مفتي الجمهورية: للصيام دور في مجاهدة النفس وإجبارها على الالتزام بالشرع
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
استقبل الدكتور إلهامي ترابيس، رئيس جامعة دمنهور، اليوم الإثنين، الدكتور شوقي علام –مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- بمقر إدارة الجامعة ضمن زيارة فضيلته لجامعة دمنهور على هامش إلقاء ندوة دينية وحضور حفل الإفطار الجماعي الذي تنظِّمه أسرة طلاب من أجل مصر. كما أهدى الدكتور إلهامي درع الجامعة للدكتور شوقي علام؛ وذلك تقديرًا وتكريمًا له، حيث إنه يعد واحدًا من أهم الرموز الدينية التي تفتخر بها مصر والعالم الإسلامي.
أعرب الدكتور شوقي علام عن سعادته بحفاوة الاستقبال، مُشيدًا بالإنجازات الملموسة التي تَشهدها جامعة دمنهور في شتى المجالات الأكاديمية والبحثية والمجتمعية، وما تتيحه من فرص تعليمية متعددة، وكذا تقديمها العديد من المبادرات المجتمعية والصحية والثقافية وغيرها خدمةً لأبناء محافظة البحيرة.
وخلال كلمته بالندوة التي عقدتها الجامعة تحت عنوان" شهر رمضان وبناء الشخصية الواعية" قال المفتي: إن لشهر رمضان جوانب إيجابية كثيرة تنعكس على شخصية المسلم؛ فلا تقتصر على الصبر عن الامتناع عن الأكل وغيره من الشهوات فقط، ومن أهم هذه الجوانب الإيجابية بناء شخصية المسلم ليكون واعيًا بنفسه وأهمية تنمية الرقابة الذاتية عليها والعمل على سموها الروحي مع الموضوعية في التفكير، وكذلك ليكون واعيًا بمتطلبات مجتمعه من العمل والاجتهاد فيه وإدارة الوقت للتنمية والعمران وواعيًا بمسئوليته المجتمعية، وكذلك ليكون واعيًا بالمقصد من خلقه في هذه الدنيا.
وأضاف أن الشرع الشريف يحث على الرقابة الذاتية بوصفها أهم أنواع الرقابة وأكثر إفادة في تحسين خُلُق الفرد وسلوكه، فشهر رمضان فرصة لتنمية الرقابة الذاتية، لأن الصوم عبادة باطنة، كما أن الرقابة الذاتية تدل على حقيقة الإيمان بالله، لأن الشخص المراقب لذاته يدرك أن الله بصير بالعباد، وأنه مطلع عليه في كل حال؛ قال تعالى: ﴿ إن الله كان عليكم رقيبًا ﴾؛ فالفرد المراقب لذاته أكثر الأشخاص تأهيلًا للالتزام بكافة القوانين واللوائح، لأن التزامه نابع من إرادته لذلك دون إلزام خارجي.
وعن أهمية شهر رمضان كفرصة للسمو بالروح؛ قال: إن من أهم آثار التقوى التي يُحصِّلها الفرد بصومه والتزامه به السمو بالجانب الروحي في المسلم، والتخلُّص من سيطرة المادة عليه، لأنه يحارب الشهوات المادية، وقت الصوم، فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وأشار المفتي إلى ما للصيام من دور بارز في مجاهدة النفس وإجبارها على الالتزام بالشرع وتعاليم الدين، بالكف عن الأمور المباحة في غير رمضان كالأكل والشرب ونحو ذلك من الشهوات، كما أن قدرة الإنسان على مجاهدة نفسه يصقل شخصيته ويكسبها قوة وصلابة؛ لكون جهاد النفس أكبر أنواع الجهاد، كما قال صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك: رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر؛ يقصد جهاد النفس.
وثمَّن المفتي دَور الصيام في كبح الرغبات قائلًا: إن الإنسان المسلم عن طريق الصوم يتحكم في هواه الذي يؤدي به للخمول والراحة، وهذا التحكم هو ركيزة البناء العقلاني، لأن إزاحة ساتر الهوى برغباته ومتطلباته ينير بصيرة المؤمن، حيث إن الإنسان عندما يتخلص من اتِّباع هواه يتيح لعقله الفرصة للتفكير الحقيقي الموضوعي بعيدًا عن الهوى.
وشدد على أن الصيام وتأثيره على النفس الإنسانية بالخضوع لخالقها والكف عن كل شيء ابتغاء مرضاته يعزز من صفة التواضع لديه، فيقول صلى الله عليه وسلم: «ما نَقَصَ مال من صدقة -أو ما نقصتْ صدقة من مال- وما زاد اللهُ عبدًا بعفْو إِلا عزًّا، وما تواضَعَ عبدٌ للهِ إِلا رَفَعَهُ اللهُ». (أخرجه مسلم، والترمذي). وكان صلى الله عليه وسلم في بيته في مهنة أهله، يحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويقمَّ البيت، ويأكل مع الخادم ويعجن معه.
وأضاف أن شهر رمضان يساهم في بناء شخصية واعية بقيمة الوقت فيُذكِّر المؤمن بأهمية الوقت وقيمته، فموسم الخير في رمضان وتزاحم الأعمال بين العبادات والصوم والعمل مع باقي شؤون الحياة يدفع الفرد لتنظيم وقته وإدارته بالشكل الأمثل.
وأوضح مفتي الجمهورية أن التجربة التي يخوضها الفرد المسلم خلال ثلاثين يومًا من الجوع والعطش كل يوم ثم الشعور بالشبع والري بعد ذلك، ومعالجة الإحساس مع نقيضه يدرك به حجمَ نعمة الله عليه من جهة توفر أسباب الحياة، ومن جهة أخرى يشعر كيف يمكن لأخيه الإنسان أن يعاني مع استمرار ذلك الشعور بالحاجة والعوز وفقد تلك النعمة.
وأكد المفتي أن شهر رمضان له دَور في صناعة شخصية واعية بالمسؤولية المجتمعية؛ فانطلاقًا من الصيام يشعر الفرد بحجم دوره المجتمعي من ضرورة العمل على حل تلك المشكلات الاقتصادية، ويعلم أنه ولا بد أن يكون جزءًا من ذلك الحل وأنه مسؤول عنه في الأصل؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا".
وأشار إلى أن قيمة الإنسان بقدر ما يعطيه لغيره وينفع به مجتمعه، والعطاء قيمة إسلامية أصيلة، حيث إن المؤمن يعتاد العطاء في رمضان، ويشعر بأثره الإيجابي على نفسه وغيره، ومن ثم تتوطن شخصيته على قيمة العطاء، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان من أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل كل ليلة يدارسه القرآن، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود من الريح المرسلة.
واختتم كلمته بالتأكيد على أهمية شهر رمضان في بناء شخصية واعية بأهمية الاجتهاد في العمل والعبادة، حيث إن أعظم انتصارات المسلمين كانت في شهر رمضان المبارك، فشهر رمضان من المواسم التي يتسابق فيها المؤمنون بالاجتهاد في العمل والعبادة وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي رَمضانَ مَا لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ، وَفِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ منْه مَا لا يَجْتَهدُ في غَيْرِهِ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مفتى الجمهورية شهر رمضان الصيام صلى الله علیه وسلم شهر رمضان حیث إن
إقرأ أيضاً:
نور على نور
#نور_على_نور
د. #هاشم_غرايبه
العرب مولعون بالأنساب، وظلت كل قبيلة تفاخر بأصلها، ولم يغير دخولهم الإسلام من هذه السمة، والتي لم تحقق أثرا إيجابيا عبر التاريخ، بل ظلت محراكا للمنازعات السياسية.
لعل أكبر شرخ أصاب الإسلام مبكرا كان على خلفية التشيع لآل البيت، وأصله سياسي ناجم عن التنازع على الحكم وليس فقهيا، رغم أن الذين اعتُبروا أولى بالحكم، وهم ذرية علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا، لم يكونوا هم منشئوا الخلاف، ولا مطالبين بتولي الحكم بالقوة، بل كانوا يريدون اجتماع كلمة المسلمين، ودرء الفتنة، لكن استيلاء معاوية على السلطة بدعم من قبيلته بني أمية بعد أن بويع بها علي، أثار حفيظة بعض القبائل الأخرى التي لا تعتبر نفسها أقل أحقية من بني أمية، فيما تتقبل سيادة بني هاشم كونهم قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترضى بابناء ابن عمه الحسن والحسين كونهما ابني بنت رسول الله، لذلك رأوهما أحق بالحكم.
من هنا نشأ الخوارج بداية لأنهم اعتبروا قبول علي بالتحكيم تنازلا عن حق مشروع، وتولى الحسن بن علي إمارة المؤمنين بعد اغتيال أبيه، وحاول جمع الكلمة، فتنازل لمعاوية حقنا للدماء، لكن ذلك لم يرق لزارعي الفتن فاغتالوه بالسم، ثم واصلوا إغراء أخيه الحسين بدعمهم، فصدقهم وخرج بأهله إليهم، لكنهم خذلوه وتخلوا عنه، لتحدث أكبر مأساة في تاريخ الإسلام في كربلاء على يد يزيد بن معاوية.
والى اليوم، ما زال باذروا الشقاق الحاقدون على زوال ملك كسرى، يستغلون مشاعر البسطاء، ويحيون ذكرى تلك المناسبة الأليمة سنوياً، لنكأ الجرح وتأجيج الحقد في النفوس ومنع استعادة لحمة المسلمين.
هنالك خلط مقصود بين مفهومي أهل البيت وآل البيت، والمرجع الصحيح هو القرآن الكريم، فقد جاء ذكر الآل بمعنى الأتباع وليست الذرية، فذكر تعالى آل فرعون وآل لوط، لكنه حينما ذكر الإنتساب سماه (أهل)، فقال “إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ” [الحجر:60]، أي أتباعه المؤمنون، لكنه تعالى حينما ذكر امرأته جاء بمسمى الأهل فقال: “فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ” [الأعراف:83].
جاء ذكر الله تعالى لأهل البيت مرتين، في الأولى في خطاب الملائكة لزوجة إبراهيم عليه السلام: “قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ” [هود:73]، وفي الثانية مخاطبا زوجات النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا” [الأحزاب:33].
لقد جاءت لفظة البيت في القرآن في الإشارة الى البيت الحرام وبيوت الله أي المساجد، لكن يتضح من السياقين الآنفين أن البيت جاءت مُعرّفة هنا لتشير الى الأقرب والذي هو مكان الإقامة، لأن أهل أي بيت هم العائلة التي تقيم فيه معاً، لذا فأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هم زوجاته وبناته، ولما كان الله لم يرزقه بالبنين، فذلك لأنه آخر الأنبياء من ذرية إبراهيم، وحتى لا يكون له ذرية تكون لهم حجة في النبوة والحكمة والملك.
قد يتساءل البعض: لكننا نصلي على محمد وآل محمد مئات المرات يوميا، فمن هم آله عليه الصلاة والسلام؟.
الآل كما تبين لنا سابقا هم الأتباع الذين يسيرون على النهج، وعلى رأسهم أهل بيت رسول الله، لذا هم كل المؤمنين المتبعين لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك يستحب الفقهاء أن نزيد فنقول: اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان الى يوم الدين. فالآل هم أهل بيته والصحابة والتابعين وكل من تبعهم بإحسان واستن بسنة نبينا الكريم.
وهنا قد يتساءل آخر: هل يجوز أن نشمل العامة اللاحقين من المسلمين مع النبي الكريم عند الصلاة عليه؟.
نعم يجوز بدلالة قوله تعالى: ” هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا” [الأحزاب:43]، فإذا كان العزيز القدير وملائكته المكرمون يصلون على المؤمنين، إذاً فقد أباح لنا ذلك.
إن مسألة تبجيل واحترام أهل بيت رسول واجب إيماني، وإبني ابنته الحسن والحسين وذريتهما ينسحب عليهم ذلك، لكن على ان لا يصل ذلك الى الاستجارة أو التوسل بهما، فذلك شرك ناقض للإيمان.