تأكيد دور الهوية الثقافية في رسم ملامح الفن التشكيلي وفق مفاهيم مبتكرة
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
مسقط- العُمانية
الراصد لواقع الهوية الثقافية في الفن التشكيلي في أي مجتمع من المجتمعات، سيجده ذا أثر في الفن الحديث، فهو يتوافق مع مجموعة من المفاهيم المعاصرة بما فيها الانتماء والمواطنة، والثقافة بصفتها محركًا رئيسًا للعديد من المفاهيم في المجتمع الواحد، فإنها تشكل أداة لترسيخ مفاهيم الهوية، خاصة فيما يتعلق بالتوجهات الفكرية والثقافية والفنية.
وفي هذا السياق تتحدث مجموعة من المختصين في شأن الفن التشكيلي في سلطنة عُمان عن جملة من المحاور، بما فيها ملامح واقع الهوية الثقافية في الفن التشكيلي وما يعزز حضورها من خلال الممكنات الفنية، والعلاقة بين الفنان التشكيلي في سلطنة عُمان وتفاصيل مجتمعه وثقافة أرضه، وأبرز ملامح تلك العلاقة وما وصلت إليه اليوم، ونقل تلك الهوية إلى الأجيال الجديدة بالمفاهيم المبتكرة التي تعين الفنان دائما على إيصال فكرته وإيصال صوته الفني.
ويقول أ. د. محمد بن حمود العامري أستاذ الفن والتربية بجامعة السُّلطان قابوس، إن الهوية الثقافية تشكل أهمية كبرى في النسيج العُماني الذي عُرف بملامحه وخصائصه التي تميزه عن غيره من المجتمعات رغم تشابه المشهد الثقافي والاجتماعي في دول مجلس التعاون؛ غير أنها لها حضور في شتى مناحي الحياة. وتجسدت الهوية الثقافية العمانية البصرية في قطاع الفنون بتنوعاته، فمنذ اليوم الأولى للنهضة العمانية كانت الهوية حاضرة في أعمال الفن التشكيلي وبأشكال وهيئات مختلفة سواء أكانت تلك الملامح مباشرة بالنسبة للمتلقي أو على هيئة استعارات فنية رمزية أو على هيئة تقليدية أو في شكل حديث ومعاصر؛ فالمتتبع للحراك التشكيلي يجد الهوية في البداية قد تمثلت في التعبير البصري المباشر من حيث وجود القلاع والحصون ومفردات التراث مثل الخنجر والحلي والفضيات والرموز الأخرى غير المادية مثل الشعر والأمثال والحكايات الشعبية التي تجسدت في أعمال الفنانين التشكيليين؛ غير أن جماليات وروعة التعبير حفظت الكثير من تلك الهوية الواضحة الملامح وجعلتها خالدة في صور بصرية تشهد على قوة الهوية العُمانية وعمقها التاريخيّ التي تضرب بجذورها في حضارات ثقافية تشهد وبقوة على أصالتها؛ تمثلت في أشكال وأساليب بصرية معاصرة حيث إن فنون ما بعد الحداثة والفنون المعاصرة كان لها حضور في فن الفيديو وفن الأداء والفن المفاهيمي وفن التجهيز في الفراغ، وهناك أمثلة ونماذج رائعة تشهد على حضور الهوية بثوب معاصر وبتقنيات فنية عالية.
ويضيف أن العلاقة بين الفنان التشكيلي العُماني وتفاصيل مجتمعه علاقة جمالية ذات تأصيل مفاهيمي يتصف بجذور الثقافة والهوية المادية وغير المادية؛ لأنها تركز على التعبير الحرّ لرموز الثقافة وتعبر عن جماليات من نوع آخر يمكننا أن نراها أو نسمعها أو يمكننا لمسها.
وتقول الفنانة التشكيلية الدكتورة حنان بنت إبراهيم الشحية إن للفنون دورًا كبيرًا في بناء الهوية الثقافية لأي مجتمع فهي وسيلة ينقل عبرها الفنان تجاربه وانتماءاته وعقائده ومكوناته الثقافية ويطرح قضايا مجتمعه، وإذا نظرنا إلى الفن التشكيلي في سلطنه عُمان بمفهومه المعاصر نجد أن ملامح الهوية الثقافية كانت حاضرة فيه منذ بدء تشكله على الرغم من أنه قد تشكل حديثا مع بدء نهضة التعليم وإدخال مادة التربية الفنية كمنهاج في المدارس بالإضافة إلى إنشاء المؤسسات التي ساعدت في تبلور الحركة التشكيلية ومكنت من إبراز الفنانين العُمانيين وصقل مواهبهم، فعلى الرغم من أن الفنانين التشكيليين العُمانيين شأنهم شأن باقي الفنانين التشكيليين عموما عرفوا الفن من خلال نماذج الفن البصري الغربي والاوروبي بالتحديد، كمدارس الفن التشكيلي الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة هيمنت على الحركة التشكيلية العالمية وفرضت هوية ثقافية غربية نوعا ما، إلّا أن الفنانين العُمانيين تمكنوا من تطوير تجاربهم الفنية وصنع نماذج فكرية مستقلة وتقديم إضافة إلى الإبداع العالمي عبر إبراز هويتهم العُمانية؛ سواء كان ذلك باستحداث أدوات وخامات وعناصر ذات مرجعية ثقافية محلية أو بالتعبير في موضوعات أعمالهم عن محتوى محلي يعكس البيئة والحياة العُمانية.
وتشير إلى أنه لا يمكن للفنان التشكيلي العُماني أن ينفصل على هويته الثقافية، فحتى إن تبع أسلوبه لمدارس فنية حداثية ومعاصرة، تظل ريشته ناقلة للجمال في محيطه وتستمر مكونات عمله في الدلالة على رموز ثقافة مجتمعه الغنية والعريقة، وهذا ما يجعله متفردا ومتميزا.
وتؤكد أن الهوية الثقافية الراسخة والمؤثرة للبلد تعزز التلاحم والتماسك بين أفراد المجتمع وتقوي روح الانتماء لديهم وتبقي الذاكرة الجماعية حية، وتنعكس إيجابيًا على سمعة البلد وصورته الدولية وهو ما يسمى بالقوة الناعمة.
وترى الدكتورة نجلاء بنت سالم السعدية أستاذ مساعد بجامعة السّلطان قابوس أن الهوية الثقافية في سلطنة عُمان تتأثر بتنوع وترابط العديد من العناصر الثقافية المتمثلة في العناصر الثقافية والتاريخية والاجتماعية، ويعد التراث العماني جزءا مهمًّا من الهوية الثقافية ويتضمن الفنون والصناعات التقليدية والأسلوب المعماري التقليدي والفنون الشعبية بمختلف أنواعها، والهوية الثقافية تعد مصدر إلهام مهم للفنانين العُمانيين تساعدهم على إثراء النسج الفكري والإبداعي في إنتاج العمل الفني وتعكس علاقة الفنان بالهوية.
وتؤكد السعدية أنه يمكن للفنانين استخدام تقنيات مبتكرة مثل الفن الرقمي، والوسائط المتعددة، والتفاعلية لإيصال رسائلهم وتعبيرهم عن الهوية الثقافية بطرق جديدة ومثيرة، علاوة على ذلك، يمكن استخدام الفن لإحياء القصص والتقاليد التراثية من خلال تطبيقها على سياقات حديثة وإضافة عناصر مبتكرة لتجديدها وجعلها أكثر قربًا وتفاعلا مع الأجيال الجديدة، ويمكن أن يكون العمل الفني وسيلة فعالة لتشجيع الحوار والتفاعل بين الأجيال المختلفة وتعزيز الفهم والاحترام المتبادل للتنوع الثقافي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الهویة الثقافیة فی الفن التشکیلی التشکیلی فی الع مانیین الع مانیة
إقرأ أيضاً:
مدبولي: إحياء تراث مصر الجديدة امتداد لرؤية الدولة في الحفاظ على هويتنا الثقافية
شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مساء اليوم، احتفالية شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير، إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للتشييد والتعمير، التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام؛ بمناسبة مرور 120 عامًا على تأسيسها على يد البارون إمبان عام 1905، تحت شعار "مصر الجديدة.. تراث خالد ومستقبل واعد"، وأقيمت الاحتفالية في قصر غرناطة التاريخي بحي مصر الجديدة، أحد أبرز أصول الشركة وأكثرها تميزًا.
وكان في استقبال رئيس مجلس الوزراء لدى وصوله، المهندس محمد شيمي، وزير قطاع الأعمال العام.
وحضر الاحتفالية، المهندس محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، والدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، والمهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، والدكتور إبراهيم صابر خليل، محافظ القاهرة، والمهندس عبد الصادق الشوربجي، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة.
كما حضر الاحتفالية أيضًا عدد من نواب البرلمان، والسفراء، وكبار المطورين العقاريين.
وقبل بدء فعاليات الحفل، قام الدكتور مصطفى مدبولي بجولة داخل القصر؛ حيث افتتح أعمال الترميم والتطوير التي تمت خلال الفترة الماضية، والتي راعت الحفاظ الكامل على الطابع المعماري والتراثي الفريد للقصر، واستمع إلى شرح تفصيليّ من المهندس أحمد الشابوري، رئيس شركة "تراثنا"، التي تعاقدت معها شركة مصر الجديدة في إدارة وتشغيل "غرناطة"، حول مراحل التطوير الخارجية والداخلية التي شهدها القصر والموقع العام، في إطار خطة تحويل القصر إلى مركز ثقافي وسياحي ومجتمعي متكامل.
وفي هذا الإطار، هنأ الدكتور مصطفى مدبولي شركة مصر الجديدة بمناسبة مرور 120 عامًا على تأسيسها، مشيرا إلى أن هذا الكيان الوطني يمثل محطة مهمة في تاريخ التنمية العمرانية في مصر، مضيفا: ما نشهده اليوم من إحياء لتراث مصر الجديدة هو امتداد طبيعي لرؤية الدولة في الحفاظ على هويتنا الثقافية والعمرانية، ودمجها مع خطط التنمية المستدامة؛ حيث إن مصر الجديدة ليست مجرد حي سكني، بل هي رمز لتخطيط حضري متقدم سابق لعصره، ونحن نعتز بجهود شركة مصر الجديدة في الحفاظ على هذا التراث، وفي الوقت ذاته المضي قدمًا نحو المستقبل برؤية تطويرية طموحة.
كما أكد الدكتور مصطفى مدبولي دعم الدولة الكامل لمبادرات إعادة توظيف الأصول التراثية وتحويلها إلى روافع اقتصادية وسياحية، منوهًا إلى أن هذا النهج يمثل أحد محاور "رؤية مصر 2030"، من خلال تعزيز الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص لخلق فرص استثمارية مستدامة.
وبدأت فعالية الحفل بعرض فيلم تسجيلي وثائقي استعرض أبرز محطات شركة مصر الجديدة على مدار 120 عامًا، وأبرز مشروعاتها وأصولها، مثل غرناطة ومدينة "نيو هليوبوليس"، بالإضافة إلى الإعلان عن الهوية المؤسسية الجديدة للشركة.
وخلال الاحتفالية، ألقى المهندس محمد شيمي، وزير قطاع الأعمال العام، كلمة أكد خلالها أن شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير تمثل واحدة من أعرق شركات التطوير العقاري في المنطقة، لافتا إلى أن الشركة اليوم تمثل ركيزة أساسية في استراتيجية الوزارة لتفعيل التنمية المستدامة وتعظيم العوائد من الأصول المملوكة للدولة.
وأضاف الوزير: نحن ننظر إلى هذا الكيان العريق ليس فقط باعتباره ماضيا نفخر به، بل كمنصة واعدة نحو مستقبل تنموي يعتمد على إعادة الهيكلة والإدارة الرشيدة، والشراكة الفعالة مع القطاع الخاص وفق عقود عادلة وضوابط شفافة، تضمن حقوق الدولة وتحقق عوائد حقيقية."
وخلال كلمته، أعلن وزير قطاع الأعمال العام عن افتتاح قصر غرناطة التاريخي الذي يعد أحد أبرز معالم مصر الجديدة، بعدما شهد ترميما وتطويرا شاملا؛ حيث سيتم تشغيله كمركز ثقافي وسياحي وفق أعلى المعايير بالشراكة مع شركة متخصصة في إدارة الأصول التراثية، بما يسهم في خلق متنفس حضاري يجمع بين الأبعاد المجتمعية والثقافية، ليكون نموذجًا للتكامل بين الدولة والقطاع الخاص.
كما ألقى الدكتور سامح السيد، العضو المنتدب التنفيذي لشركة مصر الجديدة، كلمة أكد خلالها أن الشركة تدخل اليوم مرحلة جديدة من التوسع والتحديث تستند إلى مبادئ الاستدامة، والشراكات الذكية، والتخطيط الحضري المتكامل، مشيرًا إلى أن الشركة تنفذ خطة تطوير ذاتي على مساحة 600 فدان تشمل: مشروعات سكنية وإدارية وتجارية في مدينة "نيو هليوبوليس" سيتم إطلاق أولى مراحلها خلال صيف 2025، لافتا أيضا إلى توقيع عدد من الاتفاقيات مع كبار المطورين العقاريين، لتسريع وتيرة التطوير العقاري في "نيو هليوبوليس" البالغ مساحتها 5400 فدان، والتي تمثل الامتداد الطبيعي لحي مصر الجديدة.
وأضاف أنه في إطار توسعات الشركة، تم وضع خطة لتطوير 766 فدانا في مدينة حدائق العاصمة، التي تمثل أحد أهم محاور التوسع العمراني شرق القاهرة، مشيرا إلى أن المشروع يهدف لإقامة مجتمع عمراني متكامل يجمع بين السكن والخدمات والمرافق العامة، وفقا لأعلى معايير الاستدامة والتخطيط الحديث.
وتوجه شكري أسمر، رئيس مجلس أمناء مؤسسة تراث مصر الجديدة، بالشكر إلى وزارة قطاع الأعمال العام والشركة على جهودها في إعادة إحياء الكنوز المعمارية، مؤكدًا ـ خلال كلمته بفعاليات الحفل ــ أن هذه المبادرات تسهم في تعزيز الهوية الثقافية لمصر الجديدة، وجعلها منطقة جذب سياحي وتراثي بامتياز.
كما أوضح أن الاحتفالية تأتي بالتزامن مع "أسبوع مصر الجديدة"، والذي يتضمن فعاليات مجتمعية وثقافية متنوعة تهدف إلى خلق رؤية مشتركة لمستقبل الحي من خلال التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والبرلمان.