مصر وريادتها العربية.. جهود مستمرة في الجامعة العربية
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
تعمل مصر علي الحفاظ على دورها القيادي في العالم العربي على مر التاريخ، حيث تتميز بمواقفها المشرفة.
مواعيد صرف المستحقات المالية ومرتبات شهر أبريل 2024 في مصر عاجل| مصر تدين استهداف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق أبرزها عودة مقعد سوريا.. مواقف تاريخية لمصر في الجامعة العربيةوخلال العشر سنوات الماضية، قدمت مصر جهودًا مستمرة في إطار عضويتها في جامعة الدول العربية، مساهمة في تغيير مواقف بعض الدول العربية، ومن بين أبرز هذه المساهمات كانت عودة سوريا إلى العائلة العربية بعد غياب دام لعدة سنوات، وفقًا لتقرير للهيئة العامة للاستعلامات.
في عام 2015، شهدت القمة العربية التي عُقدت في شرم الشيخ حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأول مرة كممثل لمصر. وفي كلمته الختامية، أعلن الرئيس السيسي عن مبدأ إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة وتشكيل فريق عمل مرموق لدراسة جميع جوانب هذا الأمر.
وفي قمة عمان التي عُقدت في مارس 2017، طالبت القمة الدول العالمية بعدم نقل سفاراتها إلى القدس وعدم الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال. كما أكد الرئيس السيسي في كلمته على خطورة التحديات الإرهابية التي تواجه العالم العربي وضرورة التوصل إلى حل سياسي في سوريا بدلًا من التدخل العسكري، كما تم التركيز على الأزمتين السورية والليبية.
وفي قمة الزهران التي عُقدت في أبريل 2018 في السعودية، أكد الرئيس السيسي أن الأمن القومي العربي يواجه تحديات غير مسبوقة وأن هناك حاجة لاستراتيجية شاملة لمواجهة هذه التحديات.
تجدر الإشارة إلى أن مصر قدمت جهودًا دبلوماسية في إطار عضويتها في جامعة الدول العربية خلال عام 2021، حيث دعت مصر والأردن إلى عقد دورة غير عادية على مستوى وزراء الخارجية لحلحلة الركود الذي تشهده عملية السلام في المنطقة.
وأصدرت الجامعة بيانًا يؤكد وحدة الصف العربي في دعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
وفي الدورة العادية لجامعة الدول العربية في مارس 2021، تم تجديد تعازكبة الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، في منصبه لفترة ثانية. وكانت مصر قد أعربت عن دعمها لتجديد ولاية أبو الغيط وثقتها في قدرته على قيادة الجامعة وتعزيز دورها في تعزيز التعاون العربي.
بالإضافة إلى ذلك، تعزز مصر دورها القيادي في العالم العربي من خلال جهودها في مجال السلام والاستقرار الإقليميين.
فتقوم مصر بوساطة في عدة قضايا إقليمية مثل الأزمة الليبية والأزمة السورية، وتعمل على تعزيز الحوار والتفاوض بين الأطراف المعنية في هذه النزاعات.
بشكل عام، يمكن القول أن مصر تواصل دورها القيادي في الجامعة العربية وتسعى لتعزيز التضامن والتعاون بين الدول العربية. تحمل مصر مسؤولية كبيرة في الوضع الراهن وتعمل على حل القضايا العربية الملحة ودفع عجلة التنمية في المنطقة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: مصر جامعة الدول جامعة الدول العربية الجماعة العربية الدول العربیة
إقرأ أيضاً:
فهم حدود التضامن العربي مع غزة
ثمة رأي خاطئ شائع على نطاق واسع عند المثقفين العرب؛ أن بإمكان دول عربية ترتبط بعلاقات سلام مع إسرائيل أن توقف حمّام الدم وحرب الإبادة في غزة ببساطة بمجرد التلويح بوقف معاهدات السلام، وهو تصور يستند إلى افتراض وجود كينونة ما متخيلة لماهية الدول العربية لا وجود لها في الوقع المشخص، فإذا كان الأمر بهذه البساطة فما الذي يحول دون تلويح الدول العربية بقطع العلاقات مع كيان استعماري عنصري عدواني وحشي؟ وإذا كان الخوف هو الدافع بسبب اختلال ميزان القوة والخشية من رعب المواجهة من الدول المحيطة بإسرائيل، فما هي حجة بلدان عربية لا ترتبط بحدود جغرافية مع دولة لاحتلال؟
في حقيقة الأمر يجب أن ندرك حدود التضامن من خلال غياب كينونة عربية تضع العروبة (القومية) في جوهر مكونات تشكلات الذات السياسية (الدولة) العربية من الناحية الإبستمولوجية والجيوسياسية، فقد بات منذ زمن لكل دولة عربية جوهرها المحلي القُطري (الوطني) الخاص، وقد دخلت الدول العربية من خلال نزعة سياسية براغماتية طوعا أو كرها في مسار نظام دولي عدمي.
ففهم ماهية العدمية المهيمنة عالميا والالتفات إلى وجود روابط وصلات عميقة تقوم على قواسم مشتركة بين الإمبريالية والاستعمارية والاستبدادية من حيث الفلسفة وليس الجيوسياسة فحسب؛ هو ما يفسر حدود التضامن العربي والذي هو في مرتبة من التضامن أدنى درجة من موقف دول الجنوب العالمي، فلم تهدد الدول العربية المستعمرة الإسرائيلية بفرض عقوبات دبلوماسية أو اقتصادية، ولم تمارس أي ضغوطات حقيقية على راعية المستعمرة الصهيونية، الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي قامت دول من أمريكا اللاتينية مثل البرازيل وبوليفيا وتشيلي وكولومبيا باستدعاء سفرائها، أو قطعت أو خفضت العلاقات الدبلوماسية مع الدولة الصهيونية، بينما لا يتجاوز التضامن العربي حد التضامن الإنساني. فالاتفاقيات الموقعة بين الدول العربية والمستعمرة الصهيونية هي اتفاقات سلام مقابل سلام بين ذوات سياسية قومية مستقلة، ولا صلة لهذه الاتفاقيات بالمسألة الفلسطينية، فمن خلال عملية تحويلية طويلة لم تعد فلسطين مسألة عربية قومية تستند إلى هوية وتاريخ ودين وتراث مشترك، وغدت مسألة إنسانية، وفي أفضل أحوالها قضية عدالة سياسية تتطلب إنهاء الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطنيّ الفلسطيني.
سوء فهم حدود التضامن العربي ينطوي على اختلال بنيوي في التفسير، وينم عن جهل بطبيعة تشكل هذه الدول والتحولات العميقة التي طرأت على بنيتها وتكوينها وأهدافها وعملية إعادة تعريفها لنفسها، فقد انتهت الدول العربية عبر مسار تاريخي طويل تجسد بوضوح بعد الانقلاب على انتفاضات الشعوب العربية التي جاءت بالإسلاميين إلى الحكم؛ إلى استعادة الخطاب القومي الليبرالي
إن سوء فهم حدود التضامن العربي ينطوي على اختلال بنيوي في التفسير، وينم عن جهل بطبيعة تشكل هذه الدول والتحولات العميقة التي طرأت على بنيتها وتكوينها وأهدافها وعملية إعادة تعريفها لنفسها، فقد انتهت الدول العربية عبر مسار تاريخي طويل تجسد بوضوح بعد الانقلاب على انتفاضات الشعوب العربية التي جاءت بالإسلاميين إلى الحكم؛ إلى استعادة الخطاب القومي الليبرالي، وباتت مهمتها الحفاظ على الدولة الوطنية التي باتت من المنظور العلماني القومي الليبرالي تتعرض للتهديد وخطر الزوال من قوى الإسلام السياسي، وبهذا اكتمل إيمان الدولة العربية بنهاية التاريخ وحتمية سيادة الدولة القومية العلمانية وفلسفتها الليبرالية وتطبيقاتها الديمقراطية الانتخابية الشكلانية.
ففي الخطاب الليبرالي المهيمن بالقوة تعدّ الإسلامية محاولة لتحويل الإسلام إلى أيديولوجية سياسية، تتفرع عن أيديولوجيات للدين، وأنها تفتقر إلى العقلانية وتتعارض مع الليبرالية السياسية، وبهذا فإن خطاب "الإسلام السياسي" يجد صعوبة في إضفاء الشرعية على نفسه داخل الدولة القومية العلمانية. ففي سياق إعادة اكتشاف الذات القومية بعد الانتفاضات العربية باتت الإسلامية خطرا إرهابويا يهدد وجود الدولة الوطنية، وهو تصور مشترك بين الإمبريالية والصهيونية والاستبدادية، فالحكومات الغربية والإسرائيلية والعربية تستخدم خطابا معاديا للإسلام السياسي لتبرير قمعها للهوية الإسلامية.
فعندما يبدأ المسلمون في التعبير عن أنفسهم سياسيا، تلجأ الحكومات إلى تحويل مواطنيها إلى إشكاليات في محاولة لاحتوائهم داخل الدولة القومية، فالمشاريع السياسية للدولة العربية الحديثة لم تكف عن عزل المسلمين واحتوائهم داخل الدولة القومية. والصراع اليوم هو حول موقع الإسلام من القومية، وهي مسألة تهدد شرعية الأنظمة الاستبدادية، فحكومات ما بعد الانتفاضات الشعبية تسعى إلى حسم الصراع من خلال خلق مشاريع قومية جديدة تُعيد إنتاج المسلمين على شاكلة القومية. والسؤال المحير لهذه البلدان: ما هو دور وموقع الإسلام السياسي في بناء الدول؟ وما هي إمكانات احتوائه وترويضه؟ وهل يمكن استئصاله واجتثاثه (التدجين أم المحو)؟
إن حدود التضامن العربي محدد بالإقرار بما هو أبعد من نهاية التاريخ، فبعد عام ونصف على حرب إبادة غزة وارتقاء وإصابة نحو 200 ألف فلسطيني، تقوم الدول العربية بتكثيف جهودها في قمع كافة أشكال التضامن التي لا تتوافق مع تصوراتها القومية، حيث تسود رؤية عدمية تتجاوز مقولة نهاية التاريخ التي بشرت بانتصار نظام دولي قائم على الديمقراطيات الليبرالية واقتصادات السوق، فالنظام العالمي تحول إلى عالم "زومبي"، وحالة الزومبي تقوم على كائن مطابق جسديا للإنسان العادي ولكنه لا يمتلك تجربة واعية. وبحسب إيمانويل تود فإن الغرب دخل حقبة عالم الزومبي، ومن أهم مؤشراته أن الدين يصل بداية الألفية الثالثة إلى حالة الصفر الذي فهمه بـثلاثة مؤشرات. ففي حالة الزومبي، لم يعد الناس يذهبون إلى القدّاس ولكنهم يعمّدون أطفالهم، واختفاء المعمودية يعني الوصول إلى المرحلة صفر، وفي مرحلة الزومبي، نقوم بدفن الموتى ونطيع رفض الكنيسة لحرق الجثث، أما اليوم فقد انتشر حرق الجثث، فتم الوصول إلى المرحلة صفر.
وحالة الزومبي في عالم العرب لها نظائر لها في فهم الدين في درجة الصفر، ويذهب سلمان سيد إلى أننا دخلنا أفق العدمية التكنوقراطية، وهي مرحلة تؤدي إلى نظام عالمي زومبي. فالنظام العالمي الذي تهيمن عليه العدمية التكنوقراطية يحثنا باستمرار على التفكير على نطاق ضيق والقيام بأقل قدر ممكن من العمل، لأنه لا يمكن القيام بأي شيء أفضل لأن كل شيء سيظل على حاله إلى الأبد. فعندما انتهى التاريخ، بدأ الحاضر الدائم: لم يعد هناك ماضٍ ليرشدنا ولا مستقبل يمنحنا الأمل في غد أفضل.
تشير حدود التضامن العربي مع غزة إلى مسار تشكل كينونة الدولة العربية، والدخول في حد العدمية والانفصال عن المطالبات الشعبية، فلم تجد أي دولة عربية مطبّعة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي أي مبرر لقطع علاقاتها مع إسرائيل أو مجرد التهديد بقطعه، ناهيك عن إرسال قوات عسكرية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، كما فعل أسلاف قادة الأنظمة العربية في عام 1948، ففي ذلك الوقت كانت الصلات بين الدولة والمجتمع لا تزال مشدودة إلى تصورات مشتركة حول الهوية والتاريخ والثقافة والدين، لكن حرب الإبادة على غزة كشفت عن تحول كبير بانفصال الأنظمة العربية الاستبدادية عن تطلعات وطموحات شعوبها، وأكدت على فقدان الأنظمة العربية للشرعية الشعبية، وأن وجودها ومصالحها لا تتحقق بالتصالح مع تاريخ وهوية المنطقة، وإنما بمزيد من الاستبداد والقهر والتخلي عن أي طموح ديني أو قومي وترسيخ النزعة القطرية والهوية الوطنية الضيقة.
شكلت الانتفاضات العربية سوقا رائجة للتوظيف السياسي للدين الذي ترضى عنه العلمانية القومية الليبرالية، حيث صدرت فتاوى القتل بصورة مريعة، وتكاثرت الفتاوى التي تُشيد بقتل المتظاهرين، وتُجيز الاعتقالات الجماعية والتعذيب والسجن غير المشروع. وفي حقيقة الأمر هذا هو الإسلام السياسي، فجميع المؤسسات الدينية الخاضعة لسيطرة الدولة أو التابعة لها هي مؤسسات سياسية
لم تعد الأنظمة الاستبدادية العربية تنظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم شعبا شقيقا يعاني من ظلم عميق ويتشارك معه التاريخ والهوية والمصير، وبات يُنظر إلى القضية الفلسطينية كعائق يحول دون تحقيق مصالحهم، وأصبح ينظر إلى الشعب الفلسطيني باعتباره مشكلة عفا عليها الزمن تزعزع الاستقرار الإقليمي وتعيق الرخاء الاقتصادي. وقد ظهرت هذه الأفكار السياسية الداروينية عند الطغاة العرب بصورة مروعة عقب الانقلاب على انتفاضات الربيع العربي، حيث ظهرت تصورات جديدة حول مهددات استقرار الأنظمة العربية في ظل الهيمنة الأمريكية تقتصر على الإسلام السياسي، حيث اختفت النظرة إلى الكيان الإسرائيلي كعدو مهدد للاستقرار وبات الكيان الاستعماري بمنزلة الصديق، لكن تحول نظرة الأنظمة العربية إلى المستعمرة الاستيطانية اليهودية جاء بعد سلسلة من التحولات ترتبط بعلاقة الاستبدادية العربية بالإمبريالية الأمريكية، حيث أصبحت الصهيونية الإسرائيلية صلة الوصل بين الأنظمة الاستبدادية والإمبريالية الأمريكية.
عقب عمليات تحويلية طويلة دخلت الدولة العربية في سياق التصورات القومية الليبرالية، والاشمئزاز من مجرد فكرة وجود نسخة سياسية من الإسلام، بحيث أصبح الإسلام بمثابة "دال فارغ" يمكن ملؤه من خلال الهيمنة، حيث يُستغل الإسلام باستمرار في الشرق والغرب لضمان متطلبات الدولة القومية. فالإسلام، في نظر الدولة الليبرالية، يُفهم صراحة على أنه غير سياسي، وبهذا اخترع المصطلح القدحي الذي يشير إلى كل ما هو سوء، "الإسلام السياسي" أو "الإسلاموية".
ففي الدول القومية الحديثة وفق المفاهيم العلمانية الحديثة للدين، يصبح الدين "الصحيح" منفصلا عن السياسة، وفي عالم الدول ما بعد الاستعمار، تستخدم الأنظمة القومية الجماعات الدينية لتعزيز المكانة السياسية، وتتحول المؤسسات الدينية الرسمية إلى شكيمة للدولة الوطنية لإسباغ الشرعية وإصدار فتاوى فردية، ويتحول الإسلام السياسي إلى كيان مواز يحرّض على الوحدة الوطنية ويقوض أسس القومية الليبرالية، بينما تقدس الفتاوى الدينية طاعة ولي الأمر وقتل مثيري الفتن.
وقد شكلت الانتفاضات العربية سوقا رائجة للتوظيف السياسي للدين الذي ترضى عنه العلمانية القومية الليبرالية، حيث صدرت فتاوى القتل بصورة مريعة، وتكاثرت الفتاوى التي تُشيد بقتل المتظاهرين، وتُجيز الاعتقالات الجماعية والتعذيب والسجن غير المشروع. وفي حقيقة الأمر هذا هو الإسلام السياسي، فجميع المؤسسات الدينية الخاضعة لسيطرة الدولة أو التابعة لها هي مؤسسات سياسية، وقد بيّن طلال أسد الطريقة التي تُرسخ بها الدول الليبرالية العلمانية كشكل من أشكال السلطة المعيارية التي تستخدم الدين للحفاظ على النظام الليبرالي، وأن الدولة المعاصرة مستعدة للاستعانة بسلطة الأئمة كجزء من قمعها للمسلمين.
تشير حدود التضامن العربي وخذلان القضية الفلسطينية إلى مسار طويل من التخلي، يقوم على القطيعة مع الهوية التاريخية للمنطقة، وغياب الرؤية والمشروع وفقدان الذات الأخلاقية، والخضوع التام للهيمنة الأمريكية، والترتيبات الاستعمارية. فبحلول نكبة 1948، ثم هزيمة 1967 وخسارة ما تبقى من فلسطين التاريخية، في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية، عملت الولايات المتحدة الأمريكية على التخلص من النزعة العربية المناهضة للاستعمار وتثبيت وبناء إسرائيل وضمان تفوقها العسكري في المنطقة، والعمل دون كلل على عزل قضية فلسطين عن الدول العربية، من خلال دعم الأنظمة الاستبدادية، والعمل على محاربة الوعي الإسلامي المناهض للاستعمار المتمركز حول فلسطين.
فقد أصرت مذكرة بحثية لوزارة الخارجية بعد حرب 1967، على أن الفشل العربي بالتحول إلى "رجل عصري" ديمقراطي علماني متجذر في أسباب داخلية قديمة كامنة في العقلية الإسلامية، وليس أن الفشل هو نتاج أسباب جيوسياسية بتدخلات خارجية. وتوصي المذكرة بأن المطلوب في جوهره هو جعل العرب يقبلون القيم العقلانية المفترضة للغرب، والتي تتضمن دعمه لإسرائيل، وتشير المذكرة ببساطة في مضمونها إلى أنه يتعين على العرب قبول الهيمنة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، والخضوع لهندسة الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط.
إن حدود التضامن العربي مع فلسطين دخل مرحلة متقدمة عندما خرجت مصر من العالم العربي عام 1978 ووقعت معاهدة سلام مع إسرائيل، حيث تركت الفلسطينيين لمصيرهم في ظل النظام الاستعماري الإسرائيلي. وتختصر اتفاقية "كامب ديفيد" صورة الشرق الأوسط الجديد بتسليم النظام الرسمي المصري للهيمنة الأمريكية والخضوع لنظام سياسي إقليمي يتمحور حول إسرائيل، حيث قامت إسرائيل بغزو لبنان عام 1982، وهو الاجتياح الذي كشف حالة التخلي والاستسلام والإذعان العربي للهيمنة الأمريكية على المنطقة، فرغم أن إسرائيل قتلت أكثر من 20 ألف مدني لبناني وفلسطيني آنذاك، فإن الأنظمة العربية في ظل الهيمنة الأمريكية لم تحرك ساكنا. وجاء غزو العراق للكويت في العام 1990 والذي تزامن مع سقوط الاتحاد السوفييتي وتفكك المنظومة الاشتراكية ليؤذن بتفكك ما تبقى من شعارات شكلية حول الوحدة العربية.
لعل أكبر كارثة حلت بالشعب الفلسطيني، وأزاحت عن كاهل العالم العربي عبء وكلفة التضامن مع فلسطين، هي فاجعة "أوسلو"، فبعد أن تفردت الولايات المتحدة بالهيمنة الأحادية القطبية مع نهاية الحرب الباردة، بدأت العمل بجهد أكبر لتصفية القضية الفلسطينية من خلال ما سمي "عملية السلام"، وخرافة ما أطلق عليه "الأرض مقابلَ السّلام"، حيث استسلمت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في المنفى عام 1993. فما سعت إليه عمليّة أوسلو كان قلبَ هدفِ السياسة الفلسطينيّة ذاتها، من هدف الاستقلال الوطنيّ عن الاستعمار والاحتلال الإسرائيليّ إلى هدفٍ يصبح الفلسطينيّون بموجبه عالة في بقائهم السياسيّ والوطنيّ على إسرائيل وراعيها الأمريكيّ، وذلك لفائدة سلام محتلّيهم وأمنهم، وبهذا أصبحت السلطة الفلسطينية الجديدة التي أنشأتها اتفاقيات أوسلو وكيلة للاحتلال وأداة مساعدة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، حيث أغرقت إسرائيل الضفة الغربية بالمستوطنات وبنحو 800 ألف مستوطن، وطبق نظام الفصل العنصري، واقتصرت مهمة العالم العربي الرسمي على المناشدات بتطبيق القانون الدولي،
"اتفاقيات إبراهيم" ليست مقترحا جديدا، بل هي نسخة مُعاد صياغتها من "السلام مقابل السلام"، التي صاغها نتنياهو في الأصل خلال ولايته الأولى كرئيس للوزراء (1996-1999)، ردا على مقترحات عربية لما بعد عام 1967، والتي رُفضت، والمتعلقة بـ"الأرض مقابل السلام"، حيث اقترح نتنياهو ألا يحصل العرب والمسلمون على شيء، وأن يقبلوا بالهزيمة الساحقة
بعد عقود من الجهود الأمريكية الإسرائيلية لتهميش وتصفية القضية الفلسطينية، نجحت الجهود عقب الانقلاب على ثورات الربيع العربي 2011 مع جيل جديد من الحكام العرب، حيث بلغ الانهيار السياسي والأخلاقي للنظام العربي مداه الأقصى بالتخلي عن القضية الفلسطينية، عقب اعتراف الولايات المتحدة في عام 2017، في عهد إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، بضم إسرائيل غير القانوني للقدس، وما تلا ذلك من نقل سفارتها إلى هناك، وهو ما أسفر عن الاتفاقيات الإبراهيمية عام 2020، والتي قامت فيها المغرب والإمارات العربية المتحدة والبحرين بـ"تطبيع" علاقاتها مع إسرائيل، فـ"اتفاقيات إبراهيم" ليست مقترحا جديدا، بل هي نسخة مُعاد صياغتها من "السلام مقابل السلام"، التي صاغها نتنياهو في الأصل خلال ولايته الأولى كرئيس للوزراء (1996-1999)، ردا على مقترحات عربية لما بعد عام 1967، والتي رُفضت، والمتعلقة بـ"الأرض مقابل السلام"، حيث اقترح نتنياهو ألا يحصل العرب والمسلمون على شيء، وأن يقبلوا بالهزيمة الساحقة، وأن يتوسّلوا لمحتليهم امتياز الإذلال. والأهم من ذلك، أن ينسوا فلسطين، وأن يوافقوا، مقابل ضمان أمن أنظمتهم، على أن يصبحوا حراسا للسجون المفتوحة التي ستصبح بلدانهم.
خلاصة القول أن حدود التضامن العربي مع غزة وفلسطين محكوم بتصورات النظام العربي لكينونته وهويته ومشروعه، والذي بات ينظر إلى أن مهددات وجودة كامنة في الإسلاميين الذين يطلق عليهم وصف "الإسلاموية"، وهي تسمية قدحية تشير إلى التطرف والإرهاب. وعلى مدى عقود وبواتر وطرائق مختلفة، دخلت الأنظمة العربية في صراع مع الإسلاميين، وهو ما يشير إلى الأسس البنيوية للدولة العربية، ففي سياق نظام عالمي عدمي دخل فيه العالم العربي منذ زمن، فإنه من العبث التفكير بتحويل ما هو مستحيل إلى ممكن. فالقول إن بإمكان دول عربية ترتبط بعلاقات سلام مع إسرائيل أن توقف حمّام الدم وحرب الإبادة في غزة ببساطة بمجرد التلويح بوقف معاهدات السلام؛ ينطوي على تناقض منطقي، وهو تصور خاطئ يستند إلى افتراض وجود كينونة متخيلة للدول العربية لا وجود لها في الوقع المشخص، ويتجاهل وجود روابط وصلات عميقة تقوم على قواسم مشتركة بين الإمبريالية والاستعمارية والاستبدادية من حيث الفلسفة وليس الجيوسياسة فحسب.
فحدود التضامن العربي يمكن فهمه من خلال الموقف من "الإسلام السياسي"، فلا تخفي هذه الأنظمة رغبتها المشتركة بالقضاء على حركة "حماس". ولا يتجاوز التضامن العربي حد التضامن الإنساني، فالاتفاقيات الموقعة بين الدول العربية والمستعمرة الصهيونية هي اتفاقات سلام مقابل سلام بين دول وطنية أولوياتها محلية قُطرية، ولا صلة لهذه الاتفاقيات بالمسألة الفلسطينية، فمن خلال عملية تاريخية تحويلية، لم تعد فلسطين مسألة إسلامية أو عروبية، فقد انتهت الدول العربية عبر مسار تاريخي طويل إلى نتيجة تجسدت بوضوح بعد الانقلاب على انتفاضات الشعوب العربية التي جاءت بالإسلاميين إلى الحكم؛ إلى ضرورة استعادة الخطاب العلماني القومي الليبرالي، وباتت مهمة الدولة الوطنية الحفاظ على كينونتها المتخيلة التي باتت مهددات وجودها تعرف بمواجهة خطر قوى "الإسلام السياسي".
x.com/hasanabuhanya