لجريدة عمان:
2025-05-28@04:08:24 GMT

الرواية الإفريقية وأساطير القارة

تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT

تتشكل الظاهرة الإفريقية في الأدب الإفريقي كواقع ثقافي له أبعاده الخاصة، تلك الأبعاد التي تتمحور حول الصراع الدائر حول هذا الموضوع والمؤسس لأوجه موضوعات الصراع ليس مع قوى خارج القارة فقط، بل تشمل أيضا وعلى وجه الخصوص أوجه الصراع داخلها، وأقصد بأن كلمة الصراع الموظف في الرواية التي يكتبها المبدع في إفريقيا إنما تتمحور حول المعنى الثقافي المتمثل في الملاحقة والمتابعة وراء سلطة المصطلح ومحاوره المتنوعة وإذا كان السرد في أمريكا اللاتينية قد أتى لنا بالواقعية السحرية في سرديات هذه القارة فإن السرد في إفريقيا قد أتى لنا بالسحر الأدبي الأسطوري.

وأن محاولة وصف الأدب الإفريقي -في حد ذاته- كمصطلح يثير مشكلة فنية، وجدلا حول طبيعة هذا المصطلح. فما هو الأدب الإفريقي، وكيف نحدده؟ أهو أدب منطقة جغرافية بعينها؟، أم أن هناك بالفعل واقعًا إفريقيًا، له أبعاد جغرافية قارية تدفعنا إلى البحث عن التعريف الواضح الشافع لهذا المصطلح الملتبس في معناه ومبناه؟. لقد وضعت هذه الإشكالية موضع البحث في مؤتمرات إفريقية عدة، كثر الجدل حولها دون أن تنتهي إلى حل مرض لها.

والأدب الإفريقي كما حدده الدكتور جوريس سيلينكس أستاذ الأدب الإفريقي بجامعة كارنيجى ميلون بالولايات المتحدة الأمريكية هو الإنتاج الأدبي للشعوب الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، والذي بدأ زمانيًا مع عهد الاستعمار الأوربي للقارة». وهو يتسم بالمحلية الشديدة، فهو أدب يتشرب من الميثولوجيا، والبيئة، والعادات، والتقاليد، والدين، والخرافات، والأساطير، هذه العوالم جميعها تصب دائمًا في كل أجناس الأدب الإفريقي بصورة أو بأخرى، وهي دائمًا ما تكون محفزًا على تنضيد الموروث داخل أنسجة الأبداع أي كان شكله أو صورته. «ولعل أهم ما يميز الجيد من الأدب الإفريقي الحديث أن له شخصيته واهتماماته الخاصة، هذا بالإضافة إلى تلك الصفات التي تجعل منه أدبًا عالميًا يستمتع به الإفريقي وغير الإفريقي، ومن الموضوعات المهمة التي يعالجها الأدب الإفريقي فكرة غزو الحضارة الأوروبية للحياة الإفريقية وقضائها في كثير من الأماكن على نوع متميز من الحياة له تقاليده ومعتقداته، وقد تكون له مساوئه ولكن له محاسنه وقيمه المتجزرة داخل القارة السوداء، التي لم يكن الأوروبي المستعمر بقادر على فهمها واستيعابها؛ لأنه كان ينظر إلى القارة السوداء، نظرة ضيقة خاطئة».

ولما كانت الرواية الإفريقية باعتبارها الجنس الأدبي السائد الآن على المشهد الأدبي في القارة، وأن زمن الرواية الإفريقية يتماهى الآن مع زمن الرواية في العالم كله، وأن مقولة أن الرواية هي ديوان العالم الجديد قد أصبحت حقيقة واقعة بالفعل، وهي تصب الآن في مشهدية الأدب الإفريقي بشكل لافت، وأنها بإبداعاتها التي أبدعها الكتّاب الأفارقة قد وطدت نشأتها ودعمتها في ظل استعمار إرهابي قامع، يتحكّم في كل مقدرات شعوب القارة التي استعمرها واستلب مقدراتها على مدار سنين طويلة، ولا يسمح ببصيص ولو ضئيل من حرية التعبير أو التفكير، وكان كل همه أن يعوق تعليم الأفارقة، وتثقيفهم بأي وسيلة من وسائل القمع والترهيب، لذا جاءت الرواية الإفريقية كسلاح جديد في يد الأفارقة يعبّرون بها عن قوتهم وتمردهم الدائم المستمر. ولا شك أن الروائيين الأفارقة في ظل هذه المجرة الروائية الإفريقية قد حققوا إنجازًا إبداعيًا مدهشًا أدهش العالم بأسره.

لذلك نرى أن ما كتب عن الرواية الإفريقية في منجزها الحديث قليل من كثير، وما سيكتب عنها سيكون أكثر من ذلك بكثير، ذلك أن الرواية الإفريقية تدخل الآن منحنى التحولات في تراكم منجزها، وتميز الكثير من هذا الإنجاز الذي تحوّل في الأدب العالمي إلى ظاهرة لافتة تستحق التقدير والحضور والإعجاب، بعد كثير من التهميش والتعتيم.

وهي تمثل الآن حالة من حالات التحولات السردية في المشهد السردي العالمي بفضل عدد من كتاب إفريقيا الذين فاز العديد منهم بجوائز عالمية، أبرزها جائزة نوبل للآداب التي فاز بها كل من النيجيري «وول سونيكا» 1986، والمصري «نجيب محفوظ» 1988، وحظيت جنوب إفريقيا على هذه الجائزة مرتين الأولى على يد «نادين جورديمير» 1991، والثانية فاز بها «جون ماكسويل» عام 2003، كما فازت بها أيضا الكاتبة الأمريكية ذات الأصول الإفريقية «تونى موريسون» عام 1993، كذلك فاز كثير من الكتّاب الأفارقة وروائيها على وجه الخصوص بكثير من الجوائز العالمية الأخرى، مثل البوليتزر والبوكر والجونكور والأورانج النسائية، فضلًا عن الإرهاصات الأولى للرواية الإفريقية التي بدأها الكتاب الزنوج في أمريكا وغيرها من البلدان الأخرى –إبان عصر التفرقة العنصرية- بروائيين كانت لهم رؤية خاصة بهم، وبإنجازهم الأدبي نبعت من تلك الجذور التي قدموا منها، ومن التمرد على نزعة العنصرية التي كانت سائدة خلال فترة من الفترات في هذه البلدان التي كانوا يعيشون فيها، كما كان لتشبثهم بالموروث الإفريقي المحلي، وتجديد الحياة في القرية، والأرض الإفريقية السوداء له دوره المهم في إنجاز عدد من النصوص الروائية المتفاعلة مع هذه الخصيصة. إضافة إلى المرارة التي زرعها الاستعمار الأبيض في قلوب الأفارقة للاستحواذ على الثروات والأرض والإنسان، كانت جميعها الرافد الحقيقي للأدب الإفريقي خاصة في مجال الرواية والقصة القصيرة والسرد على إطلاقه، إضافة إلى فنون الشعر والمسرح في حداثتها الآنية.

ويمثل الأدب الإفريقي الآن أيقونة مهمة في ساحة الأدب العالمي لما له من سمات خاصة، في توجهه الإبداعي استحوذت في كثير من الأحيان على هويته الخاصة، حيث يكتب عدد كبير من أدباء إفريقيا باللغات الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية والإسبانية، وقد عاشت إفريقيا وهي خمس مساحة اليابسة تقريبا حياة مريرة طوال تاريخها. وظهر أدبها أول ما ظهر خارج القارة على يد الأفارقة الذين سيقوا منها عنوة إلى القارة الأمريكية الشمالية والجنوبية، قبل أن يتمكن أبناؤها داخل القارة من تفعيل ورسم الخطوط العريضة للأدب الإفريقي المحلي فيها بانفعالاتهم وأقلامهم وأفكارهم ورؤاهم الإنسانية الخاصة.

من هنا نستطيع أن نسقط على هذا المشهد السردي المهم ضوءًا مبهرًا يعّرف القارة الروائية (إفريقيا) والمنجز السردي فيها، وهو في أرفع حالات توهجه وتألقه وحضوره، ويعرّف العالم بأن الرواية في إفريقيا لا تقل حضورًا وتميزًا عن مثيلاتها في أي منطقة من مناطق العالم بكتابها ومبدعيها، وقضايا واقعها، وتقنيات كتابتها. وقد بهرت الرواية السوداء في أمريكا المجتمع الأمريكي على يد العديد من الكتّاب الزنوج القادمة جذورهم من القارة السوداء (إفريقيا)، أمثال ريتشارد رايت (1909- 1960) صاحب رواية «ابن البلد» الذي وضع في روايته وفي أدبه الصارخ إتهاما صريحا للمجتمع الأمريكي يعبر فيه عن غضبة الزنوج في أمريكا بقتل إنسانيتهم من خلال قوانين التفرقة العنصرية التي كانت سائدة آنئذ، كذلك الروائي رالف اليسون (1914-1994) صاحب الرواية الشهيرة «الرجل الخفي»، فقد علمّت هذه الرواية جيلين من القراء السود والبيض كيفية التفكير في أنفسهم، فلا تزال الكلمات التي استهل بها رالف أليسون روايته ترن في أسماع القارئ بعد خمسين عامًا من كتابتها لأول مرة: «أفهم أني رجل خفي لسبب بسيط هو أن الناس يرفضون أن يروني». وقد كتب رالف أليسون روايته كقطعة هجاء روائية عن حي هارلم في مدينة نيويورك، والجنوب الأمريكي بصفة عامة. كذلك الكاتب الأسود جيمس بولدوين (1924-1987)، أشهر كاتب روائي ومسرحي زنجي في أمريكا، كانت أعماله الروائية والمسرحية الساخطة على المجتمع الأمريكي لفرط عنصريته، ومغالاته في الظلم والإرهاب تجاه الجنس الأسود العائش على أرضه، التي قدمت لنا الكاتبة الأمريكية (فيرن مارجا أكمان) دراسة عن حياته في كتابها «حياة جيمس بلدوين الساخطة» قدمت فيها بلدوين الثائر الذي عاش حياته كلها في ثورة مليئة بالمرارة والحماس، وانعكس ذلك كله على رواياته ومقالاته الملتهبة التي اتهم فيها أيضًا المجتمع الأمريكي بالعنصرية وقتل السود، والروائي الأسود الظاهرة «الكيس هيل» صاحب رواية «الجذور» الشهيرة والتي تحكى عن عائلة أمريكية سوداء من خلال حفيدها «كونتا عمر كنتي» الإفريقي الذي تحوّل إلى أسطورة. وقد مثل هؤلاء الكتّاب وغيرهم كثيرون، القارة الإفريقية في المجتمع الغربي الجديد في أمريكا بأعمالهم الروائية والسردية المبهرة في إرهاصات أولية قبل أن تبزغ شمس الرواية على الأرض الإفريقية ذاتها. كما تمثل الكاتبة الأمريكية «تونى موريسون» الحائزة على جائزة نوبل عام 1993 حالة من حالات كتّاب الأدب المتفاعل مع الجذور الإفريقية، وهى على حد قول أليسون فلود في صحيفة الجارديان البريطانية بأن تونى موريسون تبقى أيقونة للخيال المبدع، والمعنى الشاعري في هذا الزمان نسجًا على منوال الأكاديمية السويدية التي ذكرت عند منحها جائزة نوبل «أن رواياتها تتميز بقوة البصيرة والمضمون الشاعري الذي يمنح الواقع الأمريكي ملامحه الأساسية»، وتوني موريسون أسمها الحقيقي (كلون أنطون/دفورد) وكان فوزها بهذه الجائزة يعنى فوز المبدعات الزنجيات السود جميعا. والكاتبة «أليس وولكر» الحائزة على جائزة البوليتزر الأمريكية عن روايتها «البشرة الأرجوانية» التي تؤرخ زمنيًا لحياة امرأة سوداء من الجنوب الأمريكي تعانى عنصريًا من الإيذاء الجسدي والمعنوي. ولكنها تنتصر في النهاية على الاضطهاد العنصري من خلال الحفاظ على ثقافة السود في أمريكا وإرثهم التراثي وتواريخهم السائدة والثابتة.

على الجانب الآخر نجد أن القارة الإفريقية قد تفاعل فيها الفن الروائي، وأخرج لنا العديد من الكتّاب الذين بصموا هذه المنطقة من الكتابة السردية بإبداعاتهم، ومنجزهم الروائي المتميز الذي نافس هذا الفن في أوروبا والأمريكتين وأصبح حالة من حالات المنجز السردي العالمي المشار ببصمته القوية على المشهد العام في زمن الرواية الآني.

ويعد كل من النيجيريين وول سونيكا، وشينوا أتشيبى، وأموس تيوتولا، والسنغالي عثمان سمبيني، والصومالي نور الدين فرح، والكيني نفوجي واثيونجو، والغيني كامارا لايي، والكاميروني مونجو بيتي، والجنوب إفريقي أزكيل مفاهليلي، وأليكس جوما. من الأسماء التي كتبت أدبا إنسانيا عبرت به عن ذاتها، وعن هويتها الإفريقية، وطبيعة الأرض التي نشأت عليها وحافظت على إرثها وموروثها من الضياع، والتمرد السائد في رؤيتهم وبحثهم عن الحرية للإنسان الإفريقي. إضافة إلى ذلك فإن: «التجارب الأولى في كتابة الرواية باللغات المحلية المكتوبة قبل عقود من ظهورها باللغات الأوربية. وبالرغم من قلة هذه اللغات المحلية المكتوبة فقد أثبتت مرونتها الشديدة في استيعاب شكل فني، معقد، ومركب، مثل فن الرواية، وكانت البداية في جنوب القارة- حيث يوجد عدد من اللغات قام المبشرون بتدوينها- لأغراض دينية- منذ النصف الأخير من القرن الماضي، وترجموا إليها الأنجيل والكتب الدينية والمدرسية، ثم انتشر التعليم بها في مدارس الإرساليات وقامت مطابع هذه الإرساليات بطبع الإبداعات الإفريقية المكتوبة بها. وعلى رأس هذه اللغات لغة التونجا في زامبيا، ولغة الشونا في زيمبابوي، ولغة السوتو في ليسوتو، ولغة الزوسا والزولو في جمهورية الجنوب العنصرية». وعلى مستوى الريادة في هذا الفن يعد «توماس موفولو» أول روائي يكتب رواية فنية في إفريقيا وهي رواية «مسافر إلى الشرق» كتبها بلغة قبيلة السوتو، لذا كانت له قصب السبق والريادة في هذا المجال، ولا ندري إن كان موفولو قد اطلع على روايات أوربية قبل كتابته روايته هذه أم لا. وتوالت بعد ذلك الكتابة الروائية بلغات عدة في كثير من أنحاء القارة، وكلها تنادي بتحدي الاستعمار، والمطالبة بالاستقلال والتحرر من ربقته البغيضة في شتى أشكالها ومظاهرها. وهو ما أشار إليه فرانز فانون من المخاطر الكامنة في النظر إلى الثقافة كشيء ثابت جامد وذلك في البحث الذي تقدم به إلى المؤتمر الثاني للكتاب السود الذي عقد في روما سنة 1959 الذي ضمنه بعد ذلك كتابه «المعذبون في الأرض». ولا شك أن دراسة الأدب الإفريقي، خاصة فن الرواية، وتحليل اهتماماته يعكسان إضافة إلى الموقف المضاد للاستعمار، والجهد الذي يبذله الكتّاب الأفارقة في سبيل تأكيد أصالة الثقافة الإفريقية من جهة، والرغبة في دفع إفريقيا على طريق التقدم من جهة أخرى، من هنا يبدو الأدب في الوقت نفسه، وفي هذا الطريق بمثابة القاعدة الصلبة للوعي الثقافي الإفريقي، والأداة الفعالة في عملية التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأدبي على صعيد القارة السوداء كلها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأدب الإفریقی فی إفریقیا فی أمریکا إضافة إلى من الکت کثیر من فی هذا

إقرأ أيضاً:

كلية الدراسات الإفريقية و«معلومات الوزراء» يستعرضان فرص وتحديات الاستثمار بإفريقيا

انطلقت، أمس، فعاليات المؤتمر الدولي السنوي لكلية الدراسات الإفريقية العليا، بجامعة القاهرة، بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحت عنوان: «الاستثمار في إفريقيا: فرص ريادة الأعمال وتحديات المنافسة الدولية والإقليمية»، وذلك في ضوء احتفالات جامعة القاهرة بيوم إفريقيا 2025، تحت رعاية الدكتور محمد أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وبدعوة من الدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، والدكتور أسامة الجوهري، مساعد رئيس مجلس الوزراء ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، وبمشاركة واسعة لعدد كبير من السفراء الأفارقة ونخبة من الخبراء والمتخصصين والأكاديميين ومستثمرين ومعنيين بالشأن الإفريقي على المستويين المحلي والدولي، وذلك على مدار يومي 25- 26 مايو الجاري، بمقر جامعة القاهرة.

وشهدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، إلقاء الدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، كلمة، استهلها بالإعراب عن اعتزازه بالمشاركة في هذا المؤتمر وأهمية موضوعه الذي يأتي في توقيت بالغ الأهمية، حاملاً في طياته فرصاً واعدةً وطموحات كبيرة نحو تحقيق التنمية المستدامة المنشودة بالقارة، مشيراً إلى أن المؤتمر يعتبر منصة حوار فاعلة تجمع بين صناع القرار والمستثمرين وخبراء الاقتصاد ورواد الأعمال والمؤسسات البحثية، لتبادل التجارب والأفكار والخبرات والعمل على رسم خارطة طريق واضحة لمستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً للقارة.

وأكد «رئيس جامعة القاهرة»، أن إفريقيا- بما لها من أهمية جغرافية وسياسية واقتصادية- تعد واحدة من أكبر مناطق النمو المحتملة على مستوى العالم في القرن الحالي، حيث تتميز بموارد طبيعية غنية، وقوة بشرية واعدة وطموحة، وإمكانات هائلة في مجالات عدة مثل الزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات، والطاقات الجديدة والمتجددة والنقل والبنية التحتية، لافتاً إلى أن الاستفادة القصوى من هذه الفرص تتطلب استراتيجيات مدروسة، وبنية استثمارية محفزة، وشراكات إقليمية ودولية فاعلة، بالإضافة إلى تبني ريادة الأعمال باعتبارها محركاً رئيسياً للتنمية وتحقيق التنمية المستدامة بكافة أبعادها.

وأضاف «رئيس جامعة القاهرة»، أن التحديات التي تواجه إفريقيا على صعيد المنافسة الدولية والإقليمية يجب أن تعالج من خلال تطوير السياسات الاقتصادية الملائمة، وتحسين مناخ الاستثمار، وتقوية المؤسسات، وتعزيز القدرات التكنولوجية، والتفاعل الدائم مع تحديات العولمة، وتغيرات السوق، مع ضمان أن يتم توجيه الاستثمارات بما يخدم التنمية المستدامة والمصلحة الوطنية.

وخلال فعاليات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أعرب الدكتور أسامة الجوهري، مساعد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار- في كلمة ألقتها نيابة عنه الدكتورة نهلة السباعي، رئيس الإدارة المركزية لدعم القرار بمركز المعلومات- عن بالغ سعادته بتواجده في رحاب جامعة القاهرة، هذا الصرح العلمي العريق ومنارة الفكر والتنوير، وتقديره البالغ للمشاركة في رعاية المؤتمر الدولي السنوي لكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة لهذا العام.

وأشار «الجوهري»، إلى أن المؤتمر يأتي متزامنًا مع احتفالنا بذكرى تأسيس «منظمة الوحدة الأفريقية» في 25 مايو 1963 والتي تحولت لاحقاً إلى الاتحاد الإفريقي، ليعكس ارتباطًا وثيقًا بين العمل الأكاديمي والتحولات السياسية والاقتصادية الكبرى التي تشهدها القارة الأفريقية، لافتاً إلى أن موضوع هذا المؤتمر يُعد على قدر كبير من الأهمية، لا سيما في ظل التحولات الاقتصادية العالمية التي يشهدها المجتمع الدولي، وتزايد اهتمام القوى الدولية بالقارة الأفريقية بوصفها واحدة من أبرز الوجهات الاستثمارية الصاعدة، وذلك لما تزخر به من موارد طبيعية هائلة.

وأضاف «الجوهري»، أنه انطلاقًا من هذه المعطيات، يمثل هذا المؤتمر فرصة استراتيجية لتسليط الضوء على بيئة الاستثمار في القارة، ومناقشة قضايا ريادة الأعمال، والابتكار، ورأس المال البشري، والبنية التحتية، والطاقة، والاقتصاد الأخضر، والتعاون الدولي، فضلًا عن عرض الجهود المبذولة من قبل الحكومات الأفريقية لتحسين مناخ الأعمال وتطوير الأطر التشريعية والتنظيمية، بما يُعزز من التنافسية ويُسهم في جذب المزيد من الاستثمارات النوعية، كما يُعد المؤتمر أيضًا منصة مهمة لاستكشاف آفاق الشراكات المتبادلة بين الدول الأفريقية والمجتمع الدولي، وكذلك تعزيز التعاون المصري- الأفريقي، وتوجيه رؤوس الأموال نحو القطاعات ذات الأولوية في القارة، بما يحقق تطلعات شعوبها نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.

وتابع «الجوهري»، أن مشاركة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في تنظيم هذا الحدث الهام تأتي في إطار التوجه الاستراتيجي للمركز نحو الانفتاح على المؤسسات الأكاديمية والعلمية، وتعزيز التكامل بين العمل البحثي وصياغة السياسات العامة، تأكيدًا على إيماننا الراسخ بأن السياسات الرشيدة تُبنى على أسس معرفية متينة، وعلى تواصل مستمر بين صناع القرار والمراكز الأكاديمية والبحثية، وعلى رأسها جامعة القاهرة، كما تعكس هذه الرعاية الأهمية المتزايدة التي يوليها المركز للقارة الأفريقية، وهو ما تُرجم عمليًا من خلال إنشاء إدارة متخصصة تعنى بالشأن الأفريقي، انعكس دورها بوضوح في طبيعة المخرجات البحثية التي أصدرها المركز، والتي تنوعت بين دراسات، وأوراق تحليلية، وتقارير داعمة لمتخذ القرار في مصر وعلى مستوى القارة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وخلال كلمته، أوضح الدكتور عطية الطنطاوي، عميد كلية الدراسات الأفريقية العليا ورئيس المؤتمر، أن الكلية تعقد مؤتمرها الدولي هذا العام بعد مرور اثنتان وستون سنة على تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، فإنها تستحضر قضايا ومشكلات القارة التي ناضل من أجلها الآباء المؤسسون، في محاولة لاستكمال المسيرة وتأكيدًا لدور مصر التاريخي والريادي في خدمة قارتنا الإفريقية دولاً وشعوباً من خلال طرح المشكلات والقضايا الملحة التي تعانيها قارتنا الأم.

جامعة القاهرة

وأضاف «الطنطاوي»، أن المؤتمر يسعى ليلبي حاجة ملحة للتعامل مع القارة الإفريقية بمنظور استراتيجي شامل يعتمد على ربط المصالح المشتركة بين دول القارة الإفريقية، وإقامة العديد من المشروعات للاستفادة من الفرص المتاحة بشكل أمثل، ومجابهة التحديات المختلفة لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة لجميع شعوب القارة الأفريقية، متمنياً أن يكون هذا المؤتمر منصة فعالة لتحقيق التفاعل المثمر بين جميع المشاركين، وأن يخلص إلى نتائج عملية قابلة للتطبيق تسهم في دفع عجلة الاستثمار والتنمية في إفريقيا، وتأسيس علاقات وشراكات استراتيجية تُعزز من قدرات القارة في المنافسة على الساحة الدولية.

وفي السياق ذاته، أشار الأستاذ الدكتور السيد فليفل، مقرر المؤتمر وعميد كلية الدراسات الأفريقية العليا الأسبق، إلى أن هذا المؤتمر يأتي متزامنًا مع ذكرى تأسيس الاتحاد الأفريقي في 25 مايو 1963، لافتاً إلى أن القارة الإفريقية هي قارة غنية وتمتلك ثروات معدنية تمكنها من أن تكون مدخلاً هاماً للتنمية بدول القارة، مطالباً بضرورة تسريع خطط وبرامج النقل القاري المقترحة منذ عشرات السنوات، مع تيسير وسائل انتقال الأفراد والسلع بين دول القارة، مع الاستفادة في الوقت نفسه من عقول أبناء القارة في مختلف مجالات البحث العلمي، مؤكداً على أهمية هذا المؤتمر ومخرجاته البحثية والذي تلقى خلالها 150 مشاركة بحثية متنوعة.

من ناحيته، أكد عميد السفراء الأفارقة وسفير الكاميرون في القاهرة، محمدو لبرنغ، أن موضوع المؤتمر يعد محوراً رئيسياً لمستقبل التنمية بالقارة الإفريقية، مشيراً إلى أن القارة لابد أن تثبت نفسها في ظل ما يواجهه العالم من تغيرات جيوسياسية، لافتاً إلى أهمية اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية في تعزيز التجارة البينية الإفريقية إلا أن تفعيلها على أرض الواقع يتطلب الاهتمام بالاستثمار والابتكار وريادة الأعمال والذي من شأنهم أن يساهموا في تحقيق النمو الشامل للقارة، وتوفير فرص العمل، وكذلك ضمان أن تكون الاقتصاديات الإفريقية أكثر مرونة واستدامة.

من جهته، أشار رئيس الاتحاد العام للطلبة الأفارقة في مصر حسين ورسمي، إلى أن الاتحاد قد تأسس بمصر في ثمانينيات القرن الماضي ليكون صوتًا يعبر عن تطلعات الطلبة الأفارقة الدارسين في الجامعات والمعاهد المصرية. ومنذ نشأته، ظل الاتحاد يعمل بلا كلل لتعزيز التعاون بين الطلبة الأفارقة، وتوفير بيئة داعمة تمكنهم من تحقيق النجاح الأكاديمي والاجتماعي. اليوم، يضم الاتحاد ما يقرب من 32 دولة إفريقية، ويشكل منصة تجمع الطلبة من مختلف الثقافات والخلفيات، ليكونوا سفراء لبلدانهم، حاملين رسالة العلم والتقدم والتكامل، مشيداً بالدور المحوري الذي تلعبه الدولة المصرية في دعم الطلاب الأفارقة على أرضها وهو ما يعكس عمق العلاقات بين إفريقيا ومصر.

تجدر الإشارة إلى أن المؤتمر يستهدف من خلال تنوع جلساته وفعالياته على مدار اليومين، مناقشة عدة محاور أساسية، تتعلق ببيئة الاستثمار في إفريقيا، وريادة الأعمال والابتكار، ورأس المال البشري والاستثمار في القارة، وكذلك البنية التحتية والطاقة، وأخيراً الاستثمار والتعاون الدولي، سعياً للخروج بنتائج ومبادرات جديدة تسهم في دفع قارة إفريقيا نحو آفاق أرحب من التنمية، وتدعم ريادة الأعمال، وتضع استراتيجيات فعالة لمواجهة التحديات الدولية والإقليمية، لتكون قارة إفريقيا بالفعل عنصراً مؤثراً في الاقتصاد العالمي، يحتذى به في الابتكار والتنمية المستدامة.

اقرأ أيضاًكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025

درس في جامعة القاهرة.. من هو كامل إدريس رئيس وزراء السودان الجديد؟

جامعة القاهرة تختتم فعاليات تدريب 100 من الأئمة والواعظات بوزارة الأوقاف

مقالات مشابهة

  • محافظ البنك المركزي يترأس وفد مصر في الاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الإفريقي في أبيدجان
  • الاتحاد الإفريقي يكشف عن الملاعب المستضيفة لنهائيات كأس إفريقيا للسيدات المغرب 2025
  • عطاف: معركة التحرر الإفريقي لم تكتمل بعد وإفريقيا اليوم توجد وسط محيط دولي صعب
  • مصر.. السيسي يوجه رسالة إلى القارة الإفريقية
  • الوزراء والدراسات الإفريقية ينظمان مؤتمرا دوليا لمناقشة الاستثمار في إفريقيا
  • كلية الدراسات الإفريقية و«معلومات الوزراء» يستعرضان فرص وتحديات الاستثمار بإفريقيا
  • سفراء الدول الإفريقية يقيمون حفل استقبال بمناسبة «يوم إفريقيا»
  • مصر تُجدد التزامها الإفريقي في يوم إفريقيا .. دعم للتكامل القاري وتعزيز لأواصر التعاون
  • ليبيا تُجدد عهدها الإفريقي في «يوم القارة»… تضامن وعدالة وتنمية بلا تبعية
  • الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يكشف عن التصميم الجديد لكأس الكونفدرالية الإفريقية