع، وقدم الماء للأشخاص الذين يعانون من العطش، ووفر الدواء للأشخاص الذين يعانون من المرض".
واوضح: "لا يوجد نظام مضمون بالمطلق، لكنني أعتقد أن وقف جميع المساعدات في غزة بناء على اتهامات عشوائية، هو مجرد فرض مزيد من المعاناة على شعب غزة".
وأشار إلى أن المنظمة الأممية "لا تقف مكتوفة الأيدي وتواصل المحاولة بجد لإدخال مساعدات إلى غزة بطريقة تتماشى مع مبادئها في الاستقلال والنزاهة، كما تفعل في أي أزمة حول العالم".
وتابع دوجاريك: "تم السماح بدخول مئة شاحنة يوم الاثنين من قبل إسرائيل ومزيد من الشاحنات الثلاثاء، لكن لم يتسن نقل أي من هذه المساعدات خارج منطقة التحميل".
وفي وقت سابق الثلاثاء، اقتحم آلاف الفلسطينيين الجائعين مراكز توزيع مساعدات أقامتها إسرائيل في ما يُسمّى "المناطق العازلة" جنوب القطاع، حيث تدخل الجيش الإسرائيلي وأطلق النار عليهم ما أدى إلى إصابة عدد منهم، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وسبق أن قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس إن مشاهد اندفاع الآلاف من أبناء شعبنا داخل المركز الذي خُصص لتنفيذ الآلية الاحتلالية لتوزيع المساعدات، وما رافقها من إطلاق الرصاص الحي على المواطنين الذين توافدوا إلى مركز التوزيع تحت ضغط الجوع والحصار، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك فشل هذه الآلية المشبوهة التي تحوّلت إلى فخ يُعرّض حياة المدنيين للخطر، ويُستغل لفرض السيطرة الأمنية على قطاع غزة تحت غطاء “المساعدات”.
وأضافت الحركة في تصريح صحفي، أن الخطة صممت لتهميش دور الأمم المتحدة ووكالاتها، وتهدف إلى تكريس أهداف الاحتلال السياسية والعسكرية، والسيطرة على الأفراد لا إلى مساعدتهم، ما يُعدّ خرقًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي.
وأشارت إلى أن ما يُسمّى بمواقع التوزيع الآمن، التي تُقام في مناطق عازلة، ليست سوى نموذج قسري "لممرات إنسانية" مفخخة، يجري من خلالها إهانة المتضرّرين عمدًا، وتحويل المعونة إلى أداة ابتزاز ضمن مخطط ممنهج للتجويع والإخضاع، وسط استمرار المنع الشامل لإدخال المساعدات عبر المعابر الرسمية، في انتهاك واضح للشرعية الدولية.
ودعت المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والدول العربية والإسلامية، إلى التحرّك العاجل لوقف هذا المخطط الخطير، والضغط لإلزام الاحتلال بفتح المعابر، وتمكين إدخال المساعدات عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها الإنسانية المعتمدة دوليا.