قيمة سوقية تجاوزت 2 تريليون دولار.. ما قصة صعود شركة إنفيديا؟
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
توجد 3 شركات فقط في العالم، حتى هذه اللحظة، تتجاوز قيمتها السوقية 2 تريليون دولار: آبل، ومايكروسوفت، وبداية من هذا العام، شركة إنفيديا. من المفهوم بالطبع أن هذا الاسم ربما لا يبدو مألوفًا بالنسبة لك، فالشركة لا تصنّع منتجا براقا يظل ملتصقا بيدك طوال اليوم، وكل يوم، مثلما تقدمه شركة آبل أو مايكروسوفت مثلًا.
بل ما تصممه إنفيديا هو شرائح معالجة تختبئ في أعماق الأجزاء الداخلية المعقدة لجهاز الحاسوب الذي تستخدمه، والمفاجأة أن هذا المنتج تحديدا، الذي لا نراه يوميا أمامنا، كان السبب في صعودها الصاروخي لتصبح ثالث أعلى شركة من حيث القيمة السوقية في العالم وفي زمن قصير للغاية.
بالعودة قليلا بعجلة الزمن إلى أكتوبر/تشرين الأول 2022، وصلت قيمة إنفيديا السوقية حينها إلى 300 مليار دولار، ثم بنهاية العام نفسه كانت قد وصلت إلى 364 مليار دولار. خلال هذا العام، وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت "أوبن إيه آي" إطلاق روبوت المحادثة الجديد "شات جي بي تي"، لتبدأ معه رحلة إنفيديا في الصعود الصاروخي لقيمتها السوقية حتى وصلت اليوم إلى 2.17 تريليون دولار. لكن قد يتبادر إلى ذهنك سؤالا مهما، ألا وهو ما العلاقة بين إطلاق روبوت "شات جي بي تي" وصعود إنفيديا الصاروخي؟
الإجابة البسيطة هي أن إنفيديا ربما كانت أكبر المستفيدين من ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي الحالية، لكن قبل أن نعرف التفاصيل، علينا أن نحكي القصة منذ بدايتها.
بداية القصة!سنعود بعجلة الزمن إلى فترة أبعد قليلا هذه المرة، تحديدا إلى عام 1993، وفي مطعم "دينيس" (Denny’s) في مدينة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا، حيث التقى المهندس جنسن هونغ صديقيه كريس مالاتشوسكي وكيرتس برييم، ليناقشوا معا رؤيتهم لمستقبل وحدات معالجة الرسوميات، واستخداماتها التي قد تتجاوز مجال الألعاب ورسوم الغرافيك، لأنهم رأوا إمكانية استخدامها في عمليات الحوسبة التي تحتاج إلى أداء قوي، بجانب الأبحاث العلمية التي تحتاج إلى محاكاة وعمليات حسابية معقدة، وغيرها من المهام التي تتطلب قدرات معالَجة قوية.
كانت صناعة ألعاب الفيديو صناعة واعدة حينها، ولاحت فرص ذهبية لدخول هذا المجال والتفوق فيه، عبر تطوير ما نعرفه بوحدات معالجة الرسوميات، أو كروت الشاشة، وهي شرائح معالجة توفر عرض صور ثلاثية الأبعاد مبهرة على شاشة الحاسوب.
كلما كانت تلك البطاقات الرسومية أقوى، زادت سرعة عرض المؤثرات المرئية بجودة عالية، وهو عنصر ضروري لأغراض مثل تشغيل الألعاب وتحرير مقاطع الفيديو. وهذا هو المنتج الأساسي الذي تصنّعه شركة إنفيديا وتتفوق فيه منذ إطلاقها في عام 1993.
وعلى مدار العقدين الماضيين، نجحت كروت الشاشة التي قدمتها إنفيديا في تطوير صناعة ألعاب الفيديو، عبر تقديم قوة معالجة هائلة للرسوميات داخل اللعبة.
وبعد أن أثبتت الشركة نجاحها وجدارتها في قيادة معالجة الرسوميات في مجال الألعاب، بدأت في البحث عن إمكانية تطوير مجال معالجة الرسوميات وتوجيهه نحو استخدامات أكثر كما رأى مؤسسوها منذ لقائهم في ذلك المطعم.
ننطلق بعجلة الزمن إلى الأمام، تحديدا إلى عام 2020 مع تفشي وباء فيروس كورونا، وانعزال معظم البشر داخل منازلهم، وبحثهم عن وسيلة للتسلية وتقضية كل هذا الوقت.
هنا كانت ألعاب الفيديو هي الوسيلة الأفضل والأكثر إمتاعًا. تنوعت استخدامات كروت الشاشة، وزاد عليها الطلب جدا بفضل هذا الانعزال والتوجه نحو استهلاك كميات هائلة من الألعاب حينها.
وفي الفترة الزمنية نفسها، ارتفعت أسعار العملات المشفرة لتصل إلى أرقام قياسية، مدفوعة بارتفاع الطلب وخاصة على عملة بيتكوين التي تقود هذا السوق دائما، ومعها ارتفع الطلب على كروت الشاشة التي تصدرها إنفيديا، لأن من ضمن استخداماتها تسهيل عملية تعدين تلك العملات المشفرة.
هذا الطلب دفع قيمة الشركة السوقية نحو أعلى رقم قياسي في تاريخها حتى ذلك الوقت متجاوزة 820 مليار دولار بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
لكن، مع تحول الأحداث، ورجوع الحياة إلى مجاريها، ومع انهيار أسعار العملات المشفرة، والأزمات الاقتصادية المتتالية، وانهيار أسهم شركات التقنية خلال عام 2022، بدأت أسهم إنفيديا في الانهيار أيضا، حتى فقدت أكثر من نصف قيمتها ووصلت إلى أقل من 300 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2022 كما ذكرنا، لكن بنهاية الشهر التالي، حدث أمر مفاجئ غيّر السوق بأكمله!
الأمر المفاجئ هو إطلاق شركة "أوبن إيه آي" لنسخة تجريبية أولى لروبوت المحادثة الجديد "شات جي بي تي"، وهو الروبوت الشهير الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومنذ تلك اللحظة انطلقت معركة شرسة في هذا المجال بين كبرى شركات التقنية، ومعه انطلقت رحلة صعود إنفيديا التاريخية حتى هذه اللحظة.
النماذج اللغوية الكبيرة مثل نموذج "جي بي تي-4" هي النماذج التي تقود روبوت المحادثة الذي تستخدمه وتراه وتعرفه باسم "شات جي بي تي".
تلك النماذج اللغوية الكبيرة تحتاج إلى خدمات سحابية قوية، التي تعتمد بدورها على أجهزة حاسوب عملاقة، لكي تتدرب على كميات هائلة من البيانات، وتلك الأجهزة العملاقة توجد داخل مراكز بيانات تابعة لشركات التقنية. تعد وحدات معالجة الرسوميات التي تقدمها شركة إنفيديا هي الحل الأمثل لتسريع كل العمليات الحسابية المعقدة التي تحدث داخل الأجهزة العملاقة الموجودة في مراكز البيانات.
أدرك مطورو نماذج الذكاء الاصطناعي سريعا أن معالجات إنفيديا الرسومية كانت مفيدة وقوية جدا في إجراء العمليات المعقدة التي تدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة. ما يميز تلك المعالجات، مقارنة بوحدات المعالجة المركزية، أنها تتفوق في إجراء كثير من العمليات الحسابية في الوقت نفسه.
وهو الاكتشاف نفسه الذي توصل إليه مُعدِّنو العملات المشفرة، مثل البيتكوين والإيثريوم، إذ أثبتت وحدات معالجة الرسوميات قوتها وكفاءتها في تسريع عملية التعدين، وهي عملية تحتاج إلى حسابات معقدة للغاية للوصول إلى تلك العملات المشفرة.
مثلا، تطور شركة "أوبن إيه آي" نماذجها اللغوية بالاعتماد على خدمات مايكروسوفت السحابية، لهذا فإن مايكروسوفت ستحتاج إلى معالجات إنفيديا بكميات كبيرة، تصل إلى آلاف الوحدات، لتُوفِّر قوة المعالجة الهائلة، سواء كانت لـ"أوبن إيه آي" أو لأي شركة أخرى ترغب في تطوير نماذجها الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
مع الصراع القائم الآن بين الشركات العملاقة، أمثال مايكروسوفت وغوغل، في سباق الذكاء الاصطناعي، فإن المستفيد الأكبر هو شركة إنفيديا نفسها، حتى إن جنسن هونغ، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، وصف هذه المرحلة الحالية، مايو/أيار العام الماضي، بأنها "لحظة الآيفون" بالنسبة إلى مجال الحوسبة، مشبها نمو المجال بالنمو الهائل للهواتف الذكية بعدما أطلقت شركة آبل أول هاتف آيفون عام 2007.
بالطبع أدى ارتفاع الطلب الهائل على وحدات المعالجة الرسومية إلى ارتفاع أسهم إنفيديا خلال الفترة الماضية، مما جعلها ثالث أعلى شركة من حيث القيمة السوقية حتى هذه اللحظة.
ويبدو أن الشركة لم تبلغ ذروة نجاحها بعد، إذ يرى المحللون أن ثورة الذكاء الاصطناعي تحمل وعدا أكبر وأكثر استدامة لمستقبل شركة إنفيديا مقارنة بالعملات المشفرة أو الألعاب، كما لا يوجد أمامها أي منافس حقيقي حاليا يمكنه تقديم نفس ما تقدمه لتلبية متطلبات المعالجة المعقدة لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
كل أحداث تلك القصة كانت تدور في الخلفية، وربما لا نعرف أنها تحدث من الأساس، لكن ما أثار الضجة حول إنفيديا مؤخرا، ودورها في مجال الذكاء الاصطناعي، هو حدث إطلاق روبوت المحادثة "شات جي بي تي"، لينتبه العالم بأكمله فجأة ويدرك أن إنفيديا في قلب هذه العملية المعقدة، ويرى أهمية تلك الشركة العملاقة على حقيقتها، أو على الأقل هذا ما رآه المستثمرون وتفاعلوا معه، لتصل تلك الشركة إلى هذا النجاح المبهر في فترة زمنية قصيرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الذکاء الاصطناعی العملات المشفرة روبوت المحادثة شرکة إنفیدیا شات جی بی تی ملیار دولار أوبن إیه آی إنفیدیا فی تحتاج إلى
إقرأ أيضاً:
أبل تدرس الاستحواذ على Perplexity AI لتعويض تأخرها في سباق الذكاء الاصطناعي
أفادت تقارير جديدة بأن شركة أبل تدرس الاستحواذ على شركة Perplexity AI الناشئة، في خطوة تهدف إلى تعويض تأخرها في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي أصبحت فيه المنافسة شرسة مع شركات مثل جوجل وسامسونج.
ذطرت مصادر مطلعة أن المحادثات داخل أبل تناولت خيارين: الاستحواذ الكامل على الشركة أو إقامة شراكة استراتيجية معها.
Perplexity AI لم تكن على علم بخطط أبلالغريب أن Perplexity AI نفسها لم تكن على علم بأي نوايا للاستحواذ من طرف أبل، لكن مسؤوليها لم يعربوا عن اندهاشهم من الخبر، نظرًا للمكانة التي باتت تتمتع بها الشركة الناشئة في سوق الذكاء الاصطناعي.
وتُعد Perplexity AI من أبرز الشركات التي تقدم حلولًا ذكية في البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وقدرتها على تقديم نموذج قوي ومبتكر يجعلها خيارًا مغريًا لأبل.
رغم جدية المحادثات، فإن إتمام صفقة الاستحواذ على Perplexity AI مرتبط بعقد أبل الحالي مع جوجل، والذي بموجبه تدفع جوجل حوالي 20 مليار دولار سنويًا لتبقى محرك البحث الافتراضي على متصفح سفاري.
يخضع هذا العقد حاليًا لتحقيقات في قضية احتكار قد تؤدي إلى إلغائه.
في حال فسخ الاتفاق، ستفقد جوجل موطئ قدم مهم على أجهزة أبل، مما يفتح الباب أمام Perplexity AI لتكون البديل المحتمل، عبر محرك بحث مدعوم بالذكاء الاصطناعي يُدمج مباشرة في متصفح سفاري. ولا عجب أن سهم جوجل شهد انخفاضًا بمجرد تسريب هذه الأنباء عن خطط أبل.
فرصة ذهبية لتعزيز قدرات أبل في الذكاء الاصطناعيتشير التحليلات إلى أن استحواذ أبل على Perplexity AI سيمثل دفعة قوية لجهودها المتعثرة في الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن المزايا التي أعلنت عنها في مؤتمر المطورين WWDC 2024 مثل "Apple Intelligence" لا تزال غير مكتملة. والمساعد الرقمي Siri، الذي يُفترض أن يتحول إلى مساعد ذكي بالذكاء الاصطناعي، لم يظهر بالقدرات الموعودة حتى الآن.
من خلال الاستفادة من الخبرات التقنية والعقول وراء Perplexity AI، ستتمكن أبل من تسريع وتيرة تطوير تقنياتها وعدم ترك المجال مفتوحًا أمام منافسيها.
خسارة أبل في سباق الذكاء الاصطناعي تعزز مكانة المنافسينتأخر أبل في الذكاء الاصطناعي منح منافسيها فرصة ثمينة. فالمستخدمون الذين يهتمون بالميزات الذكية يفضلون الآن أجهزة مثل Galaxy S25 من سامسونج أو Pixel 9 من جوجل على حساب iPhone 16.
وهذا ما دفع أبل مؤخرًا إلى التفاوض مع جوجل لتوفير نموذج Gemini الخاص بها على أجهزة الآيفون، وهو تحوّل استراتيجي غير مسبوق.
لكن استحواذ أبل على Perplexity AI قد يقلب الطاولة مجددًا. فذلك سيسمح لها بإحياء مشاريع مثل مركز التحكم الذكي المنزلي أو نظارات الواقع المعزز الذكية التي طال انتظارها.
ورغم أن الصفقة ستكون مكلفة، إلا أنها تمثل استثمارًا طويل الأمد قد يعيد لأبل تفوقها في السوق التكنولوجي العالمي.